سرّعت حركتا "فتح" و"حماس"، مؤخرا، وتيرة خطوات التقارب بينهما بعد سنوات من الخلافات، في وقت تجابه فيه القضية الفلسطينية تحديات جسيمة وغير مسبوقة. وتتجه الحركتان إلى التوافق على إجراء انتخابات عامة لأول مرة منذ عام 2006، في محاولة جديدة لإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، ومن المتوقع أن يتم تحديد موعد الانتخابات خلال اجتماع سيعقد خلال أيام. وقال محمد اشتية، رئيس الوزراء الفلسطيني، خلال اجتماع مجلس الوزراء، بداية الأسبوع الجاري، إن الحكومة ستبذل كل الممكن لإنجاح الانتخابات التي تم الاتفاق عليها بين حركتي "فتح" و"حماس" وبقية الفصائل الفلسطينية. وصرح جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية ل"فتح"، بأن الاجتماع سيترأسه الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أجل "إقرار الرؤى والإستراتيجية والآفاق المستقبلية للقضية الفلسطينية". وكان عباس ترأس في الثالث من الشهر الجاري اجتماعا للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في رام الله وبيروت، عبر الإنترنيت، وبينها "فتح" و"حماس"، لأول مرة منذ سنوات طويلة. وأعقب ذلك اجتماعات بين وفدين من قيادتي "فتح" و"حماس" استمرت ثلاثة أيام الأسبوع الماضي في مدينة إسطنبول التركية، واختتمت بإعلان اتفاقهما على "رؤية مشتركة" ستقدم للحوار الشامل. وكتب المحلل السياسي أكرم عطا الله مقالا في صحيفة "الأيام" المحلية بعنوان "مصالحة السلحفاة التي استعارت أقدام الفهد"، في إشارة إلى مظاهر التعثر الشديدة التي رافقت تفاهمات سابقة للحوارات بين "فتح" و"حماس". ورأى عطا الله أن "الحوار هذه المرة يتخذ شكلا أكثر جدية من المرات السابقة، لا من حيث النتائج بل الدوافع التي دفعت بالأطراف"، مؤكدا "أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا". وأعلن مسؤولون في "فتح" أن التفاهمات مع "حماس" تقوم على إجراء انتخابات تشريعية، ثم رئاسية، وأخرى لمنظمة التحرير خلال مدة 6 أشهر. وقال نبيل عمرو، الدبلوماسي الفلسطيني السابق، لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ)، إن الفلسطينيين سيراقبون تطبيق ما تم الاتفاق عليه بين الحركتين لاسيما ما يتعلق بإجراء الانتخابات. ويشدد عمرو على أن الانتخابات يجب أن تتضمن تجديد المؤسسات والقيادة الفلسطينية بما يتيح دخول أفكار جديدة، "بدون احتكار فصائلي مستمر منذ سنوات". وشدد عمرو على أن "الانتخابات حاجة ملحة إلى إعادة الثقة بالمواطن الفلسطيني ومؤسساته وتقديم صورة حضارية وديمقراطية أمام العالم لكسب دعمه بكافة الأشكال المتاحة". ويعاني الفلسطينيون، منذ منتصف عام 2007، من الانقسام، إثر سيطرة "حماس" على قطاع غزة؛ فيما فشلت تفاهمات عديدة برعاية خارجية متعددة على مدار أعوام في تحقيق المصالحة. ويعتبر هاني حبيب، الكاتب والمحلل السياسي من غزة، أن ما يجرى هذه المرة في محادثات المصالحة قد يشكل "إعادة هندسة النظام السياسي الفلسطيني". وقال حبيب إن ذلك يحدث "في ظل مستجدات بالغة الخطورة على الوضع الفلسطيني، لا سيما بدء تنفيذ صفقة القرن (الأمريكية) بما فيها خطة الضم الإسرائيلية لأراض فلسطينية. وأشار إلى "موجة التطبيع بين بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل، الأمر الذي مهد الطريق وفرض على القيادات الفلسطينية اتخاذ خطوات أكثر جدية، وتوفير إرادة حقيقية تتجاوز كل العقبات السابقة من أجل إنهاء الانقسام الداخلي". وشدد حبيب على أن النظام السياسي الفلسطيني "بحاجة إلى إعادة هندسته لمواجهة المخاطر والتداعيات والتحديات كافة، مع التأكيد على أن الانتخابات استحقاق وطني ديمقراطي فلسطيني". وتضمنت تفاهمات فتح وحماس تشكيل "قيادة مقاومة موحدة" لتفعيل الحراك الشعبي ضد إسرائيل في وقت يتم فيه الدعوة إلى رد فعل فلسطيني في مواجهة المخاطر الحاصلة. ويعتبر المحلل السياسي عبد الناصر النجار أن "انتفاضة فلسطينية ثالثة مسألة وقت؛ لأن الخيارات الأخرى أمام الشعب الفلسطيني لم تعد قائمة". وقال النجار إن "عوامل الانفجار عديدة لدى الفلسطينيين؛ وبينها الضغوط التي يتعرضون لها داخليا وخارجيا بحيث لم يعد أحد قادراً على تحمل المزيد منها". وأضاف: "ليست الضغوط الاقتصادية أو المالية فقط، ولكن الجرائم الإسرائيلية وعلى رأسها الاستيطان، فنحن نرى هجمة إرهابية استيطانية بلا حدود مدعومة من الحكومة والأحزاب الإسرائيلية، ومن الإدارة الأمريكية " بما يقوض كل ما تبقى من فرص لحل الدولتين.