لكل شيء ثمنه, وثمن الحرية والكرامة والعدالة والمساواة, هو ما تؤدونه اليوم, هو ما أداه مناضلون سبقوكم بعقود, في سجون دولة المخزن, فيما سمي ب”ماضي الجمر والرصاص”, الذي اعترفوا به رسميا, لكن للأسف لم يكونو ليقطعو معه, فجوهر الدولة الإستبدادي ظل قائما لا يتغير, بل تطور في أساليبه و أشكاله, بل حتى في خطابه, وجند خدام جدد يتفننون في إبداع “نضال” موجه ضد ما كانو يناضلون من أجله بالأمس منذ 79, تاريخ ولادة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من رحم معانات وكفاح عائلات المعتقلين السياسين, وفي سياق الحركية العامة للديموقراطيين/ات, من أجل مغرب اخر, متحرر وديمقراطي, ظلت الجمعية نصيرا مبدئيا لكل ضحايا إنتهاكات حقوق الإنسان, ترفع شعار غايتنا الكرامة في المغرب وفي كل مكان, ومع تقدمها في السن عرف عملها ونشاطها اتساعا وتطورا ملحوظا, سرعان ما أقلق مسؤولي دولة المخزن فسارعو لحضرها ومحاصرتها وتشويش عملها وأنشطتها, عبر الإعتقالات, والمحاكمات الصورية, وكل أشكال التضييق محاولين قتل هذا الصوت المقاوم والمناضل في تعسف وإنتهاك صارخ لكل الإلتزامات المعبر عليها رسميا من طرف الدولة, لكن هذا المولود لم ولن يموت لأنه يحمل مشروعا للمستقبل, لأن صمود مناضليه وقناعتهم لا تلين بهذه الأساليب, فكان لها أن تعيد إستنهاض همتها من جديد, كطائر فينق يولد من الرماد, لتبني نفسها على اسس واضحة, قوامها الدفاع عن حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها, حقوق لكل البشر, لا تقبل التجزء, ولا تقبل المساومة, ولا الإنتظار,هذا خلق حولها أشعاع كبيرا وتعاطف واسعا وسط الفئات الأكثر تضررا من إنتهاكات حقوق الإنسان, وكذلك وسط الحركة الديموقراطية والحقوقية, فعرفت بنيتها التنظيمية تطورا كميا ونوعيا ملحوظا, وكذلك اليات عملها, لم تكن حتى دولة المخزن قادرة على إيقافه, رغم إستخدامها كل الأساليب بما فيها محاولات التدجين والإحتواء , التي سرعان ما تأكد لديها أنها لا تزيد هذا الإطار إلا قوة ووحدة وصمودا على خطه ومواقفه وإختياراته في بدايات هذا القرن أصبحت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان, القوة الحقوقية رقم واحد في المغرب, عبر مواقفها الجريئة و إختياراتها النضالية الجماهيرية والوحدوية, وغدى تراتها الأدبي والنضالي والتنظيمي نمودجا ديموقراطيا, يحتدى به, بل أصبحت ملجأ لكل ضحايا حقوق الإنسان, من مواطنين وصحفين ومثقفين ولاجئين … هذا الذي عمق إرتابطها بشكل يومي بهموم ومشاكل هذا الشعب, وكذلك كان الحال عند إندلاع شرارة الأمل الديموقراطي لهذا الوطن, حركة عشرين فبراير, التي لم تتوانا الجمعية في دعمها و الإنخراط بها, وتقويتها بكل وزنها, فأبدع شباب الجمعية – الجيل الجديد- في أشكال نضالهم, وانخرطوا بقناعة في عنفوان حركة أسقطت الخوف والمقدسات من خانة السر والكتمان, على طريق إسقاط الإستبداد والفساد, التي لازلو سائرين بها. كذلك تكرس هذا الموقع الريادي للجمعية في الحركة الحقوقية وطنيا وجهويا ودوليا, عبر قيادتها للإتلاف المنظمات الحقوقية المغربية, وكذلك تنسيق عمل التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان, والحضور الوازن لها في معظم الأنشطة الدولية, وتقاريرها الموازية بشكل فردي أو مشترك ذات المصداقية العالية , والتي تحرج مسؤولي دولة المخزن, أمام الهيئات الدولية, ولا ننسى حضورها اليومي إعلاميا بتفاعلها مع الحركات الإحتجاجية بكافة فروعها, أو عبر تصريحات مناضليها, وكذلك شعبيا عبر متابعتها اليومية لخروقات حقوق الإنسان, ومؤازرتها لضحيا هذه الخروقات. كل هذا المسار النضالي والفكري توج بتكريم أممي, لرئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سابقا خديجة الرياضي, بحصولها على الجائزة الأممية لحقوق الإنسان, التي تقدمها الأممالمتحدة للمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان, وبعض الشخصيات البارزة في دفاعها المستميت عن حقوق الإنسان, هذا التتويج الذي مزج بين فرحة مناضلي الجمعية ومزيدا من تصليب قناعاتهم, وقلق وجزع لم تستطع دولة المخزن إخفائه كثيرا من هذا الإشعاع والمصداقية الدولية والشعبية, الذي يتمتع به هذا الإطار الحقوقي, فسرعان ما حرك الأقلام المأجورة, والإعلام الرسمي, ومسؤولين رسميين وحزبيين, لمحاربة هذا المد الذي يناشد بناء دولة الحق والقانون, بمدخلها الدستوري الذي ينزع القدسية عن المسؤولية ويربط هذه الأخيرة بالمحاسبة, ويفصل بين السلطات ليعطي البرلمان كل السلطات التشريعية و يكرس القضاء كسلطة مستقلة ونزيهة والحكومة كسلطة تنفيدية ويفصل الدين عن الدولة, ويجرم إستخدامه لأغراض سياسية, ويوسع هامش الحريات الجماعية والفردية, ويعترف بمواطنة المغاربة, ومساواتهم أمام القانون, ويضمن تمتعهم بحقوقهم كافة بما فيها الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية, حقهم في السكن اللائق والحق في تعليم عمومي مجاني وذي جودة و الحق في الصحة, والحق في الشغل الذي يضمن كرامة الإنسان, وكذلك حرك أدواته القمعية لتكسير أضلع مناضليها والمناضلاتها في كل مناسبة يحاولون فيها فتح ملفات إنتهاكات حقوق الإنسان, أمام الرأي العام. لم تكتف دولة المخزن بهذا, فقد توجته بالتصريحات العدوانية والمغرضة لوزير الداخلية, في قبة البرلمان الذي وصف المنظمات الحقوقية بخادمة الأجندات الخارجية, وشكك في تمويلاتها, وأيضا وضعها في خانة واحدة مع “التهديدات الإرهابية” التي –حسب قولهم- تترصد المغرب, هذا لم يكن سوى البداية, لأن توجه الدولة العدواني هذا سيتكرس في سلوكها لنهج الحصار الممنهج ضد الجمعية بشكل رئيسي ومحاولة عزلها عن شركائها الديموقراطيين, وعزلها أيضا عن التواصل مع المواطنين بمنع أنشطتها العمومية, ومخيماتها الصيفية, وأنشطتها الداخلية لعرقلة حركيتها, ولدى الجمعية قائمة بمجموع الأنشطة التي منعت بأسباب واهية, لا أساس قانوني لها, يمكن للجميع الإطلاع عليها. وفي هذا السياق نذكر أن المكتب المركزي للجمعية عبر عن استنكاره وتنديده بهذه الحملة المسعورة والحصار المشدد, وأكد على أنه لن يظل مكتوف الأيدي أمام هذا التعسف والإنتهاك الصارخ لكل إلتزمات الدولة بشأن إحترام حقوق الإنسان, وفي مقدمتها حقها في التنظيم, حيث أنها عازمة على تنظيم يوم وطني للإحتجاج بتاريخ 15 أكتوبر الجاري, موحد في الزمان ومتفرق في المكان, بكل فروعها, أولا لإعادة تجديد مطالبتها بالديموقراطية والحريات وأحترام حقوق الإنسان, وأيضا للتنديد بالحصار المضروب عليها في الأونة الأخيرة, ومطالبة الدولة برفع حضرها لأنشطتها. في ختام الأمر, نود القول وبصدق أن الجمعية منارة مضيئة في سياقنا الحالي, قلعة ديمقراطية تؤكد كل يوم تشبتها بحقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها, وتؤكد كذلك تموقعها في صف هذا الشعب, في مسيرته لإنتزاعه حقوقه, وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره, لهذا ننتظر من كل الديموقراطيين الإلتفاف حولها, دعما ومساندتا وتضامنا, لأن الهجوم عليها هو بمتابة, هجوم على كل الديموقراطيين, ونقول لكل مناضليها /تها, ستصمدون فلم تستطع أدوات القمع السبعينية أن توقف مسيرتكم, وهذه اليوم كذلك لن تزيدكم إلا قوة وإصرار. وفيما يلي مقتطف من نداء وجهه المكتب المركزي للجمعية, لمناضليه ومناضلاته, وكذلك لكافة الحركة الحقوقية والديموقراطية : “لقد دخلنا في معركة من أجل صد الهجمة المعادية للجمعية، وسنتمكن بفضل وحدتنا وصلابتنا الجماعية وذكائنا وإبداعنا النضالي من توقيفها. لكننا قد نكون مقبلين على معركة أكبر، معركة الوجود؛ وبالتالي علينا جميعا توجيه كل طاقاتنا النضالية ضد القوى الرجعية المعادية لحقوق الإنسان، وإن كانت تتبناها لفظيا، والداعية إلى الإجهاز على المكتسبات الجزئية التي تحققت بفضل نضال وتضحيات كافة القوى الديمقراطية ببلادنا”.