دفعت أزمة فيروس كورونا المستجد فئة واسعة من الأسر والمقاولات المغربية إلى سحب الأموال لتداولها أو تخزينها نقداً "كاش" بشكل لافت، خلال الأشهر الماضية التي عرفت تطبيق حالة الطوارئ الصحية في المملكة للحد من انتشار الوباء. وتُفيد معطيات لوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة وبنك المغرب بأن شهر مارس، تاريخ تسجيل أول حالة إصابة وفرض حالة الطوارئ الصحية، عرف لوحده زيادةً في تداول "الكاش" ب13,2 مليار درهم، ليصل مجموع ما هو متداول من "الكاش" إلى 266 مليار درهم. وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الجارية، ارتفع النقد المتداول ب15,7 مليارات درهم؛ منها 13,2 مليار درهم سجلت كزيادة في مارس فقط، و2,5 مليار درهم لشهري يناير وفبراير 2020 معاً، وهنا يتجلى الارتفاع الكبير قبل وبعد الحجر الصحي. وفي أبريل المنصرم، ارتفع النقد المتداول بحوالي 12 مليار درهم، ليصل مجموعه إلى 278 مليار درهم يتم تداولها نقداً بين الأسر والمقاولات؛ وهو رقم كبير جداً مقارنة ما كان مُسجلاً خلال الفترة نفسها من السنة الماضية. وقالت مديرية الخزينة والمالية الخارجية بوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة إن هذا الارتفاع يعكس "الذعر" الذي خلّفته الأزمة الصحية والحجر الصحي والحاجة إلى الاحتياطات النقدية من طرف الأسر والمقاولات التي تحتفظ بالسيولة كإجراء وقائي. وأشارت المديرية، في تقرير لها، إلى أن وتيرة ارتفاع "الكاش" المتداول، الذي يتجاوز وتيرة ارتفاع صُنع النقد، يعني أن جزءاً كبيراً من الأموال الحديثة تُصبح خارج النظام المصرفي، إضافة إلى الأموال التي تم تخزينها. وعرفت وتيرة الودائع، خلال الفترة نفسها، تراجعاً كبيراً لدى البنوك المغربية، على الرغم من الإجراءات والتحفيزات الضريبية التي اعتمدتها الحكومة في قانون مالية 2020 لتشجيع الفاعلين الاقتصاديين على ضخ السيولة في النظام البنكي. ويؤثر ارتفاع مستوى النقد المتداول على قدرة النظام البنكي في توفير القروض وبالتالي تمويل النمو الاقتصادي، خصوصاً في ظل هذه الفترة التي تعرف أزمة اقتصادية أثرت بشكل كبير على المقاولات والأسر. ويستمر المغاربة في تفضيل التعامل ب"الكاش"، على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها السلطات للحد منه عبر تطوير عمليات الأداء عبر الأنترنيت والتطبيقات الذكية، إضافة إلى إطلاق خدمة الأداء بواسطة الهاتف النقال؛ لكن هذا الأخير لم يلق بعد الانخراط الكبير. وتعتبر السلطات المالية المغربية أن هيمنة الأداء نقداً تؤدي إلى انعدام الكفاءة الاقتصادية والاجتماعية، كما تنطوي على تكلفة كبيرة بالنسبة إلى الوحدات الاقتصادية، كما تقوّض هذه الهيمنة مساعي تحقيق الشمول المالي لفئة واسعة من المواطنين.