أصدرت وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، تقريرا معنونا ب: "مُنجز حقوق الإنسان بالمغرب التطور المؤسساتي والتشريعي وحصيلة تنفيذ السياسات العمومية بعد دستور 2011"، يحتوي على 263 صفحة، بتاريخ: 9 يوليوز 2019. وبعد 172 يوما (4 أشهر و50 يوما)، وقمنا من خلاله بتقديم قراءة جزئية تحت عنوان: "الحقيقة الغائبة أم تغيب الحقيقة: قراءة أولية في تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ضمن تقرير منجز حقوق الإنسان بالمغرب لوزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان"، بتاريخ 31 يوليوز 2019. غير أنه تم إصدار تقرير آخر جديد بتاريخ 27 دجنبر 2019 معنون ب: "تقرير حول منجز من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة"، من لدن المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، والذي يحتوي على 126 صفحة، مقسمة على خمسة أقسام أساسية تتعلق بتقييم مآل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة من حيث التأصيل الدستوري لتوصيات العدالة الانتقالية ومنجز الإطار القانوني، وباقي الإصلاحات الجارية في نطاق الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، ثم العدالة الانتقالية والوضع الخاص للأقاليم الجنوبية الصحراوية وأخيرا، القيمة المضافة للتجربة الوطنية في العدالة الانتقالية. لا أحد يجادل عن القيمة العلمية والفكرية التي يتضمنها التقرير من خلال محاوره الأساسية وبنيته القانونية والمؤسساتية، وبه يعد التقرير ضمن أحد المجهودات الأساسية والمؤسساتية التي قام بها المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، وعليه يمكن تقديم جملة من الملاحظات التي تستدعي الانتباه الاهتمام والبحث في بعض جوانبها الأساسية التي أشار إليها التقرير وهفواته التقنية، فأهميته تتجلى بعد تفعيل دستور 2011 والذي اعتمده التقرير في مختلف الجوانب، وما تم تنزيله في ظل تجربة العدالة الانتقالية المغربية، وبهذا سنقدم قراءة بسيطة ليست على التقرير برمته بل لبعض أجزائه. وذلك من خلال أربع ملاحظات أساسية: الملاحظة الأولى: تتجلى بالأساس حول التذكير بتوصية هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال استجلاء وكشف الحقيقة التي عملت من خلالها الهيئة في كشف مصير 742 حالة من ضحايا الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو الأشخاص المتوفين خلال أحداث اجتماعية مختلفة و66 حالة عالقة، تجتمع فيها العناصر المؤسسة للاختفاء القسري، حيث أوصت الهيئة بمتابعة الكشف عن مصيرها. فقد تمكنت لجنة المتابعة في تنفيذ توصيات الهيئة في تقريرها لسنة 2010 على كشف 58 حالة، أي كشف 44 حالة في المرحلة الأولى و 14 حالة في المرحلة الثانية، وظلت في التقرير الصادر عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سابقا 8 حالات لم يتم استجلاؤها أو الكشف عنها. غير أن قراءة التقرير من الصفحة 158 إلى165 نجد 9 حالات عالقة. وهي حسب التقرير تتضمن الأسماء التالية: (1.عبد الحق الرويسي، 2. المهدي بنبركة،3. الحسين المانوزي، 4. أتكو أحمد بن علي، 5. أكودار اليزيد، 6. الوسوليعمر، 7. الصالحي المدني، 8. إسلامي محمد، 9. عبد الرحمن درويش). الملاحظة الثانية: تتجلى في التناقض بين التقارير الرسمية، إذ يُلاحظ على ما تضمنه التقرير المنجز الصادر من لدن المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يؤكد في الموضوع نفسه: "كشف مصير 803 حالة من ضحايا الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو الأشخاص المتوفين خلال أحداث اجتماعية مختلفة" يوم 20 دجنبر 2017. أما تقرير الوزارة من خلال العبارة التالية: "كشف مصير 801 متوف من ضحايا الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو الأشخاص المتوفين خلال أحداث اجتماعية مختلفة" الصادر بتاريخ: 9 يوليوز 2019. وتقرير المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان يقر ب "كشف مصير 805 متوفين من ضحايا الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو الأشخاص المتوفين خلال أحداث اجتماعية مختلفة" الصادر بتاريخ 27 دجنبر 2019. الملاحظة الثالثة: يُستنتج على أنه يجب إيجاد حل للمعادلة التالية وفق إحصائيات رسمية: ✓742 هو العدد الإجمالي الذي كشفته هيئة الإنصاف والمصالحة. ✓66 هو العدد الذي قدمت من خلاله هيئة توصية في شأن متابعة البحث والتحري في شأنها. (تم كشف 64 حالة). ✓02 هو العدد الحالي الذي بقي عالقا ولم تتمكن التحريات من الوصول إلى حقائق مؤكدة (إسلامي محمد وعبد الرحمن درويش).. إذن، إذا تم أخذ 742 وأُضيف عليها 66 حالة عالقة تساوي: 808 هو العدد الإجمالي لاستجلاء وكشف الحقيقة في شأن مجهولي المصير إثر الانتهاكات السابقة وفق مقاربة العدالة الانتقالية بالمغرب باستثناء حالتين. (742+66)= 808 - 02=806 وعليه، يُستنتج أن 806 هو العدد الإجمالي في شأن كشف واستجلاء الحقيقة لمجهولي المصير بمفهوم المخالفة، غير أن المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان أقر بكشف مصير 805 متوفين ولم يتبق إلا حالتين (2) بناء على المعطيات المتوفرة لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان. ويلاحظ من خلال هذه المعطيات التي قدمها المندوب الوزاري على أنه لم ينتبه إلى سقوط ضحية (1) من المجموع الاجمالي الذي يتجلى في 807. 805+2= 807 الملاحظة الرابعة: تتجلى في الأعمال المنجزة من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث يقر المندوب الوزاري على إنجاز المجلس عبر لجنة تتبع تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وإلى حدود 20 دجنبر 2017 من حيث إقرار وكشف الحقيقة التي استند عليها المندوب من خلال التقرير الصادر في 27 دجنبر 2019. غير أنه، إذا تمت العودة إلى تاريخ 20 دجنبر 2017 الذي أصدر فيه المجلس تقريرا معنونا ب: "مُنجز المجلس الوطني الإنسان 2011-2017"، لا يتضمن المعطيات نفسها في مجال كشف الحقيقة حيث يقر للتذكير فقط، "كشف مصير 803 حالات من ضحايا الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو الأشخاص المتوفين خلال أحداث اجتماعية مختلفة". ولم يُشر إلى الحالات العالقة، بينما تقرير المندوب الوزاري يقر على كشف مصير 805 حالة وحالتين عالقتين. واكتفى المندوب الوزاري بنفس المعطيات المتعاقبة في التقارير خصوصا في مجال استخراج الرُفات 185 متوفي وتحديد أماكن دفن الرفات ل 385 حالة. أما على مستوى الإدماج الاجتماعي والتغطية الصحية والتسوية الإدارية والمالية لم يتضمن التقرير أي معطيات جديدة سوى تكرار نفسها، ولم يتضمن التقرير أسماء الضحايا الذي تم استجلاء وكشف حقيقة مجهولي المصير، وهل تم العثور على رفاتها وما هي الإجراءات المتخذة في إخبار وإشراك ذويهم ومختلف الحركات الحقوقية؟ ومن المسؤول عن اختفائها طيلة هذه المدة الزمنية والأسباب التي أدت إلى ذلك؟ الملاحظة الأخيرة: تتجلى في عدم إدراج مجموعة تلاميذ "أهرمومو" وذوي حقوق المتوفيين منهم، إلى جانب محتجزي تاكونيت ومحتجزي البوليساريو الذي أقرت هيئة الإنصاف والمصالحة خلال ولايتها بعدم الاختصاص، ضمن تقرير المندوب الوزاري علما أنهم استقبلوا من لدن السيدة آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم الأربعاء 7 غشت 2019 بمقر المجلس بالرباط الذي تلقوا من خلاله مقررات تحكيمية تتضمن تعويضات مالية ل 367 مستفيدا. *باحث في العلوم السياسية - كلية الحقوق - أكدال الرباط