في أحد مقاطع الفيديو المُلتقطة من بير الحلو يظهر عدد من الصحراويين، الذين سخّرتهم جبهة البوليساريو لاستفزاز الجنود المغاربة، في حالة هيجان وهم يلوّحون بأعلام "الجبهة الوهمية" أمام كتيبة من الجنود المغاربة. وفي غمرة الهيجان الذي أجّجته الهتافات وزغاريد النساء، قفز شاب من المجموعة من أعلى سور مبني بالحجارة، محاولا التوجه نحو الجنود المغاربة، قبل أن يمنعه من ذلك بعض الذين كانوا معه. مقابل ذلك كان الجنود المغاربة واقفين يصوّرون بهواتفهم المحمولة الأشخاص الذين أوفدتهم البوليساريو من أجل استفزازهم، بعدما قامت بمحاولات مماثلة في مناطق أخرى، خاصة بمعبر الكركرات. وأمام إمعان جبهة البوليساريو في استفزاز المغرب، خاصة بعد إقدام الصحراويين، الذين أوفدتهم للقيام بهذه المهمة، على إغلاق معبر الكركرات، يُطرح السؤال التالي: هل سيظل المغرب محافظا على ضبط النفس في ظل التصعيد الذي تمارسه الجبهة الانفصالية؟ يرى نوفل البعمري، الباحث في شؤون الصحراء، أن الحفاظ على السّلم في المنطقة العازلة، التي تسعى البوليساريو إلى إشعالها، ليس مهمّة المغرب وحده، بل هي مهمّة الأممالمتحدة أيضا، التي سبق لها أن أصدرت قرارات من خلال مجلس الأمن، تطالب فيها بانسحاب عناصر الجبهة خارج المنطقة العازلة، والحفاظ على الوضع القائم الذي يعطي الحق للمغرب في إدارة المعبر أمنيا وإداريا وسياسيا. وأضاف البعمري، في تصريح لهسبريس، أنه في حال استمرار حالة الفوضى الحالية، حيث تبذل جبهة البوليساريو منذ أسابيع ما بوسعها لإشعال المنطقة العازلة، فإن "المغرب سيكون من حقه أن يتساءل حول جدوى تواجد البعثة الأممية بالمنطقة العازلة مادامت غير قادرة على القيام بمهامها". ويظهر من خلال مقاطع الفيديو الملتقطة من منطقة الكركرات أن جبهة البوليساريو تتعامل، من خلال الأشخاص الذين أوفدتهم إلى المنطقة لاستفزاز المغرب، بكثير من الاستخفاف حد الإهانة، فبعد الرسالة التي تلاها أحدهم أمام أعضاء بعثة "المينورسو"، خاطبهم بالقول: "لدي لكم نصيحة، وهي أن تذهبوا إلى عملكم، لا نريد أن نسمع منكم شيئا لأن الكلام الذي ستقولونه سمعناه منذ ثلاثين سنة". وأكد نوفل البعمري أن الأممالمتحدة بالأساس مَعنية بالاستفزازات الأخيرة في المنطقة العازلة، باعتبارها صاحبة الولاية في النزاع حول الصحراء، ولكونها هي التي تشرف على العملية السياسية ككل، بما في ذلك الوضع بالمنطقة العازلة. وبخصوص ما إذا كان المغرب سيستمر في نهج سياسة ضبط النفس، قال البعمري إن ما سيحدد الموقف المغربي والردّ الذي سيردّ به هو طبيعة تعاطي الأممالمتحدة وبعثة "المينورسو" مع التحركات الأخيرة للجبهة الانفصالية، مشيرا إلى أن كل ردود المغرب لحد الآن تعتمد على الدبلوماسية، وعلى الرد السياسي، ونهج سياسة ضبط النفس. وسجّل الباحث في الشؤون الصحراوية أن الجنود المغاربة المرابطين بالمنطقة العازلة "تعاطوا بحكمة مع الاستفزازات الخطيرة التي تعرضوا لها". وفيما لا تزال جبهة البوليساريو ممعنة في استفزاز المغرب، يرى البعمري أن على الرباط أن تكون دقيقة وحازمة في علاقتها بالأممالمتحدة، وأن تضعها أمام مسؤوليتها في فرض احترام تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي وتوصياته من طرف البوليساريو. وأضاف أنه في حال لم تتجاوب الأممالمتحدة بشكل جدي وقاطع مع المغرب "سيكون من حقه تحريك آلياته العسكرية إلى المنطقة، وفرض احترام سيادته عليها، والحفاظ على الوضع القائم الحالي الذي أكدت عليه الأممالمتحدة، وسيكون القانون الدولي في صفه". وإذا كانت جبهة البوليساريو مدعومة من طرف الجزائر، فإن البعمري يرى أنه على العكس مما يعتقده البعض، فإن الجيش الجزائري لن يتدخل في أي تطور عسكري محتمل، لأنه لم يعد بالقوة التي كان عليها، كما أنه منشغل بالمعطيات السياسية الداخلية وبتدبير المرحلة الانتقالية التي أنهكته، وأنه لن يكون قادرا على الدخول في أي مغامرة غير محسوبة العواقب.