جاء في سيرة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي التي كتبها الفرنسي "روجر ماثيو" وعربها عمر أبو النصر ونشرها بعنوان: (بطل الريف الأمير عبد الكريم) حديث عن العلَم الذي اختير ليكون رمزًا لإمارة الريف (أو جمهورية الريف كما تسمى في الكتاب)، وشرح لمعنى الألوان الثلاثة التي تشكَّلَ منها، إذ كانت أرضُه حمراء، وسطها نجمة خضراء ضمن هلال في رقعة بيضاء «وهذه الألوان الثلاثة لأعلام عربية قديمة: فاللون الأحمر كان شعارًا للحجاز قبل الإسلام، وما زالت رايةُ الأسرة الشريفة فيها التي منها سلاطين المغرب اليوم. وفي كتاب تاريخ الدول العربية أن الحِمْيريّين اتّخذوا هذا الشعار، وأن امرأ القيس بن حُجْر لما بلغ القسطنطينية كان يحمل اللواء الأحمر. واللون الأخضر هو شعار أهل البيت النبوي الكريم والفاطميّين. أما اللون الأبيض فهو شعار الأموييّن في الشام والأندلس». كلامٌ، ذو مغزًى عميق لمن يحسن القراءة ويُجيد التأمل. يُعلن عن هُويّة معالمُها واضحة، وينمّ عن عِلم ومعرفة بتاريخ الأمة التي ينتسب إليها، وتوجّه ثقافي وحضاري وثقافي وسياسي سليم لا لبس فيه. واختيارُه لتلك الألوان لم يكن صادرًا عن عبَثٍ صبياني وتفكير عِرقي محدود. وإنما عن فطنة ووعي كامل بدلالاتها الحضارية وما ترمزُ إليه من الانتماء الواضح للأمة العربية الإسلامية، واعتراف بأن الإمارة التي أراد إقامتها على الرقعة المحرّرة من البلاد لن تكون مقطوعة الجذور عن محيطها القريب والبعيد في خارطة العالَم العربي الإسلامي بكل زَخْمه وعُمقه وتنوّعه، وإنما هي مجرد قطعة منه جاهد مع أنصاره من أجل تحريرها من يد مغتصبِها الأجنبي وإرجاعها لحضن الأمة. فمن يريد تحجيم الخطابي الكبير، بقامته الباسقة، وفهمه الراقي السليم، وفكره المتعالي على الأحقاد، ودفنَه في قُمقُم نحاسي ضيّق مُحكَم الإغلاق، ويسعى ليجعل منه شعاراً لقميصه العنصري المقيت، فليُعِد قراءة كلامه هذا عن ألوان العَلَم الريفي. ففيه غنًى عن كل كلام.