في شتنبر من عام 2016، دخل قانون جديد متعلق بمكافحة الاتجار بالبشر حيز التنفيذ بالمغرب، بناءً على انضمام المملكة إلى البرتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية لمنع الجريمة عبر الوطنية المتعلق بالاتجار بالبشر، خاصة النساء والأطفال، وفي وقت كانت هذه الجريمة قد استأثرت بالاهتمام الأممي. وجاء اعتماد هذا القانون، رقم 27.14، على اعتبار أن المغرب لم يعد في مأمن من هذه الجريمة وتداعياتها المختلفة، سواء تعلق الأمر بالاستغلال في العمل أو الاستغلال الجنسي؛ وهي المعطيات التي سبق أن أكدتها دراسات من بينها تلك التي أعدتها وزارة العدل بتعاون مع منظمة الأممالمتحدة للمرأة. ويزداد الوضع سوءاً مع تكاثر أفواج المهاجرين الراغبين في العبور إلى أوروبا، وتفشي وكالات الوساطة في الخدمة في المنازل التي تستورد الخدم، ليس فقط من الدول الإفريقية، بل كذلك من الدول الأسيوية، كما هو الأمر أيضاً بالنسبة لوضعية المغربيات المتجهات إلى دول الخليج، واللواتي يسقطن ضحايا شبكات الاتجار بالبشر. وقد كان وزير العدل والحريات السابق، مصطفى الرميد، قد راسل الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف بخصوص هذا القانون، وأشار إلى أنه يتوجب اتخاذ اليقظة من أجل ضمان تطبيق مقتضيات القانون الجديد بشأن الوقائع التي تستلزم ذلك، لاسيما تلك التي تشكل في ظاهرها جنحاً، كالتسول أو الاستغلال في البغاء، وهي تستبطن في الواقع أفعالاً ذات ارتباط بالاتجار بالبشر. فصول وعقوبات ثقيلة يضم القانون سبعة فصول، وهي مكملة لمجموعة القانون الجنائي، إذ يعرف بالتفصيل ماذا يقصد بالاتجار بالبشر، ويشمل: تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيوائه أو استقباله، أو الوساطة في ذلك بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع. كما تدخل ضمن مفهوم الاتجار بالبشر أيضاً إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال؛ ويشمل هذا الأخير جميع أشكال الاستغلال الجنسي، لاسيما دعارة الغير والاستغلال عن طريق المواد الإباحية، بما فيها وسائل الاتصال والتواصل المعلوماتي؛ ويشمل أيضاً الاستغلال عن طريق العمل القسري أو السخرة أو التسول أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو نزع الأعضاء أو نزع الأنسجة البشرية أو بيعها، أو الاستغلال عن طريق إجراء التجارب والأبحاث الطبية على الأحياء، أو استغلال شخص للقيام بأعمال إجرامية أو في النزاعات المسلحة. وينص القانون على أنه لا يتحقق هذا الاستغلال إلا إذا ترتب عنه سلب إرادة الشخص وحرمانه من حرية تغيير وضعه وإهدار كرامته الإنسانية، بأي وسيلة كانت، ولو تلقى مقابلا أو أجرا عن ذلك. ويقصد بالسخرة جميع الأعمال أو الخدمات التي تفرض قسراً على أي شخص تحت التهديد، والتي لا يكون هذا الشخص قد تطوع لأدائها بمحض اختياره. وحسب الفصل 2-448 من القانون، يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة من 10.000 إلى 500.000 درهم، كل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر. وترفع عقوبة الاتجار بالبشر إلى السجن من عشر إلى عشرين سنة وغرامة من 100.000 إلى 1.000.000 درهم في حالة ارتكاب الجريمة بواسطة التهديد بالقتل أو بالإيذاء أو التعذيب أو الاحتجاز أو التشهير. كما يمكن أن ترفع العقوبة إذا كان مرتكب الجريمة حاملاً لسلاح ظاهر أو مخبأ، أو موظفاً عمومياً استغل وظيفته لارتكاب الجريمة أو تسهيل ارتكابها، أو إذا أصيبت الضحية بواسطة استغلالها في جريمة الاتجار بالبشر بعاهة دائمة أو بمرض عضوي أو نفسي أو عقلي عضال، أو من قبل شخصين أو أكثر بصفتهم فاعلين أصليين أو مساهمين أو مشاركين، وإذا كان مرتكب الفعل معتاداً على ارتكابه، وفي حالة ارتكابها ضد عدة أشخاص مجتمعين. وترتفع العقوبة حسب الفصل 4-448 ما بين عشرين إلى ثلاثين سنة وغرامة من 200.000 إلى 2.000.000 درهم في حالة ارتكاب الجريمة ضد قاصر دون الثامنة عشرة، وضد شخص يعاني من وضعية صعبة بسبب كبر سنه أو بسبب المرض أو الإعاقة أو نقص بدني أو نفسي أو ضد امرأة حامل سواء، كان حملها بينا أو كان معروفا لدى الفاعل؛ وإذا كان مرتكب الجريمة زوجاً للضحية أو أحد أصولها أو فروعها أو وصياً عليها أو كافلاً لها أو مكلفا برعايتها أو كانت له سلطة عليها. كما ينص القانون أيضاً من خلال الفصل 5-448 على المعاقبة بالسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة وغرامة من 1.000.000 إلى 6.000.000 درهم عن جريمة الاتجار بالبشر، إذا ارتكبت الجريمة بواسطة عصابة إجرامية أو في إطار عابر للحدود الوطنية، أو إذا نتجت عن الجريمة وفاة الضحية؛ وترفع إلى السجن المؤبد إذا ارتكبت الجريمة بواسطة التعذيب أو أعمال وحشية. انتقادات حقوقية قبل وإبان اعتماد هذا القانون، لم يكن النقاش حوله محتدماً، وكان الكثير قد ربط بينه وبين المجموعات المسلحة عبر الوطنية، خصوصاً تلك التي تنشط في شبكات التهجير وفي المناطق التي تعرف نزاعات، لكن تطبيق القانون في أول محك بين أن العديد من الوقائع التي قد تبدو جنحاً بسيطة يمكن أن تدخل ضمن قانون مكافحة الاتجار بالبشر. ورغم ذلك فالجمعيات الحقوقية، ومن بينها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، اعتبرت أن هذا القانون لم يكن شاملاً لكل المقتضيات الدولية ذات الصلة بهذا الموضوع، والكفيلة بمحاربة جريمة الاتجار بالبشر، إذ تعتبره وداد بواب، الناشطة في الجمعية نفسها، عبارة عن تعديلات فقط همت القانون الجنائي. وأشارت بواب، في تصريح لهسبريس، إلى أن القانون الحالي لا يتوفر على ديباجة، معتبرةً أنه تعديلات فقط لفصول القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، وهو الأمر الذي يمكن أن يحدث، حسبها، ارتباكاً في الممارسة القضائية ذات الصلة. وقالت بواب: "طالبنا بقانون خاص بالاتجار بالبشر ليعالج الظاهرة بأبعادها كاملة. ونحن نعتبر أن القانون الحالي زجري فقط، ولا يتوفر على الجانبين الحمائي والوقائي، كما هو الأمر في تونس التي اعتمدت قانوناً متقدماً مقارنة مع قانون المغرب". وأشارت الناشطة الحقوقية إلى أن الدولة لم تلتزم بحماية وتعويض الضحايا، وقالت إنها "تعتبر نفسها غير مسؤولة عن الجريمة، وبالتالي لا يمكن أن تعوض، في حين أن البروتوكول الخاص بمكافحة الاتجار بالبشر يشير إلى أمر الحماية". ولفتت المسؤولة في الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب في مراكش إلى أن تعريف القانون للاتجار بالبشر أغفل الجريمة عبر الوطنية، كما أن العقوبات لا تشمل المتورطين في التنظيم الإجرامي، مشيرةً إلى أن هناك نقصاً كبيراً في مضامينه. وحسب ما أفادت به بواب فإن آخر دراسة أجريت بخصوص هذه الظاهرة كشفت حقائق صادمة تبين أن المغرب لم يعد بلد تصدير فقط، بل بلد عبور واستقبال، إضافة إلى وجود ظاهرة الاتجار بالبشر محلياً من خلال بعض تجلياتها، ومنها شبكات التسول. مضامين فضفاضة محمد ألمو، المحامي بهيئة الرباط، يلخص جريمة الاتجار بالبشر في "عملية التحكم في شخص أو أشخاص باستعمال وسائل مختلفة يكون معها الضحية في وضعية يفقد معها السيطرة الكاملة على نفسه، ما يجعله خاضعاً للفاعل". لكن المحامي يشير في تصريح لهسبريس إلى أنه يصعب إثبات الجرائم وفق هذا القانون، وأضاف: "أي شخص يمكن أن يتقدم بشكاية وفقاً للتعريفات الفضفاضة التي تضمنها القانون، ومنها مثلاً استغلال حالات الضعف والنفوذ". وأوضح المحامي ذاته أن الصيغة التي وُضع بها القانون تثير نقاشاً حول الأشخاص المقصودين بعملية الاتجار بالبشر، وزاد: "يصعب أن نعرف ما إذا كان الشخص ضحية أم فاعلا في الجريمة. لنفترض مثلاً أن شخصاً التحق بجماعة مسلحة إرهابية عن اختياره، لكن يمكن أن يعتبر نفسه ضحية للإغواء واستغلال الحاجة والفقر؛ أي إنه ضحية وليس فاعلاً وفق هذا القانون". ويشدد المتحدث ذاته على أن قراءة هذا القانون يجب أن تكون على ضوء قانون الإرهاب والمقتضيات القانونية التي تجرم الدعارة والفساد والبغاء، لأن هناك تقاطعات يمكن أن تعفي أشخاصاً قد يكونون متورطين في شبكات الفساد أو التنظيمات الإرهابية؛ لأن استغلال الحاجة صعب الإثبات، ولا يمكن أن يعفي من المسؤولية الجنائية". خلاصة قول المحامي تشير إلى أنه "يصعب التمييز بين الضحية والفاعل المساهم والمشارك في جريمة الاتجار بالبشر وفق القانون الجديد؛ وهو ما يفتح المجال أمام التأويلات في ظل وجود ترابط مع قانون الإرهاب والمقتضيات المجرمة لأفعال الفساد والدعارة".