قد لا يبدو الأمر واضحا بالنسبة للغرباء، ولكن ثمة حملة متنامية في مختلف أنحاء العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس تطالب بتقنين الإجهاض وإجراء عملياته بشكل آمن وبدون مقابل، وإذا أراد المرء أن يتبين مدى انتشار هذه الحركة، عليه أن يبحث عمّن يعلقون مناديل خضراء في ملابسهم. وتم تدشين حملة "بانيولس فيردس" (المناديل الخضراء) في عام 2003، لكنها بدأت تحظى بقوة دفع على أرض الواقع خلال عام 2018، حيث تمت رؤية مزيد من هذه المناديل تزين الملابس في أحياء بوينس آيرس. ومن ناحية أخرى، صارت قضية الإجهاض محل مناقشات على مستوى الأرجنتين، حيث تجرى حولها مجادلات حامية الوطيس بين الأصدقاء في الحانات وقطارات الأنفاق. وأدت حالة فتاة صغيرة تبلغ من العمر 11 عاما أصبحت حاملا بعد أن اعتدى عليها شريك جدتها، إلى تأجيج الجدل المثار حول قضية الإجهاض، وكان المسؤولون نكصوا على السماح لها بإجراء عملية إجهاض، مما أدى إلى تعرضها لجراحة قيصرية نتج عنها رضيع يبلغ وزنه 600 جرام فقط لا يرجح الأطباء أنه سيبقى على قيد الحياة. وتدخلت منظمة العفو الدولية في حالة الطفلة الأرجنتينية، واتهمت المسؤولين عن الرعاية الصحية في ولاية توكومان المحافظة بحرمان الفتاة الصغيرة من حقها في التخلص من جنينها، وهو حق مكفول قانونا في الأرجنتين في حالات الاغتصاب. ويأمل النشطاء أن يؤدي إلغاء تجريم عملية الإجهاض إلى منع حدوث حالات مثل تلك التي تعرضت لها الفتاة الصغيرة المعتدى عليها، إلى جانب الحالات التي تخاطر فيها النساء بفقدان حياتهن عن طريق محاولات الإجهاض بشكل غير قانوني. وفي فبراير 2018، نظم النشطاء أول حملة في إطار "المناديل الخضراء"، تجمع خلالها الآلاف من مؤيدي تقنين الإجهاض، ورفعوا المناديل الخضراء التي يحملونها معهم. وفي غشت من العام نفسه، صوت البرلمان ضد مشروع قرار بتقنين الإجهاض، غير أن مؤيدي المشروع لم يتخلوا عن إصرارهم وحولوا الساحات العامة إلى بحار من اللون الأخضر، حتى في عام 2019. واستلهمت حركة "المناديل الخضراء" هذا الشعار من المناديل البيضاء التي وضعتها الأمهات طوال عقود أثناء تجمعهن في ميدان دي مايو، للمطابة بتحقيق العدالة لأبنائهن وأحفادهن الذين قتلوا أو اختفوا خلال فترة الديكتاتورية العسكرية، وتم النظر إليهن في جميع أنحاء الأرجنتين باعتبارهن رموزا بارة للنضال من أجل كفالة حقوق الإنسان. ومن بين المنشآت التي تنتج المناديل الخضراء جمعية تعاونية صغيرة للمنسوجات يطلق عليها اسم "مستيزاس"، تقع في ضاحية "فيلا سولداتي" التي يقيم بها أفراد الطبقة العاملة في بوينس آيرس. وتتقاسم خمس نساء العمل حتى يتسنى لهن الجمع بين مهام العمل وتأدية واجباتهن المنزلية، وساعدت الجهود التي يبذلنها على أن تشكل المناديل جزءا كبيرا من أرباح الجمعية التعاونية. وأصبح العمل في هذا النشاط أكثر جذبا بالنسبة لأولئك النساء، ومحببا لقلوبهن، وتقول إحداهن، وتدعى بيتي مايدانا: "إننا نعايش وضعا مثاليا تماما، وذلك بدعم الحملة وفي الوقت نفسه أداء عمل نحبه". وفي الجهة المقابلة، ابتكر المعارضون لحملة تقنين الإجهاض وسيلة للتعبير عن موقفهم الرافض لها، أيضا باستخدام المناديل، فهم يضعون على ملابسهم منديلا لونه أزرق فاتح يحمل كلمات "لننقذ حياة الاثنين". ويأتي معظم المعارضين للإجهاض من بين صفوف التيار المحافظ والشرائح الاجتماعية الملتزمة بتعاليم الديانة المسيحية. وفي هذا الصدد، يقول جورج جوميز، رئيس التحالف الأرجنتيني للكنائس الإنجيلية: "الحياة تستحق الحماية منذ بدء التخصيب"، وهو يرى أن الإجهاض يماثل القتل ولا يجب السماح به حتى بعد تعرض المرأة للاغتصاب. ولكن المؤيدين يرون أن الحق في الحصول على الإجهاض بشكل قانوني وآمن حق من حقوق الإنسان، ورغم القوانين الصارمة المطبقة في الأرجنتين، ما تزال حالات الإجهاض تجرى بشكل غير قانوني. ويقدر وزير الصحة الأرجنتيني، أدولفو روبنشتاين، عدد عمليات الإجهاض التي تجرى بشكل غير قانوني في أنحاء البلاد بنحو 350 ألف حالة سنويا، وغالبا ما تؤدي هذه العمليات إلى تعقيدات ومشكلات صحية، بل تؤدي أحيانا إلى الوفاة. وتم في عام 2016 علاج 47 ألف امرأة بالمستشفيات بعد خضوعهن لعمليات إجهاض غير قانونية. ويشير الخبراء إلى أن ارتفاع عدد حالات الحمل غير المرغوب فيه يرجع إلى نقص الثقافة الجنسية، ومن بين أهداف حملة "المناديل الخضراء" الحد من المسائل المحرمة في المناقشات المتعلقة بالجنس، وإتاحة تعليم أفضل حول العنف الجنسي. وتوضح إحصائيات حكومية رسمية أن قرابة 2500 فتاة صغيرة تتراوح أعمارهن بين عشرة أعوام و14 عاما، أصبحن أمهات خلال عام 2017. وكان الطلاب بين أول النشطاء الذين أظهروا بزهو "مناديلهم الخضراء" علنا. ويقول ميلان بيريز تورت، وهو ناشط يبلغ من العمر 26 عاما: "يشن المعارضون هجمات عنيفة ضدنا باستمرار، ولكن يوجد الآن الكثيرون الذين يؤيدوننا، ولن تكون هناك عودة إلى الوراء". *د.ب.أ