قبل انتخابات أمريكا، كان منا من أبدى تخوفه على هذه الأمة من خطابات ترامب المعادية للإسلام، قال البعض: نتمنى أن تكون كلينتون سيدة أمريكا، يعني سيدة العالم، والآخرون قالوا غير ذلك بصوت خافت، فالهدف واحد والدوافع مختلفة، الذي أثار انتباهي، ليس العامية من الناس؛ بل بعض الشخصيات العربية التي لم تخف يوما من اضطهاد الأمة، بل أسهمت نفسها بشكل من الأشكال في الاستبداد الذي تتخبط فيه منذ قرون، فلا عيب أن يقول الإنسان الجاهل والأمي من الشعوب المضطهدة ذلك، لكن حينما يصير هذا من هموم الساسة والعلماء وغيرهم ممن يعرفون الحقيقة، وممن عقدت عليهم الطوائف المستضعفة آمالهم لتحقيق لقمة عيش كريمة، فإنه من المنطق أن ننتظر العجب العجاب. الحق أنني لم أكن مبال بما يحدث في أمريكا رغم كل هذا الهراء الذي يسوقونه في أوساط شعوبنا، وتمنيت لو وقف هؤلاء السادة الموقرون لحظة، لينظروا إلى الشعوب الإسلامية من حولهم في ولاية أوباما، ذو الدم والبشرة الإفريقيتين، لو وقفوا إلى تلك اللحظة التأملية، لاكتشفوا أننا مهما كانت السياسة الأمريكية، فإننا لا نزداد إلا سوءا، فأي ضمير هذا الذي بدواخلنا بعد المجازر المرتكبة في الشام وفي إفريقيا، وهذا الاستبداد الذي يطمس فينا الانتماء، حتى نتهمم بشأن إلى هذه الدرجة؟. إنه مجرد اختيار يا شعوب العرب فلا تفزعوا، ومهما كان ومهما حدث، فإننا تحث قيادتهم الراشدة، فهل نخاف من البيض الأبيض وسادتنا يخدمونه ويطيعونه، ويقدمون دماء شعبا التماسا لإرضائهم، والفداء بمدن وسكانها من أجل أمريكا. أمريكا ليست قاسية إلى هذه الدرجة يا معشر الخانعين. الأولى أن تخافوا من هذ الخنوع وهذا الاستسلام الذليل لقادة العرب أمام القوى اللائيكية الطاغية، الذي دمر أوطاننا وقتل أطفالنا، هذا الوهن الذي أزال البهجة عن فتياتنا الجميلات. ويا حسرتاه على تهمم في غير محله...، لم ير بعض الشرفاء كل هذا البؤس المرتسم عل تجاعيد وجوهنا طيلة هذه النكسات، وهذه الحروب والثورات، ألم يكن منكم من غرد للطغيان وصفق للظلم...؟، عفوا أنا الذي أخطأت، ضياع الأمة ليس فيما يحدث في الأقصى، وما يعانيه أهل بورما، وليس كل هذه المؤامرات التي شرت أوطانا، وهجرت شعوبا، وخربت حضارات، ضياع الأمة في فوز ترامب !!!، يا له من تفكير رائع، تمنيت لو كان هذا هو الصواب. تمنيت لو كان هذا البؤس كله حلما أستيقظ بعده على واقع أمتنا المشرق، كما تمنيت لو انتبه حكامنا إلى خطاب ترامب، لعلهم يستفيدون فيخرجون بأقل الخسائر. بعد فوزه أعلن ترامب، رغبته في تقوية الصف الداخلي الأمريكي، وتجاوز كل الانقسامات التي حدثت أثناء الحملة الانتخابية، لعلك أيها العربي ذهبت بعيدا حينما سمعت الانقسامات؟، لا تخف فالانقسامات في معجم المصطلح الأمريكي تعني اختلاف وجهات النظر، أما انقسامات بشرية إلى طوائف وعصابات وجغرافية إلى رقيعات وحدود، فلا تعرف غيرنا أهلا للكرم. ولكي لا تذهبوا بعيدا أيها السادة، فلا شيء يستوجب منا الخوف عليه سوى أحوالنا الداخلية، كان مقابل ذلك أن ننظر إلى شعوبنا، إلى لقمة العيش التي صارت في أوطاننا من الكنوز التي نبحث عنها لاهثين...، هذه هي البداية. ولندع الخوف على الضياع بسبب تحول سياسي في أمريكا، لبوتن، المتمسك بموسكو بحبال خطابات الأمن الدولي، ولباريس خوفا من ضياع اتفاقها مع أمريكا حول المناخ، والاتفاق النووي الإيراني، وروسيا وألمانيا، وغيرها من الدول المتقدمة، كل هؤلاء من حقهم أن يتهمموا بمستقبل أمريكا، لأنها ملاذ خلاصهم، ولأنها هي التي تجعلنا ندفع الثمن من اجل سعادتهم، أما نحن فأيننا من هذا الواقع وهذه المصالح؟. ترامب صار رئيسا لكل الأمريكيين مهما اختلفوا، وصار رئيسا للعالم كذلك، نحن كذلك ورغما منا، صار رئيسا علينا، ولم أدر أنفتخر بذلك أم نبكي؟ دعونا بعد هذا الوجع نعود إلى البداية، دعونا ننسى الحقيقة قليلا، فالحقيقة مرة يا سادة، الآن لا مجال أمام من بإمكانه أن يغير ولو بحرف واقع هذه المأساة التي نعيشها، أما الذين تجرعوا الويلات في رقعاتهم، فلا عيب إن أبداو خوفهم على مستقبل أمريكا، باعتبارها الملاذ والخلاص الأهم من هذه الويلات، ولا شك أن تفاصيل أمريكا سوف تهمهم،، أكثر من الأمريكيين أنفسهم، ما دامت حلما بعد الخروج من المستنقع، ومن تحث القنابل والبراميل المتفجرة، هؤلاء من حقهم أن يظهروا قلقا بسبب عنصرية ترامب وهجومه على الأقليات بكل وقاحة، لكن دعوني أنصحكم، لا تفزعوا فمهما كان ترامب، لن يكون قاسيا مثل حكامنا. بقلم الباحث: مصطفى العادل