هل يؤثر تدريس المواد العلمية بلغة أجنبية في نقل المعرفة ويضرب في الهوية؟ لا يخفى على أحد التخبطات التي عاشها قطاع التعليم منذ الثمانينيات من القرن الماضي، إذ ما فتئ يعيش أزمة تلو أخرى. وتتناسل المشاكل المترتبة عن سوء تدبير هذا القطاع، وتعد التقارير الدولية والخرجات الرسمية وغير الرسمية بالمغرب شاهدا على التدهور والأزمة التي يعرفها. لقد كان التعليم يُحتذى به، ويعد أداة من أدوات التطوير والتنمية والتثقيف. ومن ثمّ، كان الخريج المغربي يحظى باحترام وتقدير في صفوف المؤسسات الخارجية، ويظهر ذلك من خلال وجوده بالواقع العملي؛ غير أن هذه الطفرة سرعان ما تهاوت وغدت الباكالوريا المغربية غير مشرفة لحاملها، ولا تعكس المستوى الذي يجب أن يكون عليه الطالب في هذا المستوى تحصيلا ومستوى؛ وهو ما يؤكد أن الحاجة ملحة إلى إعادة تنظيم وتصويب بوصلة هذا القطاع. ليس فقط تماشيا مع ضغط التقارير الدولية وإنما لصالح البناء المجتمعي، فلا يمكن الحديث عن مجتمع فاعل وضاغط بدون تصويب قاطرة تعليمه وتقوية قدراته ومهارات طلابه، وبدون بحث علمي يضمن للفرد المغربي حظوظ المنافسة مع أقرانه من طلاب المعاهد والجامعات الأجنبية. إن الهدف من هذه التوطئة ليس التشخيص وإنما معرفة الحقيقة لبناء مستقبل واعد للتعليم المغربي وذي معالم واضحة؛ فالمعالجة للمشكل تتطلب وقفة مع الذات وتعرية كاملة للوضعية بكل موضوعية بعيدا عن التوظيف السياسي والانتقاد من أجل الانتقاد، لأننا أمام قطاع حساس، النهوض به يعد أولى الأولويات في مسار كل المجتمعات. جاء في الفصل الثالث والعشرين من مقدمة ابن خلدون أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب، في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده. ولهذا ففي وقت سابق كانت أوروبا تتحدث العربية لأننا كنا أمة العلم والمعرفة والاقتصاد والقوة العسكرية وبالتالي الآخر من أجل انعتاقه من التخلف اعتمد المراجع العربية فتعلم العربية.. عندما تريد البحث في الفلسفة والرجوع إلى أمهات كتب الفلاسفة فالباحث هنا كي يأخذ من النبع عليه معرفة اللغة الألمانية.. نظرة ديداكتيكية للموضوع لكن عندما نتحدث عن أي مادة مدرسة فلابد من اعتماد الأساس الإبستمولوجي والديداكتيكي للمادة، وبالتالي لكل خصوصيتها والمواد العلمية والتقنية لها خصوصية؛ فلغة الرياضيات لغة صورية لا تأثير للمعرفة المنتقلة للمتعلم بأي لغة درست بها. لاحظ قلنا لغة الرياضيات فعلا هي لغة لها خصائص اللغات، ولهذا نتكلم عن الحرف أو الرمز كما في سائر اللغات ونتكلم عن العبارة والنص؛ لكن لغة الرياضيات كما هي لغة صورية لا تعتمد على الدلالة والمعنى بل تعتمد فقط على مفهوم الحقيقة، فالعبارة في الرياضيات هي عبارة إما صحيحة أو خاطئة.. وبالتالي، فتدريس لغة الرياضيات بأي لغة كانت لا تؤثر في المعرفة المنتقلة للمتعلم وبالتالي ليس عيبا أن ندرس بلغة أجنبية فقط على اللغة المعتمدة أن تفي بالغرض. عوائق الإشكال الإشكال المطروح بين أيدينا الآن إذا اعتبرنا اللغة العربية لغة تدريس المواد العلمية، إذن، ينبغي اعتماد مجلس أعلى للترجمة لتتبع كل مستجدات البحث العلمي.. وهذا يبدو مستحيلا؛ لأن الدولة أصلا تعتبر التعليم غير منتج أو اعتماد ما وصل إليه البحث العلمي في الدول العربية.. وافتراضا أن بعض الدول العربية واكبت البحث العلمي على مستوى الترجمة فيبقى هذا المصدر لا يعرف الاستقرار الأمني، مثل سوريا والعراق اللذين قضيا أشواطا مهمة في قضية التعريب. في فبراير ،2016 جاء الملتقى العلمي التربوي الأول الذي نظم بالثانوية التأهيلية عبد الرحمن بلقرشي حول موضوع "الانتقال الثانوي – الجامعي.. الصعوبات والعوائق"، وكان على شكل ورشات للمواد العلمية (الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض والعلوم الاقتصادية)، وكانت كل ورشة يترأسها أستاذ جامعي، وتتكون من أساتذة جامعيين ومن أساتذة يمارسون بالمستوى الثانوي، وأيضا طلبة وتلاميذ؛ فكانت اللغة من العوائق التي تعترض التلميذ - الطالب في جميع الورشات وبالتالي فعدد كبير من الطلبة لا يسايرون الدراسة بنسبة كبيرة في شعبهم التي اختاروها.. خاتمة الحل: اعتماد الفرنسية مرحليا وإعداد أساتذة المواد العلمية في اللغة الإنجليزية، بحيث يتم تقوية تدريس الإنجليزية بإضافة ساعات والرفع من معاملها بين المواد.. وبالتالي، نكون قد هيأنا أطرا يمكنهم تدريس المواد العلمية باللغة الإنجليزية؛ لأن الفرنسية هي أصلا غير قادرة على مسايرة ما وصل إليه البحث العلمي.. ولهذا، الأفق يبدو إلى حد ما محدودا. ولهذا، لا ينبغي جعل هذه القضية قضية هوية ووطنية وصراع سياسي انتخابي؛ بل التعليم ككل لا ينبغي تسيسه وجعله موضوعا لصراع إيديولوجي. *تخصص ديداكتيك الرياضيات