؛ الحرب ضد وباء فيروس كورونا نموذجا ننطلق من السؤال المنهجي التالي، وهو أين تكمن أهمية الدراسة والبحث في موضوع يتعلق بدور رجل السلطة في النسق السياسي والاجتماعي والثقافي المغربي؟ ونجيب أن السياق العام والأهمية تكمن في هذا الدور المتنامي لهذه المؤسسة، خاصة بمناسبة انتشار هذه الجائحة لوباء فيروس كورونا المستجد، حيث أن العديد من المواطنات والمواطنين الذين كانوا حتى وقت قريب يجهلون العديد من أدوار نساء ورجالات السلطة؛ حيث أصبحت الأسر والعائلات المغربية تتجاذب أطراف الحديث حول هذه الفئة من أبناء الشعب المغربي. في تناول هذا الموضوع، سوف أقوم بطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية والأساسية التي تفيد في فهم ومقاربة الموضوع، وليس الأسئلة الهامشية أو الثانوية. لأنه من باب العبث أن نضيع الوقت والجهد في البحث عن إيجاد حلول وأجوبة عن أسئلة تافهة ورديئة لا تؤدي المعنى المطلوب. فالباحث الذكي هو من له القدرة والشجاعة والجرأة على طرح الأسئلة وبلورة الإشكالات السوية؛ وليس الذي يجد حلولا لها؛ وذلك لسبب بسيط، وهو أن جميع الآلات والمعدات الحديثة والمتطورة، التي نعتقد أننا نستطيع استخدامها بشكل متقن؛ نجد رفقتها دليل كيفية الاستعمال. ونضرب مثلا بالحواسيب والهواتف الذكية؛ فغالبا نجد رفقتها وتضمن بذاكرتها دليل المساعدة " Aide ".وبجميع اللغات. فالذكي هو من صنعها وليس من يعرف كيفية استعمالها واستخدامها. فماذا يقصد بمصطلح أو كلمة دور؟ وماذا يقصد برجل السلطة؟ وماذا يقصد بالتنظيم العام للبلاد في حالة حرب؟ ولماذا نقول بالتنظيم وليس التأطير في هذه الحالة؟ ولماذا جاءت كلمة حرب نكرة وليس معرفة؛ كأن نقول التنظيم العام للبلاد في حالة "الحرب"؟ ما هي الجوانب المسكوت عنها في عمل رجل السلطة؟ ما هو السبب وراء قرار جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني القاضي إحداث مدرسة استكمال تكوين الإطارات لوزارة الداخلية بالقنيطرة سنة 1965؛ والتي تعرف عند العامة بمدرسة القياد؟ (منذ سنة 2008؛ أصبحت تحمل اسم المعهد الملكي للإدارة الترابية). وباستحضار التاريخ؛ وهنا أشير إلى أنه حينما ندرس التاريخ أو نستدعيه؛ لا ندرسه على أساس أنه مجرد أحداث ووقائع في الماضي؛ بل نستحضره من أجل استخراج مادة للقياس والتنميط، لإيجاد حلول وتفسيرات وتوضيحات لغموض يلف ويكتنف لغز أو إشكالات مطروحة في الحاضر. نتذكر جيدا حينما قال المرحوم إدريس البصري في تشبيه بليغ، والذي لم يجانب أو يتجاوز حدود الصواب حينما قال: "وزارة الداخلية هي تلك الخادمة التي تتولى تخميل بيت الحكومة". «Le ministère de l'intérieur; c'est la femme de ménage du gouvernement». وفي تمغربيت نجد كذلك الثقافة الشفهية المقولة الشعبية المشهورة: "اخدم يا التاعس من سعد الناعس"؛ لكن لسان حال "تمغربيت" يقول دائما: " خدمي الناس سيدهم" مع أن عملية التعاون تعيق أحيانًا عملية التنسيق (La coopération entrave la collaboration.) يخضعون لمقتضيات الظهير الشريف رقم: 67-08-1 الصادر في 27 من رجب 1429 (31 يوليو2008) في شأن هيئة رجال السلطة؛ ولتحليل دور رجل السلطة على المستوى الجهوي والإقليمي والمحلي كممثل للسلطة المركزية؛ ننطلق أولًا من طرح السؤال الوجودي التالي، حول ما هو المقصود بفئة رجال السلطة؟ يقصد في هذا الاتجاه برجال السلطة، من خلال القانون المنظم لهيئة رجال السلطة، الذي وضع هيكلة جديدة لهذه الفئات من المجتمع المغربي، وبشكل هرمي الفئات التالية: هيئة رجال السلطة تضم أربعة أطر، موزعة على الدرجات التالية: 1. إطار العمال، ويضم درجة عامل ممتاز ودرجة عامل؛ 2. إطار الباشوات، ويضم درجة باشا ممتاز ودرجة باشا؛ 3. إطار القواد، ويضم درجة قائد ممتاز ودرجة قائد؛ 4. إطار خلفاء القواد، ويضم درجة خليفة قائد ممتاز ودرجة خليفة قائد من الدرجة الأولى ودرجة خليفة قائد من الدرجة الثانية. هذه الفئة باستثناء الخليفة الذي يتمتع بصفة عون شرطة قضائية، لهم صفة ضابط شرطة قضائية طبقا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية. غير أنهم بالنظر لقربهم واحتكاكهم اليومي من المواطنات والمواطنين، يفضلون تسوية الأوضاع بطرق الدهاء والحنكة وضبط النفس بعيدا عن استعمال هذه الصفة كامتياز قضائي خول لهم، والتي تقتصر في الغالب على مجال بعض المخالفات والجنح؛ على الرغم من مطالبة المصالح المركزية وحثهم على ممارسة السلطة الضبطية. هذا، وعملا بمقتضيات القانون المنظم لهذه الفئات؛ يحتم عليهم: - عدم الانتماء إلى حزب سياسي أو منظمة نقابية؛ - عدم الانقطاع عن العمل المتفق بشأنه؛ - القيام بمهامهم و لو خارج أوقات العمل العادية؛ - التزام الانضباط والتقيد بواجب التحفظ واحترام السر المهني ولو بعد انتهاء مهامهم. يساعدهم في أداء مهامهم فئة أساسية ومحورية، تلعب دورا مهما وكبيرا، وهم أعوان السلطة من شيوخ ومقدمين حضريين وقرويين. وبالتالي فرجال السلطة لا يبحثون أبدا عن صناعة ما يسمى ب: ال Buzz؛ في أداء مهامهم؛ بل يجدون أنفسهم داخل منطقة اشتباك دون أن يكونوا حتى على علم مسبق بها. غير أن تثمين عمل قوى تضحي وتشتغل بفاعلية وبجدية من طرف المواطنات والمواطنين؛ يعد بمثابة اعتراف بالجميل وتشجيعا لها على المزيد من العطاء في خدمتهم؛ وهذا هو الرأسمال المهم والأساسي. فهؤلاء رجال السلطة ليسوا وطنيين أكثر من الوطن، ولا ملكيين أكثر من الملك؛ فقط هم مخلصون لملكهم ويضحون من أجل وطنهم. فما هو الدور الذي تلعبه مؤسسة القايد والباشا في المجتمع المغربي؟ هذه المؤسسة التي يدخل المواطن في علاقة وارتباط يومي بها منذ الولادة، إد يحتاج إلى شهادة التصريح بالازدياد، مرورا بشهادة العزوبة، فالخطوبة حتى شهادة الوفاة. ما هو الفرق بين قائد وباشا الأمس وقائد وباشا اليوم؟ كيف يتمثل المواطن مؤسسة القائد والباشا في المتخيل والتمثلات الاجتماعية؟ هل تم تجاوز الصورة النمطية التي تجعل من هذه المؤسسة احتكارا للسلطة فقط، كخلل عام في العلاقة بينها وبين المواطن؟ هل تم تجاوز عناصر الخلل هذه التي كانت تسود من قبل في علاقة هذه المؤسسة بالمواطن؟ ما هي صور نكرات الذات المؤسساتي التي يتميز بها هؤلاء من خلال العمل في صمت؟ لكن لماذا تتميز مؤسسة رجل السلطة دائما بنوع من نكران الذات المؤسساتي؟ هل السبب هو فعلا مرده واجب التحفظ المفروض في هذه المؤسسة؟؛ - هذه الجملة ذات المعنى الفضفاض على حد ما قضت به المحكمة الدستورية- أين تبدأ وأين تنتهي؟ أم عنصر الانضباط الذي تحظى به هذه الفئات هو الذي يفرض عليها العمل في صمت كجنود خفاء؟ لماذا حضور جانب وعنصر التكوين العسكري في شخصية رجل السلطة؟ من يمثل الدولة على المستوى الجهوي والإقليمي والمحلي؟ وما هو الدور الذي يلعبه رجال السلطة في علاقتهم بالمواطنين وبالمنتخبين ومختلف المؤسسات؟ من هو الرأس المنسق لجميع أعمال المصالح الخارجية على المستوى الجهوي والإقليمي والمحلي؟ ما هي حدود تدخل كل قطاع حسب الاختصاصات الموكولة إليه؟ من يحل مشكل التداخل في الاختصاصات على المستوى الجهوي والإقليمي والمحلي؟ على ماذا تحتوي أجندة مؤسسة الوالي أو العامل كممثل للدولة على المستوى الترابي؟ يقصد بمفهوم التنظيم في الإدارة والمؤسسات؛ على أنه مجموعة من الأنشطة في شكل قضايا اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية؛ التي يَجب السهر على تنفيذها لتَحقيق الأهداف المحددة، خدمة للمواطنات والمواطن، في إطار التعاون بين عدة متدخلين أفقيا وعموديا؛ وفق معيار تقسيم المَهام أو الأنشطة المرتبطة بالقضايا السالفة الذكر، حسب اختصاص كُلّ موظف وكل جهة أو مؤسسة، وهنا يبرُز دور كل عنصر من العناصر المتكاملة من خلال مُساهمته في أداء المُهمّة أو المهام الموكلة إليه في إطار نوع من التنسيق والتكامل والتضامن والتآزر والتعايش بين كافة المتدخلين. لقد كان شعار المرحلة التي تلت استقلال المغرب، يتمحور حول إقرار متطلبات الدولة الفتية من خلال البحث عن التعايش والتمازج والتضامن والتكامل والبحث عن الشريك في التنمية وإدارة شؤون البلد بين مختلف القوى العاملة داخل النسق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وكانت حينها البلاد قد خرجت من فراغ سياسي مهول، حيث التوتر والتفرقة، التي خيمت على المجتمع المغربي جراء فرض حالة الاستثناء وتوقيف العمل بالمؤسسات في الدولة ككل مرورًا بالمحاولات الانقلابين ومحاولات تغير نظام الحكم عن طريق العنف والقوة. فكان لابد من تجاوز هذه الحالة من الصراع والتفرقة، وهكذا بدأ التقارب شيئا فشيئا، حول الوحدة الوطنية وإن كان التباين على مستوى الأفكار والتوجهات. فجاء شعاري التمازج والتكامل الذي طبع المرحلة الأكثر دقة من تاريخ المغرب لتجاوز منعطف الفراغ القاتل. غير أنه بقي عبارة عن تنضيد اجتماعي متنافر. فكان التفكير في كيف يمكن تجاوز هذا التعايش التنازعي بين مكونات المجتمع؟ وماهي العوائق التي تحول دون الوصول إلى تراضي سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي آنذاك؟ اعتبارا أن عنصر التنافر كمكمل هو الآخر يخضع لمتغيرات: كالجهل وسيادة الأمية، والتغرير بالآخر وأيضا الفقر وغلاء المعيشة، أو الجفاف والبطالة وغيرها، وكلها حالات إذا أمكن التأثير فيها وعليها؛ لا شيء يمنع من إقرار تراضي اقتصادي واجتماعي وتناغم سياسي وثقافي في إطار محددات سياسة الالتقائية في الأفكار والتوجهات والبرامج والمخططات والسياسات التي يتم إقناع الناس بها. وتلك مهمة كان التفكير في كيفية تصريفها على أرض الواقع في تلك المرحلة التي طبعت تاريخ المغرب ما بعد الاستقلال، وبتعاون مع المواطن والفاعلين السياسيين والاقتصاديين والمثقفين؛ ممن يرغب في دخول اللعبة خدمة للقضايا الجوهرية للبلد بالنظر إلى ما هو أولوية وأساسي في حياة الأفراد والجماعات. فحينما يربط الإنسان المغربي بين الفاعلية وتجميع السلطات في يد واحدة ولا يهمه شيء اسمه فصل السلط؛ فلأنه يدرك ويعرف ويعي بالضبط أين توجد مصلحته. وهنا نستحضر محاورة طريفة بهذا الخصوص لتقريب الصورة أكثر للقارئ؛ حيث يرى الأستاذ محمد ضريف في بحثه حول النسق السياسي المغربي المعاصر من خلال مقاربة سوسيو- سياسية؛ أن "المخزن القوي الفاعلية؛ هو مخزن لا مكان فيه لفصل السلط. فالإنسان المغربي يعطي الأولوية للحق على حساب القانون والديمقراطية. صحيح أن فصل السلط قد يجسد نوعًا من الديمقراطية، لكن قد يضيع أحيانا الحقوق والاستمرارية في الوجود، وهاته الرؤية يمكن استنتاجها من الحدث الذي رواه لنا أنه في صيف سنة 1984، قام بإنجاز بحث حول السلوك الانتخابي، وأثناء حديثه مع أول رئيس لهاته الجماعة في سنوات الستينات، أثار معه قضية النزاعات حول "الأرض" أو وجع التراب في المنطقة، فسأله: ما رأيك في قائد ما بعد الاستقلال؟ فأجابه: القايد هو القايد "بكري" كتعبير عن مفهوم في الماضي، أي القديم. وأضاف، حين كنت تلجأ إليه، كان يمنحك حقك على الفور، أما القايد الحالي، تذهب إليه، فيقول لك: هاته المسألة ليست من اختصاصي عليك أن تذهب الى القضاء. قال له: لكن هذا هو حال فصل السلطات، إنها الديمقراطية. اعترض قائلا: عن أية ديمقراطية هاته التي تتحدث عنها والتي تضيع حقوقي؟ قال له: إذا كنت صاحب حق، فالقضاء سيمنحك إياه. رد عليه قائلا: إن الأرض كالزوجة، ومن يغتصب أرضي كمن يغتصب زوجتي، والقضاء لن يمنحني حقي إلا بعد سنة أوسنتين، ماذا أفعل بزوجة مكثت عند إنسان غريب أكثر من سنة؟ هذا التصور الذي يحمله أول رئيس جماعة قروية أنشئت بعد الاستقلال في منطقة قريبة بين مدينتي الدارالبيضاء والمحمدية، يعكس في الواقع تصورا عاما لسلطة المخزن. على هامش ما رافق هذه الجائحة لفيروس كورونا المستجد، من أكاذيب وإشاعات وهزل ونكث وخرافات وصلت حد الغباء الجماعي لدى بعض الناس ممن يصدقون كل شيء يكتب ويقال ويروج؛ ويقومون عن حسن أو سوء نية بالترويج له وتقاسمه والتفاعل معه على أساس أنه حقيقة؛ ليكتشف بعد وقت وجيز كم كان غبيا وكم يسكنه من الوهم والتفاهة والسخافة والجهل بحقيقة ومنطق الأمور. معروف أن المجتمع المغربي يتميز بنوع من التنضيد الاجتماعي المتعدد الثقافات؛ ومراعاة لخصوصية كل مكون اجتماعي، يجب اختيار طريقة وأسلوب التعامل واستراتيجية التواصل معه؛ وإلا تحصل القطيعة. باستحضار مواقف وتصرفات بعض رجال السلطة القدامى من طراز القائد رضى الرحماني والباشا التهامي لكلاوي والقائد العيادي... وغيرهم؛ وفي إطار قراءة للتاريخ من أجل استنباط وتنزيل مادة للاشتغال عليها؛ نجد أمثلة مختلفة، سوف أقتصر على البعض منها لإبراز مستوى الدهاء عند هؤلاء: الأولى: يحكى أنه يوما قد اشتكت إحدى السائحات الأجنبيات لباشا قرية فاس تعرضها لسرقة حقيبتها من أمام احدى المحلات التجارية بدروب فاس العتيقة. فأصغى إليها الباشا وأمرها بالانصراف بعد أن وثق شكايتها. وبعد وقت وجيز، وفي إطار التحري وفتح التحقيق للوصول إلى الفاعل؛ امتطى الباشا صهوة جواده وتوجه بالضبط إلى عين المكان الذي صرحت المشتكية أنه وقعت فيه عملية السطو والسرقة. فوقف بجواده ومكث غير بعيد عن مكان وقع الفعل الجرمي، دون أن يبدي ولو كلمة أوردة فعل واحدة، وبعد أقل من 5 دقائق انصرف عائدا إلى مكتبه. بعد مرور حوالي ساعة زمنية؛ نعم ساعة زمنية لا أكثر، استدعى باشا قرية فاس صاحب المحل التجاري الذي وقعت أمامه السرقة، فطرح عليه سؤالا جوهريا وبسيطا وهو كما يلي: " من جاء عندك مباشرة بعد مغادرتي باب محلك في اليوم والساعة كذا، وسألك عن سبب حضور الباشا هناك؟" فأجابه صاحب المحل: فلان بن فلان.. أمر الباشا بإحضار المعني بالأمر المصرح عنه على الفور؛ ولما أحضروه؛ قال له الباشا أين حقيبة السائحة الأجنبية؟ فأخرجها على الفور من جيب ثيابه. فأعادها لصاحبتها وتم عقاب السارق في الجلسة وحبسه في الحين. الثانية: يحكى أنه ذات يوم دخل أحد المشتكين؛ يمشي وواقفا على رجليه؛ على مجلس باشا حاضرة ورززات؛ التهامي لكلاوي، وكان كله ملطخ بالدماء وفي وضعية صحية جد حرجة؛ مشتكيا تعرضه للاعتداء بالضرب والجرح من قبل جاره في إطار نزاع حول الأرض، وبسبب عدم اتخاذ جاره للإجراءات الضرورية لمنع عشب ضار يسمى "النجم" المضر بالغلة، من اجتياحه لحقل المشتكي. وبعد أن استمع إليه الباشا بإمعان أمر الحراس بتوقيفه وإدخاله السجن. مع أمر بإحضار المشتكى به. فاندهش الحضور من قرار باشا أهل ورزازات من القرار الذي فيه نوع من الغلظة والتعسف والشطط وصل حد الظلم على مواطن يشتكي ظلما فزج به في غياهب السجن. بعد ساعة أو أقل تم إحضار المشتكى به؛ لكن ليس ماشيا أو واقفا على رجليه؛ عكس كما حضر المشتكي الأول؛ بل محمولا على حمالة إسعاف ملطخا في دمائه ومن الصعب حتى التعرف عليه جراء ما تعرض له من اعتداء شنيع وكسر رجليه ويديه من طرف المشتكي. (ضربني فبكى وسبقني واشتكى). لا يمكن الحديث عن دور رجل السلطة؛ دون استحضار مفهوم المخزن. ومن خلال البحث في سوسيولوجيا المفهوم كمتخيل في المجتمع المغربي؛ نتساءل: ماذا نقصد بالمخزن؟ أين يوجد المخزن؟ هل يوجد بالرباط؟ هل هناك وجود للتسمية خارج جغرافيا المغرب؟ هل المخزن مجرد وهم؟ خارج المعنى المعياري القدحي للكلمة، كيف يتم توظيفه من قبل النخبة لإحكام هيمنتها على المجتمع والوصول من خلاله الى سلطة اتخاذ القرار كما يدعي البعض؟ هل فعلا يتم الاحتماء بالمخزن للحصول على الثقة؟ المخزن لغة: مصدر لفعل خزن يخزن خزينة، أي مكان الادخار والمخزن على وزن مفعل أيضا مكان الذخيرة، حيث كان يطلق على المكان الذي تجمع فيه الموارد الضريبية. وبحكم سلطة الامتياز في جمع الضريبة هذه، أصبح لفكرة المخزن مخيالا اجتماعيا وسياسيا يحيل إلى السلطة والعنف كخلل عام في العلاقة بين الإدارة والمواطن. المخزن مفهوم سياسي يحيل إلى السلطة العامة في الدولة، بحيث مجموع الأفعال المخزنية ما هي إلا امتداد للفعل السياسي للسلطة الإدارية بصفة عامة. وعبر تاريخ المغرب؛ ظل السلطان هو المصدر الفعلي للقرارات السياسية ولكل إنتاج حقوقي، متصرف أعلى في الدولة وواضعا للسياسات العامة من خلال الظهائر والتعليمات والقرارات والتوجهات. فالمخزن مؤسسة وسلوك سياسي ونظام اجتماعي ومنظم لحقل المجتمع المدني. والمخزن قوة "حركات" السلطان وسلوك القواد والباشوات الكبار. نجد في الثقافة الشفوية للإنسان المغربي مقولة: " احذر ثلاث: البحر والمخزن والنار" وفي القرى حيث لا وجود للبحر يضرب المثل ويقال: احذر ثلاث: "المخزن والوادي والنار". فالمخزن يده طولى. فالمخزن ما هو إلا الصالح العام منفذ من قبل المخزن، ومعنى ذلك أن المخزن مفهوم دستوري وقانوني، بحيث نجد الأملاك المخزنية، الأراضي المخزنية، الغابات المخزنية، الدومين العام التابع للإيالة الشريفة... وعلى مستوى المنظومة والفلسفة الدستورية نجد البيعة، والولاء، والبروتوكول. نجد كذلك محكمة العدل الدولية وهي تنظر في قضية الصحراء المغربية، ربطت بين الولاء للسلطان، ووجود السلطة السياسية، أي وجود إدارة المخزن، وبالتالي هناك حدود جغرافية، هناك سكان، هناك سلطة، هناك تنظيم...الخ. لكن هل المخزن مفهوم إداري؟ وباستحضار بعض المعطيات التاريخية؛ نجد الباشوات على مستوى المدن والقواد الكبار على مستوى البادية، كممثلين للمخزن. ونجد مرافق عامة مختلفة. فالجميع يستعمل الطريق، والماء يخضع لتوزيع وضوابط محكمة، والبث في المظالم كمؤسسة وزير الشكايات، ومؤسسة "الشرع". إذن هناك نشاط يخدم الصالح العام، وقد أنتج المغرب مفهوما للتعبير عن البنيات السياسية والتدبيرية التقليدية التي عرفها ذلك العهد، وهو مفهوم "المخزن" مساهما في إثراء التراث السياسي والاجتماعي والإداري. فالمخزن من خلال هذه المعطيات، ليس إلا الإدارة بالمفهوم التقليدي، بحيث من خلال المقاربة الإبستمولوجية السوسيولوجية والقانونية، نتساءل عن ما هو الفرق بين المفهوم السوسيولوجي للإدارة والمفهوم السوسيولوجي للمخزن؟ إن المخزن ليس مجرد وهم كما يتخيل البعض، ولكن هو حقيقة؛ بحيث أن تحليل الثقافة الشفوية للمواطن المغربي يحيل إلى أن الإدارة والمخزن لا يفترقان في شيء؛ أي مجرد مسميات لمعنى ومفهوم واحد. فالمخزن بنية كلاسيكية استبدلت بالإدارة كمفهوم حديث، أي أنه مع تطور مفهوم الدستورانية أصبح يحتفظ بطابع رمزي في حلة جديدة وهي: الإدارة. فالمخزن بالأمس يتعايش مع الحالي مع فارق بسيط في الصورة؛ حيث نجد غيابه في الخطاب الرسمي، ولا وجود له إلا في الثقافة الشفوية والمخيال والتمثلات، ولا هوية له تماما كالإدارة. فالمخزن يحكم، يقنن، يفرض الضريبة... إلى غير ذلك، فهو إجمالا الإدارة وليس بدولة موازية أو تفوق الدولة في شيء. لكن كيف يتم توظيف المخزن للوصول الى سلطة القرار؟ لقد وصف أحد رؤساء الجماعات يوما المخزن بالقول: إن المخزن أو السلطة هي بمثابة عصا موسى التي تتخذ متكأ أو كدعامة للوصول الى سلطة القرار وقضاء المآرب. وتحقيق الأمن والسكينة والطمأنينة والصحة والسلامة. وهذا هو مجال تصريف الشرطة الإدارية المخولة لرجال السلطة التي تحيل إلى الإذن والمنع والأمر لتحقيق ذلك. فالمخزن كقوة وكفاعلية لا يمكن تمثله إلا في سياق تجميع السلطات؛ أليست لا مبالاة الإنسان المغربي بمجلسي النواب والمستشارين وما يجري فيه؛ إلا دليلا على هذا التمثل؟ أوليس كذلك، حجم الكم الهائل من الشكايات والتظلمات الواردة على الديوان الملكي برهانا آخر على أن الإنسان المغربي لا زال لم يستوعب بعد منطق فصل السلطات ومنطق الدولة الحديثة؟ واقع تمثل المخزن كقوة، يفضي إلى شيء آخر: هو عدم القدرة على مواجهته ومقاومته، وبالتالي ضرورة الاحتماء به أو التعايش معه. إن مدخل التشكيلات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية لتوصيف النظم الاجتماعية المغربية؛ تحيل إلى معطى يتجلى في كون النسق السياسي لمغربي المعاصر هو بمثابة نسق اجتماعي فرعي وثانوي وتتجلى وظيفته الأساسية والجوهرية في تنظيم وتفعيل الموارد الضرورية لتحقيق متطلبات وقضايا الأفراد والجماعات. لذلك القائد في تكوينه بالمعهد الملكي للإدارة الترابية بالقنيطرة؛ وفي إطار تلقي دروس في كيفية ممارسة السلطة؛ يدرس جهازا اصطلاحيا ومفاهيميا مغربيا محضا من طراز معنى: تكركر علي، والمبهوض، والبوحاطي، وهرمة، ولمطحطح، والغاشي، والله يحسن لعوان لكل واحد، والمنزلة، والطنز، والضسارة، والبراح، والمجذوب والمسكون والمستوه، ولمسطسط والبراني ولمعوج... وغيرها من مصطلحات تمغربيت. وبالتالي لا يعتقد من يحسن تبخيس عمل السلطات والمؤسسات؛ أن قائد أسفي كانت تجهل مستويات التزام واجب التحفظ أو تتكلم من فراغ أولا تنتقي مفرداتها وفق المعطيات المتاحة وسيكولوجيا الناس الذين تتولى خدمتهم. فهي لم تستورد مفردات أو مصطلحات فرنسية كما يفعل البعض لمخاطبة مغاربة؛ بل انطلقت من تمغربيت لتوصل اليهم فكرة التزام بيوتهم. ولو كانت تعمل بمنطقة أهلها يتكلمون الأمازيغية أو الحسانية لخاطبتهم بلغتهم انطلاقا من تلك العربة "الوثة" بالتعبير الحساني أو السيارة التي كانت تستعملها من خلال مكبر الصوت. في هذا الإطار نستحضر العالم "يورغى هابر ماس" الذي ينطلق في نظريته الفعل التواصلي مما يسميه "المصلحة العملية"؛ حيث تعتبر اللغة من أهم الوسائل للتواصل والتفاعل بين الناس والتي تحدد طرق فهمنا لبعضنا البعض في إطار التنظيمات الاجتماعية. ويذهب "هابرماس" إلى أن البنيات الاجتماعية تنبني على التفاعل القائم على الخداع والتضليل بشكل منظم من أجل تحقيق مصالح معينة؛ من خلال الوعي الذاتي بما نفعل وانطلاقا من قواعد التواصل المقبولة اجتماعيا. وبالتالي كل نسق يستهدف الاستمرارية والتفاعل مع متطلبات محيطه من خلال عملية تصريف وتحويل وبلورة المتطلبات والقضايا الآنية والضرورية وذات الأولوية إلى قرارات وأفعال. وفق هذه المحددات تم إدخال الإدارة في مشروع مجتمعي جديد ضخم وتنافسي، في إطار مشروع قادر على بلورة الجهود والمعطيات في إطار عقد اجتماعي جديد، في زمان قوة الأيديولوجيات. وبالتالي بلورة انسجام اجتماعي واقتصادي قوامه الانتقال الاقتصادي بالاعتماد على الذات، يؤدي إلى إنتاج مبادئ دولة مغربية حديثة. في سنة 1965 تم إحداث مدرسة استكمال تكوين إطارات وزارة الداخلية بداخل القاعدة الجوية الثالثة للقوات المسلحة الملكية الكائنة بمدينة القنيطرة. التي بطبيعة الحال لم يأت اختيارها هكذا اعتباطا. حيث كان الهدف هو العمل على إنتاج أطر تتلقى تكوينا مزدوجا؛ عسكريا ومدنيا، وتكون قادرة على الفعل وردة الفعل عبر التنظيم العام للبلاد في حالة نشوب أو اندلاع حرب والتصدي إلى كل ما من شأنه الإخلال بالنظام العام وزعزعة الاستقرار وعقيدة المواطن. وهنا بالذات يبرز دور رجل السلطة كممثل لجلالة الملك وللدولة وللسلطة المركزية. فرجل السلطة يلعب دورا مهما وكبيرا في تدبير الشأن الجهوي والإقليمي والمحلي؛ بحيث يعتبر ممثلا للإدارة المركزية على المستوى الجهوي والإقليمي والمحلي؛ من حيث تواجد الدولة على مستوى متقدم بمختلف مجالاتها. وهذا الدور يتجلى في الاختصاصات المخولة له قانونا عبر عدة نصوص قانونية متفرقة، ومنها أنه يعتبر عين الدولة على السياسات العامة والعمومية والقطاعية. وهنا لا ينحصر دور رجل السلطة في إعداد التقارير المخابراتية من أجل توفير المعلومات للحكومة كما يتصور البعض؛ ولكنه يلعب دور المنشط التنموي من خلال عملية التنسيق والتناغم بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية على المستويات الجهوية والإقليمية والمحلية. بل يتعدى تأطير المواطنين بمناسبة خروجهم لتحية عاهل البلاد بمناسبة الزيارات الملكية، أو بمناسبة حفل الولاء وتجديد البيعة بين ملك وشعب. والسؤال الذي قد يتبادر الى الذهن هو: هل لازال رجل السلطة يتمتع بنفس القوة التي كان يحظى بها من قبل على مستوى ممارسة السلطة؟ على الرغم من التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية؛ حيث تنامي الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي الذي عرفه ويعرفه المجتمع المغربي؛ نجد أنه حينما نتحدث عن التنظيم العام للبلاد في حالة حرب؛ هنا سيكون من باب الأنانية اختزال الأدوار في دور المخلص أو المنقذ الواحد؛ وعلى حد تعبير لسان حال تمغربيت " أنا وحدي نضوي البلاد"؛ لا هذا غاية الإنكار من جانبه وسيكون قولا غير منصف لباقي المؤسسات والمتدخلين الآخرين في الدولة؛ بحيث يلعب التنسيق دورا هاما في الجهاز الإداري والمؤسساتي للدولة، إذ يتوقف عليه مدى فعالية المرافق العامة في البلد، بحيث هو عملية تكثيف للجهود سواء داخل المرفق الواحد أو على مستوى جميع المرافق عموديًا وأفقيًا. فالنسق يفرض نوعا من التكامل والانسجام والتضامن والتمازج بين مجموع الفاعلين وأطراف اللعبة. فحينما نتحدث عن نسق إداري، فإنه يفرض التكامل والتعاون بين عدة أنشطة مختلفة تعمل في تنسيق محكم فيما بينها. فهل يمكن الحديث عن نسق إداري في المغرب يهدف خدمة اتجاه واحد وهو الصالح العام؟ أم مجرد فضاء كلها يلغي بلغاه؟ بالنسبة لمرفق الداخلية بصفة عامة، يمكن القول أن طبيعة نشاطاتها في جميع دول العالم يأخذ نفس الطابع، بحيث كل مرفق لا يعمل إلا في إطار الشرعية والمشروعية وليس في إطار العشوائية، وتجاوز السلطة يبقى مجرد سلوك وعقليات فقط؛ بحيث لا يمكن اختزال سلوك معزول في مؤسسة بكاملها. فهي تأخذ وضعا متميزا ومفترقا للطرق داخل النسق الإداري للبلد على حد تعبير ميشيل روسي (Administration carrefour) والتي تحظى بموقع متقدم على المستوى المجالي للدولة ككل. لكن أيضا هي الخادمة التي تتولى تخميل بيت الحكومة. على حد تعبير وزير الداخلية المرحوم إدريس البصري؛ بمناسبة تسليمه للسلط لخلفه وزير الداخلية آنذاك. لكن النسق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي لا يختزل في الشخص المخلص؛ الذي يقوم بإقصاء وتبخيس مجهودات الأفراد والمؤسسات؛ بل تجلياته وتمظهراته تؤسس في أدوار سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية وفي جدلية اعتماد متبادل. فمرافق وزارة الداخلية موزعة على جميع التراب الوطني من خلال مصالحها الخارجية، يقومون بضبط المجتمع بكل دقة، والعامل والوالي كرجل سلطة يقوم بتنسيق اختصاصات مختلف مصالح الوزارات من مديريات ومندوبيات ومؤسسات عمومية. إن التنسيق يمكن النظر إليه من خلال عدة زوايا يمكن حصرها في ما يلي: على المستوى الأفقي؛ أي العلاقة على مستوى المرافق في نفس القطاع، بحيث مجموع الأنشطة الإدارية لها قطب واحد يضمن لها الانسجام والتكامل. على المستوى العمودي؛ التكامل والانسجام يعني العلاقة المتواجدة بين مختلف مكونات الجهاز الإداري في وعلى نفس مستوى التسلسل الإداري. على مستوى العدد؛ نجد العديد من المرافق في شكل وزارات مثلا، العدل، الداخلية، الفلاحة، السياحة، البيئة... يتدخلون للإشراف والتأطير، على قطاع محدد. على مستوى الاختصاص؛ كل في إطار اختصاصه، إلا أن هناك تداخل الاختصاص الذي يفرض التنسيق والتعاون والتشاور فيما بينها. على مستوى الاستقلالية؛ فهي ليست أشخاصا معنوية متمتعة بالاستقلالية، ولكن عملها يهدف خدمة المجتمع ككل. فسواء تعلق الأمر بالمركزية أو عدم التركيز أو اللامركزية، الإدارية تبقى نفس المطرقة التي نضرب بها؛ لكن هذه المرة مطرقة ذات مقبض قصير تضرب بسرعة وبكل دقة للاستجابة للقضايا والمتطلبات الاجتماعية للمواطنات والمواطن. La centralisation; ou La décentralisation, ou La déconcentration: c'est le même marteau qui frappe; mais cette fois un marteau dont on a raccourci le manche; un marteau dont le manche est courte frappe plus juste et plus et plus vite. وحينما نتحدث عن حرب رجل السلطة؛ فهي في الحقيقة عدة حروب يومية في حياة مسلسل ومسارات رجل السلطة، تضرب بنفس الحدة وبنفس القوة، حيث يجد نفسه بين المطرقة والسندان في يوم؛ فهناك التنظيم العام للبلاد في حالة حرب الانتخابات؛ وحرب الكوارث الطبيعية، كالزلازل وحروب تفشي جائحة الأوبئة والأمراض التي تصيب الإنسان والحيوانات والقطيع والطيور والفيضانات وجحافل الجراد والكلاب الضالة ومختلف صور اعتباط الطبيعة. وحرب الطرق وحوادث السير. وحرب التصدي للمجرمين وعصابات التهريب والمتطرفين والإرهاب وحاملي الفكر الانفصالي والتطرف والعدمية وناشري الفكر التبخيسي والازدراء والكراهية. وحرب الإشاعة والأكاذيب والتضليل. وهناك حرب الاستجابة للمتطلبات اليومية للمواطن في شكل شكايات ومتطلبات وقضايا؛ حول الماء الشروب والكهرباء والطرق ومختلف البنيات التحتية. وحرب المخالفات في مجال التعمير والبناء وحرب تنامي ظاهرة دور الصفيح والتجزئات السرية. وحرب تنظيم الباعة الجائلين واحتلال الملك العمومي. وحرب التظاهرات والمسيرات والاعتصامات والاحتجاجات. وحرب التحريض على التظاهر والشغب. وحرب تطبيق إجراءات تدابير حظر التجوال والحجر الصحي بسبب تفشي الأمراض.