لا أدري كيف تداعت فئة من الطبقة السياسية كما تتداعى القطعان في ترديد مصطلح التحكم، ترديدا ببغاويا، ينعقون به بانتشاء بالغ، وبتفاخر طافح وكأنما وضعوا أيديهم على كشف سياسي رائد في علم الاصطلاح السياسي، غير أن الذي أدريه وأفهمه وأزدريه في نفس الوقت هو أن لعبة استبلاد الناس واستحمار المواطنين، بل واستصغار ذكاء المغاربة أصبحت حرفة ممتهنة من قبل بعض السياسيين الذين اجتمعت فيهم البلادة مع التكالب على لعق لبن الريع السياسي. وإذن فهل يستقيم عقلا ومنطقا أن ينعت حزب سياسي فاقد للسلطة بمعناها الإداري، أن ينعت بالتحكم في الحياة السياسية، حتى ولو كان هذا الحزب نشيطا كالأصالة والمعاصرة، ولماذا لا يمتلك هؤلاء المدعون للعبقرية السياسية، الشجاعة في تسمية الجهات التي يظنونها داعمة لهذا الحزب من دونهم، وإذا كانت هذه الجهات كما يظنون هي السلطة العليا في البلاد فلماذا يدوخون وعي المواطن بارتداء رداء الطهرانية، وهم جميعا يعرفون كيف تسبغ عليهم هذه السلطة العليا من نعمها وعطاءاتها، بدءا من نعمة الوجود فالتشكل فالتألق، يغترفون النعمة السياسية ويتظاهرون بالتعفف، يستوي في ذلك من كان شيوعيا أو اشتراكيا أو وطنيا تقليديا أو إسلاميا، فكل الأحزاب السياسية من نسل واحد، ووعي المواطن لم يعد ينطلي عليه أن يفرق بين أحد منهم، حتى ولو دأب خطباء نظرية التحكم أن يخرجوا على الناس رافعين لعقيرتهم نافخين لأوداجهم مهددين وداعين بالويل والثبور وعظائم الأمور. هؤلاء الذين يغنون للشعب هذه الأيام معزوفة التحكم، ويخلعون هذه الصفة على حزب الأصالة والمعاصرة، هؤلاء يقدمون خدمة مجانية لهذا الحزب، ويتفانون بغباء سياسي في الدعاية له بحملة انتخابية قبل أن يحل أوانها يوم سابع أكتوبر القادم، إنهم بذلك يظهرون للرأي العام بمظهر التباكي والصغار، ويقولون للشعب المغربي إن نتائج استحقاقات السابع من أكتوبر قد حسمت لصالح الحزب الموصوم بالتحكم أو الموسوم به، فالأمر سيان، لأنه الحزب الحظيظ برضا السلطة العليا في البلاد، والحظي بسبق رعايتها، وهم بذلك يزرعون العزوف السياسي لدى القوى الحية والواعية من الشعب، فيحيدونها عن المشاركة الانتخابية، ويلغون دورها وقدرتها على الإفراز الشعبي للخارطة السياسية العصية على الاحتواء، وهم بذلك يصنعون بالفعل الملموس، التحكم في المنازلة الانتخابية، ومن جهة أخرى فإن هؤلاء العباقرة الجدد في علم الاصطلاح السياسي بإضفائهم صفة التحكم على حزب الأصالة والمعاصرة، يفتحون أمام الرأي العام باب الاصطفاف الكثيف وراء هذا الحزب، لأنه سيصبح في نظر الجميع الحزب القوي المدعوم، وهذا كفيل باستمالة واسعة لقوى المال والأعمال والمصالح، القوى التي تنتهز على الدوام فرص التقرب من السلطة، فتسند الحزب سندها لمصالحها، ومن ثم يتحول نفير الحرب على الحزب دعاية ممنوحة وهبة مسداة . وإذن فمن جمع الشامي على المغربي في دق طبول الحرب على الحزب الذي يرتعبون منه ويهبون لخدمته من حيث لا يشعرون أو من حيث يشعرون، وكم ذا تسخر الحقيقة من الزعماء السياسيين وهم يتزايدون على ما يعتبرونه شتيمة سياسية، تزين لهم أنفسهم أنهم يتجاسرون بالاختيال في إعلانها. ألا فليهنأ حزب الأصالة والمعاصرة، فإن من الزعماء السياسيين المحنكين غباء من يخدمه بدون أن يكلف الحزب عناء أو أداء . إن الإيمان بفضيلة الديموقراطية تقتضي من الزعماء السياسيين الترفع عن صناعة الأوهام لدى القواعد الحزبية أو الرأي العام، وأن يترفعوا عن الخطابات المضللة، وأن يكفوا عن التصوير الساذج بالإحالة على النظام البائد في تونس نظام بنعلي، فالفرق كبير بين النسق السياسي في المغرب وبين الأوضاع البائدة في تونس، كم هو عسير إذن فقه السياسة.