وا معتمراه ... صرخة ليلة قدر من جبال سوس !!!! اليوم هو إحياء لليلة القدر في الحرم المكي المبارك ، طلبت الأخ الطيب أحد المحسنين من الميسورين،المعروف عنهم قضاء العشر الأواخر كل سنة بمكة المكرمة ، وسألته هاتفيا أن لا ينساني من الدعاء في هذه الليلة المباركة.. فأجابني: إن شاء الله سأفعل، لكن هذه المرة ،من جبال سوس المعلقة بين السماء والأرض.... باستغراب شديد ،سألته: جبال سوس ..؟ !! فأجابني :نعم أختي الكريمة،أنا وزملاء لي من خيرة شباب المغرب، نطوف بسيارتنا الرباعية الدفع "كاط كاط" أرجاء المغرب منذ بداية رمضان، نرفع الاذان في بيوت صائمي مناطق جبال المغرب الغير النافع .. نزودهم بمؤنة الإفطار،وببعض الأدوية المهدئة لآلامهم ....وجدنا بيوتا شبه مسكونة بالأشباح فلا قوت ولا ماء ولا إنارة، ولا طرق يسلكونها لفك قيد عزلتهم، نمشي بسياراتنا الرباعية الدفع بمسافة 5 مايل،ونتوقف ... فالطرق وعرة ،والحرارة مشتعلة،اكثر من 48 درجة، أهلنا من هذه المناطق يحملون بطاقات مثلنا،لكن لا يستعملونها،فلا بنوك ولا مستشفيات،ولا أسواق تقتضي المعاملة بها ، ومنهم من تملك وصل البطاقة منذ 2009 لكن لا قدرة لها على استلامها، فاستلام البطاقة يقتضي منها مصاريف وجهد قطع مسافة 100 كيلومتر فوق جبال وعرة، ،شاهدنا في طريقنا رجل يحمل زوجته في مخاضها،فوق عربة إسمنت "بارويطة"، اقتربنا منه.. فإذا به يبكي حرقة فراقها، ماتت النفيسة والمولود قبل وصولهما ،لرصيف الطريق المعبدة... ماتت لأن جسمها لم يتحمل لهيب حر الشمس الحارقة،لم يتحمل الخبط فوق حجارة مرتفعات الطريق الوعرة، دخلنا إلى مداشر أخرى،وجدنا عجوزا تنزف دما ، جراح غائرة في قدميها الحافيتين، تعبئهما بفلفل أحمر، ضمدنا جراحها،اعطيناها نصيبها من مؤونة الافطار،فقالت بالله عليكم لا نريد منكم شيئا،جزيتم على إحسانكم ووفيتم، فأتموه لنا رجاء، نريد طرقا ،وإنارة، وماء... فعدت لنفسي، وصرخت صرخة أهالينا... وامعتمراه ... !!! ممن أطلب الدعاء اليوم....؟ من هؤلاء المعتمرين في جبال سوس الوعرة ؟ أم من أصدقائي المتمتعين بالعمرة في رحاب بيت الله الحرام.. ؟ !!! احترت في أمري ،فعدت بذاكرتي لأيام العمرة.. كم من أموال تنفق اليوم في فنادق فاخرة ،تصل لدرجة ثمانية نجوم لأداء عمرة العشر الأواخر، جميل أن نحيي صلة الرحم ببيت الله الحرام ،مرة ومرتين وثلاثة في العمر،جميل أن نتقرب لله بأداء مناسك العمرة، لكن الأجمل أن نوازن بين حق التصرف في أموالنا عدلا للسائل والمحروم.... كم من يتيم مشرد لم نبحث عن إيواءه وتعليمه واحتضانه؟ كم من أرملة تجوب الشوارع ضياعا وأطفالها دون معيل يرحم فلذات أكبادها؟ كم من مريض لم يجد من يدفع له فاتورة دوائه؟ ولا من يرحم ضعف مرضه من داء الفقر الكلوي الذي يقضي على حياته بآلام انفجار جسمه ؟ كم من أطفال شوارع تائهين ....لا تغطية صحية لهم ،ولا تعليم ،ولا مأوى، ولا حضن دافئ يحتضنهم؟ كم ...وكم ....وكم ...هي الحاجات في ليلة قدر هي خير من ألف شهر.؟ ندفع أموالا طائلة للتمتع ،وياليته من أجل عمرة تخشع فيها قلوبنا طلبا لرضاء الله... بل إنه الاستعداد بعد العيد لتمتع من نوع آخر ،حزم الأمتعة للتجوال سياحة في عوالم التسوق والاستجمام بديار لندن وباريس ودبي ونيويورك وسنغافورة.... كم من دمعة خشوع ستنزل ليلة القدر،لكن كم من دمعة ستحرك فينا شوق الوصال للذة المحبة في الله،وتحفزنا على إعطاء حق الله للفقراء والمساكين،فشتان بين مظاهر عبادتنا الفردية،ومتطلبات ثلاثية العلاقة مع "الله و النفس و المجتمع " التي خصنا بها الإسلام ، نعم نبكي ونخشع ونتعبد ونصوم ونقوم ونعتمر،ولكن هذا يدخل في سياق العلاقة مع الله، العبادة الفردانية ، فأين حق العبادة بالمعاملات الجماعية ؟ ! أين العلاقة مع النفس بترويضها وتوجيهها،نحو حقوق المعاملات في المجتمع؟ إن واجباتنا التعبدية، مفتقرة إلى هرمية ثلاثية شمولية الموازنة في المبدأ المقاصدي التشريعي بين "حفظ الدين،وحفظ النفس،وحفظ العقل ،وحفظ المال،وحفظ العرض.." فنحن نحفظ الدين فقط ،حين نتوجه بالعلاقة مع الله دون باقي العلاقات، قياما وصياما ونضيعه بتجاهل ترشيد وتوجيه، ثلة من أبناء مجتمعنا بالنصح والتوجيه،عوض جلدهم بسياط حكم الفسق ان هم ضاعوا او انحرفوا... !! نحفظ أنفسنا، بالمراقبة الصحية،والطبية، وننسى الحفاظ على حقوق النفس التي أمرنا الله بإحيائها، حين نترك الفقراء يتضورون جوعا ويموتون بأمراض مستعصية،ونحن نظن أن دعاءنا لهم في الحرم ,والمساجد قد يرفع ابتلاءهم...؟ !! كم من عقل لم نحفظه ،وضيعناه بالجهل الذي ولد الفرقة والتعصب حينما ،لم نزكي أموالنا وأوقاتنا لبناء المدارس في المداشر كما بنينا المساجد، كم من مال صرفناه في غير موضعه واستثنينا منه أبناء المحرومين من الفقراء؟ كم أنفقنا على سياحة ودراسة أبنائنا وتقشفنا على صرف مبلغ نوفره منحة لفقراء طلابنا ....!! كم من عرض لم نحفظه،وأهملناه بعدم الرعاية والعناية ؟ إلى أن بيع في سوق نخاسة الاتجار بعرض بناتنا، حين عرضناهن وأهليهن، للفقر والفاقة والحاجة،وحملناهن مصاريف عوائل بأكملها،بتعسيرنا دفع حق النفقة والحضانة ،حق التعليم والرعاية،حق الإيجار والمأكل ، حق الوعظ والإرشاد والتوجيه.... وا معتمراه المغرب ...والمشرق !!!!! كم من دمعة ستسكب اليوم في ليلة القدر ،حسرة على ذنوب ذاتية اقترفناها،ولم تحرك فينا حق ذنوب جماعية اقترفناها سنسأل عنها وعن توابعها بعد ليلة القدر ...... !!!! أستاذة التعليم العالي - جامعة ابن طفيل القنيطرة ait [email protected]