بالنسبة ل"دوقية لوكسمبرغ الكبرى"، وهي ثاني أصغر دولة في الاتحاد الأوروبي، يعتبر الفضاء الخارجي أكثر من مجرد مساحة هائلة من الفراغ الذي يحيط بكوكب الأرض، وإنما فرصة عمل لا تعوض. ومع افتتاح وكالة لوكسمبورغ للفضاء، في شتنبر 2018، حققت حكومة الدوقية الصغيرة قفزة عملاقة نحو استغلال الفضاء في الأغراض التجارية. ومن المتوقع أن تتركز أعمال الوكالة على كل ما يتعلق بالفضاء، بدءا من تزويد الأقمار الاصطناعية والصواريخ بالوقود، مرورا بصناعة قطع غيار المركبات الفضائية عبر تقنيات الطباعة المجسمة، وصولا إلى التعدين عن العناصر المعدنية النادرة، وغيرها من المواد الخام والمياه على أسطح الكويكبات. ويقول وزير الاقتصاد في لوكسمبورغ،إيتيان شنايدر، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، "لا أعتقد أن ذلك يندرج في إطار الخيال العلمي". وتتطلع لوكسمبورغ نحو النجوم منذ بداية 2016 عندما أطلقت مبادرة "موارد الفضاء" باستثمارات مبدئية بقيمة 200 مليون أورو (235 مليون دولار). ويقول الخبراء إن كميات من المواد الخام تقدر قيمتها بالمليارات تقبع ساكنة في الفضاء في انتظار من يحصل عليها. لوكسمبورغ هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي وضعت إطارا قانونيا للتعدين عن المواد الخام في الفضاء. وتم تمرير قانون في صيف عام 2017 يضمن حقوق الشركات في الموارد التي تقوم باستخراجها. ويقول شنايدر: "إطارنا القانوني لا يفترض أن كوكبا أو كويكبا ما يخص شركة بعينها". وتتضمن الاستثمارات المبدئية لبرنامج "موارد الفضاء" مخصصات بقيمة 100 مليون أورو للترويج للمشروعات المثيرة للاهتمام من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص. ويقول شنايدر إن "وكالة لوكسمبورغ للفضاء هي بمثابة النتيجة الطبيعية لكل ما حققناه على مدار العامين الماضيين". ومنذ تفعيل القانون، عام 2017، أصبحت هناك زهاء 20 شركة تعمل في مجال صناعة الفضاء، من بينها شركات أوروبية أقامت قواعد لها في لوكسمبورغ، حسب ما يقول الوزير، وأعربت نحو 150 من الشركات الناشئة والمؤسسات عن اهتمامها بالتعاون مع لوكسمبورغ. وسوف تعمل وكالة لوكسمبورغ للفضاء عن كثب مع وكالة الفضاء الأوروبية، مع إتاحة الفرصة لشركات من بلدان خارج أوروبا، مثل أمريكا، للمشاركة في المشروعات. وتريد لوكسمبورغ أيضا الاستفادة من خبراء شركة "إس.إي.إس" المحلية لتشغيل الأقمار الصناعية، التي تعتبر كبرى الشركات العالمية في هذا المجال، إذ قامت بتصنيع نحو ستين قمرا صناعيا ووصل حجم مبيعاتها إلى ملياري أورو. وتأسست شركة "إس.أي.إس" عام 1985 بتمويل من الحكومة. وذكر يان فورنر، رئيس وكالة الفضاء الأوروبية، أن مبادرة الفضاء التي طرحتها لوكمسبورج هي "خطوة ذكية.. ومهمة"، مضيفا أن الدوقية استطاعت أن تكتسب مكانة لائقة في أوروبا جعلتها أكثر وضوحا. ويرى المسؤول أن فكرة التعاون بين وكالة لوكسمبورغ للفضاء ووكالة الفضاء الأوروبية هي "مسار جيد للغاية" بالنسبة لأوروبا، غير أنه حذر من الإفراط في التوقعات بشأن تحقيق نجاح سريع في مجال التعدين في الفضاء. ويقول شنايدر إنه "سوف تمر سنوات" قبل إمكانية تعدين المواد الخام من الكويكبات، مستطردا: "لكن هناك أنماط أعمال سوف تنطلق الآن، سواء على المدى القصير أو الطويل". فمراقبة كوكب الأرض على سبيل المثال يمكن أن تساعد مزارعي المحاصيل والأعناب على تحديد أنسب التوقيتات للتسميد أو جني المحصول، كما يمكن أيضا مراقبة الكوارث الطبيعية وحرائق الغابات من الفضاء؛ فضلا عن أن المحطة الفضائية الدولية سوف تصبح أقل اعتمادا على الإمدادات التي تحصل عليها من الأرض إذا ما كان بمقدورها تصنيع قطع الغيار التي تحتاجها بواسطة طابعة ثلاثية الأبعاد. وفي الوقت الحالي، يتوقف العمر الافتراضي للقمر الصناعي على التوقيت الذي ينفد فيه الوقود بداخله، ولكن إذا تسنى توليد غاز الهيدروجين من الثلوج المتواجدة على الكويكبات، فمن الممكن استغلاله كمصدر لإعادة تزويد الأقمار الصناعية بالوقود. ويقول شنايدر إن "هذه العملية سوف تتم في الفضاء خلال الأعوام الثلاثة أو الأربعة المقبلة على الأكثر". من الممكن تحقيق أرباح من وراء تعدين العناصر النادرة التي تدخل في صناعة الهواتف المحمولة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية في غضون الأعوام القليلة المقبلة، حسبما يقول شنايدر، وإن كان نقل هذه العناصر إلى كوكب الأرض سوف يكون بالغ التكلفة، ولكن "في السبعينيات من القرن الماضي كانت تكلفة جهاز الكمبيوتر تصل إلى أربعة ملايين دولار". ويورد شنايدر: "إنه مجال تريد لوكسمبورغ أن تطرقه من البداية"، مضيفا: "نحن صغار، ولكننا مبتكرون وأذكياء للغاية"، وأوضح أن الدول الكبيرة مثل ألمانيا وفرنسا "تواجه صعوبات في تحريك الأمور"، مضيفا أن لوكسمبورغ تريد انتهاز الفرصة لإرساء القواعد "في وقت يهدر جيرانها الكبار الوقت". ويقول الوزير شنايدر: "عندما يتم تأسيس هذه الشركات في لوكسمبورغ، لا أرى سببا لانتقالها إلى ألمانيا عندما تستيقظ في نهاية المطاف"، مضيفا أن وضع الإطار القانوني لهذه الصناعة لم يستغرق في لوكسمبورغ سوى أشهر قليلة فحسب. وينظر الوزير إلى دروس الماضي بحثا عن التحفيز، قائلا: "عندما رأينا انهيار صناعة الصلب في السبعينيات قررنا أن نصبح مركزا للمال والأعمال، وفي ذلك الوقت كانت هناك ثلاثة بنوك في لوكسمبورغ، وآنذاك كان الجميع يضحكون أيضا". *د.ب.أ