هذا السؤال طرحته مع نفسي وأنا اعد كوب قهوتي المسائية بمدينة العرائش المغربية ،هذه المدينة الصغيرة والهادئة الغنية بثراتها الحضاري العريق والتي كانت دوما مستقرا وقبلة للعديد من الأدباء والكتّاب العالميين ورجال السياسة . لا شك أن الكثير من العرب يحبون تونس الخضراء ،ويكفي أنها موطن الشاعر الكبير ابو القاسم الشابي الذي أطلق صرخته في وجه الاستبداد ودوت صيحتها في كل ربوع المعمور إذ قال "اذا الشعب يوما أراد الحياة *فلابد أن يستجيب القدر *ولابد لليل أن ينجلي *ولابد للقيد أن ينكسر " وتونس منطلق الربيع العربي كما يعرف الكثير من العرب واحدى الديمقراطيات التي رغم عيوبها تبقى بالنسبة للكثير من البلدان العربية واعدة وننظر لها نحن شباب المغرب بالكثير من التفاءل والإعجاب لكونها أول دولة عربية تنجح في اجتياز مخاض ما بعد الثورات المضادة للربيع العربي في كل من مصر بعد الانقلاب الدموي والوحشي على أول رئيس منتخب وهو الدكتور محمد مرسي ودول اخرى بدعم من محور الشر العربي كما اسماها الدكتور المنصف المرزوقي في احدى مداخلاته على قناة الجزيرة القطرية وايضا بعد فشل تجربة العدالة والتنمية في ادارة البلاد بالمغرب والتي حصد فيها المغاربة كل اشكال الانهيار الاقتصادي والمعيشي . وحتى لا ابتعد كثيرا على موضوع المقال فالمنصف المرزوقي شخصية عربية اختلفنا معها أو اتفقنا شخصية فريدة من نوعها فرغم انه يساري الفكر والتوجه لكنه اقرب للإسلاميين من الإسلاميين انفسهم ،مناضل وحقوقي و انساني بطبعه لم يتأثر بموجة الأحقاد التي تنخر الإعلام العربي الذي ما انفك يشيطن خصومه ويتهمهم بشتى الاتهامات وينكل بهم .فلقد عرفناه كأول رئيس منتخب بعد سقوط بن علي اذ ولد في سنة 1945 وسلم السلطة طواعية لمنافسه في مشهد قلما يحدث في العالم العربي وهو مدافع شرس عن حقوق الانسان ويحمل شهادة الدكتوراه في الطب وله العديد من المؤلفات في الحقوق والفكر والسياسة ومن الداعين لوحدة الدول المغاربية ومؤسس المؤتمر من اجل الجمهورية منذ سنة 2011 ثم حراك تونس الإرادة ومؤسس المجلس العربي للدفاع عن الثورات والديمقراطية وشارك في اسطول الحرية الثالث قبل ان تعتقله سلطات الاحتلال الإسرائيلي واختارته مجلة التايم الأمريكية لسنة2013 بين اكثر من 100 شخصية مؤثرة في العالم بالإضافة لمجلة فورين بوليسي ضمن 100 مفكر عالمي لسنة 2012و2013 . الرجل كان ايضا معارضا شرسا لنظام بن علي القمعي اذ اعتقل سنة 1994 وافرج عنه بعد 4 اشهر من الاعتقال بسبب ضغوط دولية وصدر بحقه ايضا حكم بالسجن لعام قبل ان يغادر اراديا للمنفى بفرنسا وظل يناضل من هناك الى غاية عودته بعد اندلاع الثورة التونسية ضد بن علي سنة 2011. لن نبالغ ان قلت أن المنصف المرزوقي رجل المرحلة بامتياز ويستحق ان يكون رئيس تونس القادم فسجله نظيف من أي تبديد للمال العام كما انه اول رئيس عربي يفتح قصر قرطاج للتلاميذ بعدما سماه " بيت الشعب " كما انه تنازل عن الكثير من الهدايا المقدمة له من الدول لصالح خزينة الدولة ومحب للعلم والمعرفة والإنسانية ومؤيد لقضايا الشعوب العادلة . المنصف المرزوقي هو اقرب لنا جميعا كعرب فكرا ومنهجا ووجوده في ولابة رئاسية ثانية تستلزم منه تصفية تركة بن علي الاستبدادية واكمال تونس مسار الديمقراطية وترسيخ قيم المواطنة الحقة وبناء دولة القانون والمؤسسات ولا دولة الأشخاص والعائلات ولاشك أن ذلك ما يسعى له الشعب التونسي الشقيق ومعها جميع شعوب المنطقة العربية ،الى ذلك تبقى الكلمة الأخيرة للشعب التونسي في اختيار من من يراه صالحا لقيادة المرحلة القادمة .