من جبال سوس الحمراء إلى جبال الألب الثلجية بفرنسا تمتد قصة حياة جمال لحوسين. هو فلاح ابن فلاح ولد في سوس (قرب مدينة تاليوين). طرد من المدرسة فهاجر إلى فرنسا للعمل في الأفران المشتعلة لشركة الأليمنيوم "بيشيني". وخلال مساره الطويل والصعب، التقى جمال بشخصيات سياسية واقتصادية كبيرة في فرنسا، منهم وزراء أولون مثل "لوران فابيوس" و"بيير موروا"، ورئيس شركة "بيشيني" للأليمنيوم، ورئيس شركة "رونو" للسيارات "جورج بيس"... حيث تفاوض معهم جميعا، الند للند، باسم نقابة "سي إف دي طي" CFDT بهدف تحسين ظروف عيش العمال المغاربة في هذا البلد. وبموازاة ذلك، لم ينس بلده المغرب؛ حيث عاد إليه ليؤسس في منطقة سوس جمعية "الهجرة والتنمية". وهي إحدى أقوى الجمعيات وأكثرها مصداقية في المغرب، تعمل منذ 30 سنة على تقديم خدمات كبرى لمنطقة سوس في مجالات الماء والكهرباء والطرق والتعليم والتنمية المحلية، مثل زراعة الزعفران وإطلاق مهرجان تاليوين للزعفران. في 2003 عاش جمال لحسين تجربة فاشلة في الانتخابات الجماعية بسبب التزوير والفساد، ثم التقى بالملك محمد السادس بعد نجاح جمعيته، كما التقى بالوزير الأول عبد اللطيف الفيلالي وبوزير التعليم رشيد بلمختار لتسهيل فتح مدارس لمحاربة الأمية. وكانت الصحافية الكبيرة زكية داوود قد خصصت كتابين اثنين لدراسة تجربة جمعية "الهجرة والتنمية". واليوم صدرت السيرة الذاتية لمؤسس الجمعية جمال لحسين بقلم الصحافي الفرنسي إيف بورون (عن دار النشر الفرنسية بيبلوسيد). إنها سيرة بمثابة تحية للمهاجرين المغاربة عموما وللعمل الجمعوي. في الحياة كلنا نهاجر إلى فكرة ما أو إلى مكان ما، كما يقول المفكر الكبير عبد الله العروي. الحلقة 7 دخلنا مرحلة معقدة؛ بحيث أخبرنا المدراء بإغلاق المصنع في نهاية 1985، واستطاعوا أن يجعلوا الحكومة ترفض شراء المصنع من قبل شركة "كايزر" الأمريكية. فهددنا بأن نأخذ المصنع ونسيره بأنفسنا وقلنا، ونحن في الواقع غير مقتنعين تماما بتلك الفكرة: "سنطردكم جميعا وسترون أن شركة لارجونتيير ستعمل عن طريق التنظيم الذاتي". بدأ جورج بيس يتحدث إلينا بأسلوب دون المستوى فسألنا: "من أين ستأتون بالألمنيوم؟" فكان جوابنا له كالتالي: "لدينا فروع نقابية في غاردون وسنحتل المنجم والمصنع للحصول على الألمنيوم. إن هذا المعدن ليس في ملكيتكم إنه ملك للشعب، وغاردون ملك للجماعة وليس في ملكيتكم. وإذا تطلب الأمر ذلك سنأتي بالألمنيوم من إفريقيا التي تقومون باستغلالها. وسنفعل مثلكم وسيصبح لنا زبناء يشترون هذا المعدن من غينيا". (...) وانطلاقا من تلك اللحظة، فهمت أن العولمة جعلت سلطات الدولة تتهاوى، وأن نفوذ الشركات الكبرى أصبح أقوى بكثير من نفوذ رجال السياسة، وأصبح الوزراء عاجزين عن تدبير السياسات الصناعية. فباستثناء ما يتعلق بالضرائب، لم تعد القرارات تؤخذ على الصعيد الوطني. وقد سبق لي أن قلت ل "لورون فابيوس" ول"روديي" مدير ديوان "بيير موروا": "لقد انتهى أمركم. السلطة اليوم أصبح يمتلكها آخرون غيركم. ومن الأفضل لكم أن تحاولوا إقناع بيشيني عوض أن تقنعوا أنفسكم". كما قلت ل "غاسطون دوفير"، الوزير والعمدة السابق لمارسيليا، "إنك تطبق اللامركزية وإعداد التراب الوطني في وقت لم تعد للدولة أي سلطة! لم تعد للبلد صناعات على المستوى الجهوي لأن الصناعات أصبحت موجودة على الصعيد العالمي. فكيف يمكن لسياستك في مجال اللامركزية أن تؤثر على القرارات؟". بفضل جهدنا ومثابرتنا، نجحنا في توقيع اتفاقية أهداف بين الدولة و"بيشيني" تنص على تحويل شامل لجميع مناصب الشغل التي ضاعت وعلى ضمان العمل لجميع العمال، سواء عبر إدماج بعضهم في معامل المجموعة أو عبر حصولهم على التقاعد ابتداء من سن الرابعة والخمسين، أو عبر حصولهم على علاوة كبيرة تصل إلى 130 ألف فرنك (20 ألف يورو) من أجل التحول إلى ممارسة مهنة جديدة. أصبحت طالبا في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية اقترحت، في نهاية المطاف، على "بيشيني" أن أتابع تكوينا في باريس، وبالتالي لم أكن الشخص الذي كلفهم أكبر ثمن؛ بحيث قامت الشركة بتأدية أجري الشهري لمدة سنتين إلى جانب مصاريف التنقل بالقطار. (...) ذهبت إلى شارع "راسبايل" لأسجل نفسي في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا في العلوم الاجتماعية. وأخذت، مثل أي مبتدئ، دفتر الطالب وحصلت على برنامجي الدراسي، وطيلة سنتين، من 1985 إلى 1986، كنت سعيدا وأنا أسافر باستمرار بين "لارجونتيير" وباريس. لقد عدت إلى المدرسة بافتخار كبير. فأنا لم أعد أبدا إلى الدراسة منذ أن غادرت، مرغما، ثانوية وارزازات باستثناء بعض الدورات التكوينية التي تلقيتها في نقابة "سي إف دي طي". وقد تلقيت تشجيعا كبيرا من زوجتي "جانيت" عندما رأتني أدرس مواضيع تهمها هي أيضا لأنها كانت أستاذة للتاريخ والجغرافية. وكانت دراستي يتقاطع فيها علم الاجتماع مع التاريخ، مما سمح لي بالقيام بعمل تركيبي لسنوات نضالي، وبأن آخذ مسافة للتفكير والتأمل في تجربتي. يتبع... * من كتاب: "جمال لحسين - قصة نضال من أجل الهجرة والتنمية" يُنشر على هسبريس بتقسيم على حلقات يومية.