حموشي: استضافة الدورة ال93 للأنتربول تعكس التزام المغرب بالتعاون الأمني الدولي    بنسعيد: القول بوجود تضييق على العاملين داخل المجلس الوطني للصحافة لا يستند إلى أي أساس    منشور لأخنوش يقر منحة للتشغيل تبلغ 17% من الدخل السنوي في قطاع ترحيل الخدمات    معركة الاستراتيجيات والطموحات – هل يستطيع برشلونة اختراق دفاع تشيلسي؟    حكيمي يطمئن المغاربة: عدت أقوى... والكان هدف أمامي    العلم تطلق زاوية "يوميات الكان" لمواكبة كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025        الرّمادُ والفَارسُ    محمد صلى الله عليه وسلم في زمن الإنترنت    الحافظ يترأس اشغال الدورة العادية للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بسيدي قاسم    ليلى بنعلي: المغرب يكرس موقعه كقطب إفريقي لقيادة التحول الاستراتيجي في المعادن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ميناء الحسيمة : انخفاض نسبة كمية مفرغات الصيد البحري    اتحاد حماية المستهلكين: منتوج زيت الزيتون المغربي سليم وآمن للاستهلاك    فيرمين لوبيس.. اختبار جديد لإظهار أن تشلسي كان مخطئاً في عدم ضمه    دراسة علمية تشير لإمكانية إعادة البصر لمصابي كسل العين        بنعليلو: الزمن السياسي يفرض علينا الانتقال من رصد جهود مكافحة الفساد إلى قياس النتائج ومساءلة الأثر    وقفة احتجاجية بتطوان تضامنا مع فلسطين والسودان ورفضا للتطبيع            اعتداء على أستاذة حامل يشعل غضب الجامعة الحرة للتعليم بأولاد فرج والتنظيم النقابي يحمّل المديرية الإقليمية المسؤولية    إسرائيل ترفع تأهب الدفاع الجوي غداة اغتيالها قياديا ب"حزب الله".. وتستعد لردود فعل    احتجاجات صامتة في الملاعب الألمانية ضد خطط حكومية مقيدة للجماهير    ألونسو: هذه هي الكرة حققنا بداية جيدة والآن النتائج لا تسير كما نتمنى    سيناتور يمينية متطرفة ترتدي "البرقع" بمجلس الشيوخ الأسترالي وتثير ضجة بالبرلمان    إقالة وتوبيخ ضباط إسرائيليين كبار بسبب الفشل في توقع هجوم 7 أكتوبر    الجيش السوداني يرفض اقتراح اللجنة الرباعية لوقف إطلاق النار ويصفها ب"غير محايدة"    بغلاف ‬مالي ‬يصل ‬إلى ‬6.‬4 ‬مليون ‬درهم.. ‬إطلاق ‬خطة ‬استراتيجية ‬لمواجهة ‬‮«‬ضغط ‬السكن‮»‬    إجراءات ‬مشددة ‬تواكب ‬انطلاق ‬اختبارات ‬ولوج ‬مهن ‬التدريس ‬بالمغرب ‬    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع        واشنطن ‬تكثف ‬حضورها ‬بالداخلة ‬تمهيداً ‬لافتتاح ‬القنصلية ‬الأمريكية    تسوية قضائية تُعيد لحمزة الفيلالي حريته    وفاة الممثل الألماني وأيقونة هوليوود أودو كير عن 81 عاماً    المغرب ‬قطب ‬للإشعاع ‬الإفريقي ‬ولبناء ‬المستقبل ‬الواعد ‬للقارة ‬السمراء    من الديون التقنية إلى سيادة البيانات.. أين تتجه مخاطر الذكاء الاصطناعي؟    جمعية التحدي تدق ناقوس الخطر بشأن تفاقم العنف ضد النساء وتجدد مطالبتها بإصلاح تشريعي شامل        تتويج أبطال وبطلات المغرب للدراجات الجبلية في أجواء ساحرة بلالة تكركوست    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    "منتدى الزهراء" ينتخب مكتبه الجديد خلال جمعه العام بالرباط    "التوحيد والإصلاح": تضارب المصالح في الصفقات والمس باستقلالية الصحافة استهتار بالقانون وإساءة للمؤسسات    مملكة القصب " بمهرجان الدوحة السينمائي في أول عرض له بشمال إفريقيا والشرق الأوسط    المخرج ياسر عاشور في مهرجان الدوحة السينمائي يتحدث عن فيلم "قصتي" حول الفنان جمال سليمان:    لجنة الأفلام في مدينة الإعلام – قطر تُبرم شراكة مع Parrot Analytics لتعزيز استراتيجية الاستثمار في المحتوى    إطلاق دفعة جديدة من أقمار ستارلينك الأمريكية    تحديد ساعات التدريس من منظور مقارن    العثور على ستيني جثة هامدة داخل منزله بالمدينة العتيقة لطنجة        دراسة: استخدام الأصابع في الحساب يمهد للتفوق في الرياضيات    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجوم على الفلسفة اغتيال للعقل والعقلانية
نشر في هسبريس يوم 25 - 02 - 2018

خلال السنة الماضية خاض أساتذة الفلسفة سجالا نضاليا وفكريا من خلال "الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة"، وذلك بعد الجدل الذي أثاره درس يهاجم التفكير الفلسفي ويعتبره مخالفا للدين الإسلامي في مؤلف "منار التربية الإسلامية" لتلاميذ السنة الأولى باكلوريا. وانتهى السجال المذكور بتكليف الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين للجنة تعنى بمراجعة وتنقيح برامج مادة التربية الإسلامية في الكتب المدرسية. وكان ذلك بمثابة إنتصار للعقل والعقلانية ضد تفكير التكفير، ومن أجل مدرسة للنقد والإختلاف والتفكير الحر... لكن يبدو أن الحرب على الفلسفة والتفلسف لم تتوقف بعد، حيث فتحت الحكومة جبهة جديدة تستهدف حضور مادة الفلسفة في امتحانات البكالوريا المهنية.
عاد الجدل إلى الواجهة من جديد إذن. ودواعيه هذه المرة ترتبط بمضامين الجريدة الرسمية عدد 6647 الصادرة بتاريخ 12 فبراير 2018، والتي نشرت قرارا لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي يحمل رقم: 3259.17، ويقضي بتغيير وتتميم قرار سابق ( 2385.06) صدر بتاريخ 16 أكتوبر 2006 بشأن تنظيم امتحانات نيل شهادة البكالوريا. ومناسبة التغيير والتتميم هي إدراج شعب مسالك البكالوريا المهنية ضمن منظومة البكالوريا المغربية، لكن الحرب على الفلسفة تكمن في الشق المتعلق بالامتحانات الإشهادية، والذي ورد في الجريدة الرسمية على شكل جداول تبين المواد المبرمجة في الإمتحانات الجهوية والوطنية في مختلف مسالك وشعب البكالوريا المهنية. حيث تم إقصاء مادة الفلسفة من لائحة المواد الممتحنة، وذلك رغم أن التلاميذ مطالبون باجتياز امتحان وطني في مادة الفلسفة في كل مسالك وشعب بكالوريا التعليم العام والتعليم التكنولوجي.
لنسجل في هذا الإطار أن هذا الجدل الذي أثارته الجريدة الرسمية جاء متأخرا جدا، بالنظر إلى أن مضامين الجريدة لم تكن إلا تحصيل حاصل، فقد سبق للوزارة الوصية أن أصدرت مذكرة بتاريخ 24 أكتوبر 2017 تحت رقم: (114.17 ) بشأن مواعيد ومواقيت إجراء الإمتحانات الإشهادية للسنة الدراسية 2017- 2018. وأدرجت فيه التربية الإسلامية ضمن مواد الإمتحان الوطني في كل مسالك البكالوريا المهنية، حيث تمت برمجتها يوم 6 يونيو بالنسبة للدورة العادية و11 يوليوز في الدورة الإستدراكية.
وهذا يعني أن التصدي لهذا القرار كان ينبغي أن يبدأ خلال الفترة التي صدرت فيه المذكرة المطلوبة. لكن ما يهمنا في هذا المقام هو أن عدم إدراج الفلسفة ضمن لائحة المواد الإشهادية في شعب البكالوريا المهنية يعتبر تراجعا غير مبرر عن التوجه الذي نهجته الوزارة منذ الموسم الدراسي 2006- 2007، والذي يقضي بإدراج الفلسفة ضمن الإمتحان الوطني في مختلف الشعب والتخصصات بدون استثناء. وهو ما قد يكون مقدمة لتقزيم دور الفلسفة وحضورها المدرسي في المستقبل. ومن تم فإن ردود الأفعال الغاضبة والرافضة لقرار الوزارة لها ما يبررها لسببين: أولهما عملي يتجلى في إدراج مادة التربية الإسلامية ضمن مواد الإمتحان الوطني للبكالوريا الإشهادية، مع العلم أنها تدرج ضمن مواد الإمتحان الجهوي في باقي التخصصات باستثناء شعبة التعليم الأصيل طبعا. وبالتالي لا نحتاج إلى كثير من الفهم والتحليل لنتأكد من أن القرار يحمل نفسا إيديولوجيا، لأن المنطق يقتضي العمل بالوضع القائم حاليا في كل الشعب والمسالك الأخرى. لكن الوزارة قررت إقصاء الفلسفة من الإمتحان الوطني وتعويضها بالتربية الإسلامية بشكل تعسفي. وهو ما يحملنا إلى المبرر الثاني الذي يدعونا إلى رفض القرار، وهو نظري هذه المرة، يتجلى في التوجه الذي يراد فرضه من طرف الحزب الذي يقود الحكومة، والذي عبر عنه وزراء وقياديون من العدالة والتنمية في أكثر من مناسبة. وكلنا نذكر في هذا الإطار تصريحات رئيس الحكومة السابق بنكيران الذي اعتبر أن الدولة لا تحتاج إلى أدباء وشعراء وفلاسفة، بل تحتاج إلى تخصصات منتجة... وهو كلام خطير يهدد المدرسة المغربية برمتها، لأنه يسفه في العمق دورها في إعداد العقول وصقلها وبناء أدوات الحس الجمالي والفكر النقدي.
إن الحرب المعلنة على الفلسفة ليست وليدة اليوم بالتأكيد، فلقد ظل هذا الفكر الحر والمشاغب والمقتحم للطابوهات باستمرار معرضا للصد والرفض في مختلف الحضارات التي مورس فيها فعل التفلسف، لكنها ظلت تنتصر باستمرار، وتفسح المجال واسعا أمام العقل والعقلانية لتحطيم قيود وسلاسل الجهل والخوف والنمطية الجاهزة... لكن ما تعرضت له الفلسفة ( وما زالت تتعرض له حتى الآن) من تضييق وحصار باسم الإسلام، يجعل استنبات التفكير العقلاني في مجتمعاتنا أمرا غير هين على الإطلاق. حيث نعيش في بيئة تشجع على هذا الصد الشعوري واللاشعوري للفلسفة، مادام العقل في ثقافتنا قد دخل متحف الآثار منذ أمد بعيد. أما الجذور التاريخية لهذا الانطباع السلبي عن فعل التفلسف فهي تمتد الى اللحظات الأولى التي تبلورت فيها بعض ملامح العقلنة في الفكر الاسلامي، عندما أقبل عدد من المسلمين على دراسة الفلسفة اليونانية وخصوصا خلال العصر العباسي الذي عرف حركة نشيطة في الترجمة والكتابة. غير أن بذور العقلنة تلك سرعان ما أهيل عليها التراب، ليتم إقبارها في المهد. حيث رافق ذلك الإقبال على الفلسفة نقاش كبير انتهى الى انقسام بين (علماء الأمة) حول قيمة الفكر اليوناني. واستطاع الراديكاليون تحقيق انتصار ماحق على الفلسفة (عفوا على العقل) توجه "أبو حامد الغزالي" بإصدار كتابه الشهير "تهافت الفلاسفة" الذي كتبه تحت الطلب في خضم الصراعات المذهبية والسياسية، وتصدى فيه للفلاسفة عموما ولأرسطو وتلميذيه "الفارابي" و"ابن سينا" على وجه الخصوص. وهكذا كان سلاح التكفير الوسيلة الرئيسية التي وأدت التفكير الفلسفي مبكرا منذ ذلك الحين. لذلك لا عجب أن يتنامى تفكير التكفير في أوصال مجتمعاتنا بسرعة قياسية، مادامت الأطر المرجعية لهذا الفكر المنغلق تجد مشروعيتها في تاريخ انتصار النقل على العقل.
وبالرغم من النجاح الذي عرفه الفكر الفلسفي بعد ذلك في المغرب الاسلامي والأندلس، والذي بلغ مستوى كبيرا مع "ابن رشد" حين رد على اتهامات الغزالي للفلسفة بكتابه المميز:"تهافت التهافت" الذي يعد مرجعا مهما في أدبيات الحوار والمقارعة الفكرية- بالرغم من ذلك إذن- لم تنجح الفلسفة في ايجاد موطئ قدم راسخ لها في الثقافة الإسلامية إلى يومنا هذا… بينما نجح الأوربيون إلى حد بعيد في تجاوز التخلف والإنحطاط الوسيطي بفضل التفكير الفلسفي الذي هز كثيرا من الثوابت الكنسية، وفتح المجال واسعا أمام العقل للتحليق بعيدا في أجواء المعرفة الانسانية.( والمفارقة العجيبة أن ابن رشد كان صاحب الفضل الأول على الأوربيين للإطلاع على فلسفة اليونان من خلال أعماله وترجمته لكتب أرسطو). وهكذا حطمت العقلانية الأوربية خلال مرحلة "عصر الأنوار" آخر معاقل الأرثوذوكسية الإكليروسية، فقطعت بذلك مع شرطة محاكم التفتيش بشكل نهائي. وأنجبت أوربا أعلاما من المفكرين الكبار الذين وضعوا الحجر الأساس لحضارة العقل الحديثة منذ أن بنى "ديكارت" لبنتها الأولى حينما صدح بقولته التي ملأت الآفاق: ” أنا أفكر اذن أنا موجود.”
إن الموقف من الفلسفة محدد أساسي لتقدم المجتمعات أو تخلفها. وحضورها المدرسي يعد مؤشرا واضحا على الغايات الكبرى للمنظومة التربوية، لأن التربية على قيم التسامح والحق في الإختلاف وحرية التعبير والنقد... تمتد إلى السياقات اليومية للعلاقات الإجتماعية. وبدون إفساح المجال أمام العقلانية والتفكير الفلسفي لن ننتظر إلا مزيدا من الانحطاط والتخلف والإنغلاق. وما أحوجنا اليوم إلى إعمال العقل حينما يتعلق الأمر بالإختيار الحر واتخاذ القرار المناسب والمسؤول وتكسير حواجز الصمت واللامبالاة دون أن يكون ذلك مجالا للمصادرة من أي أحد. لذلك ينبغي إعادة الإعتبار لفعل التفلسف باعتباره منهجا وأسلوبا في الحياة وليس ترفا زائدا. ولن يتحقق هذا الأفق إلا إذا منحنا العقل المكانة الحقيقية التي تليق به في المدرسة بالدرجة الأولى، وفي مختلف مجالات الحياة. وتلك هي مسؤولية النخب المتنورة التي يجب أن تقاوم قوى النكوص والماضوية التي تسعى إلى فرض وصايتها على أفهام الناس وتعميم الخوف والخضوع والبلاهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.