حيازة حيوانات مهددة بالانقراض والاتجار فيها يجر شخصين للاعتقال بالناظور    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف إطلاق النار في الساعة 4 صباحا من يوم الأربعاء بتوقيت البلدين    الملك محمد السادس يدعو إلى حلول عملية لوقف النار ودعم الفلسطينيين إنسانياً وسياسياً    وفد عسكري مغربي يزور حاملة الطائرات الأمريكية 'هاري ترومان' في عرض ساحل الحسيمة    تراجع مفرغات الصيد بميناء طنجة بنسبة 29% وانخفاض القيمة التجارية إلى 134 مليون درهم    نقص حاد في دواء السل بمدينة طنجة يثير قلق المرضى والأطر الصحية    سبتة ترفض مقترحا لحزب "فوكس" يستهدف المهاجرين والقاصرين    فتح تحقيق في محاولة تصفية مدير مستشفى سانية الرمل تطوان    اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية    الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل سيدخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء    عصبة الأبطال.. الجيش الملكي يهزم الرجاء بعقر داره في افتتاح مباريات دور المجموعات    العلمانية والإسلام.. هل ضرب وزير الأوقاف التوازن الذي لطالما كان ميزة استثنائية للمغرب    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي    لجنة الحماية الاجتماعية تجتمع بالرباط        بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب    هيئة حقوقية تنادي بحماية النساء البائعات في الفضاءات العامة        "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني        دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"        مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنظومة التربوية المغربية في مواجهة تحديات الألفية الثالثة*
نشر في هسبريس يوم 30 - 09 - 2018


المتغيرات واختلال التوازن
لا يشك أحد أن الألفية الثالثة تمثل بامتياز ألفية العلم والمعرفة. ولربما انقسم العالم، في ظل هذا السياق إلى شطرين، لا دخل للإيديولوجيات في تقسيمه مثلما عهدنا ذلك في الماضي، بل هو انشطار بين عالم يمتلك المعرفة وآخر يسوده الجهل المطلق.
فمنذ ما لا يقل عن عقدين، بدأت التحولات رويدا رويدا تضع أسسا أخرى لمناهج امتلاك المعرفة، مع عمليات تسويق الحاسوب الشخصي عند نهاية عقد السبعينات، وما فتئت هذه الثورة اللامسبوقة في التاريخ تجرف في تيارها منذئذ كل قواعد ومعايير امتلاك المعرفة وتخزينها واستغلالها. بعد هذا الاختراع المشهود، انضافت الشبكة العنكبوتية (الأنترنت) وتلاحقت تطورات الوسائط التكنولوجية الجديدة حتى غدا العالم اليوم، أكثر من أي وقت مضى، قرية صغيرة planetary village مثلما تنبأ بذلك مارشال ماك لوهان :McLuhan، يسهل فيه التواصل لمن يمتلك المعرفة.
إن ما يحمل على القلق وسط هذه التطورات هو أن الأشكال التقليدية في امتلاك المعرفة وانتقالها وصيغ اكتسابها قد تختفي تدريجيا خلال العقود الأولى من القرن الحالي بل و لربما تفككت باختفائها أجزاء غير يسيرة من الحضارة البشرية إلى الأبد. من المؤسف أن لا تنشغل بهذا المشكل سوى قلة قليلة من الناس، لكنها سنة الحياة ألا يتوقف التقدم بل ينبغي فقط مسايرته ومجاراته.
من نافلة القول أن نذكر بأن التعليم هو إحدى أهم الركائز في اكتساب العلم وتملك المعرفة. فأن تربي، معناه أن تعمل على نقل جملة من المعارف من شخص إلى آخر ومعناه أيضا أن تلقنه مجموعة من التجارب الكفيلة بإعداده لمواجهة الحياة إن على المستوى المادي أو المعنوي. من هذا المنطلق، كان التعليم يمثل شرطا أساسيا لا محيد عنه في كل عملية تنموية شاملة تستحق فعلا هذه التسمية.
ووعيا منها بخطورة التعليم وأهميته في رسم ملامح مستقبلها، عملت معظم الأمم على تخصيص نسب هامة من دخلها القومي للاستثمار في هذا الميدان. وبينما تنعكس العملية التربوية إيجابا على الأمم المتقدمة، لم تنجح الدول السائرة في طريق النمو سوى في تكوين جيوش من العاطلين مساهمة بذلك في تفاقم الاختلال الاجتماعي خصوصا في البلدان "الأقل تقدما"(1). ومنذ الوهلة الأولى يبدو أن مرد المشكلة إلى كون الأنظمة التعليمية في الدول المصنعة تقوم على بنيات مرنة تخضع باستمرار للمراقبة والتعديل بما يجعلها تستجيب لمتطلبات التنمية، بخلاف الأنساق التربوية السائدة في بقية البلدان، تلك التي تتميز بجمودها لكونها ظلت منذ الحقبة الاستعمارية لا تخضع لأي تقييم أو تقويم يجعلها تتماشى وطبيعة المتغيرات الاجتماعية.
إن طبيعة التحديات التي بات لزاما على التعليم أن يواجهها مع مطلع الألفية الثالثة، هو ما دفع باليونيسكو إلى خلق اللجنة الدولية للتربية في القرن الواحد والعشرين، وعينت على رأسها السيد جاك دولور Jacques Delors، الوزير الأول الفرنسي السابق إبان رئاسة فرانسوا ميتران François Mitterand، وكلفته بإعداد تقرير حول التربية في العالم. في هذا التقرير الذي قدمه لليونيسكو، يقول جاك دولور(2):
" في أعقاب قرن يتميز بالفوضى والعنف مثلما تميز بالتطور الاقتصادي والعلمي الذي لم يكن موزعا بشكل متساوي ، ومع مطلع قرن جديد تتنازع ملامحه بين القلق والرجاء، بات من الضروري على كل من يستشعر حسا بالمسؤولية أن يركز اهتمامه على غايات التربية وعلى وسائلها. إن اللجنة تعتبر السياسات التربوية بمثابة مسلسل دائم لإثراء المعلومات والمهارات، ولكن أيضا، وربما خصوصا، بمثابة بناء خلاق وأمثل للفرد وللعلاقات بين الأفراد والمجموعات والأمم".
من مظاهر التعليم بالمغرب
وضعية التعليم بالمغرب
لقد حظي التعليم في المغرب منذ الاستقلال بنصيب الأسد من ميزانية الدولة بحيث يمتص زهاء 25 %. إن اهتمام الدولة بهذا القطاع كان يهدف إلى استدراك التأخر الذي تراكم منذ الحقبة الاستعمارية. وقد حظي باهتمام واسع من قبل السكان الذين بادروا، في سياق النشوة العارمة التي ميزت السنوات الأولى للاستقلال ببعث أطفالهم بشكل مكثف إلى المدارس حتى يسهموا في تنمية البلاد. وهكذا أسهمت المدرسة خلال سنوات 50 و60 و70 من القرن الماضي بشكل نشيط في تكوين الأطر التي كانت الدولة في حاجة إليها من أجل مغربة هياكلها. لكن مع الأزمة المالية التي عرفتها البلاد خلال مطلع الثمانينات، شرعت الدولة في مراجعة سياستها التشغيلية (3) بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي.
ومنذ سنة 1982، تاريخ بدء العمل ببرنامج التقويم الهيكلي الذي أعدته المؤسسات المالية الدولية بغرض تطهير مالية الدولة، أصبحت هذه الأخيرة مجبرة على التخلي بشكل كلي تقريبا عن سوق الشغل مخلفة بذلك فراغا مهولا ما كان للقطاع الخاص لا القدرة ولا الرغبة في ملئه. خلال نفس الحقبة، استمرت المؤسسات التعليمية في تكوين أعداد كبيرة من الخريجين العاطلين تقذف بهم إلى سوق الشغل بشهادات غير متخصصة في غالب الأحيان. والنتيجة أن الوضعية قد خلقت اختلالا اجتماعيا خطيرا كان من عواقبه:
1,فقدان الثقة في النظام التعليمي المغربي تجلى بوضوح في؛
أ.انخفاض التمدرس خصوصا في العالم القروي حيث أصبح الناس يفضلون أن يبعثوا بأطفالهم للعمل في الحقول لكي يتعلموا الفلاحة عوض" مضيعة الوقت داخل المدارس"(4).
ب.انخفاض في مستوى النظام التعليمي المغربي اعتبارا لنوع من اللامبالاة التي بات يعلنها التلاميذ والطلاب وأولياء أمورهم إزاء العملية التعليمية برمتها.
2.تحميل المسؤولية للنظام التعليمي المغربي بخصوص كل الأمراض التي تنخر البلد.
3.أخذ الاحتياطات البديلة عن التعليم والتي قد تدر أرباحا سريعة حتى وإن كانت مصادرها غير مشروعة( على المستوى الاجتماعي تسمى هذه الظاهرة ب" التبزنيس").
انسجاما مع هذه المعطيات ينطرح السؤال بخصوص الأسباب التي جعلت النظام التعليمي المغربي يصبح هابطا إلى هذا المستوى في أعين السكان. والحال أن القراءة الأولى لهذا الفشل الذريع تفيد بأن التربية ظلت في اللاوعي الشعبي مرتبطة بالشغل وبتحسين الأوضاع الاقتصادية للناس، دون أن تكون بمنأى عن جملة التحولات الأخرى.
مقر اليونسكو بباريس
إن فقدان الثقة في النظام التعليمي يعود لكونه بات أسير الحقبة الاستعمارية وإرثها، بحيث لم يخضع منذ الاستقلال لأي تغيير مناسب. إنه نظام متقادم على مدى نصف قرن يجري تطبيقه على بلد يشهد تدريجيا اندفاعاته الاقتصادية على مشارف القرن الواحد والعشرين.
فمنذ ما يزيد عن عشرية بكاملها والجميع ينادي بضرورة إصلاح النظام التعليمي بما في ذلك الحكومة والمعارضة والأوساط الأكاديمية دون أن يقدم أحد على ذلك. أي تفسير منطقي لهذا التصرف المرضي سوى كون المغرب لا يطيق التغيرات الفجائية والقاطعة؟
إن النظام التعليمي المغربي هو، في واقع الأمر، نظام متجاوز لا يستجيب لمستلزمات البلاد حاليا في تحقيق تنمية شاملة. لهذا، كان من الضروري التسلح بالشجاعة الكافية لإعلان موته الطبيعي والعمل على تعويضه بنظام أكثر دينامية وعطاء. إن خوض غمار هذه المغامرة بات أمرا لازما إذ بدون مغامرة لا يمكن المضي أبعد في هذا المضمار.
نظام تعليمي متجاوز لا يستجيب لمستلزمات البلاد
أما في القطاع الخاص، فقد تجرأت مجموعة من المؤسسات والمعاهد الجديدة على تبني أنظمة تعليمية أخرى من غير خوف أو تردد. وعلى سبيل الاستدلال، نذكر هنا تجربة المعهد الدولي للدراسات العليا بالمغرب IIHEM الذي تأسس بالرباط سنة 1998 والذي أعلن بصراحة تبنيه للنظام الأنجلوساكسوني في التربية. إن نجاح هذا المعهد وحده لبليغ لكي ندرك الحاجة لتبني نظم تربوية بديلة مثلما سارت على هدي خطاه مجموعة من المؤسسات التعليمية الأخرى(5).
والآن ونحن في بداية الألفية الثالثة، يواجه النظام التعليمي المغربي مجموعة من التحديات:
1.ضرورة إعادة التفكير في الفلسفة العامة للنظام التعليمي وفي توجهاته وأهدافه،
2.حتمية محاربة الأمية في صفوف الكبار،
3.تعميم التمدرس،
4.التربية التكوين التشغيل،
5.إعادة النظر في الجامعة المغربية.
إن مواجهة هذه التحديات في أسرع وقت ممكن قد أصبح أمرا لا مندوحة عنه، إذ أن تحقيق التنمية الشاملة بالمغرب سيظل رهينا بمدى نجاعة مقاربة هذه الإشكاليات.
إعادة التفكير في النظام التربوي
يجمع الكل على أن وضعية النظام التعليمي المغربي كارثية للغاية، فنسبة الأمية تضرب أطنابها بما يربو على 45 % (6) حسب الأرقام الرسمية بينما تقدر اليونيسكو نسبتها في 56.3 %، وهي نسبة مئوية عالية جدا بالمقارنة مع بلدان عربية أخرى مثل تونس (36.8 % ) أو الجزائر (38.4%) أو ليبيا (23.8 %) أو مصر (48.6 %)، ناهيك عن بعض الدول الإفريقية مثل موريس ( 17.1 %)، افريقيا الجنوبية ( 18.2 %)، زيمبابوي (14.9)، الرأس الأخضر (28.4 %)، بوتسوانتا ( 30.2% )، أو الكونغو (25.1% ) (7). إن الخصاص في مجال تمدرس الأطفال يبلغ حوالي ثلاثة ملايين طفل في حين تظل البرامج والمقررات المدرسية غير ملائمة البتة.
لنستمع لرشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية سابقا، وهو يقول بالحرف خلال تدخله أمام جمعية مغرب 2020 في نوفمبر 1996 (8):
" إن تحليلكم للنظام التربوي المغربي يبدو لي سلبيا بعض الشيء. أريد أن أقول لكم أيها السادة بأنكم قد أخطأتم التقدير، فالوضعية أسوء بكثير مما تصفون" (9).
وقد كتب الصحفي جمال براوي في صحيفة La Vie Économique الصادرة في 13 يونيو 1997 مقالا عنونه " تعليم أم مجتمع بسرعتين" قائلا:
" لا أحد يمكنه أن يؤكد بأن الدولة لم تخصص من ميزانيتها للموارد المالية الممكنة للتربية الوطنية... بيد أن النتائج كانت كارثية، إنه أكبر فشل عرفه المستقبل وهو فشل بنيوي"(10).
ثم يمضي بعد ذلك ليعري حقيقة نظامنا التربوي كاشفا النقاب عن ثغراته على المستوى الاجتماعي قائلا:
" إن الواقع الذي نعيشه اليوم هو أن الطبقات الشعبية تلجأ إلى التعليم العمومي من غير أوهام. فقد كفت المدرسة في نظر الغالبية عن أن تكون تلك المعجزة في تحسين الوضع الاجتماعي، فالقلة القليلة التي تستطيع أن تنهي دراستها الانتقائية من الناحية الكمية، سرعان ما تجد نفسها على أعتاب سوق الشغل. إن الآباء الذين يمتلكون الإمكانيات حتى ولو استدعى الأمر منهم تضحيات جسام، يلجؤون إلى القطاع الخاص، هذا الذي يفترض فيه أن يكون أكثر فعالية اعتبارا " لمستواه العالي"، لأنه يمنح فرصا أوفر للتلميذ. إن كل هذه التقديرات لتحتاج لدراسة معمقة، لكنها تظل في العمق مشتركة وتشكل بالتالي أمرا واقعا".
ولئن كانت النتيجة التي توصل إليها كاتب المقال لا تبعث أحدا على الاستغراب، لكنها مع ذلك تدفع المرء للتفكير بجدية في مصير مجتمعنا ومآل حضارتنا بالنظر إلى هذه الحصيلة ذات العواقب الثقيلة: إن المدرسة قد أصبحت فضاء للميز والتفرقة عوض ان تكون مجالا للتلاقح. فعند امتحانات آخر السنة في السلك الأولي حيث يضطر الأطفال في كلتي المنظومتين إلى التعايش واللقاء، غالبا ما يتراشق" أبناء الشعب" وأبناء البورجوازيين بتهم كثيرا ما تخلق آثارا سلبية في نفسية أطفال لا يفهمون بالضبط ما اقترفوه من أخطاء تستدعي كل هذا التهجم.
مدارس المغرب القروي المنسي
لقد وضع المغرب أسس نظام تربوي بالغ الخطورة، يتميز بالفصل بين قطاع خاص عهد إليه بإعادة إنتاج النخب، وتعليم عمومي يتكفل بمحو الأمية في صفوف الجماهير حتى يخلق منها يدا عاملة طيعة وتنافسية فالوضعية انفجارية إذن ولا أحد يمكنه أن يبرر بحسن النية ما أضحى حقيقة واقعية تفقأ العين.
وجدير بالذكر هنا أن "الكتلة" ما كانت تكف مذ كانت في المعارضة عن انتقاد الحكومات السابقة بخصوص الوضعية الكارثية للنظام التعليمي المغربي، لكن الواقع أن المسؤولية فيما آلت إليها الأمور تقع على الجميع من غير استثناء، حكومة وهيئات سياسية بل والمجتمع برمته. إن المعارضة والحكومة قد بدأوا اليوم جميعا يكتشفون هذه الحقيقة المرة حينما أخذوا بزمام السلطة، خصوصا وأن وزراءهم بالضبط لهم من يتكلفون اليوم بهذا الملف المحرق الشائك.
إن مرارة هذه الحقيقة سرعان ما تستشعرها بمجرد جرد الأرقام البليغة التالية برسم الدخول المدرسي لموسم 1996 1997 (11) :
25 % من ميزانية الدولة مخصص للتربية الوطنية.
56% من الأمية.
4.6 مليون طفل وطالب يتابعون دراستهم في المدارس والثانويات والكليات.
زيادة 6.5 % من المتمدرسين خلال هذا الموسم.
577 ألف تسجيل جديد.
188.240 مدرس ( بمعدل مدرس واحد لكل 24 تلميذ).
255 ألف موظف بوزارة التربية الوطنية.
67% من التلاميذ يترددون على المؤسسات التعليمية بالبوادي.
81% بالوسط الحضري.
قبل حكومة التناوب، كانت وزارة التربية الوطنية تحت إشراف رشيد بلمختار و قد عملت، بعد عامين من التفكير، على إعداد إصلاح شامل للنظام التعليمي وفق خطة شملت 40 إجراء تتمحور حول ثلاث نقاط:
الواجهة البيداغوجية: وتتمحور حول فكرة أساسية تهدف إلى خلق مدرسة بالمعنى الشامل للكلمة، مدرسة قادرة على تكوين" مواطن صالح" تتكفل بتشجيع الحس الجماعي وحس المبادرة ضمن سياق شمولي يتميز بالمرونة والتأقلم حتى تعمل على تكوين أفراد مقاولين عوض أجراء.
جانب التنظيم/ التسيير: يقوم على خلق مؤسسات تربوية مستقلة ومرتبطة بالهياكل المحلية ( الجماعات) بشكل يجعلها قادرة على تحديد حاجياتها من المستخدمين وقياس مستوى مردودية المؤسسات وفعاليتها.
محور الموارد البشرية: ويقوم على أساس تحسين الوضعية الاجتماعية للمدرسين عبر تعميم التكوين المستمر وكذا وضع ميثاق يحفظ الحقوق والواجبات وخلق نظام للتقييم على أساس المردودية والفعالية وليس الأقدمية.
إن ما هو مطلوب، برأي رشيد بلمختار (12)، هو تحويل شريحة الموظفين إلى فاعلين حقيقيين في عملية التغيير أما بخصوص الربعين إجراء التي كان من المقرر اتخاذها بشأن إصلاح النظام التربوي، فسنكتفي هنا بالإشارة إلى أهمها:
وضع إستراتيجية لتنمية التعليم في العالم القروي،
الشراكة بين المقاولات والمنظمات غير الحكومية والجماعات المحلية،
طرح تقنيات جديدة في التسيير والبناء والتجهيز،
تشجيع التعليم ما قبل المدرسي،
وضع ميثاق للتعليم،
التلفزة التربوية،
وضع دراسات في مجال تمويل التعليم،
تشجيع التعاون،
تنظيم هيئة المراقبة والتفتيش،
طرح برامج لمحاربة الأمية،
الربط التدريجي بشبكة الانترنيت،
خلق إجراء جديد لبرمجة الميزانية ( كل ثلاث سنوات)،
التفكير في الإصلاح البيداغوجي،
وضع إستراتيجية لتنمية التعليم الخاص.
إن تبني الأربعين إجراء السالفة الذكر ليبدو أمرا ملحا وضروريا، حتى ليراهن قائلا بأن (13) :
"... المدرسة غدت نظاما لتكوين اللامسؤولين. فهي تعد المغاربة للتبعية".
عشرية بعد الإعلان عن مشروع رشيد بلمختار، تبدو صورة هذا القطاع متشظية بحيث أن كل وزير يتولى أمر هذه الوزارة يقترح رؤيته للإصلاح وفق لغته ومنطقه الإيديولوجيين دون أن يأخذ في الحسبان ما فعله سالفوه. إن غياب روح الاستمرارية لهو، من دون شك، أحد أكبر المخاطر التي يواجهها النظام التعليمي في المغرب.
انعقدت في دوربان بجنوب إفريقيا ، من 20 إلى 24 أبريل 1998، الندوة السابعة لوزراء التعليم للدول الإفريقية الأعضاء ( MINEDAF III) التي نظمتها اليونيسكو تحت شعار: " L'éducation pour tous, tout au long de la vie en Afrique: grandes stratégies pour le 21ème siècle"
وبينما بادرت الدول الإفريقية إلى إرسال وفود مهمة إلى الندوة المذكورة، وأعدت وثائق عمل لهذا الغرض، كان المغرب غائبا بالمرة خلال اليومين، ثم جرى تمثيله بموظفين لا يمتلكون وثيقة تعرض على أنظار المندوبين بخصوص التربية في بلدنا. إن مثل هذا اللقاء يمثل فضاء هائلا تستثمره وزارة التعليم لكي تتعرف عن قرب على تجارب بلدان أخرى في حقل إصلاح التعليم والنظام التربوي عموما.
صحيح أن ما تم إنجازه لحد الآن في مجال إصلاح التعليم يبدو مشجعا لكنه يظل مع ذلك دون المستوى المطلوب بالنظر إلى تحديات القرن الواحد والعشرين ودون متطلبات التنمية الشاملة.
من مظاهر الأزمة: تناسل المدارس الأجنبية
إن الإقدام على أي إصلاح تربوي مناسب لنظام التعليم في المغرب، يفترض القيام ببعض الخطوات الأولية نذكر منها:
وضع ميثاق وطني عملي/ميداني في مجال التعليم؛
تحديد الخطوط الكبرى للتعليم بتحديد الفلسفة العامة والأهداف والنتائج المتوخاة؛
تحديد معايير وطرق التقييم بوضع اللوائح المناسبة والضرورية؛
السلوك العام؛
السياسة الكبرى؛
تقييم الحصيلة السابقة؛
تحديد الأولويات؛
إعادة التفكير في مفهوم التربية على ضوء المتطلبات الملحة للبلاد من خلال:
تعميم التعليم؛
تشجيع العدل والنزاهة؛
خلق صورة جديدة لوضعية المدرسين؛
تحسين البرامج ومحتوى الكتاب التربوي؛
التحسيس بأهمية التمدرس عموما وتمدرس الفتيات على الخصوص؛
إدماج وهيكلة التعليم النظامي وغير النظامي؛
عقلنة الموارد المادية والمالية والبشرية؛ و
استعمال اللغات الوطنية في التعليم.
تطوير استراتيجيات بديلة في الحقل التربوي باستغلال الإمكانيات التي يتيحها المذياع والتعليم عن بعد؛
إشراك المواطن في تسيير وتدبير الشأن العام؛
تشجيع التعاون والتشارك بين صناع القرار والباحثين والمشتغلين بالقطاع؛
تحسين مردودية التعليم كمّاً وكيفاً؛
تشجيع التعليم ما قبل المدرسي؛
طرح أساليب جديدة في حقل التعليم من شأنها تطوير العقل النقدي ومسايرة التطور على المستوى الكوني؛
العمل على ضمان الاستمرارية في النظم التربوية؛
استئصال معضلة اللاتمدرس؛
تطوير التعاون بين المؤسسات الفاعلة في الميدان؛
محاربة ظاهرة اللاتمدرس في صفوف الإناث؛
تشجيع التعاون بين مختلف المنظمات النسائية والمنظمات غير الحكومية من أجل تقييم وضعية النساء في حقل التربية والتعليم؛
وضع تمدرس الفتيات ضمن الأولويات الملحة وتشجيع التعاون بين المنظمات الفاعلة في الميدان لطرح تمدرس الإناث ضمن لائحة الأولويات؛
تشجيع وعقلنة استغلال الإمكانيات التي يمتلكها التعليم غير النظامي؛ و
دعم القيم الوطنية التقليدية مع تطوير مفهوم التربية والتعليم.
إن تفعيل النظام التربوي بالمغرب ينبغي عليه أن يأخذ في الحسبان الأسس الأربعة الكبرى التي حددتها لجنة دولور Delors، وتعني:
تعليم المعرفة Apprendre à connaitre؛
تعليم الفعل Apprendre à faire؛
تعليم التعايش Apprendre à vivre ensemble؛ و
تعليم الحياة Apprendre à être.
وبغية تحقيق لهذه الأهداف الطموحة، ينبغي للمغرب أن يواجه معضلة أمية الكبار، هذه الشريحة التي تمثل قوته المنتجة والحية.
تعليم الكبار ومحاربة الأمية
مثلما سبقت الإشارة إلى ذلك آنفا، تبلغ الأمية نسبة عالية بحيث تصل إلى 56.3% اعتمادا على إحصائيات اليونسكو لسنة 1988. إن هذا الوضع اللاطبيعي قد أشار إليه أيضا تقرير البنك العالمي الذي أعلنت عنه السلطة المغربية في أكتوبر 1995(14).
وبالرغم من التحسن الذي عرفته حقبة التسعينات، ما زالت المؤشرات الحالية للتعليم بالمغرب تشبه إلى حد كبير وضعية هذا القطاع في مجموعة من الدول الواقعة جنوب الصحراء أو أفقر منها كالكوت ديفوار أو نيجيريا، أكثر مما تشبه وضعية نفس القطاع في بلدان ذات اقتصاديات مماثلة منذ خمسة عشرة عاما خلت.
صحيح أن نسبة التمدرس تقارب 49% والتمدرس الابتدائي يصل إلى 69%، لكن التمدرس الابتدائي في العالم القروي يبلغ بالكاد 50% ولا تستفيد منه سوى 34% من الإناث، ومثل هذه النسبة تضع المغرب في مصاف دول مثل بوركينا فاسو.
إن مثل هذه الوضعية تعكس استمرارية في وجود مغربين بسرعتين متفاوتتين لا يمكنها سوى أن تعرقل انطلاقة مغرب بالسرعة الكبرى.
إن هذا التقرير بكل واقعيته وحياده البارد قد عملت على نشره كل الجرائد الوطنية على مختلف مشاربها وخلق نقاشا حادا سواء في صفوف المسؤولين السياسيين أو في الأوساط التربوية وعند الخبراء. فقد أدلى وزير التربية الوطنية آنذاك بتصريح إلى جريدة Le Matin du Sahara et du Maghreb الشبة رسمية، جاء فيه على الخصوص:
" أود التذكير بأن الملاحظة المثيرة في الإحصاء الأخير تتمثل مع الأسف في الفرق الحاصل بين الأوساط الحضرية والعالم القروي فيما يتعلق بالتعليم. فعلى سبيل المثال، حينما نعنى بمسالة محاربة الأمية في أوساط الكبار، نجد أن نسبة الأمية عند الساكنة التي تبلغ أكثر من عشر سنوات تصل إلى 37% في الوسط الحضري و ترتفع إلى 75,5% في العالم القروي؛ وبينما 47% من الإناث الحضريات أميات ترتفع النسبة إلى 89% عند القرويات" (15).
المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي: أي مردودية؟
إن الخلاصات التي توصل إليها الوزير بناء على هذه الإحصائيات وغيرها، توضح مدى خطورة وضعية التعليم ببلادنا التي تتوق للانطلاق الاقتصادي والتنمية الشاملة.
وطالما استمرت الأمور على ما هي عليه، فإن تقدم حملات الإصلاح ستظل رهينة بالإقدام على إنجاز بعض الخطوات الضرورية منها:
1.خلق الهياكل الضرورية
مثلما يجري العمل به في مجموع من البلدان التي تعرف مستويات عليا في مجال أمية الكبار، سيكون من المفيد خلق هيأة أكاديمية علمية وميدانية مستقلة تختص في الموضوع، يعهد لها بوضع التصور والتنسيق بخصوص السياسة التي ينبغي نهجها في هذا المجال في حين تتكفل الوزارة بالسياسة العامة للمسألة.
2 .إحصاء الأشخاص المعنيين وتحديد القدرات المتوافرة
قبل الخوض في أي عملية لمحاربة الأمية، لا بد من التوفر على إحصائيات دقيقة تهم عدد الأميين وفق تقسيمهم من ناحية السن والجنس والوضعية العائلية والشغل والجهة، ناهيك عن عدد الخبراء المتوفرين وعدد المشتغلين بالميدان حسب كل جهة إلى جانب المؤسسات التربوية المتوفرة في كل جهة على حدة.
3.دراسة إمكانية التحقق
لا مندوحة من إنجاز دراسة ميدانية بغرض جرد الوسائل المتاحة والتقنيات الممكنة لخوض في عملية محاربة الأمية (مثل خلق وحدات محلية أو جهوية وتوفير سبل التنسيق الخ...)
4.البرامج
على ضوء النتائج التي ستتوصل إليها الدراسة المذكورة أعلاه، يتحدد التصور الذي ينبغي وضعه في مجال محاربة الأمية من حيث البرامج. فهذه الأخيرة مطالبة بأن تستجيب لمتطلبات المتعلمين سواء طوال مدة التعليم أو بعدها.
5.المناهج والوسائل
ما من شك أن نجاح حملة محاربة الأمية يظل متوقفا على مدى ملائمة المناهج والوسائل المستعملة واستجابتها للواقع الميداني.
6.الفاعلون في حقل محاربة الأمية ( التشغيل والتكوين).
إن الإقدام على محاربة الأمية يشترط حتما تشغيل أكبر عدد ممكن من الفاعلين وتكوينهم. واعتبارا لكون هيأة التدريس تظل مجندة باستمرار في مؤسسات التعليم الأساسي والثانوي، قد يكون من المهم التفكير في الاستفادة من طاقات الشباب العاطل الحاصلين على الشهادات. إذ يمكن مثلا اختيارهم من مختلف جهات المملكة ليخضعوا لتكوين أولي في المراكز التربوية الجهوية أو بمباني المدرسة العليا للأساتذة لمدة ثلاثة أشهر، مقابل منحة مالية؛ وبعدها يحصلون على دبلوم فاعل في حقل محاربة الأمية Diplôme d´agent d´alphabétisation يعودون على إثره إلى مقر سكناهم، في البوادي أو القرى حيث تتكفل الجماعات المحلية بدفع رواتب لهم مقابل ما يأدونه من خدمات في حقل محاربة الأمية. أما بالنسبة للفاعلين القادمين من جهات أخرى، فإن الجماعة المحلية هي التي تتكلف بتوفير السكنى لهم. ويخضع عمل مختلف الفاعلين إلى المراقبة والتقييم من قبل الهياكل المحلية والجهوية لمحاربة الأمية(16) فمثل هذا السيناريو يتيح إمكانية ضرب عصفورين بحجر واحد، إذ يتيح إمكانية التخلص من اثنين من أخطر الأمراض التي تعيق مغرب اليوم أولاهما: بطالة الشباب حاملي الشهادات وثانيهما الأمية.
7.الإذاعة والتلفزة
من خصائص الإذاعة والتلفزيون أنهما يصلان إلى كل البيوت حتى في المناطق النائية ويمتلكان تأثيرا قويا على تقاليد الناس وعاداتهم بمختلف أجناسهم وأعمارهم ومستوياتهم الاجتماعية(17). لهذا الاعتبار، قد يكون من المفيد جدا استغلالهما في حملات محاربة الأمية (اشتاتو، 20:1998) في انتظار خلق إذاعة خصوصية وتلفزة تعنى بشؤون محاربة الأمية. وهكذا يمكن برمجة دروس محو الأمية صباحا ومساء على أمواج الإذاعة في حين تقدم في التلفزة بعد الظهر عوضا عن البرامج المعتادة.
8.الحملة الوطنية للتحسيس
إن تنظيم محاربة الأمية على المستوى الوطني، ينبغي أن يكون مسبوقا بتنظيم حملة تحسيسية تشارك فيها الحكومة والقطاع الخاص إلى جانب منظمات المجتمع المدني بهدف شرح المرامي التنموية الشاملة المتوخاة من خلال محاربة الأمية خصوصا في العالم القروي. ويحسن أن تتجند لهذه الحملة الإذاعة والتلفزة والجرائد والمساجد أيضا من خلال الخطب.
9.تجنيد الوسائل المادية
إن نجاح حملة محاربة الأمية يبقى أسير المؤهلات المادية التي تضعها الدولة تحت تصرفها لكن بالإضافة إلى مساعدات القطاع الخاص وهيأت المجتمع المدني.
في يوليوز 1997، انعقدت بهامبورغ في المانيا، الندوة الدولية الخامسة لتعليم الكبار (CONFINTEA V ) شاركت فيها مائة وخمسون منظمة حكومية وزهاء 5000 من الفاعلين في حقل تعليم الكبار من كل المستويات.
وقد حددت اليونيسكو في سياق هذه التظاهرة جملة من الأهداف التي نوجزها في الآتي(18):
أ.تبيان أهمية التعليم في حياة الأشخاص الأميين الكبار؛
ب.التحسيس على المستوى العالمي بحق الأشخاص الكبار في التعليم؛
ج.تبادل التجارب والخبرات والعمل على تطوير التقنيات الضرورية؛
د.التوصية بوضع سياسات في الميدان مع تحديد الأولويات وتبني توصية حول تعلّم الكبار وصياغة رزنامة عمل للمستقبل؛ و
ه. تشجيع التعاون الدولي.
في بيان مؤتمر هامبورغ هذا حول تعلّم الكبار، نجد في الفصل الثالث تعريفا معينا لهذا الموضوع باعتباره يحيل إلى:
"مجموع عملية التعليم النظامية أو غيرها يستطيع بفضلها الأشخاص الذين يعتبرون كبارا (بالغين) في المجتمع الذي ينتمون إليه، أن يطوروا قدراتهم ويغنوا معارفهم ويحسنوا مؤهلاتهم التقنية أو المهنية بما يستجيب ومتطلباتهم ويتماشى ومستلزمات مجتمعاتهم".
تعليم الكبار: هل من نتيجة؟
إن هذا التعريف يحيل إلى التعليم النظامي والتربية المستمرة والتعليم غير النظامي ومجموع الإمكانيات التربوية المتوفرة في مجتمع تربوي متعدد الثقافات وفق مناهج تنبني على النظرية والتطبيق في ذات الآن.
وللأسف، مازالت تربية الكبار في بلدنا لا تتوفر على إطار ينظمها مما يجعلنا نراكم تأخرا خطيرا في هذا الحقل الحساس. فقد آن الوقت للتحرك في هذا الاتجاه من خلال إصدار قوانين تنظيمية وخلق مؤسسات عمومية وتنظيم حملات تحسيسية. والحال أن حق الكبار في التعلّم ينبغي أن يدرج مبدئيا في ديباجة الدستور اعتبارا لأهميته وخطورته في تجنيد الرأس المال البشري كشرط أساسي لكل عملية تنموية شاملة.
لقد وضع تقرير لجنة دولور شعارها" L´éducation : un trésor est caché dedans " . "التربية: بالداخل كنز" مسألة تعليم الكبار في قلب الانشغالات الاجتماعية. فبالعودة إلى الأسس الأربعة التي يقوم عليها التقرير المذكور:
(Apprendre à connaitre، Apprendre à faire ، Apprendre à être، ( pprendre à vivre ensemble
نجد أن تعلم المعرفة يتيح للفرد إمكانية مواجهة التحولات التي يعرفها العالم وتسمح له بأن يكون مستقلا وقادرا على الإسهام بفعالية في التنمية وتحسين الوضع المعيشي للبشرية.
إن ما يفيد به إعلان هامبورغ بخصوص تعليم الكبار في مادته الثانية (19)، هو أن هذا الموضوع بات يشكل أكثر من دي قبل أحد الحقوق الأساسية للإنسان ، فهو وسيلة لإثبات الهوية و مفتاح الدخول للقرن الواحد والعشرين. وبهذا المعنى، يكون تعلّم الكبار نتيجة نابعة من الإحساس بمواطنة فاعلة وشرطا أساسيا للمشاركة الكاملة في حياة المجتمع... إن تربية الكبار هي ما يحدد هوية الفرد ويعطي لحياته معنى.
تعميم التعليم
إن تعميم التعليم ليعتبر بحق أولى الخطوات المستعجلة التي ينبغي القيام بها. صحيح أنها ليست عملية سهلة، وإنما مبادرة جريئة تستلزم وضع برنامج ينبغي أن تحضر في صياغته الإرادة السياسية والوسائل التقنية والبشرية وقابلية الجماعة المقصودة.
خلال مرحلة الحماية، عمدت السلطات الفرنسية لأغراض إستراتيجية وأمنية إلى تقسيم المغرب إلى شطرين: المغرب النافع، مغرب السهول الشاطئية الغنية والمدن الكبرى، والمغرب غير النافع، مغرب الجبال والمناطق الجافة حيث سادت مقاومة شرسة للغزو الفرنسي. و لتأديبهم، عملت فرنسا بعد مسلسل" التهدئة" إلى حرمانهم من كل عملية تنموية. وفي أعقاب الاستقلال، في جو النشوة الكبرى، تم تدشين مجموعة من المدارس في جهات المغرب غير النافع السالف الذكر، ثم استمرت الحكومات المتتالية في العمل على تعميم التعليم حتى في الأصقاع النائية البعيدة ، لكن دون أي جدوى.
الترببية لها مقر ولكن اين هو التعليم؟
والحق أن عزلة هذه المناطق كان لها دورا كبيرا في ذلك خصوصا وأن هذه الجهات لم تستفد لحدود الساعة من البنيات الأساسية والضرورية مثل الطرقات.
وبينما تمكنت كثير من الدول الإفريقية من تعميم التعليم منذ مدة، مازال المغرب يجر الخطى مثقلا بالكثير من المتاعب منها: قلة الموارد المالية، ضعف البنيات التحتية، مشكلة البرامج المدرسية ... ويكاد يجمع الكل على أن وزارة التربية الوطنية هي أكثر الوزارات شراهة في استهلاك الميزانية(budgétivore). فالدولة تخصص لهذا القطاع ربع ميزانيتها العامة وليست على استعداد إطلاقا للمضي أكثر من أجل تحقيق هذا الهدف الذي طالما ظلت تحلم بالوصول إليه: تعميم التعليم. فالمشكلة كما يشير إلى ذل .S. A. في مقال بجريدة La Vie Économique ((20، هي أن الدولة، المساهم الرئيسي في تمويل القطاع، ما عادت مستعدة للركض إلى ما لانهاية وراء هدف تعميم التعليم والزيادة المضطردة في الاعتمادات التي يتوصل بها هذا القطاع.
خلال سنة 1995، بلغ الغلاف المالي المخصص للتربية الوطنية 6,2% من المنتوج الداخلي الخام أي ما مجموعه 17850 مليون درهم. ومنذ 1981 إلى 1995، استفاد القطاع من زيادة 15% سنويا بينما لم تتقدم ميزانية الدولة سوى بنسبة11% خلال حقبة الثمانينات, و كان نصف مناصب الشغل التي تخلقها الدولة من نصيب التربية الوطنية حتى إنه في سنة 1995 كان لهذا القطاع 35% من مجموع مستخدمي الوظيفة العمومية(21).
بالنسبة ل .S. A ، لا يمكن للتربية الوطنية أن تحلم بزيادة في ميزانيتها إلا إذا جاءت على حساب قطاعات اجتماعية أخرى. وهذا راجع لجملة من العوامل التي يعرفها الجميع مثل قلة الموارد، ثقل المديونية، ثقل الإدارات العمومية. إن السؤال المطروح حاليا هو البحث عن بدائل لنظام التمويل القائم في الوقت الراهن. وحاولت مجموعة من الأجوبة مقاربة الموضوع: فبالنسبة لوزارة التربية الوطنية، يتعلق الأمر بعقلنة استعمال الموارد المخصصة لهذا القطاع، وإعطاء أهمية متزايدة للقطاع الخاص وتنويع مصادر التمويل عبر إشراك الجماعات المحلية ومجموع الفاعلين.
إن ضعف البنيات التحتية هو ثاني الأمراض التي تنخر تعميم التعليم. صحيح أن الوزارة قد عملت سنويا على تشييد المزيد من المدارس ولكن أهدافها ما زالت بعيدة المنال بالرغم من الجهود المبذولة، الشيء الذي أدى إلى وجود فائض من المدرسين يصل إلى حوالي 12 ألف يكلفون للدولة ما مجموعه 500 مليون درهما سنويا، دون أن يأدوا للدولة أي خدمة تذكر ما عدى كونهم يشتغلون لحساب القطاع الخاص حتى يسهل عليهم التغلب على مصاريف الشهر.
إن صعوبة تحقيق تعميم التعليم يعود بالأساس إلى ضعف البنيات التحتية كما يرى أ. بن إدريس (22) مثلما يبين ذلك النقص الحاصل في مجال التأطير: في المستويين الابتدائي والثانوي معا بحيث لا تتوفر الوزارة سوى على 188.240 مدرسا.
إن هذه الوضعية قد تناولتها دراسات الخبرة ( audit ) التي أنجزتها وزارة التربية الوطنية وأكدها تقرير البنك العالمي المعروف. وهذا رشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية آنذاك، يقول بفائض 12 ألف مدرس، في حين يرد المراقبون بأنه لو تم وضع البنيات التحتية أولا بهدف تعميم التعليم، لما وصل القطاع إلى هذه النسبة من الفائض.
صعوبة أخرى تعيق تعميم التعليم ألا و هي مشكلة البرامج. فهي بتصورها الخاطئ وبطولها الكبير تدفع المدرسين إلى المضي بسرعة دون الاكثراث بإشكالية ما إذا فهم التلاميذ أم لم يفهموا، لأنه مجبر على إنهاء المقرر في الآجال المحدودة. وكيفما تكون الأحوال، فغياب التأطير البيداغوجي المناسب، يؤثر سلبا على النظام التربوي عموما، وسوف تعاني وضعية تعميم التعليم بشكل كبير إذا لم يتعرض القطاع لعملية تقييم منهجي ومستمر.
معادلة التربية التكوين التشغيل
لم يكن لمعادلة التربية التكوين التشغيل فيما مضى أي وجود يذكر بحيث إن التعليم ظل نظاما مستقلا في الوقت الذي كان فيه التشغيل يمثل عالما معزولا. وفي النصف الثاني من القرن الماضي، أصبحت أطراف هذه المعادلة الثلاثية تمثل في تداخلها وتشابكها مفاتيح ضرورية لطرق أبواب الألفية الثالثة. فالتعليم ما عدا يكتفي بذاته، بل ينبغي عليه أن يأخذ في الحسبان متطلبات التكوين حتى يمكنهما سويا أن يستجيبا لحاجيات التشغيل.
وفي المغرب، لم يكن للتعليم منذ الاستقلال مهمة أخرى أكبر من الاستجابة للحاجيات والمتطلبات الاجتماعية والثقافية من قبيل التمدرس وتلقين المعارف وتحقيق الاستقلال الثقافي والفكري. والحصيلة أن محتوى النظام التربوي بالمغرب ظلت تطبعه العمومية وكان حينها يستجيب لمتطلبات سوق الشغل. صحيح أن هذا الأخير كان صارما في اختياراته، لكنه كان قادرا على امتصاص الخريجين.
ومنذ مطلع الثمانينات، وفي سياق برنامج التقويم الهيكلي، بدأت الدولة تتخلى تدريجيا عن التعليم لفائدة قطاع خاص في طوره الجنيني، لكنه بالغ الصرامة من حيث التكوين. ومع ازدياد الضغط الذي شكله تدفق الخريجين على سوق الشغل وارتفاع تعداد الشباب الحاصلين على الشهادات، خريجي الثانويات والمدارس الكبرى والجامعات، عمدت الدولة إلى إحداث مؤسسة قادرة على بلورة تفكير حول ثلاثية المعادلة المذكورة: تعليم تكوين تشغيل. وبالفعل، خرجت هذه المؤسسة إلى الوجود مع مطلع التسعينات بتسمية بالغة الرمزية: المجلس الوطني للشباب والمستقبل( CNJA )، عهدت رئاسته للخبير الاقتصادي، الحبيب المالكي. لقد عمل المجلس الوطني للشباب والمستقبل والذي اعتقدته حشود العاطلين وكالة مختصة في التشغيل. و لقد دأب منذ بدايته على تكثيف أنشطته من خلال البحوث والندوات والمنشورات حول إشكالية التشغيل بالمغرب.
و هكذا خصصت هذه المؤسسة إصدارا كاملا لهذه المعادلة الثلاثية (23)، تطرح فيه جملة من الأسئلة البالغة الأهمية. فقد أبانت علاقة التكوين التشغيل بأن خلق مناصب شغل يتوقف على طبيعة التكوين المناسب، وهي علاقة تتحكم إلى حد بعيد في النظام التربوي وملاءمته مع النسق الإنتاجي. فما حدود الطاقة التي يتلاءم بموجبها النظام التعليمي مع محيط اقتصادي واجتماعي يعرف تغيرات عميقة؟ وما السبيل إلى تحسينها؟ وهل تستطيع تنمية الشغل أن تواجه الضغط المتزايد للشباب العاطلين الحاصلين على الشهادات في سوق الشغل؟ وهل يستجيب تكوينهم لمتطلبات الشركات والإدارات؟
في سياق جوابه عن الأسئلة المطروحة آنفا، اقترح المجلس الوطني للشباب والمستقبل وضع " برنامج عمل لملاءمة مثلى بين التعليم والتكوين والتشغيل"، يتمثل دوره الأساسي في العمل على إيجاد الحلول المناسبة لفك طلاسم المعادلة . ويهدف هذا البرنامج إلى تحديد الخيارات الأساسية الكفيلة بخلق تلاؤم وتكامل بين التعليم والتكوين والتشغيل وفق فلسفة تقوم على أربعة محاور أساسية:
طرح رؤية شاملة لمحددات التشغيل؛
تطوير قدرة النظام التربوي على الاستجابة للمتطلبات الاقتصادية؛
الاستمرار في استثمار الموارد البشرية وتحسيس المقاولة بأهمية رأسمالها البشري؛ و
الإدماج التشاوري لجميع الشركاء.
هذا، واقترح برنامج المجلس الوطني للشباب والمستقبل القيام بالإجراءات التالية(24):
1).التعليم الأساسي والإعداد للحياة العملية عبر:
أ. الإجراء الأول: محو الأمية، أداة للتنمية؛
الإجراء الثاني: التمدرس، عامل إدماج في الحياة العملية؛
الإجراء الثالث: إتقان لغة التعلّم؛ و الإجراء الرابع: تطوير التعليم التكنولوجي.
2).التكوين التشاوري والإدماج المهني عبر:
الإجراء الخامس: تطوير نظام وطني للإعلام والتوجيه؛
الإجراء السادس: تطوير الطرق التشاورية في التكوين؛
الإجراء السابع: تطوير التكوين المستمر؛
والإجراء الثامن: دور مستقبل التعليم التقني، والحاجة إلى صياغة تفكير في الموضوع.
3).شروط تشجيع المشاركة بين النظام التعليمي وعالم الشغل من خلال:
الإجراء التاسع: مأسسة التشارك بين المقاولة (بمعناها العمومي) ومؤسسات التعليم العالي،
الإجراء العاشر: تفعيل دور الجامعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛
الإجراء الحادي عشر: تشجيع التعليم والتأهيل داخل الإدارة والمقاولة المغربية؛ و
الإجراء الثاني عشر: خلق قناة وإذاعة تربوية.
إعادة التفكير في وضع الجامعة
تجتاز الجامعة المغربية، ما من شك، في الوقت الراهن أزمة حقيقية أصبحت تسائل هويتها ورسالتها في العمق. وتعزى هذه الأزمة أساسا إلى فقدان الثقة في الجدوى الاقتصادية لهذه المؤسسة التي ما لبثت، منذ مطلع الثمانينيات، تقذف لسوق الشغل أفواجا متلاحقة من الخريجين العاطلين الذين لا يجدون شغلا اعتبارا لكون تكوينهم لا يستجيب لمعايير القطاع الخاص، المشغل الأول منذ تخلي الدولة عن قطاع التشغيل في سياق تطبيق برنامج التقويم الهيكلي.
الجامعة المغربية: هل من مستقبل؟
فمنذ مدة وواجهة البرلمان تستضيف العشرات من الدكاترة والمهندسين المعطلين وهم يخوضون إعتصاماتهم احتجاجا على وضعية العطالة التي تضر بهم منذ حصولهم على الشهادات. إن الجامعة المغربية قد أصبحت بنظر العديد من الملاحظين الأجانب شبيهة بمراكز لمجالسة الرضع والأطفالbabysitting centres لا أقل ولا أكثر في غياب الخيال الخلاق والإصلاح والملاءمة مع التغيرات التي تخترق العالم في بداية الألفية الثالثة(25). فالمراكز الجامعية لم تشهد أي تغيير بنيوي إن على مستوى الشكل ومحتوى البرامج أم طبيعة الرسالة. فالبنيات قديمة ومهترئة والدروس تبدو مملة لا طعم لها. أما البحث العلمي فيكاد يكون غائبا بالمرة. ولكن بالرغم من ذلك كله، يوحي الجو العام بأن الدراسة قائمة بحيث يوحي الطلبة بأنهم يدرسون وكذلك يفعل الأساتذة وهم يلقون الدروس.
ومنذ سنوات والجميع يطالب بالإصلاح، طلبة وأساتذة وسلطات، لكن دون فائدة. وتجدر الإشارة هنا إلى خلق لجان كبيرة عهد إليها بأمر الإصلاح ويبدو أنها تحدثت في السياسة أكثر مما ركزت على موضوع التعليم.
وحتى جامعة الأخوين التي تم تدشينها في مطلع التسعينات كمركز جامعي مخصص للنخبة وفق النظام التربوي الأميركي، هذه المؤسسة بدورها لم تسلم من أزمة الثقة التي يستشعرها إزاءها الرأي العالم. فبالرغم من أنها تمتلك مقررا جيدا وبنيات مهمة، مازالت تشكو من الخصاص على مستوى علاقة الإدارة بالأساتذة والإدارة بالطلبة.
لكي يقوم الإصلاح على أسس سليمة، قد يكون من المفيد أن يعهد بهذه المهمة الدقيقة والحساسة، إلى خبراء دوليين يساعدهم خبراء مغاربة مستقلون بغرض التفكير في بعض النقاط الأساسية مثل الرسالة والأهداف الفلسفة العامة والوضعية القانونية القوانين الداخلية (طلبة/ أساتذة/ إدارة) ميثاق حول الجامعة البرامج الملحقات البحث العلمي التسيير المالي التسيير البيداغوجي التسيير الإداري نظام التقييم والتقنين نظام المنافسة والتنوع التمويل التعاون الدولي...
إن التوصية الصادرة عن اليونيسكو (26)، في وثيقة العمل التي قدمتها خلال الندوة السابعة لوزراء التربية للدول الإفريقية الأعضاء المنعقدة في دوربان بإفريقيا الجنوبية من 20 إلى 24 أبريل 1998 لجديرة بالتذكير في هذا السياق:
" إن التعليم العالي يمثل الهدف الأسمى للنظم التربوية مثلما هي منظمة حاليا. وباعتبارها محركا للتنمية الاندماجية، ينبغي على مؤسسات التعليم العالي والأطر المتخرجة منها أن تساهم في الرفع المستمر للمستوى الثقافي والعلمي لكل أمة. فبمشاركتهم في رحلة المغامرة الإنسانية ببحوثهم ودراساتهم، يتعين على الجامعيين أن يعملوا على التنشيط العلمي والثقافي في خدمة جماعتهم، وان يكونوا بدورهم الأطر العليا التي تحتاجها بلدانهم من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية. إن هذا التصور يلتقي مع الهدف المنشود بخصوص التعليم مدى الحياة.
ومن أجل هذا المبتغى، يجب أن تتمحور الرسالة الدائمة للجامعات حول:
وضع دراسة علمية مع تحيينها للوسط والناس داخل كل بلد؛
التحكم في التطور العلمي والتكنولوجي بفضل الدراسات التي تنجز في هذا المضمار؛ و
وضع تصور للنتائج المحصل عليها عبر البحث العلمي وملاءمة الاكتشافات التكنولوجية مع إكراهات الوسط بغية جعلها في خدمة الأفراد والجماعات".
خلاصة
لقد حاولنا في هذا البحث أن نحيط، بكل موضوعية، بالإشكالات المطروحة على النظام التربوي المغربي حتى يتمكّن من تجاوز تحديات الألفية الثالثة و وضع الأسس لتنمية شاملة في جو من السكينة والهدوء.
إن الرهانات المطروحة صعبة وعصية جدا وتستدعي مواجهتها مقاربة مناسبة لصعوبات هذا القطاع المهم والاستراتيجي. لذا وبغية الوصول إلى هذا المبتغى، لا بد من الإقدام على الخطوات الأساسية التالية وفي أقرب الآجال مع إشراك السلطات الحكومية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني وهيئة المدرسين والتربويين و أولياء الأمر:
أن يتحلى الجميع بالإرادة الحسنة وروح المدنية والمواطنة؛
الاعتماد على التضامن الوطني وتحفيز هذا الحس؛
تجاوز الخلافات الإيديولوجية والصراعات الحزبية؛
القيام بنقد ذاتي لا مجال فيه للمداهنة بخصوص النظام التربوي وتحديد مسؤولية كل الأطراف حتى يسهل التغلب على الأمراض التي تنخر مجال التعليم؛
تكليف خبراء أجانب بمهمة إعادة النظر في النظام التربوي بمساعدة خبراء وطنيين مستقلين؛
الاتفاق حول مدى زمني صارم ومحدد لتطبيق الإصلاح؛
الاتفاق حول إعطاء الأولوية دائما للنظام التربوي حتى بعد إصلاحه.
* تم إعداد هذه الدراسة التحليلية الميدانية في بداية الألفية الثالثة و رغم تقادم بعض الإحصائيات فان الإشكاليات التربوية المطروحة ما زالت هي نفسها.
هوامش:
1.تفيد دراسات أنجزتها منظمة الأمم المتحدة للتعاون الاقتصادي والتنمية بأن معدل الدخل في البلدان" الأقل تقدما" (560 مليون نسمة) ضعيف للغاية بحيث لا يتجاوز 300 دولار سنويا للفرد، مقابل 906 دولار في البلدان السائرة في طريق النمو و21598 دولارا في البلدان المصنعة.
2.أنظر: UNESCO,1999, L'éducation: un trésor est caché dedans Paris: UNESCO, 1999, p. 10
3.إلى حدود سنة 1982، تاريخ الأزمة المالية التي عرفها المغرب في أعقاب انحسار الاقتصاد العالمي، كانت الدولة هي المشغل الأك&


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.