مع تسارع وتيرة انتشار الجائحة في جميع أنحاء العالم، حيث أضحت الولاياتالمتحدةالأمريكية البؤرة الأولى لفيروس كورونا المستجد، من المحتمل أن تصبح إفريقيا البؤرة المقبلة للوباء، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. وذكر مسؤولو الأممالمتحدة أن الوباء سيودي على الأرجح بحياة ما لا يقل عن 300 ألف شخص، ويدفع نحو 130 مليون إلى الفقر والمجاعة في إفريقيا. كما أكدوا أن القارة تُعاني من نقص حاد في أسرة المستشفيات وأجهزة التنفس الاصطناعي التي تساعد في التصدي لهذا الوباء. في شمال إفريقيا، تُعد نسبة حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا محدودة حتى الآن، على الرغم من قرب المنطقة من أوروبا. منذ 12 ماي الجاري، سجلت الجزائروتونس والمغرب ما مجموعه 13.565 إصابة و748 وفاة. ووفقًا لمركز جامعة جون هوبكنز، شهدت الجزائر أكبر عدد من الوفيات، حيث سجلت 515 حالة وفاة، يليها المغرب الذي سجل 188 وفاة، وتونس 45 حالة وفاة. ولحسن حظ بلدان شمال إفريقيا، فإن أكثر من 60 في المائة من سكانها تحت سن الثلاثين؛ وهو ما يقلل من عدد المصابين بالوباء، علما أن صغار السن هم أقل عرضة للإصابة بالفيروس حسب الخبراء. ومع ذلك تخشى هذه البلدان تفشي الوباء في مجتمعاتها، بسبب افتقارها إلى البنية التحتية والموارد الصحية اللازمة للاستجابة لهول هذه الجائحة. إدراكًا لضعف أنظمة الرعاية الصحية المُثقلة، قامت دول شمال إفريقيا باتخاذ إجراءات استباقية، حيث سارعت إلى إغلاق المطارات والموانئ والحدود، وتقييد السفر، وإغلاق المدارس والمقاهي والمساجد، بالإضافة إلى إجبار المواطنين على البقاء في منازلهم وفرض حظر التجول. في حين يمكن اعتبار هذه التدابير صارمة للغاية في الأوقات العادية، إلا أنها ضرورية على الرغم من أنها إجراءات مؤقتة للحد من انتشار الوباء. قبل اندلاع الوباء، كانت هذه البلدان تواجه تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، بما في ذلك أنظمة الرعاية الصحية المُنهكة. وأثناء الأزمة الحالية، تعمل هذه البلدان جاهدة لتوفير حزمات تحفيز كافية لاقتصاداتها. في المغرب، على سبيل المثال، تُمثل الميزانية المُخصصة للصحة في الوقت الحالي حوالي 5 في المائة من الميزانية الوطنية، مقابل 12 في المائة التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية. وفقًا لهذه المنظمة، لا يزال النظام الصحي يتسم ب"التفاوت الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي العميق". وقد أثار هذا الوضع تساؤلات حول قدرة شمال إفريقيا على مواجهة عواقب الوباء الصحية والاقتصادية، فضلاً عن الحرب المستمرة ضد الفقر والتطرف العنيف. من الواضح أن هناك العديد من المخاوف إزاء الآثار الاجتماعية والاقتصادية المُدمرة على المديين القصير والطويل. من ناحية أخرى، ساعدت جائحة كوفيد 19 حكومات شمال إفريقيا في تعليق موجة الاحتجاجات. كان المتظاهرون يطالبون بنظام سياسي جديد في الجزائر، والمزيد من الإصلاحات والمساءلة في المغرب وتونس. كانت جميع الاحتجاجات ضد الفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي سادت في المنطقة، خاصة منذ الربيع العربي في عام 2011. ومع ذلك، في وقت يتسم بانعدام الأمن الشديد، كما هو الحال اليوم، دفع الخوف الناس إلى قبول الهياكل السياسية القائمة كمصدر لليقين والقوة؛ وهو ما أدى إلى خلق شعور وطني بالتضامن والذي ساعد بدوره في تهدئة مخاوف الحكومات. لقد نجح الوباء نسبيا في تدمير المعارضة وتأجيل رغبة الشعب في التغيير. فيما يتعلق بتخفيف الآثار الاقتصادية السلبية لوباء كوفيد 19، كانت الاستجابات مختلفة بشكل واضح. بسبب عمليات إغلاق الحدود وحدها، سيتعين على المغرب وتونس تحمل خسائر اقتصادية ضخمة ناتجة عن انهيار قطاع السياحة. أما الاقتصاد الجزائري الذي يعتمد على الطاقة، فسيواجه أزمة اقتصادية شديدة بسبب الانخفاض الحاد الحالي في أسعار النفط. ولربما سيؤدي الوباء إلى إعاقة الاقتصاد الجزائري، والذي لا يزال يعتمد بشكل كبير على صادرات المحروقات. وحسب الإحصائيات الأخيرة، لقد فقد أكثر من تسعمائة ألف عامل وظائفهم بسبب تداعيات جائحة كورونا. بالإضافة إلى 1.1 مليون عاطل عن العمل في المغرب في نهاية 2019. وفي تونسوالجزائر، ارتفع معدل البطالة من حوالي 15 في المائة إلى 27 في المائة في أبريل الماضي. وارتفع عدد العاطلين عن العمل في البلدان الثلاثة إلى أكثر من 5 ملايين. لمواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة، أنشأت الحكومة المغربية صندوقًا للتضامن بلغ حتى الآن أكثر من 3.5 مليارات دولار. وتعهدت الدولة بدعم القطاعات المُتضررة وبدأت في تعويض المواطنين الأكثر تأثرًا بالحجر الصحي. وقامت الحكومة التونسية بإنشاء صندوق من خلال التبرعات العامة لمكافحة الفيروس. ومع ذلك، من شأن التحديات الاقتصادية التي تُواجهها البلاد في ظل النمو الاقتصادي المحدود وارتفاع معدلات البطالة وزيادة نفقات القطاع العام وانخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي، أن تزيد من حدة الخسارة التي سببها انتشار الوباء. وبالمثل، قدمت الجزائر إجازة مدفوعة الأجر للأمهات، ومنعت التلاعب بالأسعار، واتخذت إجراءات سريعة لضمان استيراد المواد الغذائية لتجنب النقص. من المحتمل أن تبرز الآثار اللاحقة للوباء الإخفاقات السياسية التي جعلت دول شمال إفريقيا ضعيفة للغاية وعُرضة للفيروس في المقام الأول. وقد أدى سوء الإدارة الاقتصادية وقلة الاستثمار في البنية التحتية والتنمية البشرية إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية وعدم الاستقرار. اليوم، على جميع هذه البلدان العمل معًا للتصدي لتفشي جائحة كورونا وعواقبها الوخيمة على مجتمعات واقتصادات المغرب الكبير من خلال المسؤولية المشتركة والتعاون المثمر. المغرب والجزائروتونس بحاجة ماسة إلى تمويل واسع النطاق للحفاظ على النشاط الاقتصادي والوظائف أثناء الأزمة الحالية الناجمة عن وباء كوفيد 19. وعلى البلدان المتقدمة، وخاصة الصين حيث ظهر الوباء لأول مرة، تقديم المساعدة المالية إلى البلدان الإفريقية النامية، التي يتم التخلي عنها عادة في الأوضاع الحرجة خلال فترات الركود الاقتصادي العالمي. هذه أوقات عصيبة بالنسبة لجميع البلدان، وخاصة البلدان الفقيرة. لهزيمة جائحة كوفيد 19 وتخفيف آثارها الاقتصادية المُدمرة، هناك حاجة ماسة إلى التضامن الوطني والوحدة الإقليمية والعالمية. على صناع القرار التفكير في مرحلة ما بعد الجائحة والانتعاش الاقتصادي من أجل إصلاح الأضرار الناتجة عنها، ربما من خلال تطوير الصناعات الرقمية والاستثمار في الرعاية الصحية والمجالات الرئيسة مثل الأدوية. لقد سلطت هذه الأزمة الصحية المروعة الضوء على الحاجة إلى الاستثمار بكثافة في المستشفيات والمعدات الطبية، وهو أمر كان من الصعب للغاية تنفيذه قبل اندلاع الأزمة.