"فلنقل كما قال عنا امرؤ القيس حسبنا الطريق.. فإن أدت فأهلا ومرحبا وإن هي أوْدت.. فالسُّراة بها كُثْرُ! سعدي يوسف عزيزي رشيد: هل تتسع زنزانتك لحقنا في الحلم الجماعي بالتغيير المنشود؟ أنت الاستثناء ضمن قاعدة ما يحدث.. جاء دستور جديد للمملكة يبشر بمغرب مغاير وأنت في زنزانتك الضيقة مثل شاهد محايد، حنظلة ناجي العلي.. أُجريت انتخابات مصيرية في البلد، كنت بعضاً من جلد طبولها، هل تعرف.. لقد فاز حزب العدالة والتنمية وعين الملك عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة، والمغرب الفاسي انتصر وجلب البطولة، والهمة، ألا زلت تذكر فؤاد عالي الهمة؟ عينه محمد السادس مستشاراً في الديوان الملكي، وقبله المنوني وعزيمان وياسر الزناكي، وأصبح لدينا قطار TGV، دشنه محمد السادس ونيكولا ساركوزي بطنجة.. والانتخابات الإسبانية أتت براخوي والحزب الشعبي، أما مصر وتونس وسوريا واليمن فالحديث حولها يطول.. أتدري كلهم سيعبرون، سيمرون من هنا، قد يذكرك البعض في بياناته العامة، أو في ندوة أمام حفنة من النخب تشتكي من طول المداخلات ويُعطى بك المثل ألا شيء تغير في البلد.. سواك في زنزانتك وحيداً تجتر ألم أن صدَّقت بسذاجة الشعراء أن المغرب تغير وعلينا أن نقول الكلام الذي لم يكن مسموحاً بتدوينه.. مثل ضَحية ضرورية لاستقامة حوادث التاريخ... عزيزي رشيد: الأجواء باردة داخل الزنزانة هذه الأيام، وعليك وحدك أن تتعلم كيف تقيس حرقة الزمن، الزملاء في الحرفة استسلموا لقدر سجنك كما لو أنه مسلمة رياضية لا تقبل الجدل، نقابات الصحافة والمهنيين والهيئات المدنية وقفت شبه محايدة كما لو أن حادثة سجنك تقع في جزر القمر، وليس في هذه المملكة السعيدة، كم نحن غر وسذج حين آمنا بأن التغييرات.. لماذا على الصحافة وحدها أن تلعب دور حصان طروادة وأن تكون في الآن ذاته كعب آخيل الذي تسدد له الضربات ليتوقف باقي الجسد الاجتماعي والسياسي عن الحركة؟! ا نخل وارف في زنزانتك، ليس لك حتى حق تصديق السراب وأن تجعله رائدك نحو التيه في فيافي بعيدة مطارداً حلم واحة بحقها في الوجود، لا تتسع بِضعة أمتار من أسوار رمادية حزينة على منحك الحق في الفَرح بهذه اللحظة التي يعبرها الوطن والتي نخشى عليها من الانكسار، وبقاؤك لوحدك في السجن أكثر من هذا المدى الذي وشَّحناك فيه بالنسيان، هو دليل وجع على خذلاننا لك، على جُبْننا الجماعي، وتشظي صوتنا في مهنة كلبة، منذ أصبحت الصحف تتلقى الدعم المالي وفق العقد/ البرنامج، نحا الزملاء نحو الحفاظ على انتعاش مؤسساتهم اقتصادياً، وأصبحوا لا يفكرون إلا في جلب الإشهار والرفع من سقف المبيعات.. فيما تحصين المهنة والدفاع عن قيمها، وضمنها الالتفاف من أجل وضع حد لهذا الخرق السافر لحقك في الكتابة، في العودة إلى عائلتك الصغرى والكبرى.. أنت في السجن قسراً. صحافيون أمثال أحمد رضى بن شمسي وبوبكر الجامعي وغيرهما دُفعوا لاختيار المنفى بحرية أقل هروباً من عبودية أكبر.. لم الناجحون إعلاميا في المغرب لهم زحمة السجون والمحاكمات أو اختيار المنافي القسرية وإفشال مشاريعهم الإعلامية الرائدة، فيما الفاشلون منا ترفل جرائدهم في الدمقس والحرير، ونعيم المؤسسات الفاخرة وغنائم الإشهار والعمولات؟ تلك هي الفروق الدقيقة بين صحف النقمة وصحف النعمة؟ عزيزي رشيد: اعذر خذلاننا لك، لم نتوحد إلا على نسيانك أنت الذي توزع دمه بين القبائل، لم نُكسر أقلامنا ونضرب على الكتابة حتى إطلاق سراحك، لم نتفق على صفحة بيضاء في جرائدنا دفعة واحدة، على زمن حذفته الرقابة، كما لو أننا نساهم بشكل مذل على سجنك بشكل مضاعف. فاعذر جبني، خذلاني لك.. تفهم ضعفي وقلة حيلتي.. فالقلب بصير لكن تأثير قلمي لا يتجاوز مداه الورقة التي أخط عليها مثل هذا الوجع الذي لن يعمل سوى على إيقاظ ملح الجراح في لحظات شجونك..