بحث بخصوص مساهمة تدريس اللغة العربية والثقافة الأصلية في عملية الاندماج بهولندا 1) السياق العام لقد أكدت مختلف الخرجات الإعلامية التي عرفتها الساحة الثقافية والسياسية الهولندية، خلال العقدين الأخيرين، أن هناك اهتماما متصاعدا بالدور المنوط بتدريس اللغة العربية والثقافة الأصلية ، وبمدى تأثيره في صقل وتوجيه المقومات الهوياتية عند الأطفال الهولنديين، ذوي الأصول الأجنبية، المنخرطين في هذه الدينامكية السوسيوثقافية. وفي الآونة الأخيرة ، طفت على الواجهة تيارات أخرى تطرح تساؤلات دقيقة تتناول بالخصوص إيجابيات وسلبيات هذا النشاط السوسيوتربوي في مسايرة اندماج التلاميذ المستفيدين منه. يرى بعض المحللين في هذه التحركات تدافعات إيديولوجية وتجاذبات سياسوية ذات أغراض انتخابية ويعتبرون طابعها مناسباتيا محضا يجب التعامل معه وفق هذا المعطى، وبعض آخر يراها بنيوية بالأساس ويجب التصدي لها بكل ما يتيحه القانون الهولندي من إمكانات في هذا الإطار. ومن جهتهم، يحاول المغاربة الساهرون على هذا النشاط التربوي والثقافي نهج سياسة مبنية على تقريب الرؤى بين كل المواطنين الهولنديين، كيفما اختلفت وتنوعت أصولهم الثقافية أو العرقية أو العقائدية، وذلك انطلاقا من ثوابت مرجعيتهم الدينية الأصلية، المبنية على الاعتدال والتسامح المتبادل واحترام الغير التي تضمنها لهم إمارة المؤمنين. المنظمات المغربية عامة منخرطة بكل فعالية في بناء المشروع المجتمعي التعددي الهولندي، محاولة تقليص الهوة بين الثقافات، ومساهمة قدر المستطاع في فهم الآخر وقبول ميراثه الثقافي، وذلك رغم تنامي ظواهر التطرف السياسي والديني بأشكاله العلنية و المخفية، ورغم المحاولات الشعبوية لكسر جسور التعارف والتقارب بين مختلف الشرائح الاجتماعية بهولندا. لكن يجب الاعتراف، من جهة أخرى، أن تحركات المجتمع المدني المغربي بخصوص تسويق إيجابيات هذا القطاع تبقى ضئيلة وتكتسي طابعا يكاد ينعدم فيه التخطيط الاستراتيجي، سواء على مستوى المدى القريب أو البعيد. ونتيجة هذا الوضع، تظل مشاريعهم غير مرئية بالنسبة للحكومة المركزية الهولندية (1) . 2) دوافع البحث أغلبية الفاعلين في الحقل التربوي والثقافي والعقائدي المغربي بهولندا يعتبرون نشاطهم عملا تطوعيا بامتياز، وبحكم هذه الطبيعة فهو في غنى تام عن أي تشهير أو مزايدات (1). وتبعا لهذا الموقف ولما يحمله من دلالات تولدت فكرة افتحاص هذا النشاط المشترك بين جميع الجاليات المسلمة بهولندا بهدف التعريف به، مع الوقوف على مكامن القوة أو الضعف، عند الضرورة. ترمي هذه المبادرة بالأساس إلى معاينة التوازنات بين عملية الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية الأصلية وبين أهداف الاندماج المسطرة من طرف السلطات الهولندية المختصة. هل هناك ملاءمة بين المقومات التي ترتكز عليها العمليتين؟ هل هناك تفاعل إيجابي بين هذين الشقين الهامين من الحياة الاجتماعية للطفل الهولندي ذات الأصول المغربية؟ أم أن هناك معيقات تحول دون تحقيق التكامل المنشود؟ ينساق مشروع إنجاز هذا البحث ضمن مجهودات المجتمع المدني المغربي بهولندا من أجل وضع اللبنات الأولى لمقاربة إرادتية وحداثية لعملية تفويت الميراث الثقافي والمعايير الحضاراتية الأصلية، ترتكز أولويا على سياسة تواصلية متبادلة ومستمرة بين جميع المتداخلين. الهدف إذن هو التأسيس لخطوة أخرى في اتجاه التعريف بعملية تفويت وإشعاع المفاهيم الحقيقية للمكونات الثقافية المغربية الأصلية المبنية على تعددية عربية وأمازيغية وريفية وشلحية وسوسية وحسانية وعبرية. وفي نظر المهتمين ، تعد هذه الخاصية السوسيوثقافية الفريدة التي يمتاز بها الأطفال الهولنديون، ذوو الأصول المغربية، عاملا هاما ساعدهم وما زال يساعدهم على اندماج ناجح في المجتمع التعددي الهولندي، وذلك بالمقاييس المتعارف عليها دوليا. المبتغى الأسمى من هذا العمل هو خلق طفرة سلوكية نوعية عند الجانبين الهولندي والمغربي، من شأنها تقدير وتثمين اندماج أبنائنا العقلاني والمسؤول داخل المجتمع الهولندي، والاعتراف بالدور الحيوي الذي يلعبه تدريس اللغة العربية والثقافة الأصلية في صنع مواطنين صالحين لبلدي الإقامة والأصل. 3) مغاربة هولندا بالأرقام (2) العدد الإجمالي لسكان هولندا 16.913 433 عددالسكان من أصول أجنبية غربية 1.579 160 عدد السكان من أصول أجنبية غير غربية 1.997 584 عدد السكان من أصول مغربية 374 996 عدد الذكور من أصول مغربية 192 355 عدد الإناث من أصول مغربية 182 641 عدد الجيل الأول من أصول مغربية 168 320 عدد الجيل الثاني من أصول مغربية 206 676 معدل النمو عند الجيل الأول من أصول مغربية 0,1% معدل النمو عند الجيل الثاني من أصول مغربية 3,0% معدل النمو عند الجيلين 1و2 من أصول مغربية 3,1% وتيرة النمو عند السكان من أصول مغربية سنة 1996 225 088 سنة 2000 262 221 سنة 2004 306 219 سنة 2008 335 127 سنة 2012 362 954 سنة 2014 374 996 عدد جمعيات ومنظمات تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية بهولندا: 357 من بينهم 200 مسجدا* عدد التلاميذ المستفيدين: 26 775* عدد المدرسين بالجمعيات والمنظمات: 714* منهم 7 تابعون لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج عدد المدرسين بكل جمعية أومنظمة: بين 1 و16 عدد حجر الدرس بكل جمعية أومنظمة: بين 1 و8 معدل عدد التلاميذ بالجمعيات والمنظمات: 75 أقصى عدد التلاميذ بالمنظمة الواحدة: 300 أدني عدد التلاميذ بالجمعية الواحدة: 25 عدد الحصص الأسبوعية بين 2 و3 عدد ساعات كل حصة: بين 2 و3 *تنبيه: لا توجد إحصائيات رسمية هولندية أو مغربية بخصوص تدريس اللغة العربية والثقافة الأصلية تعطينا أرقاما حقيقية يمكن الاعتماد عليها في هذا البحث. كل هذه الأرقام تقريبية وتم التوصل إليها انطلاقا من علاقات ميدانية. 4) المواطنون من أصول مغربية بأعين التقرير السنوي للاندماج أصدر المكتب المركزي للإحصاءات بتاريخ 01-01-2014، تقريره السنوي حول الاندماج (3)، تطرق فيه إلى الأوضاع الاجتماعية والمهنية للجاليات الأجنية. ولكل غاية مفيدة، سيعرض، في هذا الفصل، ملخص لأبرز الخلاصات بخصوص مغاربة هولندا التي استنتجها الباحثون والمشرفون على هذا البحث: مقدمة: يتميز اندماج الأجانب بمشاركة أكبر وبتعبئة متنامية على صعيد المجتمع الهولندي. وعبر سطور هذا الملخص للتقرير السنوي حول الاندماج لسنة 2014، سيتم تتبع هذه العملية ونتائجها بخصوص الجيلين الأول(الآباء) والثاني(الأبناء) لأكبر أربع جاليات غير غربية (التركية والمغربية والسورينامية والأنتليانية)، مع الحرص على توجيه عناية خاصة للجيل الثاني. (ولأسباب عملية، سنركز، نحن من جهتنا، على الجالية ذات الأصول مغربية، باعتبارها موضوع البحث الذي نحن بصدده). الاندماج ينظر إلى اندماج المهاجرين في المجتمع الهولندي باعتباره عملية تجمع بين مجموعات من السكان الأجانب والأصليين، تعيش مع بعضها، وتتنامى فيما بينها، ضمن انخراط كلي في المجتمع. ينحدر المهاجرون من بلدان أخرى غالبا ما تختلف أرضيتها الثقافية والاقتصادية عن هولندا. ويكتسي التوظيف الإيجابي لمؤهلاتهم، إلى جانب مشاركتهم المتنامية في المجتمع الجديد، طابعا هاما في عملية الاندماج. ويعطي التقرير السنوي حول الاندماج لسنة 2014 نظرة موضوعية حول وضعية المهاجرين وأبنائهم بمختلف القطاعات من الحياة المجتمعية. وتعتبر معطيات هذا التقرير ضرورة علمية لتتبع وفهم عملية اندماج هذه المجموعات ضمن المجتمع الهولندي. مغاربة هولندا تمتد جذور الهجرة المغربية بهولندا إلى الستينات والسبعينات من القرن الماضي حيث تمت بدواعي اقتصادية سادها مفهوم "العمال الضيوف". أما اليوم ، فجل القادمين الجدد يأتون من أجل بناء أسرة أو الانضمام إلى عائلة، وهذا ما قلص بشكل لافت من عدد المغاربة الوافدين على هولندا، خلال العقد الأخير. غير أن هذا لا يعيق استمرار نمو عدد هذه الجالية لأن الجيل الثاني منها في ازدياد مستمر إلى درجة توليه المرتبة الأولى من الناحية العددية. وما يميز هذه الشريحة المجتمعية هو معدل سنها الذي يقل عن 20 سنة، وكذا تمركزها الأساسي بالمدن الهولندية الأربعة الكبرى التي هي أمستردام (73.311)، روطردام (41.681)، لاهاي (28.435) وأوتريخت (28.988). الوضعية الدراسية بفضل عامل السن، أصبح الجيل الثاني منخرطا بقوة في المنظومة التربوية الهولندية حيث يقدم صورة مزدوجة بخصوص نشاطه هذا. فمن ناحية يذهب بعيدا في دراسته الثانوية والجامعية مقارنة بالجيل الأول، ومن جهة أخرى يظل مستواه الدراسي متأخرا بالنسبة لمنجزات الهولنديين الأصليين. وخلال العشر سنوات الأخيرة، استطاعت البنات المغربيات الأصل تحسين مستواهن التعليمي عبر تواجد كمي ونوعي في التعليم العالي، إلى درجة التفوق على الأولاد المغاربة. كما أن نسبة مغادرة بعضهن للدراسة الثانوية بدون تأهيل تقل ب 50 في المائة على نسبة الأولاد في نفس الوضعية. سوق العمل في سنة 2014، كان 68 في المائة من الهولنديين الأصليين يتوفرون على عمل مقابل 44 في المائة بالنسبة للمواطنين ذات الأصول مغربية. وتضرر هؤلاء المواطنون كثيرا من آثار الأزمة الاقتصادية التي عرفتها هولندا خلال السنوات الأخيرة، حيث انخفضت مشاركتهم في سوق العمل وعمت البطالة صفوفهم بكيفية متصاعدة، مقارنة مع وضعية الهولنديين الأصليين. وما قوى إشكالية البطالة عند مغاربة هولندا هو نوعية العقود التي تجمعهم بمشغليهم، فجلها ذات طابع مؤقت وعامة ما يتم الاستغناء عليها في حال بزوغ مشاكل اقتصادية. والجيل الثاني هو أكبر ضحايا هذا الوضع باعتبار صغر سنه وولوجه الحديث إلى سوق الشغل. عاملا إعاقة ساويا بينه وبين الجيل الأول من ناحية النسبة المئوية للبطالة، وإن كان هناك امتياز فيما يخص فرص الشغل بالنسبة للجيل الثاني الذي يتراوح سنه بين 25 و45 سنة. وتفسر هذه الوضعية على العموم بنوعية تكوين هذه الشريحة التي كلما ارتفع مستواها الدراسي كلما قلت نسبة البطالة في صفوفها. معدل الدخل يقل معدل دخل مغاربة هولندا عن الهولنديين الأصليين بسبب ضعف مشاركتهم في سوق العمل، واعتمادهم على المساعدات الاجتماعية حيث أن 1 من أصل 7 منهم يتقاضى تعويضات عن البطالة، مقابل 1 من كل 50 بالنسبة للأصليين. وبصفة عامة، يفوق دخل الجيل الثاني دخل الجيل الأول ب 2.000 أورو سنويا. الإجرام وبخصوص السلوكيات الإجرامية، تسجل على مغاربة هولندا، الذين يتراوح سنهم بين 18 و25 سنة، نسبة عالية تفوق معدل الأصليين ب 5 مرات. وخلال سنة 2013، ضمنت محاضر الشرطة أن 1 من أصل 10 منهم يشتبه في اقترافه جريمة. ونظرا لصغر سن الجيل الثاني، فهو حاضر بقوة في هذه الإحصاءات. السكن وعلاقة بموضوع السكن، يفضل الجيل الثاني من مغاربة هولندا شراء منزل والإقامة به على الاستفادة من السكن الاجتماعي. وكذا أصحاب الدخل المحدود يحاولون اجتناب السكن الاجتماعي. وهذا يعني أن الجيل الثاني أصبح يتعامل مع السكن الاجتماعي بنفس المنطق المتبع من طرف الهولنديين الأصليين. ورغم كل هذه المجهودات، ما زال نصف الجيل الثاني يقطن في أحياء تشهد تمركزا قويا للأجانب. 5) اللغة العربية والثقافة الأصلية: عامل اندماج أو انكماش؟ جل المنظمات الدينية والثقافية الفاعلة في هذا الميدان تأسست وعملت بناء على طلب من الآباء الذين عبروا عن رغبتهم الملحة في الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية لأبنائهم في مجتمع غربي ظنوا أن إقامتهم فيه محدودة زمنيا، ويجب بالتالي تهيئ أطفالهم دينيا وتربويا، في حال العودة إلى الوطن الأصل. وما يميز التلاميذ المتمدرسون في هذا الإطار هو كونهم جميعا مغاربة أو ينحدرون من أصول مغربية. وضعية اجتماعية ساهمت بشكل استثنائي في تقوية إحساسهم الجماعي بالانتماء إلى مجموعة متجانسة، تتمتع بوحدة المرجعية الوطنية (4). غير أن بعض الساسة الهولنديين ارتأوا في هذا التجمع بوادر عزلة إثنية من شأنها إعاقة اندماج الأطفال المستفيدين من تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية، داخل المنظمات الدينية والثقافية المغربية. ليست هذه المرة الأولى التي يقوم فيها سياسيون شعبويون بتصريحات وانتقادات معادية لأنشطة مغاربة هولندا خاصة، والمسلمين بصفة عامة. وغالبا ما يتم الزج بهذه الجالية كذريعة في كل فشل سياسي أو اقتصادي يقع فيه زعماء هذه الأحزاب(5). ما دفع منظمات حقوقية إلى توجيه انتقادات للحكومة بشأن معاملة سيئة اتجاه المهاجرين، مؤكدة ضرورة احترام الخصوصيات والمرجعيات الدينية والثقافية والاجتماعية لكل شريحة اجتماعية، لاسيما وأن الاختلاف في الخصوصيات والمرجعيات من صميم التنوع الثقافي الذي أقرته المواثيق الدولية. ولما تشعبت أفاق هذه النقاشات وتعكرت أجواؤها بسبب تشحنات طائفية غير مبررة، فوجئت الساحة السياسية والثقافية الهولندية بقرار السلطات الوزارية المركزية القاضي بتوقيف تمويل دروس اللغة والثقافة الأصليتين بالمدارس العمومية الوطنية، ابتداء من سنة 2004. وشكلت هذه الخطوة زلزالا سوسيوتربويا حول، في دفعة واحدة، قطبا كاملا من المنظومة التربوية الهولندية إلى منظمات وجمعيات مستقلة ماديا وبيداغوجيا، لم تكن يوما لتتصور أنها ستصبح منوطة بمسؤولية أطرتها رسميا مواثيق دولية ثنائية مغربية-هولندية، خلال أزيد من عقدين من الزمن. فبعدما كان يركز محتوى هذا التعليم فقط على الهوية الجماعية الدينية والإثنية في بداية الثمانينات تحول، بحكم هذا القرار، إلى نشاط مجتمعي متعدد الاختصاصات، تعتمد عليه السلطات المحلية الهولندية في تمرير سياساتها الخاصة بالأجانب، وتستعين به الجالية المغربية في بعض الحالات المستعصية من حياتها اليومية. هذا إضافة إلى دوره كشريك بيداغوجي للمدرسة الهولندية، يتولى القيام بمهام تدعيمية بخصوص تدريس اللغة الهولندية وبعض المواد المدرسية، في إطار ما هو متعارف عليه رسميا باسم "المدرسة الموسعة"(6). وما يلاحظ من خلال هذه التقلبات هو أن كل الطفرات التي طرأت على عمل واختصاصات المنظمات والجمعيات المغربية الفاعلة في الميدان جاءت بمبادرة من السلطات العمومية الهولندية المحلية أو الوطنية. وذلك بعدما تأكدت من مثانة المرجعيات العقائدية المعتمدة ومن صحة وسلامة المعايير والقيم الأخلاقية الملقنة، وبعدما اقتنعت بدور وأهمية وإيجابية النشاط الديني والثقافي في توجيه الحياة الاجتماعية للمغربي بالمهجر. كان لهذا التحول تأثير كبير على مستوى ونوعية الخدمات المقدمة من طرف المنظمات والجمعيات المغربية النشيطة في الميدان، حيث أصبحت تضطلع بمهام لم تنشأ لأجلها ولم يحصل لها أن مارستها من قبل. ورغم كل هذا، برهنت هذه المنظمات على جاهزية كبرى استطاعت من خلالها رفع جميع التحديات، وأثبتت بالملموس قدرتها على التأقلم مع الواقع، اجتماعيا أو سياسيا كان. لقد أفلحت في مسايرة تطورات وتحولات المجتمع الهولندي، وساهمت بشكل فعال في إبراز نخب وكفاءات سياسية، وعلمية، ودينية، واجتماعية، ورياضية يضرب بها المثل على مستوى الإنجاز، ويحسب لها ألف حساب لدى صناع القرار المحلي والوطني. 6) اللغة العربية والثقافة الأصلية والمواطنة النموذجية مهما تعددت واختلفت الكتابات حول موضوع المواطنة، يبقى رأي المواطن نفسه غير واضح بخصوص محتويات هذا المفهوم. كل مواطن يربط مواطنته بمجموعة من الحقوق والواجبات، وكذا بمسؤوليات فردية أو جماعية تعهد له على مستوى الأسرة أو العائلة أو الساحة العمومية. وتعد هذه النظرة للمواطنة نقطة التقاء بين جميع المواطنين، سواء كانوا منحدرين من أصول هولندية أو مغربية (7). ويتجلى الفرق بين هؤلاء المواطنين في كون المواطن ذات الأصول مغربية يربط وطنيته بالمكان الذي يفضل العيش فيه، وهو في نظره الحي أو المدينة التي يقطن بها، في حين أن الهولندي الأصل يضفي عليها بعدا وطنيا ويربطها بهولندا، البلد الذي يفضل العيش فيه (7). وفي ذات السياق، أثبتت العلاقات الاجتماعية أنه من الأيسر أن يصنف المواطن ذات الأصول الأجنبية نفسه محليا (أمسترداميا) بدلا من وطنيا (هولنديا) حيث يمكن إثارة إشكالية تضارب الولاء بين جنسيتيه الأصلية والحالية. بالفعل، من الصعوبة بما كان أن تجادل مواطنا ذات أصول أجنبية حول انتمائه لموقع جغرافي ازداد وترعرع فيه (أمستردام مثلا)، بقدر ما يمكن أن تجادله في انتمائه الثنائي للوطن الأصلي أو الحالي (مغربيا أوهولنديا مثلا)(7). وفي نظر الأخصائيين والمهتمين، تفسح المقاربة المبنية على المفهوم المحلي للمواطنة مجالا أكبر لممارسة المواطن ذات الأصول الأجنبية لمواطنته. العامل الجغرافي بالموازاة مع شبكة التواصل المتوفرة محليا، في إطار هذه النظرية، يساعدان هذا المواطن على انخراط سلس في تسيير أمور الحي أو المدينة، وذلك باعتباره ابن المنطقة ومعنيا بالدرجة الأولى بما يجري داخلها. ومن مزايا المواطنة المحلية أنها تقوي وتيرة المشاركة الاجتماعية عند المواطن العادي من جهة، وتطور مؤهلات وخبرات الفاعلين الاجتماعيين من جهة أخرى، وذلك بفضل احتكاك الجميع بالمشاكل اليومية المطروحة على مستوى الحي أو المدينة، وعبر المساعي الدائمة والمستمرة لحلها. وفي ذات الصدد، إن سياسة القرب التي اعتمدتها المنظمات والجمعيات المغربية المعنية بمواضيع التربية والثقافة والدين، من خلال تمركزها وسط الحي، وضعتها تلقائيا قلب الحدث، ومكنتها من مزاولة مهامها ضمن الإطار الذي توفره لها نظرية المواطنة المحلية، وذلك بتعاون وتنسيق مباشر مع المواطنين المستهدفين. واستنادا إلى هذا الوضع، لم يتهاون المكتب المركزي للإحصاءات بهولندا في تثمين المنهجية المعتمدة من طرف هذه المنظمات، حيث قام بسرد معطيات موضوعية حول المنجزات والمشاريع المجتمعاتية الناجحة التي حققتها ومازالت تحققها هذه المنظمات على صعيد الأحياء والمدن. 7) المجتمع لا ينجب مواطنين وإنما يصنعهم انطلاقا من هذه البديهية السوسيولوجية(7)، فإن المنظمات المغربية الثقافية والدينية، باعتبار نفسها مكونات مجتمعية فاعلة وفعالة، قد انخرطت منذ زمن بعيد في دينامكية إنتاج مواطنين صالحين للوطنين الحالي والأصلي. عدة نماذج من المواطنين الهولندين من أصل مغربي استفادوا سيكولوجيا وأخلاقيا واجتماعيا من تدريس اللغة العربية والثقافة الأصلية، ليشقوا طريقهم نحو التألق بمختلف أنواعه ومفاهيمه. نتائج ملموسة توصل إليها هذا النشاط عبر شقيه التكويني والتثقيفي تتجسد بالأساس في الدور المحوري الذي تضطلع به شخصيات بارزة تنتمي إلى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينيية الهولندية. ومقارنة مع باقي الدول الأوروبية، تحتل أطر هولندا مناصب مرموقة على الصعيد الوطني، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تتولى رئاسة البرلمان، أكبر مؤسسة تشريعية وطنية، السيدة خديجة عريب، فيما تعود عمدة روطردام، أكبر مدينة اقتصادية وطنية وأكبر ميناء قاري، إلى السيد أحمد أبو طالب وكلاهما من أصل مغربي. 8) خلاصات منذ عقد من الزمن والنقاش يدور في عدد من الجامعات والمؤسسات الإعلامية والبرلمانية الهولندية لمعرفة ما إذا كان مغاربة هولندا يعانون من أزمة هوية. المنظمات والجمعيات المغربية، النشيطة في ميدان اللغة العربية والثقافة الأصلية، لا تتفق بتاتا مع هذا الطرح، وإنما تؤكد وجود تطور في استعمال الشباب ذات الأصول المغربية لهويتيه المحلية والأصلية، وهو ما ينفي منطقيا وجود أزمة هوياتية. وفي الحقيقة، لا توجد دراسات تثبت أن سبب العنف هو أزمة هوية خاصة. الشغب والعنف مصدرهما المحيط الاجتماعي والاقتصادي، مثل التربية، والمدرسة، والأصدقاء، والعمل، والإقصاء، والتهميش (8). واستنادا إلى المعطيات الرسمية التي تم سردها في هذا البحث، يمكن التأكيد، بما لا ريب فيه، أن أبناء الجالية المغربية في هولندا لا يعيشون أزمة هوية أو شيئا من هذا القبيل، وذلك بالرغم من كون العلاقة بين الشباب المغربي والسلطات الهولندية تشهد أحيانا توترا كبيرا، بسبب ضغوط سياسية تمارسها باستمرار أحزاب اليمين المتطرف المعادية للمهاجرين المسلمين. وانتشار الجريمة الصغرى في صفوف الشباب من أصل مغربي ناتج عن عدة أسباب تعود مثلا إلى البطالة والإقصاء الاجتماعي والمهني، إلا أن الحكومة الهولندية، برأي عدة برلمانيين هولنديين من أصل مغربي، لا تقوم بإجراءات عملية للحد من هذه الظواهر السوسيوقتصادية التي لا يخلو منها أي مجتمع أوروبي، كما لا تكلف نفسها عناء بلورة آليات للتصدي للصور النمطية السلبية التي تروج تجاه هذا الشباب. وبذريعة وضع حد للعنف الذي يمارسه نسبيا أبناء الجيل الثاني والثالث من المغاربة استياء من وضعيتهم السوسيواقتصادية بهولندا، تسعى بعض التيارات إلى منع ازدواجية الجنسية وإلى حرمان أبناء المغاربة من التمتع بمواطنتهم، وذلك في محاولة غير معلن عنها لتقليل أعدادهم المتزايدة بسبب خصوبة الإنجاب لدى الجيل الثاني. وأغلبية المغاربة يعبترون أن اندماجهم في المجتمع الهولندي أمر جد عادي ولا يستدعي قطع الصلة بجذورهم وثقافتهم الأصلية. ويشكك بعض السياسيين العنصريين، أمثال خيرت فيلدرس، في قدرة المغاربة على الاندماج في المجتمع الهولندي زاعمين أن هذه العملية مكلفة لخزينة الدولة. وفي اعتقاد مغاربة هولندا، مثل هذه الاتهامات مدروسة لتوجيه الأصابع الى المهاجرين مرة أخرى على أنهم عبء ثقيل لا بد من التخلص منه بطردهم الى مواطنهم الأصلية (8). والسلطات الهولندية، بما فيها وزارة الهجرة والاندماج، لم يسبق لها، حتى خلال الحكومات ذات الطابع العنصري، أن تحدثت عن صعوبة اندماج المهاجرين عامة والمغاربة على وجه الخصوص، بل ارتأت أنه لا بد من تشديد المراقبة على تحويلاتهم المالية بهدف منع استنزاف الاقتصاد الهولندي. ويرى المهاجرون المغاربة أن من حق المواطن أينما كان أن يتصرف في أمواله كما شاء، ما دام المال ماله والحق حقه. إن مشكلات المهاجرين المغاربة في هولندا تتعلق أساسا بفئة الشباب الذين يعانون من قلة فرص التعليم، ومن التمييز العنصري، الذي يحرمهم من فرص التدريب، وبالتالي تضيق أمامهم فرص الحصول على عمل لائق بمستواهم الدراسي والتكويني. كما أن الوضع العام الذي يعاني منه المهاجرون المغاربة يتسم بالعداء الشديد للإسلام وللمهاجرين من ذوي الأصول العربية. وفي نظر الفعاليات ذات الأصول المغربية، إيجاد حلول لهذا الوضع أمر في يد الحكومة الهولندية. ويسود الاعتقاد لدى مغاربة هولندا أن الظرف السياسي يلعب دورا كبيرا في تأزيم العلاقة مع المهاجرين، بدليل أن هولندا تصبح أكثر عنصرية وإسلامفوبيا أثناء الانتخابات، فيما تواصل الأحزاب السياسية ذات التوجه اليميني المتطرف المزايدة السياسية عبر استخدام ورقة المهاجرين. ويظهر استطلاع للرأي، أجري سنة 2010، أن 37 في المائة من أصحاب الكفاءات المهنية العليا، من شباب مغاربة هولندا، يفكرون في مغادرة هولندا بسبب الصعوبات والضغوطات. وفي نظر مسييري منظمات وجمعيات مغاربة هولندا، وجب على الحكومة الهولندية إشراكهم في النقاش والبحث عن حلول للقضايا المطروحة في أوساط المهاجرين. بيد أن المسؤولين الهولنديين بصفة عامة لا يعيرون اهتماما كبيرا لهذه الفعاليات، ويتم تهميشها على المستوى الوطني، لأنهم لا يريدون الاعتراف بوجود مجموعة ذات هوية خاصة، منفصلة إلى حد ما عن المجتمع الهولندي، ويفضلون في المقابل التعامل مع المهاجرين كحالات فردية. وعلى الصعيد المحلي، استطاعت بعض المنظمات والجمعيات المغربية النشطية في ميدان الدين والثقافة واللغة الأصلية فرض نفسها كرقم هام في كل معادلة اجتماعية وسياسية واقتصادية تهم مغاربة هولندا. وهذا الأمر، جعلها تحظى بثقة المقاطعات والبلديات والعمالات، تتمثل بالأساس في إشراكها في بلورة وتنفيذ السياسات المحلية، وفي احتضانها لندوات علمية ودورات تكوينية لفائدة مغاربة هولندا. وبخصوص ربط الاندماج والمواطنة باللغة الهولندية، وإن كان إثقان اللغة المحلية من الأهمية بمكان، فإن هذا الأمر لا يهم الشباب والمراهقين من الجيل الثاني والثالث. لغتهم الأم هي الهولندية وبلدهم الأول هو هولندا، وثقافتهم ملونة بين المغربية والهولندية. هؤلاء لن تعالج وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية بهذه الدروس الذين هم في غنى عنها، وإنما بالقضاء على الدوافع التي جعلتهم يتمردون ويثورون على المجتمع والدولة الهولندية!(8) Bibliographie: 1) Allochtonen, burgerinitiatieven en participatie Onderzoekverslag van ACB Kenniscentrum 2009. 2) Centraal Bureau voor de statistiek 2015 Bevolking; generatie, geslacht, leeftijd en herkomstgroepering, 1 januari 2014 3)Centraal Bureau voor de statistiek 2015 Jaarrapport Integratie 2014 4) Moskee Onderwijs Welke bijdrage levert het moskee onderwijs aan de religieus ethnische identiteitsontwikkeling van Marokkaanse kinderen in Nederland? Fadoua Lahri. April 2007. Universiteit van Amsterdam. Faculteit der Maatschappij- en Gedragswetenschappen. Doctoraal Pedagogiesche Wetenschappen 5) Hespress. 26/03/2015 6) Moskee als partner in het ondewijs Een pedagogiesche causus interdisciplinair belicht. Siebren Miedema, Doret de Ruyter en Martijn de Koning 2008 7) Wat vinden burgers self van burgerschap? Burgers aan het woord over binding, loyaliteit en sociale cohésie. NCIS Insitute 2008 8) Maghress.15.08.2010 *بتعاون وتنسيق مع عبد اللطيف ناصري ومحمد لمزابي (أمستردا م) وعبد العلي بنزيان (روطردام)أعضاء البعثة التعليمية والثقافية المغربيةالتابعة لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج بهولندا