التقرير الأممي المرتقب حول الصحراء بين فرضيات انزلاقات بان كي مون وحكمة أعضاء مجلس الأمن يعتبر أبريل الجاري شهر "الحسم النسبي" لملف الصحراء، الذي كاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن ينسف مساره نتيجة انحيازه السافر إلى أطروحة الجزائر والبوليساريو، انحياز اعتبره عدد من الباحثين أهم ما يميز سياق التقرير المرتقب الذي سيقدمه الأمين العام الأممي لمجلس الأمن الدولي يوم 15 أبريل 2016. ومن هذا المنطلق ينتظر الرأي الوطني والإقليمي والدولي مدى حياد وموضوعية الأمين العام للأمم المتحدة وهو يقدم تقريره بخصوص زيارته الأخيرة إلى الجزائر ومخيمات تندوف ومنطقة "بئر لحلو"، وأزمته مع المغرب التي كانت وراء ترحيل بعض أعضاء البعثة الأممية، ومآل هذه البعثة، ووضعية حقوق الإنسان بالصحراء ومخيمات تندوف، وكيفية إيجاد حل تفاوضي بين طرحين متناقضين لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية؛ طرح مغربي إطاره مقترح الحكم الذاتي الموسع لأقاليم الصحراء، وطرح جزائري إطاره الاستفتاء وتقرير المصير. لكن، ورغم كل ذلك هناك عدة مؤشرات تؤكد أن التقرير السنوي المرتقب للأمين العام حول الصحراء ليوم 28 أبريل 2016 يمكن أن يحافظ على بعض الثوابت، مع إدخال بعض التغييرات على شكل ومضمون وتوصيات التقرير، نتيجة توافق القوى العظمى ذات العضوية بمجلس الأمن الدولي مع الأمين العام للأمم المتحدة على التصويت على قرار يرضي كل الأطراف، وتمديد عمل البعثة الأممية لسنة، مع حث المغرب والبوليساريو والجزائر على العودة للتفاوض على أسس صلبة والثقة المتبادلة. وهذا السيناريو الأكثر توقعا بهدف استمرار الوضع القائم (لا حرب ولا سلم) لكونه حلا وسطا يرضي كل الأطراف، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية ومقاربة شمولية وإستراتيجية عند هذه الدول لوضع حد نهائي لنزاع الصحراء. ولتقريب القارئ من التقرير الأممي المرتقب تقديمه أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي نقدم هذه المقاربة المتواضعة. سياق مناقشة التقرير السنوي حول تطورات الوضع بالصحراء سياق صعب ودقيق شعاره العريض أزمة متعددة الأطراف والأبعاد، هيمن عليها تخلي الأمين العام للأمم المتحدة عن حياده وموضوعيته في نزاع الصحراء. أخلاقيا وسياسيا وقانونيا، الأمين العام بموجب ميثاق الأممالمتحدة ملزم بالحياد و"الدبلوماسية الوقائية"، بوصفه متحدثا باسم المجتمع الدولي، وخادما للدول الأعضاء؛ لذلك تفرض أسئلة نفسها في هذا السياق، من قبيل: هل سيلتزم بان كي مون بالحياد والموضوعية في تقريره الذي سيقدمه لمجلس الأمن يوم 15 أبريل 2016 في ظل الأزمة التي تسبب في إحداثها مع المغرب؟ وهل سيتخلى عن ثقافة الانتقام من المغرب بإصدار تقرير "مسموم" ضده، تحت أسماء أملتها عليه المخابرات الجزائرية؟ وهل ستتدخل القوى العظمى للحفاظ على التوازن في هذا التقرير إذا ما انزلق بان كي مون في تقريره؟ وهل سيستغل نهاية ولايته على رئاسة هيئة الأممالمتحدة هذه السنة لتصفية حساباته مع المغرب وإدخال ملف الصحراء إلى مرحلة أكثر صعوبة؟ التقرير المرتقب بين إمكانية الالتزام بالموضوعية وإمكانية الانتقام من المغرب مضمون التقرير الذي سيقدمه الأمين العام أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي حول موضوع الصحراء ل28 أبريل 2016 سيثير الكثير من المداد، خصوصا على مستوى منهجية صياغته المتعلقة بالقضايا التالية: علاقة المغرب بصحرائه- موقف الأممالمتحدة من طرد بعض عناصر البعثة الأممية- موضوع استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة - مسالة عودة البعثة الأممية للصحراء- صلاحيات البعثة الأممية لمراقبة حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية– مدى التزام الأطراف باحترام وقف إطلاق النار- الاتفاق على مرجعيات التفاوض-شروط إعادة فتح مركز الاتصال العسكري الذي أغلقته المملكة بالداخلة- مسألة التمديد للبعثة الأممية. وعلى هذا الأساس يتابع الرأي الوطني والإقليمي والدولي – بحذر- شكل ومضمون التقرير المرتقب ليدرك مدى التزام الأمين العام للأمم المتحدة بالحياد أو التمادي في معاداة المغرب في موضوع يعتبره المغاربة مسألة وجود وليس مسألة حدود. وعليه فمطلوب من الأمين العام للأمم المتحدة الالتزام بالمعايير الأخلاقية التي نادى بها أثناء انتخابه أمينا عاما قائلا: "سأسعى إلى تطبيق أعلى مستوى المعايير الأخلاقية. إن السمعة الطيبة للأمم المتحدة رصيد من أثمن أرصدتها -- ولكنه أيضا واحد من أشد أرصدتها تعرضا للخطر". أهم محاور تقرير الأمين العامل للأمم المتحدة المرتقب ينتظر الرأي العام الدولي عموما والمغربي والجزائري خصوصا محاور التقرير الأممي الذي سيقدم يوم 15 أبريل، والذي ينتظر أن يحافظ على بعض ثوابت التقارير السابقة، مع إمكانية إدخال بعض التعديلات عليه، لذلك فلن يخرج تقرير 2016 عن شكل التقارير السابقة من حيث جرد المرجعيات القانونية وتشخيص الوضع بالصحراء المغربية وبمخيمات تندون بالجزائر من أبريل 2015 إلى 30 أبريل 2016، وتقديم الملاحظات والتوصيات وفق تقرير مبعوثه الشخصي في المنطقة كريستوفر روس، من خلال زياراته المتتالية ومتابعاته لمسار المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر. وسيتضمن التقرير تقييم الأممالمتحدة لمدى التزام الطرفين بتدابير بناء الثقة ومدى احترام الطرفين لاتفاق وقف إطلاق النار، كما سيقدم ملاحظات حول حقوق الإنسان في المنطقة، مع حث المغرب على إعادة فتح مركز الاتصال العسكري الذي أغلقه بالداخلة، ومسألة التمديد للبعثة الأممية، وتحديد مهامها وإيجاد حلول لتمويل أنشطتها بعدما توقف المغرب عن مساهماته المالية. لكن التقرير لن يخلو-أيضا- من بعض المفاجآت التي سيقدمها الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي، والتي ستكون من المحاور الساخنة بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي من جهة، والجزائر والبوليساريو والمغرب من جهة أخرى. المحاور التي يمكن أن تزعج المغرب في التقرير المرتقب المغرب يوجد في وضعية – نسبيا- مريحة، خصوصا بعد تأكيد فرنساوالولاياتالأمريكيةالمتحدة جدية ومصداقية مشروع الحكم الذاتي المغربي كإطار للتفاوض. لكن هذا لا يعني أن المغرب سيكون في نزهة دبلوماسية بالأممالمتحدة وبمجلس الأمن الدولي ما بين 15 إلى 29 أبريل 2016، بل عليه الاستعداد لحرب نفسية وإعلامية وسياسية ودبلوماسية شرسة ودنيئة من طرف الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا وبعض دول الاتحاد الإفريقي، ومجلس السلم والأمن الإفريقي التابع للمنظمة القارية، وبعض المنظمات المناوئة للمغرب ومصالحه الخارجية. ومن أهم القضايا التي ستحاول هذه القوى الضغط بها على المغرب نذكر: دعوة مجلس الأمن الدولي إلى إلزام المغرب بعودة المكون المدني لبعثة "المينورسو" بعد أن قررت المملكة طرد عدد من أفرادها - اتهام المغرب نهب ثروات الصحراء – خرق حقوق الإنسان بالصحراء- تحديد طبيعة عمل بعثة الأممالمتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء- تطورات الخلاف بين الأمين العام للأمم المتحدة والسلطات المغربية. لكن يمكن أن يتضمن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بعض المفاجآت والتوصيات، منها توصية بتمديد صلاحيات "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، كنوع من "الانتقام" وإلزام المغرب بإعادة المكون المدني لبعثة "المينورسو"، مما سيسبب حرجا كبيرا للمملكة. التقرير الأممي بين التوافق على الحلول التكتيكية وغموض الآفاق الإستراتيجية سيكون النقاش حول قرارات وتوصيات التقرير صعبا للمغرب، لكن القوى العظمى، وبالخصوص فرنسا وأمريكا، ستعمل على إدخال تعديلات عليه ترضي أطراف النزاع، حفاظا على التوازنات الدولية، من خلال تمديد مهام "المينورسو" سنة جديدة أخرى كالمعتاد، ودعوة المغرب والبوليساريو معا إلى "ضرورة الانخراط في مسار المفاوضات بدون شروط"، دون إحداث أي تغيير جذري في هذا المسار التفاوضي، خصوصا وأن تقديم التقرير يتزامن أيضا مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية. الحل الجوهري والإستراتيجي لنزاع الصحراء ليس بالسهل أو القريب يصعب سياسيا تصور حل نهائي ومقبول وقريب دون توافق المغرب والجزائر، فمفتاح حل النزاع لا يوجد بين أيدي الأممالمتحدة أو مجلس الأمن الدولي أو بين أيدي القوى الكبرى، بل هو بأيدي المملكة المغربية والجزائر، خصوصا هذه الأخيرة التي أنفقت أكثر من 800 مليار دولار على جبهة البوليساريو بدل استثمارها على تنمية الشعب الجزائري. نعم الجزائر التي أصبحت تعاني من عقدة تاريخية ونفسية اسمها المغرب. وفي انتظار تغيير في بنية النظام الجزائري، وفي عقليات قادته، أعتقد أن السيناريو الأقرب الذي سيخرج به مجلس الأمن الدولي بعد مناقشة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة هو استمرار الوضع القائم، لا حرب ولا سلم. وفي خضم هذه التوقعات، ستعمل القوى العظمى خصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا، على إصدار قرار يرضي جميع الأطراف، ولا تخرج توصياته العامة عن مضامين التقارير السابقة في التأكيد على "دعم حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، يوفر تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية"، وتمديد عمل بعثة الأممالمتحدة إلى أبريل 2017، بهدف تخفيف أجواء التوتر بين أطراف الصراع، مع دعوة الأطراف إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، وفق مضمون المادة السادسة من ميثاق الأممالمتحدة، التي تقتضي البحث عن حل سلمي متفاوض بشأنه يرضي جميع الأطراف. وعليه، نقول إن أعضاء مجلس الأمن الدولي سيكونون براغماتيين مع المغرب والجزائر، وسينظرون إلى حل نزاع الصحراء من زاوية مصالحهم الاقتصادية والجيو-سياسيىة. بالنسبة للمغرب سيتدخل مجلس الأمن لطي صفحة الخلاف مع الأمين العام بان كي مون مع قرب انتهاء ولايته، ودعوته قبول عودة المكون المدني لبعثة "المينورسو"، وعدم توسيع صلاحيات البعثة الأممية. أما بالنسبة للجزائر، فسيتدخل المجلس للرفع من المساعدات الإنسانية والمالية، بهدف امتصاص الاحتقان الشعبي داخل مخيمات تندوف، في ظل عجز الاقتصاد الجزائري عن أداء التكاليف والمصاريف الباهظة لجبهة البوليساريو والمخيمات، بعد تراجع عائدات البترول التي كانت تعتمد عليها في خوض حرب استنزاف خاسرة مسبقا ضد المغرب، وأيضا سكوت فرنسا عن اختلاسات المساعدات الدولية والأوربية الموجهة لمخيمات تندوف من طرف قادة الجزائر والبوليساريو. لكن هناك أسئلة حارقة لا يمكن السكوت عنها: هل سيستفيد المغرب من المحن والأزمات التي عرفها تدبير ملف الصحراء سنة 2016؟ إلى متى سيبقى يقبل المسكنات التكتيكية في ملف الصحراء؟ ولماذا لا ينزل مشروع الحكم الذاتي بالمناطق الجنوبية؟ وإلى متى سيقبل التفاوض مع قادة البوليساريو الفاقدة للمشروعية التمثيلية لكل الصحراويين؟ ولماذا لا يعتمد على الطاقات البشرية الصحراوية بكل أطيافها للتفاوض مع قادة البوليساريو، مادام أن هذه القيادة لا تمثلهم؟ تلك مجرد أسئلة في حاجة للإجابة عليها، ليس من طرف الإعلاميين والمحللين السياسيين، ولكن من طرف المسؤولين المباشرين عن تدبير الملف الصحراء، الذين أصبحوا ملزمين دستوريا بتقديم المعلومة للرأي العام حول تطورات ملف قضيته الوطنية الأولى. *أستاذ التعليم العالي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال [email protected]