كنت سأحاول طرد كل هذه الأمور من ذاكرتي, لكن أحداثا أخرى جاءت من بعد و حتمت عليها أن تبقى عالقة بالذاكرة تسيطر على كل تفكير و انفعال . و انقلبت الأحداث التي اعتبرتها بالأمس جد عادية و معاشة إلى أحدات لم يسبق لها أن عيشت أو على الأقل لم يسبق لي أن سمعت عنها . "" لم تكن مهنة التعليم رمز القسوة كما أدركها الآن لولا أن أناسا تدخلوا ليغيروا الصورة / الحياة. و يجعلوا مهنة التعليم توشم في ذاكرتي بإبرة المعانات و فحم القسوة و أكتر من هذا كله مقرونة بالبؤس و الذل و التعاسة و الشقاء و لكي أمضي بزماني إلى الأمام أو الوراء و أن أتجه مع أو ضد الرياح ليس في جعبتي سوى ماضي و أحلام , وأفكار أعتبرها مبادئ أو أشياء أخرى تشبه هذه الكلمة, أتصالح الآن مع نفسي أكتر مما أفعله الآن و أتسلل إلى الذاكرة لأعيد ترتيب الأحداث و بالتالي الأفكار التي أصبحت تظهر منسجمة مع كل هذا عندما علمت خبر تعييني كمعلم للسلك الأول من التعليم الأساسي بإقليم طاطا تحديت كل الحكايات و الروايات التي كانت تروى لي من طرف أناس سبق لهم الإحتكاك بالمنطقة أو سمعوا عنها الكثير أو القليل. كل الحكايات التي استمعت إليها كانت تجعل من التعيين بالصحراء شبيه بالنفي و الإبعاد عن كل ما يتعلق بالحياة التي نعيشها في عالمنا هدا و أعني هنا حياة المدينة و هناك من كان يقول بأن هدا التعيين و بهذا الشكل مقصود من طرف المخزن خصوصا بعد أحدات 14/ دجنبر 1990 . قيل لي أن بعض المعلمين يقطعون العشرات من الكيلومترات وسط الفيافي مغامرين بأرواحهم من أجل الوصول لمقرات عملهم . و آخرين تعرضوا للسعات العقارب و الأفاعي . كما أن عددا منهم أصيبوا بالجنون أو أقدموا على الانتحار. أما عندما التقيت بحميد العسكري المتقاعد و الذي كانت تربطني به علاقة الجوار و الصداقة فلما سمع بتعييني بإقليم طاطا قبض بيده على جبهته و انحنى برأسه إلى الأسفل و بعد دقائق من الانتظار خلته سينفجر في مكانه أو سيصاب بنوبة حادة . جاءني صوته من تحت يده و بلكنته الجبلية - طاطا برياطة لا طائر يطير و لا وحش يسير و تابع القول و كأنه يأتي بأفكاره من عالم غريب - عليك بالصندوق - ما معنى الصندوق؟ - عليك أن تصبح مثل العسكري و في اليوم الموالي جاءني و بيده خريطة المغرب و وضع سبابته على نقطة تمثيل إقليم طاطا و زف لي بحكمة سأسمعها كثيرا هناك طاطا برياطة لا طائر يطير و لا وحش يسير