عصابتان في واحدة: إنها النسخة "البوتفليقية" التي توالت قبلها، بقصر المرادية، عصابات وعصابات، منذ انقلاب هواري بومدين على الشرعية الثورية: 19 يونيه 1965. وللتدقيق أكثر، حكمت هذه النسخة الجزائر فعليا بدءا من العهدة الرابعة التي أدهشت العالم، ودوَّلت "الحكرة"، وأضحكت الدول العاضة والناهبة للثروة الجزائرية-بسند من الشخصيات النافذة في البلد-حد ظهور النواجذ. (كل الشخصيات الغربية الرسمية، وخصوصا الفرنسية التي زارت الجزائر وقتها، شهدت بأنها التقت الرئيس، وسمع منها – وهو في كامل وعيه الرئاسي-وسمعت منه). وتتواصل المهازل، ويتواصل الاجهاش بالضحك؛ لأن "الكاريكاتير" السياسي العسكري، الحالي أفلح كثيرا في وضع رسم تحت عنوان الملهاة المهزلة. يتضمن الرسم المضحك أشخاصا يتوزعهم عمقان: في الثاني، البعيد، شطر العصابة المُغيب – ظاهريا فقط-في السجن. في الأول، المباشر، شطرها الظاهر من العسكريين، بكامل نياشينهم – ومنها الرئاسة والحكومة المدنية المزعومة-المنتصبين، رجال دولة، مُتطهِّرين ومطهِّرين. (قارنوا –تندرا فقط-مع الإمام الظاهر والإمام الخفي عند الشيعة الجعفرية) ارتقى لفظ "العصابة" من معناه اللغوي ليصبح مصطلحا سياسيا يشتغل على مستويين: الشعبي الحراكي، والعسكري القامع. بهذا أصبح من قبيل "المشترك اللفظي" الدال على المعنى وضده، كما هو متداول لدى الأصوليين. يمكن أن نُبسط الأمر فنقول: ان اللفظ ورد هكذا، عفويا، على لسان جنرال عسكري، ليس له باع لا في اللغة ولا في السياسة؛ بحث في قاموسه عما يردي به "خصما مزعوما"، تضليلا للحراك، فلم يجد غير هذه القذيفة. ويمكن أن "نسيء النية" فنقول: لا، لو كان هذا هكذا، لما شاع اللفظ/المصطلح، حتى غدا ركنا من أركان القاموس الحراكي الجزائري، وببعد دولي. ونرافق الشيطان في التفاصيل، لنقول: لا عفوية في هذا، لأن الأمر يتعلق بأركان الجيش الجزائري، التي فضحها حمل الدولة غير الشرعي، وكأنها عذراء أتت شيئا فَرِيًّا. ماذا يفعل الناطق باسم هذه الأركان إن لم يكن صرف الأنظار عن فضيحة الحمل إلى فضيحة العصابة فقط؟ وبعض الشر أهون من بعض. حدِّثْنا يا جنرال عن هذا الحمل – الراقد-الذي قارب الستين عاما في رحم الدبابة (يصرُخ الحراك في كل جمعة). لا يا ناس، سأحدثكم عن العصابة التي اغتصبت العذراء، وكانت تخطط لإجهاض الحمل. وهكذا يتيه الحراكيون بين شعارات: مِن أين لك هذا الحمل؟ وشعارات "حراكية" عسكرية، تنادي بقطع أعناق العصابة المغتصبة. وهل يتصور عاقل أن تقطع فلول العصابة رؤوسها المدبرة، المُهَرَّبة من بطش الشوارع الى أمان سجون الخمسة نجوم، أو الثكنات الشاكية الأمن؟ إن مواصلة النواة الصلبة، المُؤَمنة في "السجون" لأداء دورها – المسنود من الخارج-في تدبير الأزمة الجزائرية، ليس احتمالا فقط، بل واقعا قائما، تشهد عليه العديد من المؤشرات ومنها: 1. يواصل مبدع مصطلح العصابة – قايد صالح –تمسكه بصفته الحكومية، التي سقطت، دستوريا أو انقلابيا: إنه مصر على أن يواصل كونه نائب وزير الدفاع، حتى ومنصب وزير الدفاع، الذي كان عبد العزيز بوتفليقة يحوزه لنفسه، شاغر منذ العهدة الرابعة التي تأكد، اليوم، أن سعيد بوتفليقة هو من كان الماسك بالأختام الرئاسية فيها. هذا التمسك بصفة رسمية غير قائمة، إبداع عسكري جزائري، لا مثيل له، لا في التاريخ القديم ولا الحديث. ألا يعلم الجنرال العجوز مدى السخرية التي تطاله جراء هذه الصفة الخرقاء؟ ألا يقوم هذا حجة على ضعف ثقته في نفسه، كقائد أركان دولة انهارت فيها مؤسسة الرئاسة ونزع فيها الحراكيون الثقة من حكومة "بدوي"؟ ألا يؤكد هذا التمسك استمرار قائد الأركان في تلقي الأوامر من شطر العصابة المغيب عن أنظار الحراك "الهائج"؟ 2. هل يستطيع من احتل دوما موقعا ذيليا، ضمن الجسم الكامل للعصابة، ومن يشهد سجله العسكري الإداري بأميته، أن يفتي من تلقاء نفسه في مصير دولة بحجم ومكانة الجزائر في المنتظم الدولي، دون الرجوع إلى أقطابها الكبار: سعيد بوتفليقة، الجنرال توفيق، الجنرال طرطاق، الجنرال الهامل، إضافة الى رئيسي الحكومة، أحمد أويحي وعبد المالك سلال؟ إن وجود هؤلاء، اليوم، في السجن المزعوم لا يعني وجودهم خارج دوائر القرار. أقصد دوائر القرار الداخلية والخارجية. منذ انتشرت فيديوهات المضي صوب الاعتقال، لم يتسرب أي شيء يؤكد تواجدهم الفعلي مع عامة سجناء الحراش. هذا رغم إصرار قايد صالح – المسرحي-على كيل كل الاتهامات للعصابة، التي يزعم أنها كانت مقبلة على تدمير الجزائر. هل يُتصور هذا ممن أثرَوْا من المال العام بفضل صلابة المؤسسات العسكرية والأمنية؟ هل يقطع الغصن من يعتليه ويتمسك به؟ 3. لو لم تكن الأسماء الوازنة المذكورة مساهمة في مسرحية عنوانها: السقوط الرمزي /أو اللايت للدولة، لما استطاع الجنرال أن يحتفظ بموقع رأسه من كتفيه، ولو لأسبوع فقط؛ فمن كان يسمَّى رب الجزائر (الجنرال توفيق) يحتفظ خارج أسوار الحراش بكل أنبيائه ورسله، وصحابته وتابعيهم. وقل مثل هذا عن الجنرال خالد نزار-وزير الدفاع السابق ورئيس القايد صالح في أكثر من محطة من مسار تسلقه الغريب-الذي فتحت له أبواب مغادرة الجزائر. وأقرب من هذا وضع جنرالات آخرين مسجونين حاليا، أو هاربين. وإذا أضفنا إلى هذه الشخصيات السياسية والوزارية رجال الأعمال "المعتقلين"، لبدا لنا جليا أن الجزائر الرسمية والمالية الموجودة خارج سجن الحراش، وغيره، لا وزن لها يذكر؛ فمن يسير من؟ من يعتقل من؟ وهل يوجد إبداع سياسي آخر يرقى إلى كل هذه الحبكة؟ عصابة ثالثة وشعب رائع: يتبع