مفهوم وقف مدة تقادم الدعوى العمومية يعني تعليق سريانها تعليقا مؤقتا، بسبب توافر موانع قانونية أو واقعية تعترض سيرها أو تحول دون تحريكها، ومن تم فتقادم الدعوى العمومية يتوقف عند قيام مانع او عارض من شأنه تعطيل سيرها فيحول دون استمرارها، فإذا ما زال هذا المانع عاد تقادمها إلى سريانه من جديد من النقطة التي توقف عندها، مع احتساب المدة السابقة وإضافتها إلى المدة الثانية للوقف. لذلك فالتساؤل الرئيسي الذي يطرح في هذا الصدد حول مدى إمكانية وقف تقادم الدعوى العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية. للإجابة على هذا التساؤل سيكون لزاما علينا، الوقوف عند أسباب وقف تقادم الدعوى العمومية، مع إلقاء نظرة عن بعض التشريعات الإجرائية المقارنة في هذا الصدد، قبل الخوض في مدى إمكانية وقف الدعوى العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية. أولا: أسباب وقف تقادم الدعوى العمومية قد يحدث أن تتوافر أسباب أو موانع تحول دون مباشرة الدعوى العمومية سواء بالإقامة أو بالممارسة، ومعنى ذلك أن مدة تقادمها المنصوص عليها قانونا لن تستمر في السريان حتى لا يترتب عنها حتما سقوطها بالتقادم، في ظل وجود هذه الأسباب التي قد تكون قانونية أو مادية، والتي تحول دون استمراها وتوقفها إلى حين زوالها. -الأسباب القانونية لوقف تقادم الدعوى العمومية: يقصد بالأسباب القانونية قيام أسباب نص عليها القانون من شأنها الحيلولة دون إجراء أي عمل من أعمال المتابعة أو التحقيق أو المحاكمة بصورة مطلقة، وقد نص المشرع من خلال الفقرة 7 من المادة 6 من قانون المسطرة الجنائية على أن تقادم الدعوى العمومية يتوقف متى كانت استحالة إقامتها ترجع إلى القانون نفسه، فيتبين من خلال قراءة هذا النص أن الموانع المادية أو الواقعية لا توقف سريان التقادم، وعلى العكس من ذلك يتوقف التقادم إذا كان القانون هو الذي يمنع الضحية أو النيابة العامة أو الجهات المخول لهم قانونا إقامة الدعوى العمومية ومباشرة إجراءاتها، ومثال ذلك الحالة التي أوردتها المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية في حالة الاعتداء الجرمي على قاصر من طرف أحد أصوله أو من طرف شخص له عليه رعاية أو كفالة أو سلطة، حيث يبدأ التقادم في السريان من جديد لنفس المدة ابتداء من تاريخ بلوغ الضحية سن الرشد المدني. - الأسباب المادية لوقف تقادم الدعوى العمومية: يقصد بالأسباب المادية أو الواقعية قيام حالة قوة قاهرة من شأنها الحيلولة دون إجراء أي عمل من أعمال المتابعة أو التحقيق أو المحاكمة بصورة مطلقة، لذلك يكون من المناسب وقف مدة سريان التقادم على الدعوى العمومية طالما استمرت هذه الموانع. ومن بين الأسباب المادية التي تستدعي وقف سريان تقادم الدعوى العمومية نذكر منها: *حالة الكوارث الطبيعية كالفيضانات والأوبئة والزلازل التي تجعل الاتصال متعذرا بين المناطق المختلفة مما يترتب عليه تعطيل الحياة العامة في البلاد وبالتالي إيقاف مدة التقادم طالما استمرت هذه الكوارث. *حالة امتناع دولة أجنبية عن تسليم المتهم المطلوب استرداده من قبل الدولة الطالبة ، فإذا ما ارتكب شخص مثلا جريمة معينة في المغرب ولاذ بالفرار إلى بلد أجنبي وقامت الدولة المغربية بطلب استرداده من الدولة الأجنبية التي فر إليها المجرم، لكن هذه الأخيرة امتنعت عن تسليمه للدولة الطالبة، فإنه في هذه الحالة يتوجب أن يتوقف التقادم طوال فترة امتناع الدولة الأجنبية عن تسليم المجرم المطلوب استرداده إلى حين تسلمه، كما تجدر الإشارة إلى أنه يتوقف التقادم أيضا خلال الفترة التي تستغرقها إجراءات الاسترداد في حالة الموافقة على تسليمه. *حالة وقوع حرب داخلية أدت إلى تعطيل عمل السلطات القضائية، وكذلك الأمر في حالة احتلال البلاد من قبل جيوش أجنبية. فجميع هذه الحالات يستحيل معها إجراء أي عمل من أعمال المتابعة كما يستحيل معها النظر في الدعوى سواء من قبل السلطة المكلفة بالتحقيق أو قضاة الحكم مما يستوجب إيقاف مدة تقادم الدعوى العمومية ريثما يزول العائق الذي حال دون متابعتها لسيرها العادي. نظرة على بعض التشريعات الإجرائية المقارنة لم يأخذ المشرع الإجرائي الفرنسي بوقف تقادم الدعوى العمومية، إلا في حالة استثنائية وحيدة وهي عندما يقرر حكم قضائي بسقوط الدعوى العمومية بالنسبة لجريمة معينة ويتبين أن هذا الحكم كان مبنيا على تزوير أو استعمال مزور، فإنه يجوز إعادة تحريك الدعوى العمومية فيها، ويعتبر تقادم الدعوى في هذه الحالة متوقفا عند اليوم الذي أصبح فيه الحكم الصادر بسقوط الدعوى العمومية نهائيا إلى غاية يوم الحكم الصادر بإدانة المتهم بالتزوير أو استعمال الوثيقة المزورة، المادة السادسة من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي. أما القاعدة في التشريع المصري فهي أن مدة تقادم الدعوى العمومية إذا بدأ سريانها فإن تقادمها لا يتوقف لأي سبب، سواء كان متصلا بالقانون أو بالواقع، ونص على ذلك صراحة من خلال مقتضيات المادة 16 من قانون الإجراءات المصري والتي جاء فيها أنه "لا يوقف سريان المدة التي تسقط بها الدعوى الجنائية لأي سبب كان". وقد سارت محكمة النقض المصرية على نفس نهج المشرع حيث جاء في أحد قراراتها " مضي ثلاث سنوات من تاريخ إيقاف السير في الدعوى وإحالتها للنيابة العامة لاتخاذ شؤونها بالنسبة للطعن بالتزوير دون اتخاذ إجراء قاطع للتقادم، أثره انقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم. نقض 5 يونيو 1986، مجموعة أحكام النقض، س.37، رقم 124، ص.652 كما أن المشرع الكويتي اعتنق ذات المبدأ رافضا بذلك فكرة وقف تقادم الدعوى العمومية لأي سبب كان، حيث نص في المادة 7 من قانون الجزاء بأنه "لا يوقف سريان المدة التي تسقط بها الدعوى الجزائية لأي سبب كان". وهو نفس الأمر الذي سار عليه التشريع الإجرائي لدولة الإمارات من خلال المادة 20 من قانون الإجراءات الجزائية 35/1992. في حين أن المشرع الإجرائي اللبناني شكل الاستثناء بين مجموع التشريعات الإجرائية المقارنة وأخذ بفكرة وقف التقادم في حالة قيام استحالة مادية وذلك من خلال مقتضيات المادة 10 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني والتي نصت على أنه "يتوقف مرور الزمن عن السريان إذا استحال، بسبب قوة قاهرة، إجراء أي عمل من أعمال الملاحقة أو التحقيق أو المحاكمة، ويعود إلى السريان فور زوالها. ثانيا: مدى إمكانية وقف تقادم الدعوى العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية. بالرجوع إلى مقتضيات المادة 6 من قانون المسطرة الجنائية، نجد أن المشرع المغربي لم يأخذ بالأسباب الواقعية أو المادية كأسباب موقفة لسريان تقادم الدعوى العمومية، إذ استثنى هذه الأخيرة من مجال الأسباب الداعية لوقف التقادم ليبقى الأمر حكرا على الأسباب القانونية دون سواها، وذلك بنص الفقرة 7 من المادة 6 من قانون المسطرة الجنائية، التي جاءت كالتالي: "تتوقف مدة تقادم الدعوى العمومية فيما إذا كانت استحالة إقامتها ترجع إلى القانون نفسه". وعليه، فإن الحديث عن مدى إمكانية إيقاف مدة تقادم الدعوى العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية، سيجرنا لا محالة للوقوف عند مقتضيات المرسوم بقانون الصادر بتاريخ 24 مارس 2020 وخاصة المادة السادسة منه والتي نصت على أنه "يوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها، ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة. تستثنى من أحكام الفقرة الأولى أعلاه آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي". فالثابت من خلال مقتضيات المادة السادسة أعلاه من المرسوم بقانون، أن واضعه قد أوقف سريان جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، الشيء الذي أفرز لنا قراءات وتوجهات لنص هذه المادة قائلة بكون التقادم يستثنى من مفهوم الآجال، وهذا قول مردود عنه للعلل التالية: 1-: أن السياق العام الذي وضع فيه المرسوم بقانون مرتبط بوجود حالة طوارئ صحية _انتشار فيروس كوفيد 19_ أدت إلى تعطيل جزء كبير من عمل السلطات القضائية، يصعب معها إجراء أي عمل من أعمال المتابعة كما يصعب معه النظر في الدعوى العمومية، سواء من قبل السلطة المكلفة بالتحقيق أو قضاة الحكم مما يستوجب إيقاف مدة تقادم الدعوى العمومية ريثما يزول العائق الذي حال دون متابعتها لسيرها العادي، 2- أن العلة من وقف التقادم تكمن في كون التقادم نفسه يجب أن لا يسري في حق من لا يستطيع اللجوء إلى القضاء في ظل وجود أسباب مانعة وقاهرة تمنعه من ذلك، فإن كان وقف التقادم يخدم مصالح الضحايا فإنه ليس تحاملا على المشتبه فيهم أو المتهمين وإنما تغليبا للحق الشخصي الخاص وللحق العام وتعزيزا للمبدأ الكوني عدم الإفلات من العقاب، 3- أنه ولئن كانت مدة المرسوم بقانون تمتد إلى غاية 20 أبريل 2020، وأن هذه المدة يمكن تمديدها إلى حين زوال الوباء موضوع المرسوم بقانون، فإن قصر مدة حالة الطوارئ الصحية أو طولها لن يشكل ذريعة لاستمرار أفعال جرمية ارتكبت قبل تاريخ حالة الطوارئ الصحية أو في إبانها في السريان، بل الأولى إيقاف سريان تقادمها وبزوال المانع يعود تقادمها إلى سريانه من جديد من النقطة التي توقف عندها، مع احتساب المدة السابقة و إضافتها إلى المدة الثانية للوقف، 4- لكون جميع الإجراءات المسطرية مرتبطة بأجل، لذلك فمفهوم تقادم الدعوى العمومية هو في الأصل مرتبط بآجال والتي هي عبارة عن مدد زمنية فاصلة بين تاريخ ارتكاب الفعل الجرمي وسقوطه بمرورها وفق المدة الزمنية المحدد لكل فعل جرمي، 5 - فإن ما يعضد الفكرة أعلاه، هو ما يستشف من خلال الصياغة التي استعملها المشرع الإجرائي في تنظيم المقتضيات الخاصة بتقادم الدعوى العمومية واستعماله لمصطلح "أجل" كما هو الحال في الفقرة 7 من المادة السادسة "يسري أجل جديد للتقادم.."، 6- أنه من غير المعقول واقعا في ظل هذه الظروف _ والتي تلزم الجميع بالمكوث في المنازل، وعدم مغادرتها إلا للضرورة القصوى _أن تتوقف جميع الآجال ويستمر أجل التقادم في السريان، لذلك فإن مقتضيات المادة السادسة من المرسوم بقانون أعلاه استثنت فقط آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي. وتجدر الإشارة إلى أن محكمة النقض قد أخذت بمبدأ وقف تقادم الدعوى العمومية لوجود مانع مادي، وهو الأمر الواضح من خلال قرارها عدد 7370 صادر بتاريخ 14/02/2007 في الملف الجنحي عدد 06/135550، حيث اعتبرت من خلاله وجود متهم بالسجن لمدة 4 سنوات تنفيذا لعقوبة خارج التراب الوطني يوقف تقادم الدعوى العمومية ولا يبدئ سريانها إلا بزوال هذا السبب. قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 69، ص 256. وتأسيسا على كل هذا، فإن المقتضيات الخاصة بوقف تقادم الدعوى العمومية لم تستثن من مقتضيات المادة السادسة من المرسوم بقانون، وعليه فبالتبعية فإن أمد التقادم يمكن إيقافه بموجب المادة المذكورة، على غرار باقي الآجال الأخرى المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية، التي يتوجب إيقافها مؤقتا إلى حين انتهاء مدة الطوارئ الصحية.