دولة الإمارات العربية المتحدة دولة أسسها حكماء وعقلاء الأمة. والحكماء لا يموتون ولا تموت مبادئهم ولا قيمهم ولا أخلاقهم. ولا يفارقون هذا العالم إلا وهم قد غرسوا تلك المبادئ والقيم في النسل الذي يخلفهم. وكذلك هو حال الشيخ الحكيم زايد بن سلطان آل نهيان رحمة الله عليه، الذي أبى إلا أن يربي أبناءه على أسس سليمة من المحبة والإخاء والإيثار. وما نعاينه اليوم في أبنائه هو ثمار لتلك المدرسة الآل نهيانية من الوفاء والإخلاص للدول التي تبادلهم بكل صدق تلك المبادئ والقيم. ولعل المغرب واحد من تلك الدول التي تتقاسم مع دولة الإمارات العربية الشقيقة تلك المبادئ التي آمنت بها كذلك مدرسة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني. واليوم يلتقي أبناء الحكماء وهم ملوكا وأمراء على نفس المبادئ والقيم ليصلوا الماضي بالحاضر في سيرورة تاريخية كي يعيش الشعب المغربي والشعب الإماراتي على هدى من أمرهم وفي وئام أخوي غير قابل للاختراق ولا يأتيه الباطل من أي كان. تلك السيرورة التاريخية وتلك المبادئ جعلت من البديهيات في علم السياسة أن يكون البلدان على درجة عالية من التضامن والتنسيق فيما بينهما. وقبل أن يكون ذلك من الخيارات الأساسية في التوجهات، فهي بالأساس من الضروريات التي لا محيد عنها والتي يفرضها منطق التاريخ ومنطق الجغرافية. البلدان تواجههما تحديات واحدة ولهما مصير واحد. وما قد يؤلم المغرب فهو قد يؤلم كذلك الإمارات والعكس في ما نقوله صحيح، مصداقا لحديث أشرف الأنام "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". وتجسيدا لهذه النفحة النبوية ولهذا التضامن الراسخ بين البلدين الشقيقين، نثمن كل الخطوات التي قامت بها القيادة الإماراتية المتمثلة في شخص الشيخ محمد زايد آل نهيان الذي حرص سموه على أن يسارع إلى الوقوف إلى جانب المغرب في لحظة مصيرية بخصوص قضيته الوطنية. وبالأمس أعطى سموه تعليماته إلى مندوب دولة الإمارات لدى الأممالمتحدة لمساندة الطرح المغربي في مغربية الصحراء وفي مقاربة الحكم الذاتي كحل سياسي ونهائي لهذا النزاع المفتعل. ولم يكتف سموه بذلك، بل بفراسته ونظره الثاقب وبإيمانه بوحدة الدول حرص على أن يجسد ذلك الموقف في الأممالمتحدة ليعطيه مدلولا حقيقيا وبعدا على أرض الواقع، فكلف سموه وزير خارجية بلاده بفتح قنصلية إماراتية في مدينة العيون، لإعطاء الدليل القاطع على أن قناعة دولة الإمارات العربية المتحدة هي قناعة راسخة لا تقبل التأويل ولا المساومة في مغربية الصحراء. ونقول لهذا الرجل الشهم ولهذا القائد الشجاع نحن كمغاربة نعتز أيما اعتزاز بهذه المواقف النبيلة، وجميع المغاربة مدينين لكم بهذا الموقف كما هم مدينين لمواقف والدكم الشيخ زايد بن سلطان، وإن توفاه الله فهو ما زال حيا فينا. نستحضر قيمه وأخلاقه ونستحضر حبه وعشقه للمغرب. ومن جانبنا كمغاربة نبادلكم نفس المشاعر ونفس المواقف. ونحن مع دولة الإمارات قلبا وقالبا وفي السراء والضراء. تحدياتكم هي تحدياتنا وهواجسكم هواجسنا. وما يحاك ضد دولة الإمارات العربية المتحدة في وحدتها من تحرشات إقليمية مجاورة للخليج العربي هي نفسها التي يعاني منها المغرب في منطقة المغرب العربي. ولذلك فإن التضامن يفرض نفسه. ونعتقد جازمين أن هذه الخطوة التي قامت بها دولة الإمارات العربية المتحدة هي أول الغيث، وأول الغيث قطرة. وأنه بفضل دبلوماسية ملك حكيم من عيار الملك محمد السادس سيزداد منسوب الغيث وستزداد قطارته من أشقائنا في الخليج العربي وذلك بالرجوع إلى مواقفهم التضامنية التي أعربوا عنها جميعا أخيرا في محفل الأممالمتحدة. النسر الإماراتي قد حط الرحال وستتبعه بقية النسور الخليجية، وسيرى العالم كله بأم عينه القاصي والداني منه افتتاح قنصليات جديدة في أقاليمنا الصحراوية على غرار الطوفان الإفريقي الذي يتزايد حضوره في الصحراء التي هي الصحراء المغربية. وستعيش أختنا أميناتو حيدر معنا هذا الحدث في زمن سوف يخيب ظنها بعد أن سولت لها نفسها أن تراهن على حصان أعرج. ونقول لها من الآن هذه رسائل عربية وإفريقية تؤكد لك مغربية الصحراء، فحافظي على خط الرجعة والتقطي أيتها السيدة تلك الرسائل ما دام الوطن بك غفور رحيم.