على بعد حوالي 12 كيلومترا عن مركز جماعة سكورة، في إقليمورزازات، يقع دوار تجنات الذي يحتضن قصبة "ايت عبو" العريقة، التي يعود تاريخ بنائها إلى سنة 1837، بحسب المعطيات التي أدلى بها مصطفى مفهوم، أحد ورثة هذه القصبة. ومن أجل الوصول إلى هذه القصبة، يتوجب قطع مسافة طويلة عبر طريق غير معبدة وأحيانا غير صالحة للاستعمال وسط أزقة ضيقة، مما يجعل الوصول إلى هذه القصبة التاريخية والعريقة أمرا صعبا، خصوصا مع غياب أي علامة تشوير قد تسهل المأمورية. وتعتبر قصبة ايت عبو، التابعة للنفوذ الترابي لجماعة سكورة، من بين أهم القصبات والقصور الزاخرة بعبق التاريخ وبالأصالة المغربية، نظرا لما تحمله من إرث معماري بارز على مستوى هندستها وطريقة بنائها الأصيلة المعتمدة على المواد الأولية المحلية المتأقلمة مع الطبيعة وظروف الطقس في المنطقة؛ الأمر الذي ساعدها على مقاومة عقود من الزمن في مواجهة شبح الزوال والانهيار. وبحسب المعطيات التي وفرها مصطفى مفهوم، أحد الورثة في هذه القصبة، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، فإن القصبة كانت تأوي عائلة "ايت عبو مفهوم" منذ سنة 1837، التي اتخذتها مسكنا لها ومكانا لضيافة زوار المنطقة وعابري السبيل، مشيرا إلى أن الشركة المغربية لتثمين القصبات تعمل حاليا على إعادة ترميم القصبة، ملتمسا من الوزارتين الوصيتين على القطاعين السياحي والثقافي ومن السلطات الإقليمية التدخل للإسراع بفتحها أمام السياح الراغبين في اكتشاف أسرارها. قبل 181 سنة قصبة ايت عبو، التي مازالت شاهدة على أحداث عرفتها منطقة سكورة قبل قرنين من الزمن، تعاني التهميش والنسيان، وجدرانها تقاوم التغيرات المناخية للحفاظ على أصالتها وهندستها المعمارية، في انتظار جهات رسمية لإنقاذها من شبح الانهيار والزوال، وفتحها أمام الساكنة المحلية والسياح لاكتشاف خبايا وأسرار مازالت القصبة تحتفظ بعناوينها العريضة. ينتابك شعور لا يوصف وأنت تهم بولوج بوابة القصبة، حيث يرحل بك المكان إلى زمن غابر وتثيرك رائحة التاريخ، تشعر بأن القصبة تحتضنك عندما تضع قدميك داخلها أو وأنت تمشي بجوارها، تجذبك بحب لا منتاه وتعود بك إلى زمن لم تعشه من قبل. السكون يعم القصبة ومحيطها، ولا تسمع إلا زقزقة العصافير وخرير المياه، قبل أن يفاجئك مصطفى مفهوم، من ورثة القصبة وحارسها الحالي، بإلقاء التحية عليك بوجه بشوش ومبتسم. "قصبة ايت عبو هي قصبة تاريخية وثقافية بامتياز تتحمل كل من وزارة الثقافة والجماعة المحلية مسؤولية إهمالها وعدم الإسراع في ترميمها"، يقول حميد شاكيري، مهتم بالقصور والقصبات بالجنوب الشرقي، مشيرا إلى أن الجماعة عليها إعداد برنامج خاص بهذه القصبة وإصلاح الطريق المؤدية إليها لتساهم في التنمية المحلية، موضحا أن "مسؤولي بعض الجماعات الترابية الأخرى يدعون زوارهم إلى زيارة أماكن عريقة لديهم، وهم يفتخرون عندما يحدثونك عنها، ويدافعون عنها ويتألمون لألمها، لأنها تاريخهم العريق وماضيهم ومستقبلهم". ولفت المتحدث، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن هذه القصبة يمكن تصنيفها ضمن التراث الوطني، والدفاع عنها لتصنيفها ضمن التراث العالمي، نظرا لما تخفيه من أسرار تعود إلى سنوات وقرون من الزمن الغابرة. وقال شاكيري إن "الواقف على حال القصبة اليوم سيدرك جيدا أن المسؤولين محليا وإقليميا ومركزيا قد أهملوها أيما إهمال، رغم أنها يمكن أن تلعب دورا مهما في جذب السياحة التاريخية والثقافية"، مضيفا أن "إهمالها ساهم في ما تعيشه اليوم، حيث تصارع قهر الزمان ولا مبالاة المسؤولين ووعودهم باسترجاع بريقها في كل مرة". مرآة المنطقة العائلة المالكة للقصبة أقدمت على كرائها لفائدة الشركة المغربية لتثمين القصبات لمدة أربعين عاما، من أجل العمل على ترميمها وإعادة تأهيلها لتكون قبلة هامة للسياح المغاربة والأجانب، وفق ما أفادنا به مصطفى مفهوم، واحد من ورثة القصبة، الذي قال إن "كراء القصبة هو الحل المناسب للحفاظ عليها وإعادة فتحها أمام السياح الأجانب والمغاربة، خصوصا الطلاب الباحثين". سعيدة ايت ميمون، طالبة باحثة في التراث الشعبي للجنوب الشرقي للمغرب رافقت هسبريس خلال زيارتها إلى هذه القصبة، دعت إلى عدم ترك هذه المعلمة تضيع، واعتبرت أن الجهات المسؤولة تتحمل المسؤولية في ما آلت إليه القصبة من خراب ونسيان، وأوضحت أن المنطقة فيها قصبتين تحملان الاسم نفسه "قصبة ايت عبو"، لكن التي زرناها هي المهمشة والمنسية أكثر من الأخرى. "القصبة على وشك أن تصبح أطلالا تخيف الزوار بفعل السنوات التي مرت عليها بدون ترميم، وأبوابها ونوافذها مكسرة؛ ما يتطلب من الشركة المغربية لتثمين القصبات الإسراع في تأهيلها وترميمها بغية إعادة فتحها أمام السياح"، تقول مرافقتنا. ورغم محاولتنا التواصل مع الجهات الرسمية المعنية بموضوع القصبات، من الجماعة المحلية والشركة المغربية لتثمين القصبات ووزارة الثقافة، إلا أننا لم نتمكن من نيل تعليق ولا واحدة منها. فقد حاولنا مرات عدة الاتصال بالشركة المغربية لتثمين القصبات إلا أن هاتفها ظل يرن دون مجيب، في حين نفت وزارة الثقافة عبر مندوبيتها الإقليميةبورزازات توفرها على أي معلومات في هذا الشأن، في المقابل زرنا رئيس جماعة سكورة الذي تعمد التماطل في إبداء رأيه في الموضوع؛ إذ جعلنا ننتظر لمدة طويلة تحت أشعة الشمس قبل أن يستقبلنا ويطلب منها انتظار شخص يقودنا إلى مكان تواجد القصبة، على أن يجمع هو المعطيات ويمدنا برأيه، وهو ما لم يوف به. وحاولنا الاتصال به مرة أخرى، فإذا به يخبرنا بأن القصبة التي زرناها ليست تلك التي يرغب هو في إعداد ربورتاج حولها. من جهته، قال محمد المتوكل، فاعل جمعوي بسكورة، إن الجماعة الترابية لسكورة أهملت دوار تجانات الذي تتواجد به قصبة ايت عبو، موضحا أن الطريق المؤدية إلى القصبة من مركز سكورة غير معبدة وغير صالحة للاستعمال، معتبرا أن الحديث عن تأهيل القصبة غير وارد في الوقت الحالي مادامت المسالك الطرقية غير مؤهلة، داعيا السلطات الإقليمية إلى زيارة المكان للتأكد من حالة التنمية بالمنطقة. شبح الانهيار "في حالة عدم تدخل الشركة التي اكترت القصبة من العائلة المالكة، فإن مصير القصبة سيكون الانهيار، وستتحمل الشركة مسؤوليتها الكاملة كما ستتحملها باقي القطاعات المتدخلة"، يقول مسؤول بالمديرية الإقليمية لوزارة الثقافة بورزازات فضل عدم الكشف عن هويته للعموم، مضيفا أنه "لا يعقل استئجار عقار دون القيام بما التزمت به الشركة المستأجرة في دفتر التحملات"، محملا المسؤولية ل"الإدارات المعنية التي تتواطأ في ما بينها للتماطل في تأهيل القصبة"، على حد تعبيره. ولفت المسؤول ذاته، في تصريح مقتضب لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى وجود "جهات تحاول دائما وضع عراقيل أمام المشاريع التنموية ذات البعد الاجتماعي والثقافي"، وطالب "الجهات المختصة" ب "فتح تحقيق للوصول إلى هذه الجهات وتطبيق المساطر والإجراءات القانونية لتفادي الركود والبلوكاج في مجالات تنموية مختلفة"، وفق تعبيره.