تتحرك أنامله تداعب خيوطا بحركات متناسقة ثابتة على منسج خشبي، بفندق من فنادق المدينة العتيقة، والمذياع يصدح بنغمات أغنية مغربية كلاسيكية، هكذا حال حرفي الحياكة (الدراز) أو صناعة النسيج التي بدأت منذ فجر التاريخ، حين اكتشف الإنسان الزراعة وعرف معنى الاستقرار وبدأ طريق الحضارة، فزاد احتياجه للنسيج كي يستخدمه في الملبس والغطاء والتزين. وإذا كانت الصناعة التقليدية نشاطا متميزا في العهد الروماني بالمغرب، فإن الصناعات النسيجية، كالملابس والأثاث، وغير ذلك من لوازم الحياة التقليدية وكمالياتها التي يضمها قطاع النسيج، قد ازدهرت في هذا العصر. حرفة تحتضر بين الفنادق التي تعج بها المدينة العتيقة وأحياء وأزقة مقاطعة سيدي يوسف بن علي، ومركز جماعة تمصلوحت، تنتشر بعض ورشات الحياكة وصناعة النسيج، التي بدأت تختفي واحدة تلو الأخرى، وأضحت كمريض يعيش بفضل أنابيب الأمصال، وفي حاجة ماسة لتدخل أهل الحل والعقد، يقول حرفيون التقت بهم هسبريس وزارتهم في محلاتهم. ويقول حفيظ كومينة، الذي التقت به هسبريس بمقر تعاونية النهضة للنساجين بسوق السمارين، إن "ظهور هذه الحرفة ارتبط بحاجيات الإنسان منذ وجد على وجه الكون للملابس والأغطية (البطانية والحايك)، وعرفت ازدهارا حافظ على كرامة الحرفيين، لأن الحرفة إذا لم تغن تضمن كفاف العيش، لكن خلال السنوات الأخيرة تحول أغلبية أهلها إلى متسولين". وزاد أن "هذه الحرفة التي تنتشر بأحياء المدينة العتيقة وتمصلوحت وغيرها من مناطق الإقليم، مهددة بالانقراض، كمجموعة من الحرف والصناعات التقليدية الأخرى، مثل صناعة السروج والكماخين وتشراطت والحصار"، على حد قول كومينة، أحد حرفيي النسيج مسؤول بتعاونية النهضة للنساجين. التكوين والتسويق وفي غمرة الدردشة التي كانت تجري بين هسبريس وكومينة، تدخل إبراهيم فروال قائلا: "حرفتنا في غرفة الإنعاش تعيش بالأمصال وتستمر في الحياة بفضل السياحة، أما الزبون المحلي فقد استقال من استهلاك منتوجات هذه الصناعة التي تساير وتستجيب لذوق زبون اليوم". كومينة وفروال أجمعا على ضرورة العناية أكثر بهذه الحرفة التي تشكل جزء من الصناعة التقليدية، وذلك بمعالجة مشكل التسويق عبر مساعدة الحرفيين على المشاركة في المعارض داخل وخارج الوطن، وتأميم منتوجاتها من خلال تدخل الدولة لشرائها وبيعها، وتوفير التغطية الصحية للصناع. التكوين بالتدرج والتكوين المستمر في الإعلاميات والتسويق، وإحداث مركّبات للصناعة التقليدية للتعريف بهذه الحرف المهددة بالانقراض، وتشجيع المؤسسات الرسمية، كالمستشفيات والمؤسسة العسكرية وإدارة السجون، على استهلاك منتوج النساجين، مطالب أخرى شدد عليها الحرفيون، لما لذلك من دور كبير في بلوغ هدف رؤية السياحة التي تسعى إلى جلب 20 مليون سائح. هسبريس زارت عدة محلات بسوق السمارين، وشاهدت تأثيثها بمنتوجات "تدرازت" التي تلقى إقبالا من طرف السائح الأجنبي، ولاحظت استعمال الأمهات الأجنبيات لحمالات نسجتها أنامل "الدراز" المراكشي. وأقر كل من استقينا رأيه بهذا الخصوص بأن "تدرازت" تلعب دورا كبيرا في الصناعة التقليدية، لأنها تأقلمت مع متطلبات زبون اليوم. نتعاون لتجويد المنتوج هشام البردوزي، مندوب الصناعة التقليدية، قال إن "التغطية الصحية لهذه الفئة من الحرفيين وغيرهم في طور الإنجاز في إطار البرنامج الوطني الخاص بهذه المبادرة الاجتماعية"، وفيما يخص التسويق، فالإدارة تنظم معارض دورية، كما يتم تسويق منتوجات النسيج "الدرازة" بمجمع الصناعة التقليدية بمراكش وتمصلوحت. وأضاف البردوزي قائلا: "نشتغل مع الصناع من أجل تطوير المنتوج والرفع من جودته وتجديد التصميم للاستجابة لمتطلبات السوق، وخصوصا السوق الدولي". أما بخصوص المحافظة على الحرفة، وفق المسؤول ذاته، فقد تم إدخالها ضمن البرنامج الوطني للمحافظة على الحرف، حيث تم توثيق تقنيات الإنتاج التقليدية والتصاميم الأصلية وتشجيع الشباب للتسجيل ضمن برنامج التكوين بالتدرج المهني في حرفة النسيج.