بعدما كان مركزًا لصناعة الحرف اليدوية، حوّلتِ الحربُ في اليمن سوق الشنيني التاريخي في مدينة تعز المحاصرة من قبل المتمردين إلى مقر لبيع الرصاص ورشاشات الكلاشينكوف. وفي متجره في السوق حيث بيع قطعا من السلاح وألعابا نارية، يروي أبو علي أنّه "عندما كنت تدخل المدينة القديمة، كنت تجد أصحاب الأعمال الحرفية اليدوية، مثل الخياطين والمطرّزين والحدّادين". وأضاف الرجل، الذي كان يعمل خياطا قبل أن يصبح تاجر سلاح: "جاءت الحرب، فاضطر أكثرهم لأن يبيعوا السلاح". واختار آخرون أن ينتقلوا من صناعة الحرف اليدوية إلى بيع نبتة القات المخدّرة، التي تعتبر التجارة فيها قانونية في أفقر دول شبه الجزيرة العربية؛ لكن بعض أقدم الحرفيين في سوق الشنيني فضّلوا عدم بيع السلاح، وعدم التجارة بالقات أيضا، وغادروه هربا من الحرب في مدينتهم الواقعة في وسط غرب اليمن. وقال أبو علي، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن "نصف المحال أغلقت أبوابها". وتعصف الحرب بالبلد الفقير منذ أن سيطر المتمردون الحوثيون على أجزاء كبرى؛ وبينها صنعاء في 2014. وقد تصاعدت مع تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري لوقف دعما لقوات الحكومة، في مارس 2015. وتخضع مدينة تعز لسيطرة القوات الحكومية؛ لكنّ المتمردين يحاصرونها منذ 2015، وغالبا ما يقومون بأعمال قصف تتسبّب بمقتل مدنيين من بين السكان البالغ عددهم نحو 615 ألف نسمة. كما أنّ تعز شهدت في الأشهر الأخيرة اشتباكات بين قوات متحالفة مع الحكومة المعترف بها دوليا، في صراع على النفوذ أدّى إلى مقتل وإصابة عشرات، بحسب مصادر طبية وأمنية محلية. وإضافة إلى مهن الحرفيين، وبينها صناعة الفخار والألبسة الشعبية، كان سوق الشنيني مقصدا لزبائن التوابل والخضراوات و"الجبن التعزي"، أحد أشهر المنتجات المحلية في المدينة. وبحسب عبد الراشدي، وهو صاحب متجر في السوق لا يزال يبيع مواد تصنع محليا، فمع اندلاع الحرب قبل خمس سنوات "تأثّرت هذه المهن كثيرا وازدهرت تجارة السلاح على حسابها". إذا انتهت الحرب بين فروع السوق القديم، يدخل رجال مسلّحون بالأسلحة الرشاشة والجعبات العسكرية المتجر تلو الآخر بحثا عن قطعة سلاح معيّنة أو رغبة بشراء الرصاص، بينما يتنقّل آخرون على متن دراجات نارية. وعلّقت عند مداخل المتاجر ملابس عسكرية وجعبات زيتية اللون، وفي داخلها وضعت بعناية فوق الرفوف، جنبا إلى جنب، رشاشات الكلاشينكوف وأشرطة الرصاص وقذائف الهاون والقنابل اليدوية وغيرها من الأسلحة. وأوضح أبو علي "إنّه سوق سلاح". وتصنّع بعض الأسلحة محليا، ويهّرب بعضها الآخر، إلا أنّ مصدر غالبيتها مجهول. ويبلغ سعر رشّاش الكلاشيكنوف 1090 دولارا، والمسدس 818 دولارا، فيما تباع الرصاصة الواحدة بنصف دولار. وكحال أبي علي، أجبرت الحرب محمد تاجر، الذي كان يعمل في مجال صناعة الخزف، على أن يتحوّل إلى بيع السلاح. وقال وهو يجلس عند عتبة متجره بالقرب من قاذفة صواريخ: "قبل الحرب كان هناك عمل وحركة (بيع)، لكن بعد الحرب أصبحنا نعمل بالذخيرة". أوقعت الحرب حوالي 10 آلاف قتيل منذ 2015، حسب منظمة الصحة العالمية. ويعتبر مسؤولون في المجال الإنساني أن الحصيلة أعلى بكثير. ولا يزال هناك 3,3 ملايين نازح، فيما يحتاج 24,1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، إلى مساعدة، حسب الأممالمتحدة التي تصف الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ في العالم حالياً. ودمّر وتضرر عدد من المستشفيات. وواجهت البلاد وباء الكوليرا مع آلاف الوفيات منذ أبريل 2017. والأسبوع الماضي قالت منظمة "سيف ذا تشليدرن" إنّ الكوليرا تسبّب بوفاة 193 شخصا منذ بداية 2019، وهو معدل أعلى بتسع مرات مقارنة بالأشهر الستة الأولى من عام 2018. وعلى باب أحد متاجر سوق الشنيني، كُتب "خياطة رجالية حديثة"؛ لكن في الداخل حلّت القنابل والرصاص مكان قطع القماش فوق الرفوف. وقال محمد تاجر: "سنعود إلى مهننا إذا انتهت الحرب".