احتدم النقاش منذ شهر أكتوبر 2017 حول مسألة تقاعد البرلمانيين المغاربة، وغرضي من كتابة هذا المقال هو إيضاح وتبيين القواعد التي تنظم تقاعد وتعويضات البرلمانيين في العالم بصفة عامة، وفي الدول التي لها علاقات اقتصادية، سياسية وثقافية قوية مع المغرب بصفة خاصة. هناك دول تُخضِع تقاعدَ برلمانييها للنظام العام للضمان الاجتماعي (مثال دولة المجر)، ودول أخرى يستوعب فيها المشرّع البرلمانيين ضمن فئة محددة من المستفيدين من الضمان الاجتماعي: فئة الموظفين المدنيين ، فئة العاملين لحسابهم الخاص ، فئة العاملين بأجر. لكن في عدد من البلدان الأخرى (أستراليا ، بلجيكا ، كندا ، كرواتيا ، الدنمارك ، فرنسا ، ألمانيا ، الهند، السنغال ، إسبانيا ، السويد ...)، يستفيد البرلمانيون من نظام معاشات خاص (1). وهذا الحل الأخير هو الذي اعتمده المغرب منذ ربع قرن. وفيما يلي دراسةٌ تفصيليةٌ مقارنةٌ للقواعد والأنظمة المطبقة في فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة المتحدة، وهي الدول التي تجمعها بالمغرب علاقات وطيدة على المستويات السياسية، الاقتصادية والثقافية. أولا: فرنسا في فرنسا، يتم تمويل صندوق تقاعد البرلمانيين من خلال كل من المساهمة المفروضة على تعويضات البرلمانيين والمساهمة المسجلة في ميزانية الجمعية الوطنية (2). ويساهم النائب في الجمعية الوطنية الفرنسية ب 1 ٪ من مبلغ التعويض (البَدَل) البرلماني الأساسي ، أي أنه يساهم ب 56 أورو في الشهر. والحد الأدنى لسِنّ استحقاق معاش تقاعد النائب السابق هو 62 سنة (3). وجدير بالذكر أن متوسط مبلغ التقاعد الشهري الذي يقبضه النائب السابق في البرلمان الفرنسي ابتداء من بلوغه السن القانونية هو: 2192 أورو (4). وبالإضافة إلى صندوق تقاعد البرلمانيين، يساهم النائب الفرنسي كذلك ب 28 يورو في الشهر لفائدة "صندوق التأمين التعاضدي"، ويدفع هذا الصندوق إلى النائب الذي لم يتم إعادة انتخابه ووجد نفسه بدون شغل تعويضا شهريا تنازليا لمدة ثلاث سنوات كحد أقصى، ويُخصَم من هذا التعويض جميع الدخول الأخرى التي يمكن أن يتوفر عليها النائب السابق العاطل عن العمل. ويستفيد حاليا من هذا التعويض المؤقت أقل من عشرين نائبا سابقا (5). ويطلق على هذا التعويض المؤقت تسمية: "معونة المساعدة على العودة إلى العمل" (AARE). ولا يستفيد من هذا التعويض الموظفون العموميون الذين أعيدوا إلى الوظيفة العمومية ، وكذا النواب السابقون الذين شرعوا في قبض معاشات التقاعد لبلوغهم السن القانونية للتقاعد. ويصل مبلغ هذا التعويض/المعونة إلى 100٪ من مبلغ التعويض البرلماني الأساسي في الأشهر الستة الأولى ، وإلى 70٪ في الأشهر الستة الموالية، وإلى 50٪ في السداسي الثالث ، و 40٪ في السداسي الرابع ، و 30٪ في السداسي الخامس ، و 20٪ في الأشهر الست الأخيرة (يدفع التعويض المؤقت لمدة 3 سنوات كحد أقصى) (6). ويبلغ حاليا معدل المبلغ الشهري لهذه المعونة 57٪ من التعويض البرلماني الأساسي، أي: 3191 أورو (7). ومن الضمانات الممنوحة كذلك لهؤلاء النواب البرلمانيين الذين لم يتم إعادة انتخابهم، إعادةُ إدماج من كان منهم موظفا عموميا سابقا في وظيفته العمومية الأصلية فورا. كما يوجد ضمان لإعادة الإدماج المهني بالنسبة لمن كان منهم يشتغل في القطاع الخاص (8). الولاياتالمتحدةالأمريكية: في الولاياتالمتحدةالأمريكية ، يتمتع أعضاء كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ بالحق في الاختيار بين أربعة برامج للمعاشات التقاعدية تقدم درجات متفاوتة من الحماية (9). إيطاليا: في إيطاليا، يتلقى البرلماني السابق خلال المدة بين تاريخ فقدانه مقعده وتاريخ إيجاده شغلا تعويضا قدره 46800 أورو (10). ويسمى التعويض المذكور ب: "بَدَل نهاية الولاية" في مجلس النواب Camera dei rappresentanti و "بَدَل التضامن" في مجلس الشيوخ senato (11). ألمانيا: في أواخر القرن التاسع عشر، كان القانون الدستوري الألماني ينص على "أن ممارسة الوظائف الانتخابية في الرايخستاغ Reichstag تتم بشكل مجاني وبدون مقابل". وبالتالي، ووفقا لهذه القاعدة الدستورية ، كان للتفويض والنيابة البرلمانية في الرايخستاغ صفة "الوظيفة الفخرية أو الشرفية". لكن اعتمدت بعد ذلك تعديلات دستورية في ألمانيا، حتى صار للبرلمانيين الألمان في الوقت الحاضر الحق في الحصول على معاش تقاعدي. ومن الاختلافات البارزة بين النظامين الفرنسي والألماني في هذا الصدد، هو أنه في القانون الألماني النافذ حاليا لا يحق للنائب الحصول على معاش تقاعدي إلا إذا شغل مقعدا في البوندستاغ لمدة ثمان سنوات (أي مدة ولايتين تشريعيتين) (12) . ومما يتميز به النظام الألماني أيضا هو أن النائب البرلماني في البوندستاغ لا يدفع مساهمات في نظام التأمين على الشيخوخة، ومع ذلك يحق له الحصول على معاش تقاعد تتراوح نسبته بين 2.5 % (كحد أدنى) و 67.5 % (كحد أقصى) من تعويضه البرلماني عن كل سنة من الولاية التشريعية. ولا يمكن للنائب في البرلمان الألماني أن يحصل على الحد الأقصى لمبلغ المعاش التقاعدي إلا إذا أمضى معظم حياته العملية في البوندستاغ (سبعا وعشرين سنة) (13). وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة وفاة النائب البرلماني الذي اكتسب الحق في معاش التقاعد، يحق لذوي حقوقه الباقين على قيد الحياة الحصول على 55 ٪ من معاشه التقاعدي (14). وبالإضافة إلى إمكانية الحصول على معاش تقاعدي، يحق للنائب في البرلمان الألماني الذي لم يتم إعادة انتخابه ووجد نفسه بدون شغل قبضُ "تعويض أو معونة انتقالية ومؤقتة" خاضعة للضريبة، يعادل مبلغُها التعويضَ البرلماني لشهر واحد عن كل سنة تشريعية قضاها النائب في البوندستاغ Bundestag، بسقف يتمثل في 18 شهرًا (وبالتالي لا يمكن أن يتجاوز المبلغ الإجمالي للمعونة المؤقتة 180.000 أورو). ويُخفَّض مبلغ هذه المعونة إذا كان النائب السابق يتوفر على مداخيل أو إيرادات أخرى خلال الفترة الانتقالية (15). المملكة المتحدة (بريطانيا): ينص القانون البريطاني على منح "تعويض انتقالي" لفائدة البرلمانيين الذين لم يتم إعادة انتخابهم ووجدوا نفسهم بدون شغل، والهدف من هذه المعونة هو إعادة إدماج هؤلاء البرلمانيين السابقين في سوق الشغل. ويتراوح مبلغ هذه المعونة بين ستة إلى اثني عشر ضعف المبلغ الشهري للتعويض البرلماني. ويختلف مبلغ المعونة أو التعويض الانتقالي حسب عمر الشخص المستحق له وعدد السنوات التي قضاها في مجلس العموم (16). خاتمة: من خلال الدراسة التفصيلية المقارنة مع التشريعات الفرنسية، الألمانية، الأمريكية، البريطانية والإيطالية، توصلت إلى الاستنتاجات والاقتراحات التالية: أولا: تنص هذه التشريعات على دفع معاشات تقاعد لفائدة البرلمانيين السابقين، لكن بشرط أن يكون المعني بالأمر قد استوفى مدة اشتراك محددة، وبلغ سن استحقاق معاش التقاعد وهو 62 سنة (السن القانوني لاستحقاق البرلماني معاش التقاعد في فرنسا). ولذلك فإني أقترح على المشرع المغربي الاقتداء بهذه التشريعات المقارنة وأن ينص على عدم إمكانية حصول النائب أو المستشار السابق في البرلمان على معاشه التقاعدي إلا عند بلوغه الحد الأدنى للسن القانونية لاستحقاق هذا المعاش (فلتكن هذه السن القانونية هي 62 سنة مثلا). ثانيا: تمنح التشريعات الفرنسية، الألمانية، الإيطالية والبريطانية "تعويضا أو معونة انتقالية ومؤقتة للمساعدة على العودة إلى الشغل" يُدفع لفائدة النواب البرلمانيين الذين لم يتم إعادة انتخابهم ووجدوا أنفسهم بدون شغل لمدة مؤقتة تتراوح بين سنة ونصف (المثال الألماني) وثلاث سنوات (المثال الفرنسي)، ويتم تمويل صندوق المعونة المؤقتة بواسطة اشتراكات من النواب الممارسين، ويبلغ مبلغ الاشتراك الشهري في هذا الصندوق 28 أورو (المثال الفرنسي). كما أن هذه التشريعات تنص على إعادة إدماج فوري للنائب الذي كان موظفا عموميا في وظيفته العمومية الأصلية، ودعم إعادة الإدماج المهني لمن كان منهم يشتغل في القطاع الخاص. ولذلك فإني أقترح على المشرع المغربي ما يلي: النص على دفع "تعويض مؤقت للمساعدة على العودة إلى الشغل" لفائدة النواب والمستشارين البرلمانيين الذين لم يتم إعادة انتخابهم ووجدوا أنفسهم بدون شغل، يشرف على تدبيره صندوق خاص ويتم تمويله بواسطة اشتراكات شهرية يدفعها النواب والبرلمانيون الممارسون، وأقترح أن يكون مبلغ هذا الاشتراك الشهري: 200 درهم يدفعه شهريا كل نائب أو مستشار ممارس. كما أقترح على المشرع المغربي النص على إعادة الإدماج الفوري للنواب والمستشارين السابقين الذين كانوا موظفين عموميين في وظيفتهم العمومية الأصلية، ودعم إعادة الإدماج المهني لمن كان منهم يشتغل سابقا في القطاع الخاص. وفكرة "التعويض أو المعونة المؤقتة" ليست جديدة على التشريع المغربي، فقد سبق النص في مدونة الشغل المغربية وفي نصوص قانونية وتنظيمية ومراسيم أخرى على دفع "تعويض عن فقدان الشغل" لفائدة الأجراء في القطاع الخاص، واشترطت هذه النصوص القانونية والتنظيمية ثلاثة شروط يجب توفرها من أجل اكتساب الحق في قبض هذا التعويض: الشرط الأول: كون المعني بالأمر قد استوفى مدة معينة من الاشتراكات قبل تاريخ إنهاء العقد، الشرط الثاني: كون إنهاء العقد قد تم بصفة لا إرادية، الشرط الثالث: يتم صرف مبلغ "التعويض عن فقدان الشغل" لفائدة المستفيد لمدة 6 أشهر كحد أقصى مع إدلائه باستمرار بما يثبت قيامه بالبحث عن شغل جديد خلال المدة المذكورة. *طالب بالسنة السادسة من سلك الدكتوراة، تخصص: القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، أكدال، الرباط. [email protected]