دعا أبو الطيب مولود السريري، العالم في أصول الفقه والخبير بالتعليم العتيق، الجهات المعنية إلى تحمل مسؤوليتها والعودة بالمدارس العلمية العتيقة إلى فلسفتها الأصيلة وقوتها الأولى قبل فوات الأوان. وقال السريري خلال محاضرة حول "القرآن الكريم في حياة الأمة الإسلامية" بإقليم اشتوكة آيت باها إن المدارس العتيقة أصيبت بدروب من الاضطراب، وتحوّل أغلب طلبتها إلى باحثين عن الشواهد فقط، فضاعت الأمانة، وضاع العلم، مضيفا "لم يعد أمامنا خيار سوى أن يسعى القائمون على هذا المجال إلى العودة بالتعليم العتيق إلى الصورة التي كان عليها في أرجاء العالم الإسلامي زمن العلماء الكبار". وأكد العلامة الذي يشرف على تدريس علوم أصول الفقه وباقي العلوم الشرعية، بمدرسة تنكرت العتيقة بكلميم، على أن إصلاح التعليم العتيق يقوم على إصلاح الألسنة للتعبير عن ضمير الأمة، وإصلاح العقول للانضباط لقواعد العلوم الفقهية، وإصلاح القلوب وتنقيتها من الرعونات والأوبئة. وانتقد مولود السريري ما وصفه بجمود بعض القائمين على التدريس في المدارس العتيقة الذين جمدوا وجمّدوا هذا التعليم، معتبرا أن حالة الجمود هذه ليست منحصرة في التعليم العتيق وحده، ذلك أن أسلاكا أخرى من التعليم ليست في منأى عن حالة الجمود، بل إنها قد تكون أكثر جمودا من التعليم العتيق، واعتبر أيضا أن إصلاح التعليم العتيق لا يتطلب جهودا كبيرة بالنظر إلى أنه يحمل مقومات نجاح أي إصلاح، إذا تحقّقت الإرادة القوية، معتبرا أن علاقة الأبوة بين الشيخ وطلبة العلم وبركة الدعاء وغيرها من الأسباب المفضية إلى إنجاح أي إصلاح. ودعا السريري إلى الانفتاح على تعلم اللغات والعلوم المعاصرة بعد تحقيق العلوم الشرعية على الوجه الذي يمكن من وزن الأمور والقضايا. وتعقيبا على بعض التساؤلات التي طرحها طلاب المدارس العتيقة، خلال هذه المحاضرة، حول انتقاد التركيز على الحفظ في المدارس العتيقة، قال السريري إن الحفظ لا بد منه في تحصيل العلوم على الوجه المطلوب، وأن الطالب يخضع للتكوين متدرجا بين الحفظ والتقرير والتحصيل والإلزام، ودعا، في هذا السياق، إلى أن طلب العلم لا يُقتصر فيه على الكتب المعاصرة فقط، بل يجب أن تتوفر أمهات الكتب القديمة التي ألفها العلماء الكبار الذين يشحنون الألفاظ بالمعاني المؤثرة في وجدان طلاب العلم، والمفضية إلى استيعاب المفاهيم والمعاني رغم أن المادة العلمية متوفرة بألفاظ يصعب استيعابها، وهذا يحتاج إلى التدرج والمثابرة.