هوية بريس – وكالات يدخل "الغزو" الروسي لأوكرانيا شهره الخامس، ولا تلوح نهاية له في الأفق، إذ انتقل "الصراع المضني" إلى الأقاليم الشرقية في أوكرانيا، وفق مقال في صحيفة "واشنطن بوست" (The Washington Post). ويؤكد بول بوست أستاذ العلوم السياسية المشارك بجامعة شيكاغو، في مقاله بالصحيفة، أن الاهتمام الأميركي قد انصرف بعض الشيء من الحرب الدائرة هناك نحو المشاغل الداخلية للولايات المتحدة، وهو ما يجعل التغاضي عمّا يحدث في أوكرانيا واحدا من أكثر الصراعات فتكا خلال ال 200 سنة الماضية. ثم إنه بسبب كونها "محض" حرب بالوكالة وليست صداما بين قوتين عظميين؛ تميل أميركا إلى إخفاء حجمها ونطاقها، وفق المقال. أكبر عدد من القتلى غير أن الكاتب يعتقد أن معدل وفيات الجنود بتلك الأعداد التي تفوق بكثير معدلاتها في حروب العصر الحديث العادية؛ يعني أن حرب أوكرانيا باتت تتصدر باضطراد قائمة الصراعات التي تسببت في أكبر عدد من القتلى. وقد تبدو الحرب الأوكرانية ثانوية بعد الحربين العالميتين اللتين دارت رحاهما في القرن المنصرم وأسفرتا عن مقتل عشرات الملايين من الجنود والمدنيين. لكن كاتب المقال يرى أن تلك حالات نشاز تُخل بفهمنا للصراع الدولي. ويقدم "مشروع روابط الحرب" (The Correlates of War Project) -وهو دراسة أكاديمية لتاريخ الحروب تتضمن بيانات يعود تاريخها إلى عام 1816- صورة أكثر شمولا. ويعرِّف المشروع الحرب على أنها قتال مستمر بين قوات مسلحة نظامية لدول مختلفة ينتج عنه ما لا يقل عن ألف حالة قتلٍ في ساحة المعركة في فترة 12 شهرا. وتتسبب الحرب العادية -وفقا لتلك الدراسة- في مقتل نحو 50 جنديا يوميا واستمرت قرابة 100 يوم. الحروب الأكثر دموية بالعالم وتشهد رُبع الحروب الأكثر دموية بالعالم ما يزيد قليلا على 200 حالة قتل في ساحة المعركة يوميا، وفقا لبيانات الدراسة الأكاديمية. وقد تجاوزت الحرب الروسية الأوكرانية هذه العتبة بالفعل، حتى باستخدام تقديرات متحفظة لأعداد القتلى. وقدّر مسؤولو المخابرات البريطانية في أواخر ماي الماضي أن الروس فقدوا 15 ألف جندي، وهو ما يعادل أكثر بقليل من 150 جنديا في اليوم. وتعترف الحكومة الأوكرانية بأنها تفقد 200 جندي في اليوم، وهو ما يجعل الحرب في أراضيها تعتلي الصدارة من حيث شدتها من دون الأخذ في الحسبان وفيات المدنيين. تجاوزت مدة الحروب العادية ويقول الأكاديمي الأميركي في مقاله إن الحرب الروسية الأوكرانية تجاوزت بالفعل مدة الحروب العادية منذ عام 1816، والتي تقدر بنحو 100 يوم. ويضيف أن الدلائل تشير إلى أن الأعمال العدائية سيطول أمدها؛ وهي أبعد من أن تشي بأنها تتجه نحو التهدئة. من جانبها، تبدو روسيا مستعدة لتكبد خسائر فادحة في سبيل تحقيق مكاسب عسكرية، وهو ما ينسجم مع تاريخ هذه الدولة في الحروب. وفي الوقت الذي تتفوق فيه روسيا عدة وعتادا، وهي عوامل قد تقلص عادة أمد الحرب، فإن أوكرانيا تتلقى إمدادات مستمرة من الأسلحة والذخيرة من القوى الخارجية (معظمها من حلف شمال الأطلسي -الناتو)، وفق تعبير مقال واشنطن بوست. وقد نتج عن هذا المزيج من العوامل -وفق رأي الكاتب- حرب استنزاف تميزت بقصف طويل المدى وهجمات متقطعة عالية الكثافة. كما أن الحروب من هذا النوع تميل في طبيعتها لأن تكون طويلة الأمد. ماذا لو استمرت حتى بداية 2023؟ ويمضي الكاتب إلى القول إن حرب أوكرانيا إذا ما استمرت حتى بداية عام 2023، فقد يتجاوز عدد قتلاها قتلى الحرب الإثيوبية الإريترية (120 ألف قتيل)، والتي بدأت في أواخر التسعينيات واستمرت أكثر من عامين بقليل. أما إذا استمرت الحرب عاما آخر، فعندئذ مع مقتل ما يزيد عن 200 ألف قتيل في ساحة المعركة؛ يمكن أن تدخل في قائمة أعلى 10 حروب دولية من حيث عدد القتلى؛ على مدى ال200 عام الماضية. ووفق وجهة نظر كاتب المقال، فإن هذه الحرب ستكون أحد أكثر الحروب دموية خلال ال200 عام الماضية حتى لو نجح حلف الناتو وروسيا في عدم الانزلاق إلى صراع مباشر؛ "وهو احتمال ينطوي على مخاطر... استخدام الأسلحة النووية".