توصلت هسبريس ب"رسالة تضامنية" من أستاذ جامعي صديق للصحافي توفيق بوعشرين، ناشر جريدة "أخبار اليوم المغربية"، المعتقل بتهم تتعلق بجرائم جنسية. الأستاذ الجامعي، الذي لم يرغب في الكشف عن هويته، قال في اتصال هاتفي بهسبريس إن "رغبته في نشر الرسالة وتعميمها على وسائل إعلام محلية تأتي من يقينه بأن مقربين من الصحافي المعتقل تسببوا في محنته، وهم من يوزعون الآن عبارات التعاطف والتضامن، وبعدها "سينفض السامر"... وكتب المصدر ذاته في رسالته أن "التضامن حملة معلومة في الزمان، محصورة في المكان، وبعدها ينشغل الجميع بآهاته وأحلامه، ويتراجع البرغماتي أولا ثم الرفيق ثانيا، والصديق ثالثا...ولا يبقى بعد وجه ربك سوى الأهل والزوجة والأنجال". وفي ما يلي نص الرسالة كما توصلت بها هسبريس: رسالة من صديق ... أخلف موعده مع النصيحة آثرت أن أكاتبك اليوم، في عزِّ محنتك سي توفيق، وأنا مُدرك أن وقت النصيحة قد ولّى. لكن عزائي الوحيد..أن خلوتك في أول أيام سجن عين برجة ستجعلك تدرك صدى كلماتي. وسلواني الأوحد...هو مؤانستك في وحدتك، بعدما تراجع الأصدقاء وتوارى الأخلاء، الذين تعرف حقيقتهم واحدا واحدا، وتدرك حقيقة سرائرهم، لكنك أمعنت الهروب إلى الأمام. وشفاعتي عندك، وواجبي تجاهك، أني صديق مخلص في حكم الأخ الشقيق، توارى بالأمس بعدما حافَ بك الحواريون وطاف حولك سدنة الدين والسياسة. أما وإن هذا العهد قد ولّى وتراجع، وأنت فيه جالس وحيدا تناجي نفسك في مكان قصي عنّا وعلينا، لا بد لي من كلمة أقولها لك، وفي حقك، ثم أمضي كما مضيت في السابق. لقد عرفتك سي توفيق بوعشرين من زمن الدراسة والتحصيل، ورافقتك في أيام الصبا والصبابة، ولازمتك في مدينة الزيتون، وما تبقى من أطلال حاضرة المولى إسماعيل.. كنت فيها نعم الصديق والرفيق. وعرفتك من خلال كتاباتك وافتتاحياتك...كنت قلم حبر وسط مقلمة من الطباشير، وكنت صاحب رأي وبصيرة، وكاتب رأي وأعمدة، يشهد له البعيد قبل القريب.. لكن الفنجان الذي طالما طالعته في كتاباتك، وكان مَعينكُ في التنجيم، لم يسعفك في إدراك مقاصد وحقيقة أصحاب الاسترزاق الجدد...فتغير بعدها كل شيء. كنت ذا شأن عندما كنت تكتب وحيدا بدون أجندات... تُحلّل بمعزل عن الخلفيات، وتناقش بتجرد عن الإيديولوجيات..إلى أن طاف حولك الطائفون، وصار قلمك عبدا ولسانك أسيرا.. لأجندات سياسية ودينية مكشوفة. عندما كنت أرى روح بنعيسى أيت الجيد تطوف بالقرب منك، وتتلّمس تلابيب ثيابك، كنت أقول في نفسي إنها لعنة القبور تطوف بالقرب من صديقي وأخي توفيق بوعشرين. وعندما كنت أقرأ عمودك اليومي، الذي بات علامة مميزة خاصة بتجار الدين، ومكبر صوت ورجع صدى لأجنداتهم وصراعاتهم السياسية، أيقنت وقتها بأن صحيفتك أضحت منديلا ورقيا (كلينكس)، وأعتذر عن الكلمة، سوف ينتهي به المطاف في سلة المهملات... وكذلك كان أو أنه وشيك الوقوع. كان حريّا بي، بما اقتسمنا من ذكريات، وما جمعتنا من آمال وتطلعات، أن أقول لك كفى...وإن اقتضى الأمر أن أردد هذه الكلمة مرات ومرات علّها تنفذ مباشرة إلى قلبك وعقلك. لكن، وا أسفاه...ها أنا أشكو بثي وحزني إلى الله، بعدما أخلفت موعدي مع النصيحة. لقد أحاطك الإخوة، والرعيل الثاني مما تبقى من الطلائع الإسلامية، بجدار أسمنتي وخرساني مُوغل في التمجيد والإطراء.. كانوا يقولون في مجالسك إنك معادلة صعبة في الصحافة الوطنية والدولية..وإنك قلم تهابه عيون السلطة وآذانها.. وقالوا عنك إنك غسان بن ثابت الجديد الذي جاء ليمدح شيخهم وكبيرهم الذي علمهم السحر. شنّفوا مسامعك بعبارات الثناء، وخاطبوا فيك عقدة الأنا، وكان لهم ما كان..دافعت عن مشروعهم وأمعنت الدفاع، مدحت ظلهم العالي وبالغت في المديح...وها أنت وحيدا في مكان بارد من ليالي شباط (فبراير) الباردة. بعد اعتقالك، سمعتهم يوزعون عبارات التعاطف يمينا وشمالا...لكن ما حزّ في نفسي هي ابتسامة غادرة كان يوزعها أقرب مقربيك بالأمس في بهو محكمة الاستئناف بالدار البيضاء. لم أفهم مغزى تلك الابتسامة العابرة والغادرة...لكن أيقنت بأن عنوانها هو "أننا هنا لنكمل المسرحية.. تضامن مبدئي وبعدها ينصرف كل إلى حاله"، وتبقى أنت وحيدا في ركنك الركين. إنك تعلم أخي توفيق حد اليقين أن التضامن إنما هو حملة معلومة في الزمان، محصورة في المكان، وبعدها ينشغل الجميع بآهاته وأحلامه، ويتراجع البرغماتي أولا ثم الرفيق ثانيا، والصديق ثالثا...ولا يبقى بعد وجه ربك سوى الأهل والزوجة والأنجال. وها أنت ترى، في أول منعرج على الطريق، كيف وزع خليلك ابتسامته الغادرة على الإعلام، بلباس متراص، ونظرات طبية، وربطة عنق، بينما تجلس أنت في زنزانتك وحيدا، ضائعا بين توجساتك على أسرتك الصغيرة، وأحلامك المحبطة، وما يمليه عليك ضميرك من حسرات وانكسارات وخيبة أمل. إنهم يقولون في أعماقهم، وفي ثنايا قلوبهم أو ما تبقى من قلوبهم: لقد سقط القناع عن القناع، وأَفل نجم توفيق بوعشرين، فهل من بديل؟. ومنهم من يقول في العلن "إننا نتضامن"، لكنه يضمر في السر عبارة " يديرها بوعشرين ويفوتها لهيه". أما أنا فلسان حالي يقول إن الخاسر الأكبر هو "رهطك وآل بيتك".. لقد افتقدوك كشخص، وأخشى أن يفقدوا حبهم لك...فالفاجعة كانت كبيرة، والخيانة تفتت الحجر ولا يعصى عليها قلب إنسانة مُحبة، وجدت نفسها في محيط هادر من الخيانات. وأنت في مكانك القصي، أقول لهم، أولئك المطبلون بالأمس، كفى من الإفك، إنه ما جاء به عصبة منكم فهو شر لكم، ومن أتى كبره فله عذاب عظيم. وأقول لك أخي توفيق..إنما الحياة محطات وعبر وبلاء وابتلاء...وها هي الحياة تمتحنك في حريتك وتختبرك في ضميرك...فأحسن الاختيار ولا يضلوك السبيل، كما أضلوك عندما كنت تمسك صولجان الصحافة. وعزائي أنا...أنني حاولت محتشما ذات يوم... لكنني سأحفظ لك الود والمُنى بعدما يغيب الجميع عن ساحة النضال والتضامن، ولا يبقى سوى ظلهم وسرابهم، بينما أنت مجرد رقم في صحيفة سوابق.