مدينة الحاجب تحتفي بعيد العرش في سهرة فنية بمشاركة Mos Kadiri    مصرع سائق دراجة نارية في نفق بني مكادة بطنجة    مؤسسة الأندلس تُرسّخ الهوية المغربية عبر ليلة فنية بطابع جبلي أصيل            مؤشر مازي يسجل ربحا بنسبة 0,94 في المئة    إخلاء طائرة رايان إير في مايوركا بسبب إنذار كاذب وإصابات طفيفة بين الركاب    باريس سان جرمان يهزم بايرن ميونيخ ويبلغ نصف نهائي مونديال الأندية رغم النقص العددي    كأس إفريقيا للسيدات (المغرب 2024).. تعادل مثير بين المنتخب المغربي ونظيره الزامبي (2-2)        بيان تضامني مع المعتقلة سعيدة العلمي صادر عن هيئات ومنظمات حقوقية وسياسية في أوروبا الغربية    رفع اللواء الأزرق بميناء مارينا سمير وأربعة شواطئ تابعة لعمالة المضيق-الفنيدق    نداء من أجل تأسيس مجلس مغاربي للثقافة موجه إلى وزراء الثقافة المغاربيين    الوعي الزائف:رسالة إلى امرأة تسكنها الأوهام!    نتانياهو يرسل مفاوضين إسرائيليين إلى قطر    "كان السيدات".. المنتخب المغربي يفتتح مشواره القاري بالتعادل ضد زامبيا (2-2)    غويركات يرثي محمد بهضوض.. "الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم"    الحرارة تواصل صعودها بعدد من جهات المغرب    قاصر ينهي حياته في ظروف غامضة بجماعة ونانة    مئات الفرسان يتنافسون على لقب "بطل المغرب" في "أسبوع الفرس" بدار السلام    اختتام مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالقنيطرة    نظام ركن جديد للسيارات في طنجة يسعى إلى احترام حق التناوب والمساواة في الركن بين المرتفقين    ابتدائية الحسيمة تدين سيدة بتهمة الابتزاز والمس بالحياة الخاصة    الحسيمة تغيب مجدداً عن قائمة الشواطئ الحاصلة على اللواء الأزرق صيف 2025            إسبانيا: عدة إصابات خلال إخلاء طائرة ل "ريان إير" إثر إنذار خاطئ بحريق    إعادة انتخاب المغرب عضوا في مجلس "الفاو"    موتسيبي يشيد بدور المغرب الريادي في تطوير كرة القدم الإفريقية عامة والنسوية خاصة    المغرب يدعو إلى إدماج الآليات الوطنية لحقوق الإنسان في استراتيجيات الأمم المتحدة    جازابلانكا .. منصة نفس جديد تنفتح على إيقاعات صحراوية مع فرقة درعة تريبز    في العدوان الإسرائيلي على إيران    إنذار بمطار مايوركا بعد اندلاع حريق بطائرة وإصابة 6 ركاب    قانون جديد بهولندا يجرم تقديم المساعدة "للحراكة"    الملك يبعث تهنئة إلى الرأس الأخضر    نادي ليفربول ومنتخب البرتغال يودعان المهاجم ديوغو جوتا بجنازة مؤثرة    المغرب يزيد واردات قمح كازاخستان    عبد الله العروي: اسْتِبانَة    "الحرب بوسائل أخرى": رواية عن السلطة والحب والإدمان    السلطات تمنع عروض الهواء الطلق في "الليلة البيضاء للسينما وحقوق الإنسان" وتثير استياء المنظمين    مؤسسة البحث والتطوير والابتكار في العلوم والهندسة.. حصيلة "مذهلة" خلال السنوات الثلاث الماضية (أزولاي)    جامعة محمد السادس تشارك في ابتكار جهاز ينتج المياه العذبة من الهواء دون مصدر طاقة خارجي    مونديال الأندية.. تشيلسي يهزم بالميراس ويلاقي فلومينينسي في النصف نهائي    ارتفاع حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ل57 ألفا و268    كروزنشتيرن.. أسطورة السفن الروسية تحط الرحال في ميناء الدار البيضاء باستقبال دبلوماسي    في عيد استقلال الولايات المتحدة، الرئيس ترامب يوقع قانون الميزانية الضخم    طقس حار مع "الشركي" وهبات رياح مع عواصف رملية السبت والأحد بعدد من مناطق المغرب    مصادر أمريكية: صعود نجل قديروف يثير القلق والسخرية في الشيشان    نقابة الأبناك تدق ناقوس الخطر بشأن اقتطاعات ضريبية خاطئة من معاشات المتقاعدين    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    أخصائية عبر "رسالة 24": توصي بالتدرج والمراقبة في استهلاك فواكه الصيف    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض ملامح سيكولوجية الهدر المدرسي بالمغرب
نشر في هسبريس يوم 15 - 07 - 2021

لا جدال في أن كثيرا من الأطفال المغاربة ذوي القدرات الذهنية الكافية للنجاح الدراسي، ينتهي بهم المطاف إلى الرسوب والفشل، بحيث غالبا ما يتوقف مشوارهم عند نهاية التعليم الأساسي على أبعد تقدير. وحيث إن الهدف المرسوم لهذا المقال يتحدد في محاولة استنطاق طبيعة العلاقة بين الفشل الدراسي لهؤلاء كحقيقة ملموسة تترجمها مظاهر التكرار والرسوب والانقطاع والضياع، وبين الصراع القيمي لأنساقهم الأسرية والمدرسية كواقع موضوعي يفرض نفسه، فإن اهتمامنا سينصب على الوقوف عند أهم ملامح سيكولوجية هذا الفشل من داخل نتائج وخلاصات الدراسة الميدانية التي أنجزناها في الموضوع، وذلك من خلال التفصيل في ثلاث نقاط جوهرية:
الأولى تهم مدلول التسربات الدراسية وحجمها؛ إذ على الرغم من أن بناء مدرسة حديثة قد شكل المطلب الرئيس للمغاربة غداة الاستقلال، إلا أن هذا المطلب كان ولا يزال يشكل منذ ستينيات القرن 20 موطنا لنواقص كلها تعبيرا عن مظاهر التسرب والإخفاق والتراجع وخيبة الأمل. فرغم بعض النتائج المشجعة على صعيد تعميم التمدرس وتوسيع الولوج إلى خدمات التربية والتكوين، فإن معضلة الفشل الدراسي لا تزال تستفحل كميا وتتعمق كيفيا وسط تلاميذ السلك الابتدائي بالخصوص. فحسب المؤشرات الواردة في تقرير النموذج التنموي الجديد، فإن 67% من هؤلاء لا يحسنون القراءة، و40% لا يتممون تعليمهم الابتدائي، وحوالي 450 ألفا يغادرون المدرسة سنويا بدون شهادة. وللتوضيح، فمن ضمن 100 متمدرس مثلا، فإن نسبة الذين يقعون فريسة للتكرار مرة واحدة أو أكثر، تتدرج من 65% بالابتدائي، إلى 82% بالإعدادي، إلى 94% بالتأهيلي؛ إذ أن 3% فقط هم الذين يحصلون على الباكالوريا بدون تكرار.
النقطة الثانية تخص أبرز المقاربات التفسيرية لمشكل الفشل الدراسي والتي نجملها في ثلاثة نماذج: الأول بيولوجي، يربط حظوظ النجاح والفشل بالتكوين البيولوجي للمتعلم؛ إذ أن نجاح أطفال الشرائح الميسورة يعود إلى ارتفاع ذكائهم الناتج عن نوعية مورثاتهم. في حين أن فشل أطفال الشرائح الفقيرة يعود إلى انخفاض ذكائهم ومحدودية مورثاتهم. غير أن هذه النزعة البيولوجية تمثل من منظورنا الخاص قمة التفسير العنصري لظاهرة الفشل الدراسي. الثاني سوسيولوجي، يربط الفشل الدراسي بوظيفة المدرسة التي كثيرا ما تسقط في فخ تهميش أبناء الفئات المحرومة باعتماد معايير ثقافية وقيمية ولغوية غريبة عن واقعهم الحقيقي، وذلك بربط توافقهم الدراسي بتعلم طرق جديدة في التفكير والكلام والجلوس، وبفرض معايير ثقافية ولغوية، تكرس بالأساس الأفضلية الاجتماعية لأبناء الفئات المحظوظة. أما النموذج الثالث فهو سيكولوجي، يحدد أسباب الفشل الدراسي لكثير من التلاميذ في عوامل من قبيل: تواضع أوساطهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، محدودية ظروفهم المعيشية وأساليبهم التربوية وإمكانياتهم الترفيهية، هذا فضلا عن مظاهر قصورهم المعرفي وفقرهم اللساني ونفورهم من المدرسة.
النقطة الثالثة والأخيرة تتعلق بعوامل ومظاهر الفشل الدراسي بالمغرب، وإمكانية تشخيصه والبحث عن حلول لتجاوزه، وذلك بالتركيز على مدخلين أساسيين:
أولهما يؤكد على أهمية الفروق الاقتصادية والاجتماعية في نجاح الطفل أو فشله دراسيا، بحيث إن عوامل المستوى الاقتصادي للأسرة ووسط إقامتها ومحل سكناها ومهنة الوالدين، كلها محددات تلعب دورا مؤثرا في تمدرس أطفالها وتحصيلهم، وتعرض كثيرا منهم للرسوب والفشل.
وثانيهما يرتبط بأهمية الفروق الثقافية والقيمية في تفسير بعض عوامل ومظاهر الفشل الدراسي؛ إذ لا نشك في أن الهوة الفاصلة بين ثقافة الأسرة وثقافة المدرسة في المغرب، تؤدي حتما إلى فشل كثير من تلاميذ الفئات الشعبية التقليدية. فأغلب هؤلاء يحتاجون إلى فترة طويلة نسبيا للتكيف مع الفضاء المدرسي الذي يطالبهم بتعلم مفاهيم وقواعد وسلوكات جديدة لم يتعودون عليها داخل أوساطهم الأسرية. فنحن لا نستبعد بهذا الخصوص ما تمثله القيم من تأثير إيجابي أو سلبي في ظاهرة التحصيل الدراسي بوجه عام، لكونها هي التي توجه سلوكات المتعلمين عبر جملة من المواقف والأحكام المتعارضة مثل: جيد – قبيح، مسموح – ممنوع، صحيح – خاطئ.. إلخ. فكلما كانت تلك القيم منسجمة مع قيم المدرسة، كما هو الحال لدى أبناء الفئات المحظوظة، إلا وسهَّلت توافقهم الدراسي. لكن في المقابل كلما كانت متناقضة مع القيم المدرسية، كما هو الحال عند أبناء الفئات المحرومة، إلا وأدت بهم إلى مقاومة التعلم والتحصيل، وبالتالي التشبع بحالات الكسل والرسوب والفشل.
إذن، فنظرا لدوره الأساسي في سيرورة التوافق الدراسي، فإن عامل القيم هذا هو الذي تم التركيز عليه في الدراسة الميدانية التي أنجزناها في الموضوع لصالح الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية على عينة مكونة من 60 طفلا، يتحدد متوسط أعمارهم في 13 سنة، كلهم يتابعون دراستهم بالقسم السابع إعدادي، ويتوزعون حسب مهنة الأبوين إلى مجموعة المحظوظين (30 عنصرا)، ومجموعة المحرومين (30 عنصرا). وقد أفضت بنا إلى مجموعة من النتائج التي نجملها في الخلاصات الأربع التالية:
– بصورة عامة يظهر أن أطفال الأوساط السوسيوثقافية المرتفعة هم أكثر توافقا دراسيا من أقرانهم المتحدرين من أوساط سوسيوثقافية منخفضة، وذلك بفعل تجانس قيمهم الأسرية والمدرسية، في مقابل تباينها لدى أنظارهم من الأوساط الأخرى. وهو التباين الذي عادة ما يتخذ شكل صراع قيمي ينتهي بالطفل إلى فشل دراسي حاد.
– إذا كان تفضيل أطفال الفئات المحظوظة للثقافة الحديثة يعني ضمنيا تثمينهم الإيجابي لقيم المدرسة، وبالتالي تحقيق توافق دراسي أكبر، فإن الأمر يبدو عكس ذلك بالنسبة لأطفال الفئات المحرومة الذين يفضلون الثقافة التقليدية الأصيلة التي تتعارض في كثير من الجوانب مع القيم الحديثة للمدرسة، الأمر الذي يتولد عنه صراع قيمي بين الثقافتين ينتهي بهؤلاء إلى فشل دراسي مؤكد. وهذه مسألة توضحها الخلاصتان المواليتان.
– هناك انجذاب واضح للأطفال نحو قيم المدرسة تبعا لانتماءاتهم السوسيوثقافية، بحيث إنه إذا كان الأطفال المحظوظون يختارون بشكل دال وبنسبة 70%، قيم الحداثة والتنافسية والاستقلالية التي تراهن المدرسة الحديثة على نقلها وتلقينها، فإن الأطفال غير المحظوظين يفضلون في المقابل وبنسبة دالة لا تقل عن 80 %، قيم الأصالة والتضامن والتبعية التي نادرا ما تركز عليها المدرسة الحديثة.
– على عكس أطفال الفئات المحظوظة الذين يتشبعون بقيم الحداثة والتنافسية والاستقلالية في كل من الأسرة والمدرسة، ويحققون التوافق الدراسي المطلوب، فإن أطفال الفئات المحرومة الذين يتشبعون بقيم الأصالة والتضامن والتبعية داخل الأسرة، ويواجهون قيم الحداثة والتنافسية والاستقلالية داخل المدرسة، عادة ما يفشلون في تحقيق التوافق الدراسي المرغوب. فغالبا ما تغلب على تصرفات هؤلاء مظاهر التغيب عن الدروس، الشغب داخل الفصل، اللامبالاة أثناء الحصص، تحاشي التواصل مع الأساتذة والزملاء، وتدني مستوى تحصيلهم الدراسي.
بخلاصة، يمكن الإقرار بأنه إذا كنا نثمن فكرة لجنة تقرير النموذج التنموي الجديد التي تؤكد بأن "تعليمنا لا يشجع الإبداع والابتكار لكونه ينفتح أكثر على الهدر والفشل"، فالأكيد أن الارتقاء بالمدرسة المغربية نحو الأفضل، يستدعي تبعا للنتائج والخلاصات السابقة، تجويد برامج تعلماتها، وتحسين كفاءات متعلميها، وتطوير مهارات نجاحهم واندماجهم معرفيا وقيميا ومهنيا ومجتمعيا، وبالتالي استرجاع ثقة المغاربة في وظيفتها المعرفية والقيمية كرافعة لتحقيق العدالة التربوية والارتقاء الاجتماعي وإشعاع قيم المواطنة وروح الانتماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.