يتضح من خلال متابعة وتقييم أداء حكومة الدكتور سعد الدين العثماني، أن هذه الأخيرة رغم الظرفية الصعبة التي جاءت فيها، ورغم التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والسياسية التي سببتها جائحة كورونا، نجحت في إطلاق أوراش مهيكلة، وحققت عدة إنجازات اقتصادية واجتماعية كبرى ساعدت على تعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني وفي تثبيت توازنات المالية العمومية، وعلى تحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعي، وتعزيز كرامة المواطن المغربي وتمكينه من حقوقه ومن ثمار التنمية التي تشهدها بلادنا. لقد نجحت الحكومة في تنزيل ما يقارب 93% من البرنامج الحكومي (69% إجراءات أنجزت أو في مرحلة الانتهاء أو ذات طبيعة مستمرة + 24% هي في طور الإنجاز). يرجع نجاح الحكومة في تنزيل برنامج عملها وفي تدبير المحطات الصعبة والتحديات العالمية إلى تملكها لرؤية واضحة وطموحة للإصلاح ولتوطيد وتقوية المكتسبات الوطنية تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك، وكذلك لكونها قامت بالتنزيل الفعلي لهذه الرؤية وفق هندسة وتصور دقيق وشمولي ترجم بشكل عملي في الإجراءات الحكومية، وذلك بالاعتماد على إعداد المخطط التنفيذي للبرنامج الحكومي، وإحداث لجنة بين-وزارية لتتبع وتيسير تنزيله، وإحداث وحدة إدارية خاصة لدعمها. وقد عرف المجال الاقتصادي عدة تطورات مهمة، حيث عملت الحكومة على ثلاثة محاور رئيسية، تروم (1) تنفيذ إصلاحات جريئة من الجيل الجديد لتقوية الاقتصاد الوطني وتحديث منظومة المال والتجارة وتعزيز مناخ الأعمال والاستثمار، حيث تم إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، وتفعيل اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، واعتماد السياسة الوطنية لمناخ الأعمال؛ (2) وتعبئة الاستثمارات العمومية لدعم تنافسية النسيج الاقتصادي، من خلال الجهود المبذولة لتعزيز الاستراتيجيات القطاعية، ولا سيما قطاعات الصناعة والفلاحة والبنيات التحتية والطاقات المتجددة؛ (3) ودعم الصمود في مواجهة أزمة كورونا من خلال خطة إقلاع طموحة حددت في قانون المالية المعدل لعام 2020 وقانون المالية لعام 2021. هذه الجهود أدت إلى عدة نتائج ملموسة، نذكر أبرزها منها: أولا، مواصلة تحسين الوضعية الماكرو-اقتصادية للبلاد، حيث استمر تحسن معدل تغطية الواردات بالصادرات؛ إذ انتقل من 42,8% سنة 2009 إلى 62,4% سنة 2020. كما بلغ عجز الميزانية (بالنسبة للناتج الداخلي الخام) 3,6% في سنة 2019؛ إذ كانت أحسن نسبة مسجلة منذ الأزمة المالية لسنة 2008. كما بلغت مديونية الخزينة في سنة 2019 (بالنسبة للناتج الداخلي الخام) 64,8%، وكانت أول سنة يعرف فيها منحى تطور المديونية تغيرا إيجابيا. علاوة على تسجيل احتياطات المغرب من العملات الأجنبية تحسنا مستمرا، محققة رقماً قياسياً يفوق 320 مليار درهم سنة 2020، بالرغم من أزمة كوفيد-19، مكنت من تغطية 8 أشهر من الواردات نهاية سنة 2020؛ فضلا عن تحسن رصيد الحساب الجاري بشكل ملحوظ منذ سنة 2012، حيث انتقل من 9,51-% من الناتج الداخلي الخام إلى 1,95-% سنة 2020. ثانيا، تحسين مناخ الأعمال بشكل غير مسبوق، حيث سجل المغرب تقدماً كبيرا ب75 مرتبة خلال عشر سنوات في مؤشر مناخ الأعمال الذي يصدره البنك الدولي، محققا ثالث أفضل ترتيب إفريقياً (53). كما انتقل المعدل السنوي لتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 22,6 مليار درهم بين 2007 و2016، إلى 24,1 مليار درهم بين 2017 و2019، وقد تمكن المغرب من جذب ما يعادل 36 مليار درهم من هذه الاستثمارات سنوياً منذ سنة 2017، مقارنة ب33 مليار درهم كمعدل سنوي بين 2007 و2016؛ علاوة على انخفاض آجال الأداء بشكل كبير بين 2015 و2019 بالنسبة للمقاولات والمؤسسات العمومية، وكذا بالنسبة للصفقات العمومية والجماعات الترابية، من 144 يوما إلى 37 يوما. وشهد عدد المقاولات المحدثة ارتفاعاً كبيراً خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وذلك بمعدل نمو سنوي يناهز 8%، مع تسجيل تباطؤ في نمو عدد المقاولات المفلسة. ثالثا، ارتفاع مبالغ الاستثمار العمومي، حيث تم تسجيل رقم قياسي غير مسبوق يناهز 230 مليار درهم سنة 2021، كما عرفت نسبة تنفيذ الاستثمار ارتفاعاً مضطردا؛ إذ بلغت 79% سنة 2018، أي بزيادة 10% قياسا بسنة 2010؛ مع تضاعفت اعتمادات الأداء المفتوحة برسم نفقات الاستثمار للميزانية العامة ثلاث مرات منذ سنة 2007. وقد عرف المغرب طفرة نوعية على صعيد البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية المرتبطة بتطوير شبكات الربط الطرقي المختلفة، وتشييد الموانئ الكبرى الاستراتيجية، وتعزيز بنى المطارات الدولية، وتسريع الاستثمارات في الطاقات المتجددة، وكذا الموارد المائية. رابعا، تعزيز التسريع الصناعي، حيث استمرت الحكومة في تنزيل مخطط التسريع الصناعي، مع إعطاء انطلاقة تنزيله على المستوى الجهوي، وتطوير المنظومات الصناعية المندمجة، وإقرار إعفاءات ضريبية لفائدة هذا القطاع، ودعم التكوين المهني والبحث العلمي التطبيقي لفائدة المنظومات الصناعية الجديدة. ومن أهم نتائج تنزيل هذا المخطط إحداث 565483 منصب شغل، أي أزيد من 100% من الهدف المسطر ما بين سنتي 2014 و2020، وإحداث 50 منظومة صناعية، ومواكبة 3460 مشروعا استثماريا، مع تجهيز عرض بحوالي 1989 هكتارا من العقار الصناعي. وفي هذا الباب، سجلت الصادرات الصناعية ما مجموعه 243,3 مليار درهم سنة 2019، مقابل 158,9 مليار درهم سنة 2013، أي بزيادة 53%. خامسا، نجاح الاستراتيجية الوطنية للتشغيل وصمودها أمام الجائحة؛ فقد مكن مخطط النهوض بالتشغيل من تحديد معالم العمل الحكومي بين 2017 و2021 في مجال النهوض بالتشغيل، حيث اعتمد البرنامج التنفيذي للمخطط "ممكن"، وفعلت لأول مرة اللجنة الوزارية للتشغيل كآلية لتتبع تنزيل "المخطط الوطني للنهوض بالتشغيل"، وهو ما أسهم في تحقيق النتائج التالية إلى متم 2020: إحداث حوالي 720.500 منصب شغل (2017 -2019)، وتحسين قابلية تشغيل أزيد من 770.000 باحث عن العمل، وإدماج أزيد من 406.000 باحث عن العمل، ومواكبة إحداث حوالي 13.000 مقاولة. علاوة على تطوير وتيرة إنجاز البرامج النشيطة للتشغيل (+ 10%)، حيث استفاد أزيد من 145.000 شاب من هذه البرامج سنة 2019، أي بارتفاع قدره 35% مقارنة بسنة 2017. كما شهدت البطالة الحضرية انخفاضاً إلى أدنى مستوياتها مند 20 سنة، حيث بلغت 9,2% سنة 2019. ورغم تداعيات الجائحة، فقد بلغ معدل البطالة نسبة 11,9% سنة 2020، وهو من بين أدنى المعدلات في المنطقة المتوسطية (الجزائر 14%، تركيا 14%، إسبانيا 16,2%، تونس 26%). علاوة على ذلك، بلغ عدد المقاولين الذاتيين حوالي 300.000، متجاوزا هدف البرنامج الحكومي في أفق 2021 (100.000)، فضلا عن بلوغ عدد المستفيدين من نظام التعويض عن فقدان الشغل بين 2016-2020 ما مجموعه 55.512 مستفيدا، بتكلفة مالية ناهزت 661 مليون درهم. على صعيد آخر، أحدثت الحكومة أكثر من 121.000 منصب صافيا سنويًا في المتوسط بين 2017 و2019، وهو تطور ملحوظ مقارنة مع ما تحقق في عهد الحكومتين السابقتين (26.400 و113.275 على التوالي)، كما سجلت نسبة الشغل المؤدى عنه تحسناً، حيث انتقلت من 73,9% سنة 2007 إلى 85,8% سنة 2020؛ وقد بلغ المعدل السنوي لمناصب الشغل المحدثة بالإدارات العمومية 42.746 منصبا ماليا بين 2017 و2021، مقارنة ب25.605 مناصب بين 2012 و2016، و15.688 منصبا بين 2007 و2011. بفضل هذه الإجراءات والإنجازات الحكومية التي تم تنفيذها، تحسنت العديد من المؤشرات الاقتصادية، وتمكن المغرب من إرساء مقومات وأسس إعادة إطلاق دينامية جديدة للاقتصاد الوطني، وها نحن اليوم نشهد قصة نجاح بلادنا في مواجهة جائحة كورونا، مما عزز الثقة في القدرات المغربية ويبشر بمستقبل صاعد وبآفاق واعدة للمملكة المغربية.