تضمّ المدينة القديمة بالعرائش عددا من المآثر ذات الامتداد التاريخي العريق، لكنها ظلت عُرضة للإهمال والنسيان على مدى عقود من الزمن، إلى أن تداعت جدرانها وتصدّعت، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الزوال. من هذه المآثر، حصن الفتح. حصْن حصّن أمن المغرب شُيّد حصن الفتح في عهد السلطان ناصر الوطاسي، وفي عهد أحمد المنصور الذهبي عرف تغييرات بعد معركة وادي المخازن، وقد اختير موقع بنائه على الواجهة البحرية لمدينة العرائش، ليكون قلعة مُحصّنة للمدينة من الهجومات العسكرية الإيبيرية في تلك المرحلة. يوضح عبد السلام الصروخ، الشاعر والفاعل الجمعوي بمدينة العرائش، أن حصن الفتح قبل أن يتّخذ شكله الحالي، كان قلعة وطاسية في أواخر القرن الخامس عشر، وفي عهد السعديين تم توسيعه وجُعل قلعة محصّنة، وكان ذا وظيفة دفاعية. وفي القرن السابع عشر بعد احتلال إسبانيا للعرائش من 1610 إلى 1689، شهد حصن الفتح تغييرات بنيوية، وسمّاه الإسبان "سان أنطونيو"، وجعلوه منفتحا على المجال الجغرافي لمدينة العرائش، وفي القرن الثامن عشر شهد الحصن ترميمات في عهد محمد بن عبد الله، حيث أضيفت إليه تسع قباب وسمي ب"حصن القبيبات". بحسب الإفادات التي قدمها عبد السلام الصروخ، فإن الموقع الاستراتيجي لحصن الفتح، سيجعله يلعب دورا آخر؛ إذ جرى تحويله إلى مستشفى عسكري، ثم صار مستشفى مدنيا إلى غاية سنوات الستينات من القرن الماضي. لعل المتأمّل في هذه الحمولة التاريخية لحصن الفتح بمدينة العرائش سيعتقد أن هذه المعلمة التاريخية أصبحت مزارا يحجّ إليه السياح، لكنّ الواقع عكس ذلك تماما، ذلك أن تاريخه العريق لم يشفع له في نيْل ولو قسط يسير من الاهتمام، ما جعله يتحوّل إلى أطلال متداعية أشبه بمطرح للنفايات. تحفّ أكوام الأزبال حصن الفتح من كل جانب، واللافت للانتباه هو أنه يقع في موقع يجعل زوار مدينة العرائش يقفون على حجم الإهمال الذي طاله منذ عقود من الزمن، حتى تشققت جدرانه وأصبحت مهددة بالانهيار، بينما فقدت قبابه أجزاء كبيرة منها. شاهد على تاريخ المغرب "لو علم السلطان أحمد المنصور الذهبي بالوضعية التي آل إليها هذا الحصن اليوم، لندم على تشييده"، يقول ياسين العمري، إعلامي من أبناء مدينة العرائش، وهو يشير إلى ركام من النفايات عند أحد منافذ حصن الفتح المطلة على البحر. في فناء الحصن مجموعة من الكلاب يستعين بها الحارس المكلف بحراسة ما تبقى من الأطلال، وثمّة أعمدة مشيّدة بالإسمنت والحديد من طرف مستثمر إسباني كان يعتزم أن يحوّل المكان إلى مشروع سياحي، لكنّ المشروع لم يتمّ، فغادر صاحبه بعد أن شوّه وجه المَعلمة التاريخية العريقة. قرار تحويل حصن الفتح إلى مشروع سياحي اتخذ في عهد وزير الثقافة الأسبق محمد الأشعري، ضمن استراتيجية الوزارة آنذاك لاستغلال بعض المعالم الأثرية وتحويلها إلى فضاءات سياحية، "لكن المستثمر الذي فاز بالصفقة غيّر معالم الحصن باستعمال الإسمنت ولم يُكمل المشروع"، يقول الصروخ. وأضاف المتحدث أن حصن الفتح بالعرائش مصنّف في لائحة الآثار الوطنية، "لكنه يعرف إهمالا كبيرا وتهميشا، ومهدد بالزوال"، مضيفا أن هذه المعلمة التاريخية "تختزل ثلاثة قرون كاملة من الحقبة التاريخية الحرجة التي مرّ منها المغرب، ولم تُرصد لها أي ميزانية لترميمها وإعطائها وظيفة ثقافية أو سياحية أو وظيفة تعيد إليها الاعتبار". في المقابل، قال أحمد أشرقي، المدير الإقليمي لوزارة الثقافة، إن الوزارة لم تُهمل حصن الفتح، وإنها بصدد إعادة تهيئته وترميمه، بمعيّة عدد من الشركاء، منهم وزارة التجهيز، ووكالة تنمية أقاليم الشمال، وعمالة إقليمالعرائش. وأوضح أشرقي، في تصريح لهسبريس، أن ترميم حصن الفتح يندرج ضمن برنامج إعادة التهيئة الشاملة للمدينة العتيقة بالعرائش، وأن الدراسة المتعلقة بترميمه قد أنجزت، ومن المرتقب أن تنطلق أشغال الترميم في سنة 2021. وبخصوص عدم إكمال مشروع تحويل الحصن إلى فضاء سياحي من طرف المستثمر الإسباني، قال أشرقي إن المستثمر الفائز بالصفقة لم يلتزم باستعمال مواد بناء أصلية وفق ما نص عليه دفتر التحملات، ما دفع وزارة الثقافة إلى توقيف المشروع. ويأمل سكان مدينة العرائش أن يتم التعجيل بترميم حصن الفتح، "فهو في حالة احتضار"، يقول ياسين العمري، مضيفا: "هذه المعلمة التاريخية التي حافظت على هيبة المغرب مع الأسف تعيش التهميش، ونحن كساكنة المدينة نناشد وزارة الثقافة أن تبادر إلى ترميمها وإعادتها إلى وضعيتها الطبيعية".