هي العبارة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم. و هي كذلك الجملة التي تفوه بها السيد : ” جورج فلويد” ، حين كان الشرطي الأبيض: ” ديرك شوفين ” يضغط بركبته على عنقه ،و يديه في جيبه مستعرضا سطوته و وجبروته، غير عابئ باستغاثته ،حيث لحفظ أنفاسه . كان مقتل السيد : ” جورج فرويد ” بمثابة الشرارة التي أشعلت الحريق في كل الولاياتالمتحدةالأمريكية، انطلاقا من مدينة :” مينيابوليس ” التي تقع بولاية :” مينيسوتا ” إلى ولايات أخرى: ” نيويورك “، ” دالاس ” ،أتلانتا ” …الخ. و معلوم أن أمريكا كانت دائما تتباهى بكونها قلعة للديمقراطية في العالم ،و على هذا الأساس فهي دولة محصنة من كل أنواع الاضطرابات و أعمال العنف لأن شعبها ليست له دوافع تجعله يقدم على مثل هذه الأفعال، لأنه يعيش فى رخاء و ينعم بالديمقراطية . هذه المقولات سقطت و خرت سريعا أمام هذه الموجة الغير المسبوقة من الاحتجاجات الشعبية التي فجرها ذلك القتل البشع الذي قام به الشرطي الأبيض ضد مواطنه من أصل إفريقي. من جهة أخرى فهذه الأحداث كشفت حقيقة ظلت متوارية، و هي انشطار المجتمع الأمريكي إلى قسمين أو طبقتين : الأولى: تتكون من الحاكمين ( الطبقة الحاكمة ) و تملك السلطة بكل مؤسساتها و منها مؤسستي : الشرطة و العدالة ( المحاكم ) و تملك ثروات هائلة …الخ. و الثانية : تتكون من المحكومين و هم الأغلبية الشعبية و يجمع بينهم و في كل الولايات : التمييز ،ليس بسبب لون البشرة فقط و لكن بسبب العشرات من المعايير غير الديمقراطية . و بعيدا عن التحليلات السياسية ،فإن كثيرا من المراقبين يرون أن حادثة مقتل :” جورج فلويد” ليست معزولة ،و انها تؤشر على تنامي العنف و التطرف و التمييز في المجتمع الأمريكي ضد الأقلية السوداء ،و تدل كذلك على أن العنصرية لم يُقْضَ عليها في أمريكا، رغم الصورة التي يتم ترويجها على أساس أن المجتمع الأمريكي ينعم بالعدل ،المساواة و أن التمييز سار من الماضي . من جهة أخرى فإن هذه الأحداث ابانت عن ضعف كبير في إدارتها من طرف البيت الأبيض. إن تصريحات الرئيس ” ترامب ” لا تختلف في شيء عن تلك التي كانت تصدر عن بعض القادة العرب ،غداة المظاهرات و الاحتجاجات الشعبية بمناسبة ما اصطلح عليه ب” الربيع العربي ” سنة 2011. فقد أرجع انفجار الشارع الأمريكي إلى : اللصوص ،المجرمين و الدهماء، محاولا القفز عن واقع التمييز الذي تعيشه بلاده، حيث صرح في إحدى خرجاته الإعلامية :” لا يمكننا و يجب أن لا نسمح لمجموعة صغيرة من المجرمين و المخربين بتدمير مدننا.” بل إنه لجأ إلى التهديدات و ذلك بإنزال الجيوش إلى الشوارع ،كما يقوم بها كبار الحكام الطغاة و المستبدين. أجل ،لقد انطلقت هذه الاحتجاجات السلمية ،للتعبير عن إدانة المواطنين لقتل :” جورج فلويد ” بدم بارد ،و كذا لشجب التمييز الذي يمارس على الأمريكيين من أصل إفريقي ،و لكنها تحولت في بعض الأحيان إلى أعمال عنف. و قد يتساءل متسائل : لماذا تحولت هذه الاحتجاجات السلمية إلى أعمال عنف ؟ يقول الأستاذ الجامعي :” كليفورد ستوت ” ،خبير السلوك الجماعي و سبل فرض النظام العام بجامعة ” كيلي ” البريطانية : ” إن مقتل :” جورج فلويد ” و الأحداث المماثلة له ،قد تصبح نقاط انطلاق لأنها – أي الأحداث- تمثل تجربة مشتركة لأعداد كبيرة من الناس حول العلاقة بين الشرطة و مجتمع السود . إن احتمال نشوب مواجهات يزداد بشكل كبير عندما تكون هناك فروق إجتماعية بنيوية “. و تشير دراسات مختلفة إلى :” أن أعمال الشغب على محلات تتعرض للنهب مرتبطة في كثير من الأحيان بشركات كبرى ،و أن النهب يتعلق في غالب الأحوال بمشاعر انعدام المساواة المرتبطة بالعيش في الاقتصادات الرأسمالية” . من جهة أخرى فإن منظمات حقوق الإنسان العالمية ،شددت على ضرورة احترام الحق في التظاهر. و هكذا اعتبرت منظمة العفو الدولية ،أن العنصرية و هيمنة البيض بالإضافة إلى رد فعل الشرطة على الاحتجاجات تغذي أعمال العنف ،و أضافت ، إن على الرئيس الأمريكي :” ترامب ” إنهاء خطاباته و سياسته المليئة بالعنف و التمييز ، و شددت على أنه يجب على الحكومة الأمريكية و على جميع المستويات أن تضمن حق التظاهر و فقا للقانون الدولي ،داعية الشرطة إلى نزع السلاح و خوض الحوار مع المتظاهرين. أخيرا ،و في خضم هذه الأحداث و التي تجري فصولها في الولاياتالمتحدةالأمريكية ، لا بد من تسجيل نقطة ضوء مهمة ، ذلك أنه و بعد أن هدد الرئيس المتهور :” ترامب” ،بإنزال الجيوش إلى الشوارع لقمع الاحتجاجات الشعبية ،عبر وزير الدفاع :” مارك إسير ” ،عن معارضته استدعاء الجيوش لمواجهة أعمال العنف . و في نفس الآن وجه رئيس الأركان :” مارك ميلي ” رسالة إلى كبار قادة الجيش ،يذكرهم فيها بالقسم الذي يؤديه منتسبو الجيش الأمريكي ل : حماية الدستور و الذي يكفل للمواطنين حق التظاهر السلمي. فضلا عن ذلك يتخوف بعض قادة الجيش من اللجوء إلى القوة في حق المتظاهرين ،مؤكدين أن استعمال الجيش لإخماد هذه الاحتجاجات ،يمكن أن يصبح بداية النهاية للديمقراطية الأمريكية بأسرها. هذه هي الأحوال باختصار في قلعة الحرية و الديمقراطية في العالم : ” أمريكا ” التي أبادت شعوبا و قوميات كثيرة في أرجاء المعمور باسم حقوق الإنسان. و بعد، لازالت صورة :” جورج فلويد ” و هو مقيد اليدين و الشرطي يضغط بركبته على عنقه راسخة في الأذهان ،كما أن صوته : ” لا أملك أن أتنفس ” يتردد صداه في كل ركن من هذا الكون ،و يذكر بالوجه البشع و المقيت للولايات المتحدةالأمريكية.