مخاوف من العودة إلى الرقابة من باب الحرص على الأخلاق يبت القضاء التونسي هذا الأسبوع في شرعية المواقع الإباحية على الانترنت في قرار يتوقع أن تكون انعكاساته كبيرة على الشبكة التونسية حسب متخصصين يخشون من العودة إلى الرقابة والممارسات القديمة. وأمر القضاء مرتين في مايو وغشت الهيئة الوطنية للاتصالات التي تدير الانترنت بفرض رقابة على مواقع إباحية ردا على دعوى رفعها ثلاثة محامين اعتبروها خطيرة على الشباب و"تخالف القيم الإسلامية". وستبت محكمة النقض الأربعاء في ذلك بينما اجمع الجميع على الاعتقاد أنها ستؤكد ذلك القرار وستطلب من الهيئة الوطنية للاتصالات أن تفرض مجددا الرقابة عبر التصفية التي تركت تماما بعد سقوط الرئيس زين العابدين بن علي. وقال الرئيس المدير العام للهيئة الوطنية للاتصالات معز شكشوك بأسف انه "تراجع" لا سيما انه يجهد منذ توليه مهامه بعد الثورة في إحداث "قطيعة مع الماضي" وكسر صورة الرقيب العالقة بهيئته. وقال معز شكشوك "في عهد بن علي كانت الهيئة الوطنية للاتصالات (التي تاسست في 1996) أداة مراقبة سياسية ورقابة واليوم نحن نناضل من اجل حياد الانترنت، ونخاف أن يلبسونا المعطف القديم". ورفض مدير الوكالة التي تشغل سبعين موظفا الانتقال إلى مجال الأخلاق أو الأفكار مؤكدا أن "هذا ليس دورنا". وهو يشدد على مبررات قدمها تقنية ومدراس شركات من بينها أن استئناف تشغيل تصفية المواقع سيسيء إلى نوعية المعلومات وتدفقها بينما ارتفع المتعاملين بالانترنت بستين في المائة خلال سنة (أرقام سبتمبر 2011). من جانب أخر أكد أن الهيئة الوطنية للاتصالات "لا تملك إمكانية تنفيذ الحكم" معتبرا أنها تحتاج لما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين دينار (ما بين 5.1 ومليوني يورو) لتشغيل التجهيزات الخاصة بالتصفية. وتخلت الشركة المحدودة التي تمثل الدولة اكبر مساهم فيها، بعد الثورة عن مساعدة سنوية قيمتها مليوني دينار كانت تمنح لها لفرض الرقابة. واعتبر عالم الاجتماع المتخصص في وسائل الإعلام رياض الفرجاني أن القرار الذي سيتخذه القضاء التونسي يتجاوز كثيرا قضية المواقع الإباحية مؤكدا "أنها قضية معرفة ما إذا كان ضروريا منح الدولة سلطة الاختيار بدلا من المواطنين". وأضاف "في هذا المجال لسنا في عالم المجهول لان تونس لديها سوابق وخيمة، كانت من أكثر البلدان انتهاكا للحريات كما أنها استخدمت مخبرا للمراقبة عن الانترنت". وتحدث خصوصا عن الاتفاق الموقع في 2006 بين عملاق المعلوماتية مايكروسوفت وحكومة بن علي والذي أثار تساؤلات حتى بين الدبلوماسيين الأميركيين كما أفادت برقية كشفها موقع ويكيليكس في سبتمبر الماضي. واعتبر الفرجاني أن تقنين الانترنت يتطلب أدوات أخرى تختلف عن التصفية: برامج عقول الكترونية ومراقبة آباء وتدريب وانضباط ذاتي "لكن النقاش مطروح بشكل خاطئ، إننا في المجال الإيديولوجي والعاطفي وليس في الوقائع. إنهم يدخلون الأخلاق في كل مكان، بينما الأخلاق كعقد اجتماعي لم تثبت أبدا فعاليتها". كذلك أعربت اوليفيا غري ممثلة مراسلون بلا حدود في تونس عن "الأسف لان الحوار لم يحصل وتحريم الإباحية لعب دوره". وقد أصدرت مؤخرا بيانا حول "مخاطر العودة إلى الوراء" مع فرض التصفية على الانترنت. وقال المحامي منعم التركي احد المحامين الثلاثة الذين رفعوا دعوى ضد الهيئة الوطنية للاتصالات "من الممكن أن تنسجم الأخلاق مع القانون". وأوضح المحامي الذي رفع أيضا دعوى ضد فيلم المخرجة نادية الفاني "العلمانية إن شاء الله" أن "في فرنسا، تخضع المواقع التي تمجد هتلر للرقابة وفي تونس يجب أيضا فرض الرقابة". وأضاف أن "المواقع الإباحية ليست مقبولة والقضاء بت في المحكمة الابتدائية وفي الاستئناف وهذا ليس قرارا سياسيا أو تعسفيا".