انتقد عدد من الفاعلين غياب الإرادة السياسية في المغرب لتمكين الجالية المغربية في الخارج من حقي الترشح والتصويت، رغم توالي الخطابات الملكية التي تدعو إلى ضرورة إشراك هذه الفئة، وتنصيص مواد دستور 2011 على حق هذه الفئة في المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية. جاء ذلك خلال ندوة نظمها المرصد الوطني لحقوق الناخب، بشراكة مع مؤسسة "كنراد أدناور" الألمانية، وضمنها شدد عبد الحفيظ أدمينو، نائب رئيس المرصد الوطني لحقوق الناخب، على أن الخطب الملكية، خاصة خطاب السادس من نونبر 2005، دعت إلى اعتماد عدد من التدابير من أجل ضمان مشاركة أنسب للجالية في الحياة السياسية، من خلال إحداث دوائر في الخارج وتمكين الأجيال الجديدة من حقي الترشح والتصويت، بالإضافة إلى إحداث مجلس للجالية. وذكر أدمينو بأن هذه الإرادة تم تفعيلها من خلال الوثيقة الدستورية، حيث تم إقرار هذا الحق، بالإضافة إلى إقرار قانونين تنظيمين يمكنان الأجيال الجديدة من التصويت؛ في حين أكد أن أحزابا سياسية تنتمي إلى المعارضة لامست مسألة المشاركة السياسية، في حين أنه على المستوى الحكومي لم تتخذ أي خطوات واضحة في هذا الموضوع، رغم بداية المشاورات حول الاستحقاقات الانتخابية القادمة. ووجه المتحدث ذاته سهام انتقاده إلى أحزاب الحكومة، معتبرا أن مسألة مشاركة الجالية في الانتخابات لم تحظ بعد باهتمامها من أجل تحويل هذا الحق إلى واقع يمكن أن يعيشه أبناء الجالية المغربية في الخارج. بدوره أكد الأستاذ الباحث في شؤون الهجرة عبد الكريم بلكندوز أن الخطب الملكية والدستور كانا واضحين في مسألة التنصيص على حق مغاربة العالم في التصويت والترشح؛ فيما تم التأكيد منذ سنوات على منهجية تدريجية من أجل ولوجهم إلى الحياة السياسية. لكن هذه المنهجية، يقول بلكندوز، لم تفعل، رغم توالي الانتخابات. وأضاف بلكندوز أن الحكومة تتحجج بالصعوبات المادية والسياسية، وبأن الأمور غير ناضجة بعد، رغم مطالبة عدد من الأحزاب بأن تكون الجالية المغربية المقيمة في الخارج ممثلة في البرلمان. وانتقد المتحدث ذاته عددا من الأحزاب التي كانت ترافع من أجل المشاركة السياسية للمهاجرين، لكن بعد دخولها للحكومة تنصلت من المطالب التي كانت ترفعها، على غرار حزب العدالة والتنمية، مضيفا أن رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، يتحجج بوجود صعوبات مادية تقف أمام تكريس هذه المشاركة وتنزيلها على أرض الواقع. وتساءل بلكندوز عن مدى تحقيق المواطنة الكاملة بالنسبة لمغاربة العالم، في ظل عدم مشاركتهم في الانتخابات ترشحا وتصويتا، كما استغرب كيف لأحزاب سياسية أن تناقش موضوع اللوائح الانتخابية، وكذا العتبة، دون أن تتحدث عن مسألة مغاربة العالم. أما غسان لمراني، الأستاذ الباحث في جامعة محمد الخامس بالرباط، فشدد على أن تعزيز صورة المغرب من الناحية الديمقراطية يرتبط بتعزيز المشاركة السياسية لمغاربة الخارج، مؤكدا على ضرورة فهم الوثيقة الدستورية وتحديد كيفية هذه المشاركة. وقال عبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية، إن المغرب تأخر كثيرا في إقرار حق مشاركة الجالية في الانتخابات، نظرا لعدد من الاعتبارات التي تنطبق على الانتخابات داخل المغرب، والتي أجملها في صعوبة إجراء هذه الاستحقاقات وكلفتها المادية؛ في حين دعا إلى ضرورة تمكين المغاربة المقيمين في الخارج من حقهم في الترشح والتصويت. وشدد حامي الدين على أن هناك ضغطا من عدد من الأحزاب المغربية من أجل إقرار هذا الحق، فيما عرج على خطب ملكية دعت إلى إشراك مغاربة العالم في الحياة السياسية، منذ خطاب السادس من نونبر 2005، الذي تعهد بمنح حق المشاركة لهذه الفئة، ليتم بعد ذلك تأسيس مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، الذي "جاء مكان إقرار مشاركة مغاربة الخارج في الانتخابات"، حسب تعبيره. وتابع القيادي في حزب العدالة والتنمية بأن المعارضة قامت بتقديم عدد من المقترحات بعد خطاب الملك محمد السادس، قبل أن يتم إقرار هذا الحق في الدستور الجديد، مضيفا أنها "كانت تعتبر إقصاء الجالية من التمتع بحقها غير مفهوم، ما دفع الوزير الأول آنذاك إلى تقديم وعد بدراسة موضوع مشاركة مغاربة الخارج في الحياة السياسية". وأورد حامي الدين على أنه "آن الأوان لفتح نقاش جاد حول هذا الموضوع"، مضيفا أن هناك تحفظا من وزارة الداخلية يقف أمام مشاركة الجالية المغربية في الانتخابات، ونافيا أن تكون الأحزاب السياسية وراء عدم إقرار تصويت هذه الفئة. أما الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال، عادل بنحمزة، فأوضح هو الآخر أن مشاركة مغاربة العالم في الحياة السياسية تعتبر جزءا أساسيا من التزامات المغرب الدولية، مشددا على أن الحقوق المدنية والسياسية يجب أن ترافق المغربي أينما كان؛ كما أضاف أن هذه المسألة ليست جديدة. وأقر بنحمزة بأنه "يوجد التفاف على هذا الموضوع منذ سنوات؛ في حين يتم ترويج أن الجالية المغربية يسيطر عليها مكون معين"، مضيفا: "أبدعنا مقولة غياب الإرادة السياسية، وأن الأمر لم ينضج بعد، في حين أن أعلى سلطة في البلاد دعت في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء سنة 2005 إلى ضرورة إشراك مغاربة العالم في الانتخابات". وقال الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال إن وزير الداخلية يتجاوز صلاحياته ويدفع بعدم دستورية هذه المشاركة رغم إقرارها في دستور 2011، مضيفا أن حزبه قدم مقترح قانون لإحداث دوائر تشريعية في الخارج، وتم تأجيل مناقشته بطلب من وزارة الداخلية، بسبب ضغط الأجندة الانتخابية، إلا أن "الحزب تشبث بضرورة المشاركة السياسية لمغاربة العالم"، حسب تعبيره. وشدد المتحدث ذاته على أنه "لا أحد يتمتع بحق حرمان المغاربة من التصويت، نظرا لأن الحقوق السياسية والمدنية لا تسقط إلا بحكم قضائي، في حين أن أكثر من خمسة ملايين مغربي يقيمون في الخارج"، مضيفا أن جميع الدول المجاورة للمغرب أقرت هذا الحق. أما البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية نزهة الوافي فشددت هي الأخرى على أن مشاركة مغاربة العالم في الانتخابات تعد الملف الوحيد الذي ينتظر الإنصاف، على مختلف المستويات، مضيفة أن "المغرب منفتح في جميع المجالات إلا في هذه القضية". وحذرت الوافي من تهديدات الجماعات الإرهابية و"دعشنة" المهاجرين المغاربة؛ فيما اعتبرت أن إشكال المشاركة "سياسي محض"، مؤكدة على ضرورة اعتماد رؤية متعددة الأبعاد لكي يشارك مغاربة العالم في الاستحقاقات الانتخابية.