أصدر رئيس الحكومة المغربية يتاريخ 14 أبريل منشورا يحمل رقم 06/2020 موضوعه: "المساهمة في الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا"، أشار تمهيده إلى الظروف الاستثنائية التي يمر منها المغرب خلال الأزمة الوبائية، والتي بموجبها تم إحداث "الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا"، ولكي يمنحه رئيس الحكومة أساسه القانوني، فقد وظف الفصل 40 من الدستور، وبناء على مقتضيات المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الذي يسن أحكاما خاصة بحالة الطوارئ الصحية، ولا سيما المادة الخامسة منه، فضلا عن استناد المنشور لما أعربت عنه المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا من تجنيد ورغبة في الانخراط في دينامية التضامن والتكافل. وبعد هذه التأسيس قررت الحكومة وفق المنشور أن "يساهم موظفو وأعوان الدولة والجماعات الترابية ومستخدمو المؤسسات العمومية، بأجرة ثلاثة أيام من العمل على مدى ثلاثة أشهر، تقتطع من الأجرة الصافية من الضريبة على الدخل والاقتطاعات المتعلقة بالتقاعد والتعاضد، وتحول إلى الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا". وختم رئيس الحكومة منشوره الموجه حصريا إلى "السيد وزير الدولة، السيدات والسادة الوزراء والوزراء المنتدبون والمندوبون السامون والمندوب العام، بأن يعمل هؤلاء على إعطاء تعليماتهم للمصالح التابعة لهم وللمؤسسات العمومية الخاضعة لوصايتهم، من أجل إنجاز هذا الاقتطاع في أحسن الظروف. من خلال دراسة حثيات هذا المنشور وتحليل تأسيسه القانوني، يمكن أن نخلص إلى الملاحظات التالية: أولا الاستناد الدستوري: ينص الدستور المغربي في فصل ال 40 على ما يلي: "على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد"، حيث يتضح من هذا الفصل أن المقصود به حصرا، هو التضامن في حالة التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد وأيضا تلك التي لها علاقة بالآفات والكوارث الطبيعية، أما تمطيط الفصل 40 لكي يوظف في ما يتعلق بالأوبئة والجوائح، فهذا فيها تجاوز من شأنه أن يجعل من هذه الفصل الدستوري مطية للاستناد عليه في كل الأمور التي ترى الحكومة أنها غير قادرة على تغطيتها. لأن الدستور رام معالجة القضايا التي تتوفر فيها القوة القاهرة، وليس الأمور التي من المفروض في الحكومة أن تتوقعها وأن تبحث لها عن موارد من أجل تغطيتها. لأنه إذا كانت تتوفر في "جائحة كورونا" القوة القاهرة، فإن الحكومة ما كانت لتلجأ إلى تقديم مشاريع قوانين من أجل تنظيم بعض القضايا الناجمة عن هذه الجائحة من مثل مشروع قانون حول الكراء ومشروع القانون رقم 30.20 ، الخاص بسن أحكام خاصة تتعلق بعقود الأسفار والمقامات السياحية وعقود النقل الجوي للمسافرين (الذي سبق أن أشرنا في مقال سابق أنه يناقض مبدأ عدم رجعية القانون)، حيث كان يكفي للقضاء أن يبث في هكذا قضايا استنادا إلى القهوة القاهرة المنطمة من قِبل القانون المغربي. وحتى لا يُترَك أمر تقدير التكاليف وطريقة إلزام المواطنين بتحمل تبعاتها، فإنه من المفروض أن يتم ذلك وفق قانون يصدر عن البرلمان، وليس بناء على منشور يستند إلى مرسوم بقانون، بمعنى أن الجهة المخول لها ذلك هي البرلمان. صحيح أن الفصل 40 لم ينص على الجهة التي تحدد التكاليف وتصدر الإلزام، ولكن يمكن القياس على الفصل 39، حيث أن القانون وحده يحدد التكاليف العمومية التي على الجميع أن يتحملها، كل على قدر استطاعته "التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور". أما إذا سايرنا الرأي القائل بأن من حق الحكومة الاقتطاع من أجور الموظفين من دون الرجوع إلى البرلمان، فإن هذا يعني أنه حتى من دون آفة أو كارثة طبيعية، يحق للحكومة إلزام المواطنين بأداءات مالية من أجل بناء سدود أو تشييد طرق أو أي إجراء يفيد ما يصفه النص الدستوري بمتطلبات التنمية. بمعنى أنه إذا كان من حق الحكومة إلزام المواطنين بالأداء تضامنا في حالة الكوارث فمن حقها أيضا إلزامهم إذا ما رأت أن ذلك مهم بخصوص المساهمة في "التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد". لكن من يحدد المقصود بتنمية البلاد؟ طبعا السلطة التقديرية للحكومة ودون الرجوع إلى البرلمان طبقا للرأي القائل بأن الحكومة غير ملزمة بذلك، وهو ما لا نرجحه. ثانيا الاستناد على المادة الخامسة من مرسوم حالة الطورئ الصحية: توسُّل المنشور بهذه المادة، لا يمنح الحكومة حقّ المس بحقوق فئة منظمة بقانون؛ فالمادة الخامسة أجازت للحكومة فقط وعند الضرورة القصوى أن تتخذ، بصفة استثنائية، إجراءات ذات طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو بيئي تكتسي صبغة الاستعجال، والتي من شأنها الإسهام، بكيفية مباشرة، في مواجهة الآثار السلبية المترتبة على إعلان حالة الطوارئ الصحية. فضلا على أن التدابير التي أجازتها هذه المادة للحكومة، تتعلق بما تراه الحكومة مفيدا للمواطنين حتى يخرجوا من الأزمة وليس التأثير على مداخيلهم، كأن تلجأ مثلا إلى استعمال احتياطها النقدي، أو توزيع مساعدات مباشرة على المحتاجين، أو تأجيل أداء قروضهم، أو الحلول محلهم في التزاماتهم وغيرها من الأمور التي هي في صالح المواطن وليس ضده. علما أن المادة اشترطت "حالة الضرورة القصوى"، ولا نظن أن هذه الحالة قد توفرت لكي تلجأ الحكومة إلى الاقتطاع من أجور موظفيها، ما دام في إمكانها اللجوء إلى أمور أخرى أكثر نجاعة، لكن الذي حدث هو أن الحكومة ذهبت مباشرة إلى الحل الأسهل بدل الحلول الأخرى التي سنشير إلى بعضها في الفقرات القادمة، وقد أشار العديد من الباحثين والمهتمين بالشأن الاقتصادي إلى أكثر من إجراء يمكن الدولة من موارد أهم ممّا تعود به الاقتطاعات. ثالثا الاستناد إلى بلاغ النقابات: أسّس المنشور مشروعية تدبير الاقتطاع على ما "أعربت عنه المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا من تجنيد ورغبة في الانخراط في دينامية التضامن والتكافل"، لكن المنشور لم يوضح أين أعربت هذه المركزيات عن رأيها. لأنه إذا كان يقصد البلاغ الذي قيل أن بعض النقابات كانت قد أصدرته يوم 19 مارس 2020، والذي تضمّن في فقرته الأخيرة ما يلي: "تعبّر (المركزيات النقابية الموقعة) عن انخراط الطبقة العاملة المغربية في القطاع العام والجماعات الترابية، والوظيفة العمومية والمؤسسات والمقاولات العمومية وشركات الدولة، ومساهمتها في هذا المجهود التضامني بأجرة ثلاثة أيام من الأجر الشهري الصافي، تقتطع من المنبع على مدى ثلاثة أشهر"، فإن هذا البلاغ ليس حجة، مادام لم يوقع من كل النقابات. وإن كان من البديهي القول أن المركزيات النقابية الموقعة، ليست وحدها التي تمثل العمال المغاربة (مثلا، النقابة الوطنية للتعليم غير موقعة)، وأنه ليس كل الموظفين والأعوان هم أعضاء في النقابات، علما أن العمال لم يخوّلوا للنقابات حق التصرف في أجورهم وإلزامهم بأداء واجبات خارج ما ألزمهم القانون الذي بموجبه تعاقدوا مع الدولة ومؤسساتها، وأما انخراطهم في النقابات فهو من أجل الدفاع عن حقوقهم بشكل مشترك. وأما إذا كانت الحكومة قد استندت على اللقاء الذي أجراه رئيسها مع النقابات يوم 30 مارس، والذي لم يختتم بمحضر موقّع، فإن نقابتين مشاركتين فيه على الأقل – حسب المعطيات المتوفر لكاتب السطور، لأنه قد تكون نقابات أخرى قد سلكت نفس الأمر - قد عبرتا عن رفضهما للاقتطاع الإجباري، إذ أصدرت الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل بلاغا يوم 15 ابريل 2020، تحت رقم 78/2020، في موضوع: "رفض الاقتطاع الإجباري من أجور الموظفين والمستخدمين للمساهمة في الصندوق الخاص بتدبير جائحة كوورنا"، اتهمت فيه النقابة رئيس الحكومة ب "إقحام وتوظيف المركزيات النقابية في هذا القرار المتخذ من طرفكم بشكل أحادي"، وأكدت هذه المركزية أنه "لم يسبق لها أن وافقت أو ساهمت في مناقشة هذا القرار الأحادي". من جهته أصدر "الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب" (المقرّب من حزب رئيس الحكومة) بلاغا يوم 15 أبريل 2020، جاء فيه: "سبق له (الاتحاد) أن أصدر بلاغا بتاريخ 19 مارس2020 يدعو فيه كافة مناضليه وعموم الشغيلة المغربية إلى المسارعة بالمساهمة في الصندوق بطريقة تطوعية تعكس روح التضامن التي تميز الطبقة العاملة، متسائلا عن وضعية الموظفين الذين سبق لهم المساهمة الفعلية في الصندوق بطريقة تطوعية"، ولأن هذا البلاغ جاء بعد منشور رئيس الحكومة، فهو يأتي بمثابة رد يرفض فيه الاتحاد إجبارية التطوع، وهو ما أكد عليه البلاغ أكثر من مرة، كما لم تنف النقابة الخبر الذي أوردته "جريدة هسبريس" الإلكتورنية تحت عنوان: »نقابة "بيجيدي" ترفض اقتطاع أجور الموظفين«. من خلال التحليل السابق وببناء على البلاغات والمواقف التي أصدرتها بعض النقابات أعلاه ، وغيرها، يصبح الاحتجاج ب "ما أعربت عنه المركزيات..." غير قانوني وغير مجدي. رابعا الانتقائية أم التعميم والتجريد؟ بما أن المنشور تعامل مع الأمر من منطلق الإلزام القانوني وليس التطوع والاختيار، فإنه كان على واضع أن يتجنب الانقائية، لأن الإلزام الدستوري الوارد في المنشور، لا ينبغي أن يُرتّب الاقتطاع فقط على فئة دون غيرهها، وإنما عليه أن يشمل جميع من لديهم القدرة على المساهمة، من شركات خاصة ومستثمرين وتجار أغنياء، وكبار رجال ونساء الأعمال، وكبار الفلاحين، وغيرهم من الذين تعرف وزارة الحكومة عناوينهم ومداخليهم وأصولهم المادية والسائلة. أما الأموال التي تطوعت بها بعض الشركات الخاصة في بداية الأزمة، فإنها لا تُحتسب ضمن الواجب الدستوري، وإنما تدخل في باب التطوع، ساهم بها أصحابها ونالوا عنها الجزاء والتنويه، وبعضهم سيحصُد ريعها سياسيا، سيما إذا كانت تلك الأموال التطوعية ستؤخَذ بعين الاعتبار خلال المراجعة الضريبية، وبالتالي ينبغي إلزام جميع الشركات بأداء الواجب الدستوري الذي يقتضي بالمساهمة الإجبارية على الجميع، وبحسب القدرة الفعلية وليس من باب التطوع، لأن الجميع يقوم بالتطوع دون الإعلان عنه، فكل من لديه دخل، أكيد أنه سيقتسمه في هذه الظرفية الحرجة مع محيطه الاجتماعي، لأن الانسان لا يعيش في جزيرة وإنما لديه روابط اجتماعية تدفعه للمساعدة دون أن يعلن عن ذلك في وسائل الإعلام. فإذا أصبح التضامن إجباريا، فإن عمومية القاعدة القانونية تفرض أن يساهم فيه الجميع من دون استثناء، خاصة الشركات التي من الوارد أنها حققت أرباحا كبيرة حتى في ظل الأزمة (الواجهات التجارية الكبرى على سبيل المثال) دون الاقتصار على الموظفين والأعوان والمستخدمين، وإلا فإن الأمر قد تحول إلى تراجيديا عندما نجد أن موظفا يُقتطع من راتبه الهزيل لصالح تعويض مستخدمي مؤسسات مداخليها السنوية بالملايير، أو أن يتم الاقتطاع من أجر مستخدم بسيط، بينما جاره الذي يمتلك محلات تجارية أو ضيعات فلاحية شاسعة المساحة لا يؤدي أي مساهمة، بل يتحول الموضوع إلى مأساة عندما يتم الاقتطاع من أجر الأعوان من أجل أن يحصل أشخاص لا يستحقون التعويض من صندوق كورونا، وذلك بسبب "الأخطاء" التي تم تسجيلها بخصوص نظام التغطية الصحية "راميد"، (يستحق هذا الموضوع في حد ذاته مقالة بل دراسة مستقلة). خامسا - عدم مراعاة الاقتطاع الجانب الاجتماعي للمُقتطَع لهم: من شأن تعميم الاقتطاع على جميع الموظفين والأعوان، أن يضر بالكثير من الأسر، ويجلعها في موقع ضعيف اقتصاديا واجتماعيا، ويساهم في إضعاف قدرتها الشرائية، لأن المفروض في الحكومة أن تحرص على توفير الحماية الاجتماعية التي طالما ألحّ عليها الدستور، لا أن تُعرّض الموظف والعون والمستخدم إلى ضائقة مالية، سيما إذا كان من أصحاب الدخول "الفقيرة" وهو حال أغلبية الأجور. ينص الفصل 32 من الدستور على ما يلي: "(...)تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها". لكن هذا لم يراعه التدبير الحكومي، وإنما هَمّ الجميع من دون استثناء، حتى أنه لم يهتم لمن يذهب نصف راتبهم إلى الديون السكنية والاستهلاكية، كأن يشمل الاقتطاع راتب موظف دخله الشهري لا يتجاوز 5800 درهم شهريا، لكنه لا يحصل منه إلا على 2900 درهم شهريا، لأن الباقي يذهب إما إلى أداء القروض البنكية المخصصة للسكن وإما للكراء، علما أن لديه واجبات تطوعية وإلزامية تجاه والديه تكلف 500 درهم شهريا. فهل مثل هذا المواطن قادر على تمويل صندوق كورونا أو دعم من هم في مثل فقره؟ وما نقوله عن هذا الموظف، يسري على العديد من الموظفين ومنهم حتى أولئك الذين يتجاوز مدخولهم 10 آلاف درهم، لأن جزء من دخلهم لا يرونه إلا على الورق، ومنهم من ألزمتهم الهيئات التي تدبر أمورهم باقتطاعات وصلت إلى 5 أيام في الشهر (مثلا، موظف يتقاضى 14 ألف درهم، نصفها يذهب لقرض السكن والسيارة والتزام نحو الأهل، بينما الباقي تذهب منه 3000 درهم لمدارس الأبناء، وسيجد نفسه مطالب بما يقارب 2000 درهم لصالح الصندوق، فماذا سيتبقى له طيلة ثلاثة أشهر؟)، ويزداد الأمر استفحالا إذا ما صاحب الاقتطاع لصالح تدبير كورونا، مع الاقتطاع لأسباب أخرى، كالتغيب غير الممبرر أو الإضراب (حالة الأساتذة المتعاقدين). ربما هناك دولا أخرى لجأت للاقتطاع من أجور موظفيها وأعوانها، لكن البحث الذي قمنا به لم يسعف في الوقوف على ذلك، فلرُبما المغرب من الدول القليلة التي لجأت إلى الاقتطاع، علما أن الاقتصاد نفسه يرفض الإضرار بالقدرة الشرائية للمواطن، لأن من شأن ذلك أن يضعف قدرته الاستهلاكية، وهذا ما حاولت أن تتجنبه العديد من الحكومات خلال هذه الأزمة، فبدل أن تقتطع من أجور موظفيها، منحتهم علاوات تشجعهم على الإستهلاك، وحفّزت موظفيها وعمالها بمنح إضافية إذا هم رغبوا في الاستمرار في أعمالهم في ظل الأزمة الوبائية، وليس الاقتطاع من أجورهم، خاصة موظفي الصحة والأمن والنظافة والصناعات الطبية والغذائية. بل هناك دولا منحت جميع مواطنيها أموالا شهريا من أجل تحفيز الاقتصاد وانعاشه (توصل الأمريكيون الذين يؤدون الضرائب ويقل دخلهم السنوي عن 75 ألف دولار سنويا، بمبلغ 1200 دولار. مثلا: زوج زوجة يحصلان على 2400 دولار، وإذا كان لديهم 5 أبناء، يحصلون على 500 درهم عن كل طفل، وذلك ليس تعويضا عن فقدان العمل، وإنما فقط من أجل تحفيز الاقتصاد ودفع الناس للتبضع حتى لا تضعف الشركات، يحصل عليه كل من يدفع الضرائب سواء كان مواطنا أو مقيما أو حتى مهاجرا في وضعية غير قانونية لكنه يؤدي الضرائب بناء على القانون الذي كان تم تشريعه في عهد أوباما، أما تعويض فاقدي العمل فمسطرته مختلفة يحصل بموجها العمال على مبالغ أضخم. عندما نورد هذا المثال فهو ليس من باب الإشادة لأن أمريكا نفسها لم تكن في مستوى الأزمة وإنما من باب الاستفادة من التجارب، حتى نفهم كيف تتعامل الدول مع الأزمة، وما إذا كانت تعول على الاقتطاعات من أجور موظفيها البسطاء أم عبر اللجوء إلى طرق أخرى أكثر نجاعة وفعالية). ختاما، تجدر الإشارة إلى أن هذا المقال لا يتغيى رفض التضامن وإنما يهدف إلى تنبيه الحكومة إلى ضرورة أن يراعي الاقتطاع، مبدأ الشرعية في علاقته بالقانون حتى لا تسْتسْهلَه الحكومة دون الأخذ في عين الاعتبار للحماية القانونية لأجور الموظفين والأعوان والمستخدمين، وأن يُراعي المشروعية في علاقته بالجانب الاجتماعي للمواطنين، وألاّ تعول عليه الحكومات مستقبلا من أجل الدعم، وإنما ينبغي البحث عن موارد أخرى أكثر فعالية، لأن المواطن لا يتحمل المسؤولية في ضعف ميزانية الصحة أو في عدم توفر برامج حماية اجتماعية، وفي غياب احتياطي نقدي تلجأ إليه الحكومة خلال الأزمات، كما لا يتحمل المسؤولية عن ضعف حكامة التنبؤ بالأزمات (منذ شتنبر والحديث قائم حول فيروس كورونا). فضلا على أن عملية توزيع الأموال المستخلصة في إطار الصندوق ينبغي أن تتميّز بالشفافية، وإشراك كل المعنيين في لجنة اليقظة، وإلا ما معنى أن يتم الاستناد على النقابات في الاقتطاع بينما يتم استبعادهم من اللجنة المكلفة بتدبير أموال الدعم، سيما وأن العديد من المركزيات النقابية سبق أن أصدرت بلاغات تطلب إشراكها في لجنة اليقظة. *أستاذ القانون الدستوري [email protected]