قال محمد الشرقاوي البزيوي، دكتور في التاريخ المعاصر، إن "زوايا شهيرة عديدة في المغرب تمكّنت من إيجاد مقرات لها بمدينة أبي الجعد مقر الزاوية الشرقاوية، في وقت بدأت فيه هذه الأخيرة تعرف بعض الفتور التعليمي-الديني، نهاية القرن ال19، خصوصا بعيد وفاة آخر مقدميها العظام سيدي بنداوود بن الشيخ سيدي العربي المتوفى سنة 1889، وتطاحن خلفائه على حكم ورئاسة شؤون الزاوية، وعلى ميراثها المادي خصوصا العزائب". وأضاف الشرقاوي البزيوي، في مقالة بعث بها إلى جريدة هسبريس، معنونة ب "مدينة أبي الجعد حاضرة الانفتاح والتعايش الديني-الطائفي بين الزاوية الشرقاوية وباقي الزوايا والأقليات الدينية"، أنه "وُجدت بأبي الجعد مع نهاية القرن ال19 ومطلع القرن ال20 مقرات لثلاث زوايا فرعية إلى جانب البيعة اليهودية؛ وهي الزاوية الكتانية التي عملت كطريقة دينية بحماس على استقطاب الأعضاء والمريدين بالمدينة". وأوضح الباحث في قضايا التاريخ والتراث والشأن الديني أن "الشيخ عبد الحي الكتاني، شيخ الطريقة الكتانية، زار مدينة أبي الجعد مرات عديدة ودوّن رحلة عنها، حيث كان يخرج لاستقباله حشد كبير من الساكنة ومن رجال القبائل، كما أجاز مقدم الزاوية الشرقاوية آنذاك سيدي الحاج الحسن الشرقاوي إجازة عامة مؤرخة في شوال من سنة 1337 ه /1919م". وتابع: "حصل الشيخ الكتاني أثناء زياراته لأبي الجعد على العديد من المخطوطات، خاصة منها أسفار مؤلف ذخيرة المغني والمحتاج في ذكر صاحب اللواء والتاج للشيخ سيدي المعطي بن الصالح الشرقاوي، حيث سيتناوب على مقدمية هذه الطريقة الشهيرة بالمدينة كل من المعطي ازريعة (بائع السمن)، وخلفه الشيخ المهدي". أما الزاوية التجانية، فقد انتسب إلى هذه الطريقة الدينية واحد من أبناء الزاوية الشرقاوية هو الشيخ سيدي العربي بن السايح (ت 1309ه-1892م)، وهو من الحفدة البارزين في الزاوية الشرقاوية في ميدان العلم والتصوف، وهو الشرقاوي العمري نسبا التجاني مشربا، فرغم أنه لم يأخذ مباشرة عن الشيخ سيدي أحمد التيجاني، فإن الشيخ سيدي أحمد سكيرج اعتبره تجاوزا أحد خلفاء الشيخ، وفق المقالة. وتورد الوثيقة: "يوجد بأبي الجعد ضريحان مشهوران لكل من سيدي الحفيان وبجواره ابنه سيدي المفضل وهما تجانيا المشرب. أما في فترة الحماية الفرنسية فقد انتسب إليها بعض أفراد عائلة النوري المعروفة في مدينة أبي الجعد، وفي أحوازها انتسب إليها كل من العربي السجدالي، والعربي، وجماعة من الفقراء الذين سبق لهم بعث التحايا والسلام إلى أبناء شيخ الطريقة التجانية محمد الحبيب ومحمد الكبير في رسالة مؤرخة في 8 صفر 1232ه/1817م، والمقدم العربي السجدالي". وأردفت المقالة: "لم تدع هذه الطريقة إلى الزهد، والتقشف، والمسكنة، فقد عرف أحمد التجاني (مؤسس هذه الطريقة) بتوسعه في العيش، بحيث كان لا يقتني من الثياب إلا أخفرها من المراكب إلا أنجبها وأعتقها، ووعد أتباعه المخلصين بالغنى في الدنيا والجنة في الآخرة، وهذا ما شجع العديد من التجار الأثرياء على الانضمام للطريقة كما حدث فعلا بمدينة أبي الجعد، فقد كان جل المنضوين عليها من التجار الأغنياء، ما أضفى على الطريقة التجانية عموما طابع النخبوية". وبالنسبة إلى الزاوية القادرية، فيرى الباحث أن "هذه الطريقة لم تكن من أوسع الطرق انتشارا في أبي الجعد، حيث بلغ عدد المنضمين والمريدين لهاته الطريقة بأبي الجعد في العشرينيات من القرن العشرين حوالي 600 فرد من بين سكان المدينة، وتولى تسييرها من الثلاثينيات إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية أحد تجار الأغنياء بالمدينة". وزاد: "يذكر الباحث الأمريكي "ديل إيكلمان" في كتابه "الإسلام في المغرب" بوجود زوايا فرعية أخرى غير التي سبق ذكرها؛ "... وهناك في أبي الجعد عدد آخر من الطرق الصوفية الأخرى كهداوة وحمادشة ودرقاوة وعيساوة. ويعتبر معظم سكان المدينة هاته الطرق أقل سمعة واحتراما من الطرق الأخرى سالفة الذكر، ويتكون أعضاء هاته الطرق أساسا من فئة ما تحت البروليتاريا الحضرية المهمشة المكونة من المتسولين وبائعي التعاويذ وبعض محترفي الموسيقى ومتعاطي بعض الحرف اليدوية وحفدة العبيد". ويتابع الكتاب: "ويجتمع هؤلاء عادة في الدور الخاصة عندما يستدعيهم أصحابها لتخليص أحد أفرادها من أرواح الجن الشريرة التي يظن أنها السبب في مرضهم، أو سوء أحوالهم، بحسب معتقداتهم، ولا تملك أية واحدة من هاته الطرق زاوية في أبي الجعد سوى الطريقة الحمدوشية التي جعلت من زاوية ملحقة بضريح الولي الشرقاوي سيدي الحفيان، ويزداد عدد الحمدوشيين بمدينة أبي الجعد عندما يقصدها أعداد من الزوار من إخوانهم ليحضروا موسما سنويا صغيرا يقتصر على أعضاء الطريقة..."، وعادة يزاولون نشاطهم إما بضريح سيدي الحفيان أو بضريح سيدي بنداوود خصوصا أيام الأعياد الدينية". وبخصوص يهود أبي الجعد، يضيف الباحث: "رغم ما ظل يكتنف تاريخ هذه الفئة المساهمة في تاريخ المغرب من غموض، فكما يقول الباحث محمد كنبيب "لا يزال ضباب كثيف يخيم على تاريخ يهود المغرب الأوائل، ويشكل لغزا يستعصي حله، نظرا لغياب أدلة أثرية ونقدية وأدبية قاطعة، مما يفسح المجال لمضاربات وفرضيات شتى". ومضى مستطردا: "لقد أمكننا معرفة الوجود اليهودي ببجعد من خلال مذكرات الرحالة الفرنسي "شارل دوفوكو"، الذي ادعى أنه يهودي كي تسهل مهمته، في كتابة مذكراته، وهذا ما رده كونه على علم مسبق بالعلاقة الودية ما بين البجعديين واليهود، حيث أخفى هويته الأصلية لكي تسهل مهمته في التجسس، لقد قدر هذا الأخير ساكنة أبي الجعد بحوالي 1700 نسمة أواخر القرن ال19م (الزيارة كانت سنة 1883 م)، منهم 200 يهودي". كما يمكن ربط اليهود بأبي الجعد بنهاية الزاوية الدلائية، تبعا للمقالة، فحسب بعض المصادر اليهودية كان عدد اليهود يفوق 2000، ربما بعد منح المولى الرشيد مهلة قصيرة لهم لإخلاء ديارهم قصدوا مدينة أبي الجعد، مشيرة إلى فرضية أخرى تتحدث عن قدوم بعضهم من مكناس؛ وهم ذوو أصول أندلسية أو انتسابهم إلى بربر الأندلس، أو أنهم من يهود دمنات الفقراء الذين كانوا يقدمون إلى أبي الجعد خلال المواسم الفلاحية أجراء عند كبار الملاكين الزراعيين؛ لكنها تبقى كلها مجدر فرضيات، المهم فيها هو استقرارهم في المدينة ومشاركتهم في تكويناتها الاجتماعية غيرهم كباقي سكان المدينة. وأردف الأكاديمي: "وجدت أيضا بأبي الجعد أضرحة تضم رفات صلحائهم وأتقيائهم، لا سيما "رابي لوي هلوي"، و"مولى غيغة"، أو في المقبرة اليهودية كما هو الشأن بالنسبة للتقي "كاباي"، وقد كان من بين أهم الشخصيات الدينية والاجتماعية التي كانت تشغل مكانة اجتماعية متميزة لدى طائفة أبي الجعد اليهودية الشيخ أبراهام والحزان يوسف، وكانوا يعطون للاحتفالات الدينية أهمية قصوى، حيث إن أغلب شعائرهم كانت تمارس في معبد وجد بدرب القادريين في المدينة العتيقة في جزء منه سكنوا فيه ولا يزال يسمى بالملاح".