ليس من عادتي الجلوس في الفضاء الخارجي للمقهى ، لكن اليوم قررت الجلوس لكي أتفرج بالمكشوف الممل على الحملة الإنتخابية للأحزاب السياسية المغربية المتنافسة على نيل حصتها من مقاعد البرلمان ليوم السابع من أكتوبر . لم يسعفني وقت انتظار القهوة السوداء حتى بدأت مسيرة العاملين ضمن الحملة الانتخابية تسلك الممرات المحاذية للمقهى. إنها الخلطة العجيبة الملونة للأحزاب السياسية المغربية التي تمر تباعا، فمن اليسار بأشكاله إلى اليمين ثم مرورا بالوسط وما جاوره . أحزاب سياسية أصبحت تهرول الخطى السريعة نحو قبة البرلمان ، وتؤثث الشوارع بوابل من الصور والملصقات المستنسخة بالتدوير السياسي (بمعنى الترحال السياسي) ، إنها اللوائح الانتخابية المتنافسة بكثرة تخمة العرض حتى تشابهت الرموز والبرامج و الشعارات ، وبات الناخب قاب قوسين من ضياع حسن حس الاختيار بين الوجوه الصالحة والطالحة بكثرة . الآن ، ومن الستينيات بأول انتخاب يردد المواطن الصابر "ما شفنا والو" ، تكلموا على الخير "ما شفنا والو" ، تكلموا على الرفاهية "ما شفنا والو" ، تكلموا على إصلاح حال العباد والبلاد "ما شفنا والو" ، تكلموا على المحاسبة"ما شفنا والو" ، تكلموا على المساءلة "ما شفنا والو" ، تكلموا على التعاقد مع الشعب والجماهير"ما شفنا والو" ، تكلموا على سلطة الحق والقانون "ما شفنا والو" ، تكلموا على الجزاء والعقاب للمفسدين " شفنا عفا الله عما سلف". الآن، وصل الفعل الحزبي تجاه الشعب إلى حافة الإفلاس السياسي، وأصبح الشعب لا يميز بين الشعارات والبرامج في تشابهها وكثرتها ، ولا بين من يصلح من برامج الأحزاب لكي يسوس ويحكم ... لعب كبار "رؤوس حربة" اللوائح الانتخابية حل بكل المدن إنزالا بالوجوه التي لا يشاهدها المواطن البسيط إلا في التلفزة العمومية ، فيما المال فيصرف بسخاء العطاء . فيما الوسط المجالي البيئي يلوث بركام من الأوراق الملونة ، وتلحظ المواطنين يدوسون عليها ولا يكترثون لما تحمل من صور وعلامات حصرية للأحزاب ، فحتى بائعي الزريعة رفضوا تلفيف زريعتهم بالمنتوج الورقي لشعارات الأحزاب خوفا من إفسادها وفساد" الزريعة " بعدوى الخطاب السياسي البئيس ... الآن ، الأحزاب السياسية تعد المغاربة من منصة مسرح إرساء الديمقراطية بالتداول على الحكم بوعد تستنفع منه بالإلتصاق على كراسي السلطة . فحتى جرة الفكر الديمقراطي السليم لم تسلم من الزج به في المعارك الخاسرة باللمز والغمز والتبخيس بين كل الأحزاب المتنافسة ، والكشف المعري عن الازدواجية الأخلاقية والسياسية بمنتهى القذف . وبين تلك كل الصراعات (الخاوية ) والملهية ضاعت مطالب الشعب العادلة في كرامة العيش بالخيانة والتواطئ النفعي/اللحظي للتحالفات غير السوية ولا المستساغة فكريا ولا ايدولوجيا . وأضحى يلازم الفعل السياسي الضحك على ذقون المغاربة عند كل كرة انتخابية بشعارات الدغدغة و الأمل في الغد الأفضل، و اللعب على الحمولة النفسية الإنتظارية و الإرجائية التي تفوق وعي الفكر السياسي للأحزاب . الآن، الكومبراس السياسي خرج إلى الشارع كمياوم "باغي حقوا من وزيعة دعم الأحزاب من المال الأزرق العمومي " . سحر السحرة الكبار "سماسرة الانتخابات " و" الشناقة " خبره حتى المواطن البسيط و أدرك تهافت التهافت للانتهازيين والوصوليين على مراكز القرار ما هو إلا "العكار الفاسي" الملون للديمقراطية المغربية بإخفاقات التجارب المتتالية، وضياع سنوات الإصلاح الحقيقي من بين أصابع الشعب ... الآن ، أمناء وكتاب الأحزاب هم جميعا في طواف الإفاضة الصغرى بين الأقاليم والجهات، و وسط حماية المسترزقين من فتات بقايا المال العام المخصص للانتخابات . خطب الانتخابات لا برامج فيها ولا تقويم بالمحاسبة للحصيلة التي مرت سواء في دفة الحكم ، أو في دفة الاحتياط كمعارضة . خطب شاخت وهرمت في التجمعات منذ إعلان الاستقلال متبوعة بترديد زغاريد مدفوعات الأجر الهزيل مسبقا ، والضرب على تعريجة مطالب الشعب التي لا زالت عرجاء إلى حد الساعة ... إنها الوجوه السياسية المغربية التي فندت القول الفلسفي " لا يمكن أن تسبح في النهر مرتين " ... لكن ، هناك من زال يردد "ما منفكينش حتى الإصلاح"... لكن من الأكيد أن مطالب الجماهير لن تلبى إلا بوعي جماعي يردد "يكفينا يكفينا من الانتخابات التي تعيد إلى البرلمان وجوه أكثر من نصف من كان يقتعد مقاعده ، يكفينا ، يكفينا من الوجوه المكررة فهي التي صنعت فجوة مقاطعة السياسية والسياسيين بالمغرب..." وهذه لازمة أولية لكل منا الحق في إتمامها بالبدء بكلمة "يكفينا ..." . الآن ، الفساد يتقوى بالتصويت عليه و توكيله أمر تدبير سياسة العباد والبلاد بحجية الديمقراطية المغربية الفريدة وعتبة الأغلبية . الفقر يسكن عموم شعب الوطن و "بوشكرة" يستغل بؤس المواطنين ماديا ومعنويا ويستهلكهم في روح كرامتهم وأنفتهم ، فإلى متى سنبقى هكذا ؟ الآن ، وبعد مهزلة ومعارك التزكيات والمزايدات على وكلاء اللوائح في بورصة الأحزاب السياسية ، تحاول الأحزاب السياسية إقناع المواطنين بالديمقراطية الفريدة ، وبأن التصويت واجب وطني وحق دستوري ، فأين حق العيش الكريم و الكرامة الإنسانية ؟ أين حق التعليم بالإنصاف والجودة وتكافؤ الفرص والارتقاء بالفرد والمجتمع ؟ أين الصحة وقد ضاعت بالموت قبل حلول موعد الفحص المؤجل ؟ أين الحرية والعدل والإنصاف الحكيم ؟. الأحزاب المغربية دائما مطلبها الأول أن يمنحها الشعب فرصة ثانية بمتوالية تصاعدية تجدد نفسها فيها ، وعفي الله عن ما سلف . فمن يجرؤ على محاسبتها ؟ المواطن البسيط من يحن لبيع صوته، وكسب رزق يومه من " همزة " الانتخابات ، من يحاسبها ؟ المواطن الذي قاطع الانتخابات بوعي منه أو بدونه ، من يحاسب الوجوه الكبار " رؤوس حربة اللوائح" والتي عمرت في المقعد البرلماني حتى اكتسبت بركة حصانة توريث المقعد النيابي للأبناء؟. إنه الأمل القادم في إحضارالمحاسبة بالقانون وليس إلا القانون ، فالطموح الجماعي بتطبيق سلطة القانون العليا ينتظم يوما بعد يوم (الاصلاح ضمن الاستمرارية ) ، إنه العدل والوفاء لشعار الوطن أولا ، إنه في تكوين وتوعية سلوك مواطن يحترم ويحمي القانون من أي اختراق فاسد . الآن ، هناك من أعلن المقاطعة من الشعب و لم يصرح بها علانية ، مقاطعة تسند على حائط الإشكالية الضبابية للمستقبل وللغد... هناك من المواطنين أعلنوا المقاطعة بعدم التسجيل في اللوائح الانتخابية ، هناك من قرروا عدم التوجه إلى مكاتب التصويت عقابا على السياسة اللاشعبية الماضية ... هناك من يؤيدون مهمة التصويت العقابي ... هناك من يرغبون الشرب من منتهى الجرة التي لم تنكسر بالإطاحة بمجموعة من الأحزاب التي تداولت على السلطة بدون قيمة نوعية مضافة إلى عموم الوطن ... هي ذي الإشكالية الانتخابية المغربية والتي لن تنفك عقدتها حلا إلا بوعي جماعي كلي ، وبإرجاع دور الفكر التنظيري السياسي مكانته عند الاحزاب بكيفية تدبير الاختلاف . الآن ، أقر بأنني لا أوثر المقاطعة ... ولا أدع إلى تزكية فساد لوائح معينة عند العام والخاص ... فماذا تقترحون علي فعله ؟ الفرار إلى مكاتب التصويت والإدلاء بالواجب ، أم الردى بالركون إلى المقاطعة ، فقولي لكم سادتي الكرام بالرد الصريح كلاهما مر . ذ محسن الأكرمين : [email protected]