لم تتضمّن المسودة الأولى من تقرير البرتغالي أنطونيو غوتيريس، الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة، بخصوص قضية الصحراء المغربية، الذي جرى الكشف عن بعض تفاصيله الأولية، أي مفاجآت بالنسبة إلى الجانب المغربي، حيث جاءت متناغمة مع الأطروحات التي كانت تدافع عنها المملكة، طوال جلسات المفاوضات التي كان يباشرها المبعوث الأممي للصحراء مع أطراف النزاع. النسخة الأولية من تقرير الأممالمتحدة، الذي تُعالج النزاع الممتدة لما يقارب الأربعين سنة، كانت جبهة "البوليساريو" حاولت التسويق عبر أبواقها الدعائية على أن مضامينه جاءت لتدعم طموحاتها وخطواتها في النزاع؛ بينما الحاصل هو أن غوتيريس التزم في حدود الصراع بكل المقررات الدولية التي ما فتئ يُقِّدمها المغرب. وأكد تقرير غوتيريس أن منظمة الأممالمتحدة هي الجهة الوحيدة المخول لها الإشراف على تدبير نزاع الصحراء، وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه الوفد المغربي خلال اللقاء الذي جمعه مع المبعوث الأممي هورست كوهلر. ووجَّه الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره دعوةً صريحةً إلى الجزائر من أجل "تحمُّل مَسؤُوليتها عبر المُساهمة في المُسلسل السياسي، الذي ترعاه الأممالمتحدة، الانخراط فيه بهدف الوصول إلى الحل المنشود"؛ وهي دعوة اعتبر عبد الرحمان المكاوي، الخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، بأنها "تأتي في ظل الدور المحوري الكبير الذي يلعبه النظام الجزائري في تحريك "ميليشيات الجبهة الانفصالية". وقال المكاوي، في تصريح لجريدة هسبريس، إن "غوتيريس يعلم جيدا الخلفيات التاريخية والسياسية والإيديولوجية لنزاع الصحراء ودور جنرالات الجارة الجزائرية في الملف الأممي". وتابع الخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية بأنه "عندما تحمّل غوتيريس المسؤوليات، سواء في البرتغال أو داخل منظمات دولية، كان دائما يُنادي الجزائر بضرورة تحمُّل مسؤوليتها بشكل واضح؛ لأنه تارة تظهر أنها دولة معنية بالنزاع الأممي، وتارة تقول إنها دولة مهتمة وبين المصطلحين هناك فارق كبير"، يقول المكاوي. واستطرد المتحدث في تحليله بالقول إنَّ "النظام الجزائري لا يريد أن يتحمل مسؤوليته في تطبيق القانون الدولي الإنساني، سواء في إحصاء عدد المحتجزين في مخيمات تندوف أو في مساعدة الأممالمتحدة بتطبيق قرار وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991". وتابع قوله إن "المبعوث إلى الصحراء سيقدم تقريره أمام مجلس الأمن، لتوضيح طبيعة الصراع الذي تلعب فيه الجزائر دورا محوريا وعليها أن تتحمل مسؤوليتها". وبعدما توقَّف عِند تخصيص التقرير حيزًا مهمًّا للتحذيرات التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة إلى جبهة "البوليساريو" بخصوص خرقها لوقف إطلاق النار وخلق حالة من التوتر في الكركارات، شدّد المكاوي على أن "هذه الرسائل سبقتها عدة رسائل شديدة اللهجة تجاه "البوليساريو"، التي لم تحترم بنود اتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991". وقال الخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية إن "الأمر يتعلق بمناطق منزوعة السلاح عازلة بين المتحاربين، والاستفزازات الأخيرة دليل على أن "البوليساريو" لا تحترم القانون الدولي الإنساني وتتحرك بأوامر جنرالات النظام الجزائري الذي يعرف منعرجا خطيرا فيما يخص خلافة الرئيس الذي فشل في إنتاج خليفة له ويحاول أن يوظف هذا الصراع الداخلي من خلال بعض التحركات الاستفزازية". وبخصوص عدم تطرّق المبعوث الأممي في تقريره السنوي إلى قرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص استثناء الصحراء من اتفاقية الصيد البحري؛ وذلك خلافاً لما تروجه أطراف محسوبة على "البوليساريو" والجزائر، قال المكاوي إن "غوتيريس أعطى صفعة للمحكمة الأوروبية، لأنه حصر في تقريره النزاع في هيئة الأممالمتحدة لوحدها، وسدّ الطريق على بعض المنظمات الدولية التي كانت تحاول الوقوف بينه وبين أطراف النزاع"، مشيرا إلى أن "عدم الإشارة إلى منطوق محكمة أوروبا هي رسالة إلى أن هذا القرار لا يعني الأممالمتحدة في شيء، التي تبقى الجهة الوحيدة المخول لها الإشراف على تدبير نزاع الصحراء". وعاد الخبير في الشؤون الإستراتيجية ليتطرق إلى اقتراح المبعوث الأممي في الصحراء لميزانية خاصة ببعثة المينورسو، حيث قال إن "ذلك جاء على ضوء تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب الاعتمادات الأمريكية من القوات الأممية، إذ إن قرار سحب الدعم سيقلص من مهام قوات "المينورسو" في الأقاليم الجنوبية؛ وهو ما يشكل خطرا على المنطقة، وقد يشعل انزلاقا بين المغرب و"البوليساريو"، وبالتالي فهو طالب مجلس الأمن بأن يبقي على الميزانية نفسها لأن أي مساس سوف يكون على حساب استقرار المنطقة". *صحفي متدرب