لا تتوانى سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن التنكيل بأهالي القدس والتضييق عليهم، سعيا منها إلى تهجيرهم قسرا عن العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية، وإحلال المستوطنين مكانهم، مطلقة العنان لأذرعها العسكرية باستحداث أدوات جديدة للتنكيل بهم، والتي كان آخرها "الحبس المنزلي الليلي" بحق الشبان. قانون "الحبس المنزلي" استخدم سابقا خلال أوقات الحروب العالمية، والاحتلالات العديدة في العالم، وفي فلسطين إبان الانتداب البريطاني. وكانت سلطات الاحتلال فرضت، في الثاني من يناير الجاري، الحبس المنزلي الليلي على 9 شبان من بلدة العيسوية في القدسالمحتلة هم: أنور سامي عبيد، ومحمد عليان عليان، وفايز محمد محيسن، ومحمد موسى مصطفى، وآدم كايد محمود، ومحمود رمضان عبيد، ونضال فروخ، وصالح أبو عصب، ونديم الصفدي. الشاب نضال فروخ (20 عاما)... وصف القرار الإسرائيلي بحقه وثمانية شبان آخرين "بقلب حياته رأسا على عقب... ولم أعد أستطيع الذهاب لعملي بحرية جراء الحبس المنزلي الليلي". ويواصل الشبان تحدي قرار الحبس المنزلي بحقهم، من الثامنة مساء حتى السادسة صباحا، لكسر هذا القرار الإداري الاحتلالي الذي يعتبر سابقة هي الأولى من نوعها في القدس منذ الاحتلال. وأعلن الشبان رفضهم لهذا القرار الإسرائيلي، وشاركوا قبل أيام عديدة في مسيرة جابت شوارع العيسوية رفضا للقرار، مؤكدين أن من حقهم التنقل بحرية كبقية أقرانهم. يضيف فروخ ل"وفا"، إنه وزملاءه كسروا القرار، على الرغم من كل التهديدات التي وجهت إليهم قبل تسليمهم القرار والمتمثلة بالإبعاد إلى الضفة أو غزة أو سحب الهوية المقدسية أو النفي خارج فلسطين؛ بل تصاعدت التهديدات ووصلت حد التهديد بالقتل". ويتابع: "تحولت حياتي إلى جحيم منذ 11 يوما، تضرر عملي، إذ يصعب الخروج من المنزل قبل الساعة السادسة صباحا؛ في حين كنت أخرج في الخامسة صباحا للتوجه إلى العمل خارج القدس، كذلك أضطر للانصراف من العمل مبكرا للعودة قبل الساعات المحددة إلى الحبس المنزلي". ويشير إلى أن معاناته لم تقتصر على ذلك، إذ سبب القرار اضطراره للذهاب إلى معتقل المسكوبية بشكل أسبوعي للتحقيق، كما يتعرض منزله لاقتحام متواصل من قبل شرطة الاحتلال للتأكد من وجوده في المنزل وعدم كسر القرار. وتشتكي عائشة فروخ، والدة الشاب نضال، من الاقتحامات المتكررة لمنزلها، قائلة: "لم يعد بمقدوري، منذ صدور القرار، النوم؛ لأننا معرضون لاقتحام منزلنا في كل لحظة، من أجل التأكد من وجود نضال في المنزل". من جهته، قال محمد محمود، الخبير القانوني ومحامي الشباب، إن "سلطات الاحتلال الإسرائيلي بدأت، فعليا، فرض الحبس المنزلي الليلي على مجموعة من الشبان المقدسيين في بلدة العيسوية شمال القدسالمحتلة، استنادا ل"قانون الطوارئ البريطاني" عام 1945، الذي أقر قمع الثورة الفلسطينية في حينه؛ لكنه فشل". وأضاف محمود ل"وفا": "الاحتلال يريد اختبار السياسة الجديدة على بعض الشبان في بلدة العيسوية، التي تعتبر من أكثر النقاط مقاومة للاحتلال في القدس". وأضاف أنه بموجب قانون الطوارئ عام 1945 يحق للجيش المحتل أن يطبّق سياسة "الحبس المنزلي" على من يطاله من الشبان الذين يتحدّونه ليلا نهارا منذ بضع سنوات، والحبس المنزلي يعني أنه يتم تحويل بيوت المقدسيين إلى سجون، وأنه يتم توكيل عوائل الشبان بمهمة مراقبة أبنائهم ومنعهم من الخروج. من جهته، قال المحامي مفيد الحاج، المتابع للقرارات الإدارية الصادرة عن الاحتلال، ل"وفا"، إن إسرائيل تستخدم كل الأدوات التي لديها من قهر الشعب الفلسطيني، وهي أدوات غير قانونية بينها قوانين طوارئ تعود إلى الانتداب البريطاني التي يستخدمها الاحتلال ضد شعبنا الفلسطيني؛ فأهالي العيسوية يحملون الهوية المقدسية لكن تطبق عليهم الأوامر الطارئة الإدارية التي تستخدم بحق أهالي الضفة وغزة. وأضاف الحاج أن القرارات الإدارية مستخدمة منذ سنوات؛ ومنها قرارات الإبعاد الإدارية عن الأقصى، وقرارات الاعتقالات الإدارية الفعلية للشبان الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وكذلك الحبس المنزلي الدائم لمدد محددة. وأضاف أن الحبس المنزلي أصبح أداة يستخدمها ما يسمى مسؤول الجبهة الداخلية من أجل التنكيل بالمقدسيين، وهذه القوانين لا تستخدم إلا في أوقات الحروب. وتابع أن العيسوية هي حقل تجارب، ولو نجح الحبس المنزلي الليلي سيعمم على القدس والمناطق المصنفة (ج)، والحبس المنزلي في حال نجاحه سيتصاعد في المرحلة المقبلة بحق الفلسطينيين. وتتعرض بلدة العيسوية، منذ منتصف العام الماضي، لسياسات تضييق ينفذها الاحتلال وأجهزته العسكرية؛ لكن ظاهرة العقاب الجماعي تُمارس على أهلها بشكل موسع ومركز منذ أكثر من تسعة أشهر، حيث ارتفع خلالها عدد المعتقلين ومعدل الانتهاكات ليصل إلى مستوى غير مسبوق. وقال رائد أبو ريالة، عضو لجنة الدفاع عن العيسوية، ل"وفا"، إن الأحداث الجارية في البلدة منذ ثمانية أشهر لم يستطع الاحتلال كسرها وإيقافها، وهو يلجأ حاليا إلى الأوامر العسكرية بحق أبناء العيسوية في إجراءات ظالمة تهدف إلى كسر إرادة الشبان، والشبان يتمردون على هذا الحبس المنزلي الليلي وكسره، وقدموا إلى المحكمة وحوكموا على كسرهم للقرار وتم إخلاء سبيلهم". وأضاف أن الاحتلال في العيسوية يتخبط، ويعتقل كثيرا من أبناء القرية، ووصل عدد المعتقلين إلى أكثر من 600 معتقل، ولم تجرِ إدانة أكثر من 30 شخصا منهم؛ في حين أن باقي الاعتقالات هي تعسفية. *وفا