بقلم حسن أقرور : من مولاي بوعزة - غريب أمرنا في هذا الواقع الممزق ،واقع بلا خرائط بلا عنوان بلا هوية خال من المعنى،وبلا شفقة، واقع لاتُحلق فوقه ملائكة الرحمة والتآخي،واقع مات فيه الإحساس والشعور بالذنب وتأنيب الضمير،واقع ممزوج ماؤه الآسن بالوحل. واقع أثارتني وشدت فضولي فيه حكاية "دحمان " الرجل الذي بلغ من الكبر عتيا واشتعل رأسه شيبا،ذلك الذي أصبح غريبا بين عشيرته،التائه في أزقة مولاي بوعزة ،الشارد بين دروبها ،يتجول بهدوء وفي جعبته صندوق سجائر بخسة يطارد بها قسوة الزمن، لا أخ ولا ابن ولا زوجة تواسيه،لا قريب ولا حبيب يمد يد العون له،يقطع رحلة العمر بأشواكها القذرة باحثا عن لقمة عيش، أو كسرة خبز،أو كأس شاي يسد به رمقه. أهكذا أصبحت قلوبنا حجرا لا ينقش فيها ولو بصيص من الرأفة والخير،نتهافت ونلهث كالكلاب وراء أيام متعاقبة كلها سراب، قلّت فيها خصال الإيثار والعطاء والتضحية ونكران الذات ، وكثرت فيها بلية "التقواس والتبركيك وسربيس الودن، والحقد والحسد والخنوع والتكلاخ، وحفرليا نحفر ليك...."، متى نتجاوز الوحش الشرير الساكن بداخلنا لنسمع أنين"دحمان" حينما ينزوي وحيدا ويجهش بالبكاء ،من يمسح دموعه ،من يسقي ضمأه،من يقيه ويحميه ليلا من الزمهرير المذل........ هل سمعتم البارحة دحمان ها قد ناداكم اليوم، لا و لن يرتجي في نجده غير سواكم، مسحوق عليل يطالب منكم نجدة، يتكبد ألما وحيرة، ويواجه صدمات اليأس وحيدا ، مطعون بغدر الزمن، مسن فقير مسروق الأحلام ، مخدوع بوعود سراب ، أليست لكم برهة من الزمن لتتذكروا صوت هذا المنادي.......... ؟ وأنتم تستيقظون لأداء صلاة الفجر الرائعة ،تذكروا دحمان إن كان لا يقوى على النهوض لأن جسده العليل لا يسعفه،وأنتم ترمون بأحزانكم في حانات المدينة، تذكروا أن دحمان لم يجد أين يرمي أحزانه، وأنتم تتناولون وجبة الإفطار تذكروا أن دحمان لا وجبة له،وأنتم تشربون كأس ماء تذكروا أن دحمان عطشان،وأنتم تملؤون مسابحكم، تذكروا أن دحمان لم يستحم،وأنتم تصِلُون الرحم تذكروا أن دحمان لا ابن ولا قريب يدق بابه، وأنتم تستعدون لممارسة طقوس عيد الأضحى ،تذكروا أن دحمان لا سكين له،وأنتم تمتطون سياراتكم الفارهة تذكروا أن دحمان لا حذاء جديد له، وَيلكم تتشدقون بالتضحية بينما تلتهمكم نزوعات النهب والاستغلال واللامبالاة والأنانيات المريضة. قصة دحمان تشبه تلك الشجرة التي تخفي الغابة، وحظنا السيء يتمثل في كوننا ننشغل دائما بشجرة واحدة وننسى الغابة،قصة دحمان هي آلاف من دحمانات وهي غابة من المغاربة الذين فُرض عليهم التفقير إجبارا، صوتهم الألم والحسرة ،سجناء القيود،طريقهم الهامش، قُوتهم (القوت)من الفتات،عاشوا فرائسا للوحوش التي لا تتقن إلا النباح والنهش بدون كلل ولا ملل ،حياتهم السئيمة كلها عقبات وصعاب وحريق،لم يختاروا ذلك ولم يُقدّر عليهم، ابحثوا عن من أجبرهم وفقّرهُم ،ودنس كرامتهم ،وحكم عليهم بالعيش تحت الحذاء في واقع مر مأزوم بلا خرائط بلا عنوان ،بلا هوية بلا كرامة .وما دحمان(رجل عزيز النفس شريف عفيف ،نظيف اليد صادق اللسان ذو خلق رفيع ( إلا مرآة مصغرة عن واقع مغربي بدون سكر.