منهاج مادة التربية الإسلامية بين القديم والجديد: مقارنة أولية

شهدت الساحة التربوية والسياسية المغربية نقاشا حادا بعد البيان الصادر عن الديوان الملكي عقب اجتماع المجلس الوزاري المنعقد بمدينة العيون فبراير الماضي والذي تضمن دعوة الحكومة إلى "مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية" في مختلف مستويات التعليم "في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعي إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية".
البيان الذي أعقبته ردود أفعال متباينة بين مؤيدة لهذه "المراجعة" أو رافضة أو متحفظة، تؤطرها خلفيات سياسية وإيديولوجية أكثر مما توجهها منطلقات علمية وتربوية، فسالت أقلام تنويها وترحيبا، أو رفضا واستنكارا بهذه المراجعة.
وتأتي هذه المساهمة انخراطا في هذا النقاش من جانبه التربوي، من خلال دراسة مقارنة أولية ومبسطة بين منهاج مادة التربية الإسلامية للسلكين الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي الذي توقف العمل به متم السنة الدراسية الحالية والذي ستصفه الدراسة "بالمنهاج القديم"، وبين المنهاج المفترض العمل به خلال السنة الدراسية المقبلة كما جاء في الوثيقة الإطار الجديدة الصادرة عن مديرية المناهج والذي ستصفه الدراسة "بالمنهاج الجديد".
أولا: من حيث المنطلقات والاختيارات والتوجهات العامة للإصلاح
إذا كان منهاج التربية الإسلامية الحالي، والذي توقف العمل به متم السنة الدراسية الحالية (2015-2016) تم بناؤه ومراجعته انطلاقا من المبادئ الأساسية والمرتكزات الثابتة والغايات الكبرى التي نص عليها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والاختيارات والتوجهات العامة الواردة في الوثيقة الإطار للإصلاح، فإن المنطلقات العامة للإصلاح المعتمدة في بناء المنهاج الجديد تضيف إلى ذلك مقتضيات الرؤية الاستراتيجية وكذا استراتيجية الوزارة في مراجعة المناهج والبرامج المتمثلة في التدابير ذات الأولوية.
وعليه فإن الاختيارات والتوجهات العامة للإصلاح لم تتغير، فتم بذلك الاحتفاظ بنفس الاختيارات والتوجهات المعتمدة في الإصلاح التربوي في مجالات القيم والكفايات والمضامين.
ففي مجال القيم، تم الإبقاء على القيم المستقاة من المرتكزات الثابتة المنصوص عليها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمحددة في:
- قيم العقيدة الإسلامية.
- قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية.
- قيم المواطنة.
- قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية.
وفي مجال تنمية وتطوير الكفايات، استقر المنهاج الجديد على نفس الكفايات المسطرة في الكتاب الأبيض في جزئه الأول المتعلق بالاختيارات والتوجهات التربوية العامة المعتمدة في مراجعة المناهج التربوية، ويتعلق الأمر بالكفايات الاستراتيجية، والتواصلية، والمنهجية، والثقافية، والتكنولوجية.
وفي مجال المضامين، التي تخدم المواصفات المحددة للمتعلم في كل مرحلة دراسية، تم الاستقرار على نفس المضامين المسطرة بالكتاب الأبيض في جزئه الأول.
ثانيا: من حيث المداخل
بعد صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999 تخلى النظام التربوي بالمغرب عن التدريس بنظام الأهداف للتدريس وفق نظام المقاربة بالكفايات، كما تخلى عن مدخل المكونات والدروس ليعتمد مدخل الوحدات أو المجزوءات. وكذلك بالنسبة للمنهاج الجديد، فقد أكدت الوثيقة الإطار الجديدة على الاستمرار في اعتماد المقاربة بالكفايات في بناء المنهاج الدراسي، مع اعتماد مداخل جديدة هي التزكية والاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة.
فمن خلال توصيف برنامج المادة للسلكين الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي، ومن خلال ملاحظة الدروس المندرجة ضمن كل مدخل من المداخل الخمسة يلاحظ ما يلي:
- اعتماد مبدأ التخفيف من محتويات البرنامج بالنسبة للثانوي الإعدادي: الانتقال من 40 درسا كانت مقررة في المنهاج القديم موزعة على عشر وحدات إلى 20 في المنهاج الجديد موزعة على خمسة مداخل.
- اعتماد مبدأ الاستمرارية في تقديم الدروس في السلكين من خلال الاحتفاظ بنفس المداخل الخمسة في الثانوي بسلكيه: التزكية والاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة.
- المداخل الخمسة تشبه إلى حد كبير المداخل المعمول بها في المنهاج القديم: فمحتويات مدخل التزكية هي نفس محتويات مكون العقيدة والقرآن، ومحتويات مدخل الاقتداء هي نفس محتويات مكون السيرة، ومحتويات مدخل الاستجابة هي نفس محتويات مكون الفقه والعبادات، ومحتويات مدخل القسط هي نفس محتويات مكون الآداب الإسلامية، ومحتويات مدخل الحكمة هي نفس محتويات مكون الأخلاق.
ثالثا: من حيث الغلاف الزمني
الثانوي الإعدادي:
المنهاج القديم:
ينفذ برنامج التربية الإسلامية بكافة المستويات بمعدل ساعة واحدة لكل درس بمجموع 40 ساعة، و16 ساعة مخصصة للأنشطة، و12 ساعة للتقويم والدعم. وبالتالي فالغلاف الزمني السنوي لتقديم مواد مادة التربية الإسلامية هو 68 ساعة.
المنهاج الجديد:
ينفذ برنامج التربية الإسلامية بكافة المستويات بمعدل ساعتين منفصلتين في كل أسبوع بمجموع 68 ساعة سنويا.
يقدم كل موضوع من موضوعات الاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة في حصتين (ساعتين).
تقدم سورة قرآنية في كل أسدوس من كل سنة دراسية.
الثانوي التأهيلي:
المنهاج القديم:
ينفذ برنامج التربية الإسلامية بكافة الجذوع المشتركة بمعدل ساعتين منفصلتين في كل أسبوع خلال دورتين خصص لكل منهما 17 أسبوعا.
ينفذ برنامج التربية الإسلامية بكافة مسالك سلك البكالوريا (الأولى باك) بمعدل ساعتين منفصلتين في كل أسبوع خلال دورتين خصص لكل منهما 17 أسبوعا.
ينفذ برنامج التربية الإسلامية بالسنة الثانية من سلك البكالوريا مسلكي الآداب والعلوم الإنسانية على الشكل التالي:
مسلك الآداب: حصتان منفصلتان في كل أسبوع خلال دورتين خصص لكل منهما 17 أسبوعا.
مسلك العلوم الإنسانية: ثلاث حصص منفصلة في كل أسبوع خلال دورتين خصص لكل منهما 17 أسبوعا.
المسالك العلمية: ينفذ برنامج التربية الإسلامية بالسنة الثانية من سلك البكالوريا بمسالك العلوم بمعدل حصة واحدة في كل أسبوع خلال دورتين خصص لكل منهما 17 أسبوعا.
المنهاج الجديد:
ينفذ برنامج التربية الإسلامية بكافة المستويات بمعدل ساعتين في كل أسبوع.
يقدم كل موضوع من موضوعات الاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة في حصتين (ساعتين).
تقدم سورة قرآنية واحدة في كل سنة دراسية.
رابعا: من حيث المحتوى
الثانوي الإعدادي:
المنهاج القديم:
عدد الدروس المقررة في المنهاج القديم هو 40 درسا موزعة على 10 وحدات، وسورة قرآنية في كل سنة إضافة إلى الأنشطة التطبيقية الداعمة.
المنهاج الجديد:
- تقدم محتويات المنهاج الجديد في كل سنة من سنوات السلك في 20 درسا موزعة على خمسة مداخل هي التزكية والاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة. وتقدم هذه الدروس في حصتين عوض حصة واحدة كان معمول بها في المنهاج القديم، تحقيقا لمبدإ التخفيف، بالإضافة إلى سورتين قرآنيتين كل سنة مع غياب الأنشطة التطبيقية الداعمة.
- من خلال الوثيقة الصادرة عن مديرية المناهج يلاحظ أن محتوى المنهاج الجديد يشبه إلى حد كبير سابقه، فجميع دروسه مطابقة أو تلامس على الأقل دروس المنهاج القديم مع إعادة توزيعها بخصوص سنة تقديمها. فالدرس الأول من السنة الأولى ثانوي إعدادي من مدخل التزكية مثلا "العقيدة الصحيحة والعقائد الفاسدة" هو نفس درس السنة الثانية من الثانوي الإعدادي من وحدة التربية الاعتقادية. ودروس الصلاة من مدخل الاستجابة للسنة الأولى من الثانوي الإعدادي هي نفسها للسنتين الأولى والثاني من وحدة التربية التعبدية للمنهاج القديم، والتغيير الملحوظ هو تقديمها في درسين بالنسبة للمنهاج الجديد وفي أربعة دروس في المنهاج القديم، وهذا ما يفسر تقليص الدروس بالنسبة لكل سنة من 40 إلى 20 في نوع من التخفيف والدمج، وكذا حذف عدد من الدروس خاصة من وحدتي التربية الصحية والوقائية، والتربية الفنية والجمالية، أما وحدة التربية التواصلية والإعلامية فتم الاقتصار فيها على درس واحد هو "العامل الإيجابي مع وسائل الاتصال الحديثة" من مدخل الحكمة للسنة الأولى ثانوي إعدادي.
- بالنسبة لمدخل التزكية: تقدم سورة قرآنية ودرسين في العقيدة في كل دورة.
- يقدم درسان في الدورة بالنسبة لكل مدخل من المداخل الأربعة الأخرى: الاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة.
الثانوي التأهيلي:
المنهاج القديم:
الجذع المشترك:
- ينفذ برنامج التربية الإسلامية بكافة المسالك بمعدل ساعتين منفصلتين كل أسبوع.
- عدد الدروس هو 12 إضافة إلى حصص الأنشطة والتطبيقات موزعة على وحدتي التربية الاعتقادية والتربية التعبدية.
- غياب دروس القرآن الكريم.
ب- السنة الأولى باك:
- ينفذ برنامج التربية الإسلامية بكافة المستويات في حصتين منفصلتين في كل أسبوع، بمعدل ساعة في كل حصة.
- عدد الدروس المقررة هو 12 إضافة إلى حصص الأنشطة والتطبيقات موزعة على وحدتي التربية التواصلية والصحية، والاقتصادية والمالية.
ج- السنة الثانية باك:
- يختلف الحصيص الزمني في تنفيذ برنامج التربية الإسلامية باختلاف المسالك.
- عدد الدروس المقررة هو 12 موزعة على أربع وحدات هي: الوحدة المنهجية والوحدة الفكرية والوحدة الحقوقية والوحدة الاجتماعية، إضافة إلى حصص الأنشطة والتطبيقات وإضافة دروس المؤلفات بالنسبة لمسلك العلوم الإنسانية.
المنهاج الجديد:
جميع سنوات الثانوي التأهيلي بجميع المسالك:
- ينفذ برنامج التربية الإسلامية بكافة المستويات بمعدل ساعتين في كل أسبوع.
- يقدم كل موضوع من موضوعات الاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة في حصتين (ساعتين).
- تقدم سورة قرآنية واحدة في كل سنة دراسية.
- عدد الدروس المقررة هو 20 في كل سنة من سنوات الثانوي التأهيلي بجميع المسالك موزعة على خمسة مداخل هي التزكية والاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة، وسورة قرآنية كل سنة مع غياب الأنشطة التطبيقية الداعمة.
إذا كان محتوى ودروس المنهاج الجديد للثانوي الإعدادي لم يطرأ عليه تغير كبير مقارنة مع المنهاج القديم كما أسلفت، فإن المنهاج الجديد للثانوي التأهيلي تغير بشكل كبير مقارنة مع المنهاج القديم باستثناء دروس مدخل الاستجابة التي مثلت صلة الوصل بين دروس المنهاجين القديم والجديد.
*باحث في التربية والدراسات الإسلامية
[email protected]