ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التخلص من الفرنسية وتدريس الإنجليزية مصلحة أمازيغية مغربية
نشر في هسبريس يوم 30 - 03 - 2016

الفرنسية لغة رسمية للدولة المغربية على أرض الواقع ولا ينقصها إلا الترسيم الدستوري الشكلي. وأسباب هيمنة الفرنسية على المستويات العليا من الإدارة والاقتصاد والتعليم العلمي متعددة وأهمها:
- أن الاحتلال الفرنسي الاستيطاني بنى الدولة المغربية الحديثة منذ 1912 وحدد أهم ملامحها من حيث الشكل والمحتوى بدءا باللغتين الرسميتين للدولة: الفرنسية والعربية، والراية المغربية الجديدة (منذ 1915)، وموسيقى السلام العسكري للحرس الشريف الملكي التي أصبحت لاحقا موسيقى النشيد الوطني، والعاصمة الجديدة الرباط (بدل فاس)، وتغيير لقب "السلطان" إلى لقب "الملك"، وآلاف القوانين المدنية الجنائية والعقارية والضريبية والعسكرية الجديدة، والإدارات الجديدة، والجيش المغربي الجديد، والشرطة الجديدة، وبناء الموانئ والمطارات، والثانويات التعليمية الجديدة، وحتى تأسيس الشركات الاقتصادية الكبرى التي مازالت لحد الآن بالمغرب مثل شركة الستيام CTM التي تأسست عام 1919 وشركة براسري المغرب Brasseries du Maroc للمشروبات الكحولية التي تأسست عام 1919 والمكتب الشريف للفوسفاط OCP الذي تأسس عام 1920 وبنك القرض العقاري والسياحي CIH الذي تأسس عام 1920 وشركة إسمنت المغرب Ciments du Maroc التي تأسست عام 1951، وميناء الدار البيضاء (أنفا) الذي اكتمل بناؤه عام 1917.
- اعتماد المغرب منذ الاستقلال على استيراد معظم الأشياء من فرنسا، من المقررات المدرسية والجامعية إلى الأواني المطبخية والأسلحة العسكرية والجرائد الفرنسية والأفلام الأمريكية المدبلجة إلى الفرنسية.
- لم تتطور الأمازيغية والدارجة والعربية بما يكفي لتلعب الأدوار الوظيفية في المستويات العليا العلمية والتقنية والاقتصادية.
- انعدام وجود مجتمع علمي (للعلوم الحقيقية كالفيزياء والبيولوجيا وليس "العلوم الدينية") يكتب بالأمازيغية والدارجة والعربية بسبب خروج المغرب لتوه من الاحتلال والتخلف طويل الأمد.
- منذ الاستقلال وإلى حد اللحظة يتهافت المغاربة على الفرنسية لضمان المناصب و"الحطة الاجتماعية" بسبب شيوع العقلية الطبقية في المجتمع ورسوخ فكرة لدى المواطنين مفادها أن "الفرنسية هي لغة الصعود الاجتماعي".
ولا يفوتنا أن نتذكر معا السلوكات الاجتماعية والثقافية والسياسية المنافقة المرتبطة بالتعامل مع الفرنسية، حيث نجد الناس (سواء كانوا أناسا عاديين أو سياسيين أو مثقفين) يلعنون الفرنسية في العلن ويتهافتون عليها في حياتهم اليومية ويحرصون على تعليمها لأطفالهم وتسجيلهم في المدارس الفرنسية بالمغرب وفي مدارس القطاع الخاص.
1) لماذا بقي المغرب تحت هيمنة اللغة الفرنسية بعد 1956؟
تعرض المغرب للاحتلال الفرنسي الإسباني بعد غزو مسلح استمر من 1907 إلى 1934. وتسبب هذا الاحتلال في تدمير أو إضعاف البنيات الاجتماعية والقبلية المغربية الأمازيغية وإلحاق ضرر بالغ بمجال انتشار اللغة الأمازيغية، مقابل استيطان اقتصادي فرنسي/إسباني صاحبه استيطان لغوي وإداري فرنسي/إسباني.
واعترفت سلطة الاحتلال الإسباني بالعربية لغة رسمية إلى جانب الإسبانية ولم تعترف باللغة الأمازيغية. وكذلك اعترف الاحتلال الفرنسي بالعربية لغة رسمية له بجانب الفرنسية ولكنه لم يعترف أبدا باللغة الأمازيغية لغة رسمية له.
وأعطى الاعتراف الاستعماري باللغة العربية لغة رسمية بجانب الفرنسية (أو الإسبانية) مكانا أتوماتيكيا للدارجة كلغة شفوية ملحقة بالعربية الكتابية، وهذا ما رسخ مكانة الدارجة كلغة شفوية في الإدارات لها وظيفة ملحقة تابعة للعربية والفرنسية.
و"الجريدة الرسمية" المغربية صدرت أول مرة في عام 1913 من سلطة الاحتلال الفرنسي باللغتين العربية والفرنسية، ومازالت تصدر إلى اليوم بنفس اللغتين الرسميتين للدولة: العربية والفرنسية. ويتبع المغرب منذ 1912 ولحد الآن ازدواجية لغوية عربية فرنسية بشكل أتوماتيكي حتى أصبحت هذه الازدواجية من البديهيات الذي تمارسها كل المؤسسات الرسمية والاقتصادية ليس فقط في مجالات اشتغالها الداخلية بل حتى في التواصل الكتابي والإعلامي مع الشعب رغم غياب أي مبرر اجتماعي أو منفعي لذلك.
وإذا كان استعمال الاحتلال الفرنسي للغة الفرنسية مبررا بكونها لغته فإن استمرار الدولة بعد 1956 في نهج سياسة الازدواجية اللغوية العربية الفرنسية غير مبرر بتاتا لأن الغالبية من المغاربة كان أميين منذ 1956 وطيلة الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات وبالتالي فلا معنى لكتابة الوثائق الرسمية والإعلانات الرسمية بالفرنسية لشعب لا يقرأ معظمه الفرنسية. الأمر يبدو وكأنه تماه وتقليد.
التماهي مع فرنسا ومحاولة التشبه بها في كل شيء تبرر سايكولوجياً هذه الظاهرة المغربية العجيبة. وهذا في حد ذاته ليس عيبا ولا جريمة ولكنه يصبح عيبا وجريمة حينما يتم معه سحق اللغة الأصلية للمغرب التي هي الأمازيغية وعدم تدريس وكتابة لغة شعبية أخرى هي الدارجة. فبقدر ما استمتعت العربية والفرنسية بالرعاية الرسمية في التعليم والإعلام والإدارة منذ 1956 بقدر ما أمعنت الدولة في منع الأمازيغية في التعليم والإعلام والإدارة. أما عناية الدولة المغربية بالعربية منذ 1956 فهو مبرَّر أكثر من أي شيء آخر بالطابع الديني للعربية والطلب الشعبي عليها كلغة دينية. فباستثناء الوظيفة الدينية للعربية ووظيفتها الأدبية في التعليم والإعلام والمستويات السطحية والدنيا من الإدارة لم تلعب العربية أي دور محوري إيجابي يذكر في التحولات الاقتصادية والتعليمية التي عرفها المغرب بعد 1956.
إذن المغرب بقي تحت هيمنة اللغة الفرنسية لأن مؤسسات الدولة المغربية الحالية موروثة بقشورها ولبها ونواتها عن الاحتلال الفرنسي بالدرجة الأولى والاحتلال الإسباني بالدرجة الثانية، ولأن العاصمة الرباط تقع في المنطقة التي احتلتها فرنسا وأثرت فيها اقتصاديا وإداريا ولغويا.
لو كانت العاصمة المغربية تقع في المنطقة التي احتلتها إسبانيا لكان المغرب اليوم في الغالب الأرجح يعتمد الإسبانية كلغة رسمية على أرض الواقع تهيمن على المغرب كهيمنة الفرنسية حاليا بالضبط. ولو كانت العاصمة المغربية مدينة ناطقة في أغلبيتها بالأمازيغية مثل أكادير Agadir أو تارودانت Tarudant أو خنيفرة Xnifṛa أو الناظور Ennaḍor أو الحسيمة Elḥusima لكانت وضعية الأمازيغية على الأرجح شبيهة بوضعية الدارجة أو العربية اليوم ولكانت العربية والدارجة ربما لغتين هامشيتين تشتكيان من تهميش الدولة لهما وقلة تدريسهما مثلا. فالعاصمة هي التي تحدد عادة اللغة المهيمنة واللغة المهمشة، باستثناء الدول الديمقراطية التي تسمو عادة فوق قانون الغاب وتطبق المساواة بين اللغات محليا ومركزيا.
ولو لم يتعرض المغرب إلى أي احتلال أجنبي حديث لتطورت حالته اللغوية بشكل طبيعي إلى شيء شبيه بالحالة اللغوية في إيران أو تركيا مثلا، وهما بلدان لهما ثقافة دينية واجتماعية شبيهة بالمغرب ولا يتميزان عن المغرب إلا بعدم تعرضهما للاحتلال الأجنبي في العصر الحديث.
2) غياب استعمال اللغة الشعبية أدى إلى البكم الثقافي والحضاري المغربي منذ 1956:
من المهم الانتباه إلى أنه لم تحدث أية ثورة ثقافية حقيقية في المغرب الحديث بعد 1956 كالتي حدثت في كثير من بلدان العالم الثالث مثل تركيا وإندونيسيا وفيتنام والهند. بقي المغرب تقريبا شبه جامد بسبب انتفاء اللغة المجتمعية الشعبية المكتوبة المقروءة المؤهلة لرج المجتمع وتغييره بالأفكار الجديدة. بعد الاستقلال وصدمة الحداثة كان من المفروض أن تحدث ثورة ثقافية ومعرفية وديمقراطية في المغرب باللغتين الأمازيغية والدارجة لغتي الشعب. ولكن ذلك لم يحدث. مازال المغرب لحد الآن بلدا غير طبيعي لغويا وغير منسجم مع لغتيه الشعبيتين الأمازيغية والدارجة، ولا يستطيع أن يعبر عن ذاته بلغته الذاتية.
فالعربية لغة طقوسية في المجال الديني ولغة تنحصر في المجال الأدبياتي المكتوب لا يتكلمها أحد في المغرب. وليست العربية مؤهلة لإحداث أي تغيير حقيقي في المجتمع المغربي بسبب سيطرة رجال الدين عليها وطابعها الأدبي الإنشائي الغالب عليها والبعيد عن الاستعمال اليومي الحي. والفرنسية لغة نخبوية لا يتكلمها أحد من الشعب المغربي وبالتالي فهي أيضا عاجزة عن إحداث أي تغيير أو تطوير حقيقي في المجتمع المغربي، ولا تستفيد منها إلا نخب النخب التي تعيش في فقاعة معزولة عن الشعب المغربي.
أما اللغتان الأمازيغية والدارجة فهما اللتان كان من المفروض أن تلعبا الدور الحاسم في تطوير المغرب ثقافيا وحضاريا ومجتمعيا وحتى سياسيا. ولكن كيف يمكن للغةٍ أن تلعب أي دور مجتمعي متقدم وهي ممنوعة من التدريس والإدارة والإعلام (الأمازيغية) أو هي لغة شفوية لا يفكر أحد في كتابتها (الدارجة)!
3) حالة البكم اللغوي والثقافي والحضاري الأمازيغي المغربي:
بقي المغرب منذ 1956 متلقيا سلبيا أبكم لا ينتج شيئا ثقافيا أو حضاريا ذا بال. كل ما يفعله هو استهلاك المنتوج الثقافي الفرنسي الحداثي القادم من فرنسا والمنتوج الثقافي العربي الديني أو القومي العربي القادم من الشرق الأدنى. ولا يُسمح للشعب المغربي الأبكم لغويا وثقافيا بالكلام والكتابة في الأمور السياسية والفكرية والثقافية إلا حينما يتمتم الجمل والتعبيرات المقولبة بالفرنسية والعربية، فيخرج ذلك ركيكا رديئا لا هو شبيه بفرنسية الفرنسيين ولا بعربية العرب الحقيقيين ولا هو يعبر عن الشعب وحالته وطبيعته.
فالشعب الأبكم الممنوع من ممارسة لغته لن ينتج بها شيئا راقيا أو نافعا، ولن يستطيع مجاراة الآخرين (الفرنسيين والعرب) في لغاتهم لأنهم أعرف بلغاتهم وأرسخ فيها. لن يطور الشعب ثقافته وحضارته حينما يكمَّم فمُه ويُمنع من التعبير عن ذاته بلغته الأمازيغية والدارجة كتابيا وشفويا في الفنون والسياسة والفكر. وحتى لو نجح في بناء أو إنتاج شيء ما بلغات الآخرين وثقافتهم فهو سيكون نسخة ثانوية مما لديهم أو إنجازا محسوبا عليهم يدخل في قائمة "المنجزات العربية" أو "المنجزات الفرنكوفونية". لن يقوم الآخرون بتطوير المغرب بالنيابة عن المغاربة. لن يعتني بالأمازيغية والدارجة إلا المغاربة. ولن ينتج الحضارة الناطقة بالأمازيغية والدارجة إلا المغاربة.
وإن حالة البكم المغربي والعقم المغربي ستستمر مادام لا يتعلم الشعب قراءة وكتابة لغته الأم في المدرسة، ومادام لا يستخدم لغته الأم في السياسة والاقتصاد والعمل المدني والثقافي والفني.
والسبب في رداءة أي إنتاج مغربي بالأمازيغية والدارجة هو أن عدم تدريس هاتين اللغتين في التعليم أدى إلى ابتعاد الناس عنهما وابتعاد المال عنهما وقلة بذل المجهود فيهما وقلة الإبداع بهما فسقطتا في الرداءة والتخلف وأصبحتا مرتبطتين به، فيظن الناس أن الأمازيغية رديئة منحطة بطبيعتها وأن الدارجة رديئة منحطة بطبيعتها، بينما المشكل هو حرمانهما من التعليم والاستعمال المكتوب والوظيفي.
وفي المقابل نرى أن المغاربة "ما طفروهش حتى معا العربية وفرونصي". فحتى العربية والفرنسية اللتان استفادتا من الترسيم الإداري منذ 1912 والتدريس من الابتدائي إلى الجامعي والرعاية في الإعلام لم تساعدا المغرب على الصعود إلى أية مرتبة من مراتب التقدم والإبداع والرقي الحضاري والتنمية البشرية، باستثناء استنساخ بعض الأنماط الاقتصادية والأكاديمية من فرنسا.
4) هل يحتاج المغاربة حقا إلى إشهار Danone والقهوة والشاي وPampers بالفرنسية؟!
الفرنسية لا تُتعلم في المغرب كأداة للاستفادة من العلوم الغربية والمشاركة في التجارة العالمية وإنما تُتعلم أساسا لكي يتم بها تشغيل المؤسسات الموروثة عن فرنسا وتحديثها بما تيسر من المستجدات التي يستوردها المغرب من فرنسا. فالمغرب يستنسخ باستمرار من فرنسا كل شيء بدءا بالنظام الإداري والتعليمي والمقررات الدراسية والجامعية إلى طريقة الإنتاج الإعلامي وحتى التقليعات التشريعية والقانونية. فكثير من القوانين والإجراءات يتم تشريعها في المغرب "لأن فرنسا قامت مؤخرا ب....".
وإن المرء يتساءل حينما يجد برامج حوارية بالفرنسية على التلفزات المغربية يتحاور فيها المغاربة بالفرنسية، وإشهارات تجارية وتحسيسية بالفرنسية، ورسوما متحركة بالفرنسية للأطفال، وبرامج وثائقية بالفرنسية...إلخ:
- لمن هي موجهة تلك البرامج الفرنسية؟
- هل يحتاج المغاربة إلى نشرات أخبار يومية بالفرنسية؟
- لماذا الرسوم المتحركة بالفرنسية؟ هل الأطفال المغاربة يعيشون في Paris أم Tawrirt؟
- هل يحتاج المغاربة حقا إلى إشهار Danone بالفرنسية وPampers بالفرنسية والقهوة والشاي بالفرنسية وإشهار الشقق السكنية بالفرنسية وبطائق التعبئة التلفونية بالفرنسية وحملات إشهارات التوعية ضد حوادث السير بالفرنسية؟
في إحدى الوصلات الإشهارية التوعوية بالفرنسية حول حوادث السير على إحدى القنوات المغربية تم تصوير مواطنين مغاربة يرددون عبارة Je suis piéton ويحملون أمام الكاميرا لوحات كتبت عليها تلك الجملة الفرنسية. ما معنى هذا؟ ما المنفعة التربوية والتوعوية للشعب المغربي من هذا؟ من هو الجمهور المستهدف حقا بهذه الحملة التحسيسية لحماية الراجلين؟ هل هو جمهور سائقي الطاكسيات الحمراء والزرقاء والبيضاء؟ أم هو جمهور سائقي كاميونات الخضر والفواكه والبوطاغاز؟ أم هو جمهور أصحاب عربات الكارو؟
هل يتحدث المغاربة بالفرنسية في حياتهم اليومية؟! لا.
لا أحد في المغرب يتحدث الفرنسية في الحياة اليومية بالمعنى الحقيقي للحديث. المحاضرات الجامعية بالفرنسية في المغرب لا تجعل من الفرنسية "لغة شعبية مغربية" لأنه توجد في المغرب أيضا محاضرات جامعية بالعربية والإنجليزية والإسبانية ولغات أخرى. وخطب المساجد بالعربية الفصحى غير مفهومة لدى الجزء الأكبر من المغاربة لأن العربية ليست بلغة شعبية في المغرب، وإنما هي لغة يحتاج المرء إلى تعلمها في المدرسة كأية لغة أجنبية. أما اللغة الشعبية فلا تحتاج إلى التعليم المدرسي لكي يتواصل بها المواطنون شفويا وإنما تحتاج إلى التعليم المدرسي لكي يعرف المواطنون كيف يكتبونها ويقرأونها.
أما إقحام بضع كلمات أو عبارات فرنسية في الكلام المغربي اليومي من حين لآخر فهو ليس "كلاما باللغة الفرنسية" وإنما هو نوع خفيف من code-switching (الخلط بين اللغات) الذي هو منتشر عادة في أحياء المهاجرين بالمدن الأوروبية مثلا، حيث يقحمون عادة عبارات أو جمل من الأمازيغية/الدارجة في كلامهم بلغة بلد الهجرة أو الإقامة (الفرنسية/الألمانية/الهولندية...إلخ). أما في المغرب فاللغة الشعبية هي الأمازيغية والدارجة.
من المؤكد أن بث البرامج على التلفزة المغربية إلى الشعب بالفرنسية لا معنى له إطلاقا بسبب انعدام جمهور مغربي ناطق بالفرنسية وانعدام الطلب الشعبي على البرامج المغربية بالفرنسية. (النخب الفرنكوفونية المثقفة تشاهد قنوات فرنسا وليس قنوات المغرب). ولا يمكن أن نضع البث المغربي بالفرنسية إلا في خانة "دروس التقوية" (المراجعة) في مادة اللغة الفرنسية للتلاميذ والطلبة.
في البلدان العادية تكون التلفزة والإعلام باللغة الشعبية، سواء تعلق الأمر بنشرة الأخبار أو بالبرامج الحوارية والترفيهية والوثائقية. وحتى الأفلام الأجنبية تتم دبلجتها إلى اللغة الشعبية أو على الأقل ترجمتها كتابيا على الشاشة إلى لغة الشعب.
يجب أن تكون البرامج التثقيفية والترفيهية الموجهة للأطفال باللغتين الوطنيتين الشعبيتين الأمازيغية والدارجة (وليس بالفرنسية لغة أطفال Paris)، لكي يتربى في المغرب جيل جديد من الأطفال والشباب الأسوياء الأصحاء لغويا وثقافيا، بدل جيل هجين خليط من مشوهي اللسان ومتلعثمي الكلام ومشتتي الفكر ومستلبي الهوية العاجزين عن التعبير والإبداع خارج نطاق الإنشائيات والمحفوظات العربية والفرنسية.
5) لماذا يتجاهل المدافعون عن الأمازيغية هيمنة اللغة الفرنسية على المغرب؟
هناك نظرية مضحكة تسيطر بشكل عجيب على عقول كثير من التعريبيين والإسلاميين وعلى عقول بعض المغاربة العاديين المتوجسين من الأمازيغية لسبب أو لآخر. ومفاد تلك النظرية العجيبة هو: "النشطاء والمثقفون المدافعون عن الأمازيغية يعشقون الفرنسية ويتآمرون على العربية، ولا يدافعون عن الأمازيغية إلا حبا في الفرنسية، ومخططهم الجهنمي هو إبادة العربية من المغرب ونصرة الفرنسية، وليست الأمازيغية سوى أداة يستخدمونها لخدمة الفرنسية!".
طبعا هذه خزعبلات مضحكة تصلح للتنكيت مع "شي كويّس د اتاي". ولكن هذه الخزعبلات تتقوى وتترسخ في أذهان هؤلاء التعريبيين والإسلاميين وحتى في أذهان بعض المواطنين العاديين بسبب بعض مواقف (أو انعدام مواقف) المدافعين عن الأمازيغية إزاء الفرنسية ومنها مثلا:
- عدم مناقشة معظم المدافعين عن الأمازيغية لفكرة هيمنة الفرنسية في المغرب، أو عدم اكتراثهم للموضوع بأكمله.
- عدم استخدام معظم المدافعين عن الأمازيغية لمصطلحات "هيمنة اللغة الفرنسية بالمغرب" و"الهيمنة الفرنكوفونية" و"الفرنسة" مقابل استخدامهم الكثيف لمصطلحات "الهيمنة اللغوية العربية" و"التعريب".
- تركيز معظم المدافعين عن الأمازيغية على "سياسة التعريب" التي نهجتها الدولة منذ 1912 وعدم تركيزهم بل عدم ذكرهم ل"سياسة الفرنسة" التي نهجتها الدولة منذ 1912 واستمرت بعد 1956، رغم أن الحقيقة هي أن الدولة نهجت "سياسة التعريب والفرنسة معا" منذ 1912 واستمرت بعد 1956 وهي سياسة جارية على قدم وساق إلى حد هذه اللحظة.
- عدم دعوة معظم المدافعين عن الأمازيغية إلى التخلص من الفرنسية وتعويضها بالإنجليزية، وانسحابهم الكامل من النقاش الوطني حول الفرنسية والإنجليزية، مما يعطي انطباعا كاذبا عن أن المدافعين عن الأمازيغية يدافعون عن بقاء الفرنسية.
- مطالبة الكثير من المدافعين عن الأمازيغية بانسحاب المغرب من "جامعة الدول العربية" مقابل عدم مطالبتهم بانسحاب المغرب من "المنظمة الدولية للفرنكوفونية". فالجزائر مثلا ليست عضوا في "المنظمة الدولية للفرنكوفونية".
- البرود العام لدى المدافعين عن الأمازيغية تجاه كل مظاهر الهيمنة اللغوية الفرنسية في المغرب مقابل غليانهم تجاه كل مظاهر الهيمنة اللغوية العربية في المغرب. وذلك في مقابل غليان التعريبيين والإسلاميين تجاه كل مظاهر الهيمنة اللغوية الفرنسية في المغرب مقابل برودهم وموقفهم الشامت تجاه حالة الأمازيغية المزرية في المغرب، وترويجهم للتعريب الشامل كحل نهائي ل"المشكلتين الفرنسية والأمازيغية".
- عدم ربط المدافعين عن الأمازيغية بين النضال من أجل اللغة الأمازيغية والنضال ضد هيمنة اللغة الفرنسية (ونفوذ الإسبانية) بالمغرب.
- انعدام خطة متكاملة لدى المدافعين عن الأمازيغية حول السياسة اللغوية والتعليمية المغربية تتضمن مكانة الأمازيغية والدارجة والعربية في المدرسة، بجانب مكانة الإنجليزية في المدرسة المغربية كلغة علمية بديلة عن الفرنسية.
6) تفسير برود ولامبالاة المدافعين عن الأمازيغية تجاه هيمنة الفرنسية بالمغرب:
يمكن تفسير برود المدافعين عن الأمازيغية ولامبالاتهم بهيمنة الفرنسية ببضعة أسباب موضوعية:
- الفرنكوفونيون المغاربة (على قلتهم) لا يحاربون الأمازيغية ولا يشنون أية حملات سياسية أو إعلامية ضد الأمازيغية، وبالتالي فالمدافعون عن الأمازيغية قد يرون مثلا أنه لا داعي لمعاكسة الفرنكوفونيين وفرنسيتهم. فالحرب على الأمازيغية تأتي دائما من جهة الإسلاميين والعروبيين والأئمة ورجال الدين.
- الفرنسية لغة نخبوية في المغرب تسيطر فقط على الدوائر العليا الإدارية والاقتصادية والأكاديمية المغربية بينما مجال الأمازيغية هو شعبي في الدوائر السفلى من المجتمع، وبالتالي فلا يوجد لحد الآن أي تصادم ولا تداخل ولا تنافس مباشر بين الأمازيغية والفرنسية. أما العربية فلها وجود في المجال الشعبي والدوائر السفلى (في المسجد والإعلام الشعبي المكتوب والتلفزي والسياسة والإدارة السفلى) مما يجعل التصادم والتنافس بين اللغتين وأنصارهما على المستوى الشعبي شيئا حتميا خصوصا حينما تصطف الدولة بإداراتها ومساجدها في صف التعريبيين والإسلاميين ضد الأمازيغية، وترفض تطبيق المساواة بين الأمازيغية والعربية (والفرنسية التي هي لغة رسمية فعليا de facto).
- الفرنسية غير مذكورة في الدستور مما يجعل مقارعتها دستوريا وقانونيا وسياسيا أشبه بمقارعة الأشباح.
- الفرنسية قوية جدا بفضل رعاية الدولة المغربية لها، والفرنسية عالية جدا (تسيطر على الدوائر العليا) مما يجعل محاربتها أشبه بمحاربة طواحين الهواء العملاقة.
- الفرنسية تعتبر لغة العلمانية والحداثة والحرية وحقوق الإنسان كأية لغة أوروبية غربية أخرى، ومحاربتها قد يعني إضعاف تيار العلمانية والحداثة والحرية وحقوق الإنسان بالمغرب وتقوية تيارات الإسلاميين والظلاميين والتقليدانيين وبَدْوَنة المجتمع (تحويل المجتمع إلى مجتمع بدوي). وبالتالي قد يرى المدافعون عن الأمازيغية أنه لا داعي لإنفاق طاقتهم وجهدهم في استبدال اللغة الأوروبية X باللغة الأوروبية Y، خصوصا مع التكلفة المالية المحتملة التي سيكلفها الانتقال من الفرنسية إلى الإنجليزية.
- كالغالبية الساحقة من المغاربة، معظم الناشطين والمدافعين عن الأمازيغية لا يعرفون الإنجليزية ولا يقرأونها ولا يكتبونها ولا يتابعون الإعلام البريطاني ولا الأمريكي، وبالتالي لا يستطيعون المطالبة بشيء لا يعرفونه جيدا. ولا يستطيع أغلبهم الدفاع مثلا عن الأمازيغية بسلاح الكتابة بالإنجليزية مثلما يدافعون عن الأمازيغية بسلاح الكتابة بالعربية والفرنسية. وبالتالي فالإنجليزية شيء "لامفكر فيه" أو "ترف فكري" لدى غالبية المدافعين عن الأمازيغية الغارقين في العربية والدارجة والفرنسية وهموم الأمازيغية.
- قد يرى بعض المدافعين عن الأمازيغية أن استفادة المغرب من الإنجليزية غير واضحة أو غير مؤكدة النتائج وأن الفرنسية هي أيضا لغة أوروبية متقدمة كالإنجليزية والألمانية والإسبانية والإيطالية، وأن مشاكل التعليم المغربي عميقة جدا ولا تتعلق فقط باللغة.
- قد يرى بعض المدافعين عن الأمازيغية أن الفرنسية باقية بإرادة الدولة "ولو طارت معزة"، خصوصا مع ترسخ الجهاز البيروقراطي المغربي بالفرنسية واستمرار اشتغال المؤسسات الاقتصادية المغربية بالفرنسية، وانغراس الفرنسية العميق في التعليم الجامعي العلمي والاقتصادي المغربي وفي كل المؤسسات الحيوية التابعة للدولة المغربية من المؤسسات الاقتصادية والأمنية إلى قطاعات الصحة والصناعة والخدمات.
7) خطأ المدافعين عن الأمازيغية في برودهم تجاه هيمنة الفرنسية:
- افتقار المدافعين عن الأمازيغية إلى خطة متكاملة لإصلاح السياسة اللغوية التعليمية تتضمن الأمازيغية والإنجليزية والعربية والدارجة هو شيء يجعل مطالبهم بإنصاف الأمازيغية بدائية وأحادية القضية لا تؤخذ بجدية.
- عدم الدعوة إلى إزالة الفرنسية (تدريجيا) يؤدي إلى تخلف المدافعين عن الأمازيغية عن ركب المثقفين المغاربة والأطر المغاربة وعامة المغاربة المتعلمين الذين يساندون بغالبية ساحقة إزالة الفرنسية من المغرب وتعويضها بالإنجليزية في أقرب وقت ممكن.
- هيمنة اللغة الفرنسية على المغرب تلحق الضرر بالأمازيغية بشكل غير مباشر لأن العقلية المركزية المحافظة التي تحرس هيمنة الفرنسية هي بالضبط نفس العقلية المركزية المحافظة التي تحرس هيمنة العربية وتخلق العراقيل والعوائق في وجه الأمازيغية. الإطاحة بالفرنسية ستحرك الوضع اللغوي والمؤسساتي والسياسي بالمغرب وتنفض الغبار عن النظام التعليمي الصدئ وتسرّع الإصلاح اللغوي والتعليمي، ومن ضمن ذلك الإصلاح تحسين مكانة الأمازيغية.
- برود المدافعين عن الأمازيغية تجاه هيمنة الفرنسية في المغرب يعني السماح لنظرية "المؤامرة الأمازيغية-الفرنكوفونية" بالاستفحال والتفشي في عقول المزيد من المغاربة وتسميمها، وهذا يعطي حطبا إضافيا للإسلاميين والتعريبيين لمحاربة الأمازيغية، وهذا بدوره يصعب ويعقد مسيرة الأمازيغية. وإزالة الفرنسية من المغرب هي إزالة للمشكل من أساسه وجذوره. فالإنجليزية لغة "محايدة مغربيا وأمازيغيا" لا تشوبها شبهة الاستعمار كالفرنسية والإسبانية في أذهان المغاربة وعامة الأمازيغ في كل Tamazɣa.
- الربح الاقتصادي والعلمي الذي سيجنيه المغرب من إزالة الفرنسية وتعويضها بالإنجليزية هو ربح يفوق بعشرات المرات تلك التكلفة الضئيلة التي سيكلفها الانتقال من الفرنسية إلى الإنجليزية. قزمية الفرنسية أمام ضخامة ثقل وحجم الإنجليزية في مجال الاقتصاد العالمي والبحث العلمي العالمي واضحة لا نحتاج إلى تضييع الوقت في شرحها.
- إزالة الفرنسية من المغرب لا تعني الإزالة الفورية لأن هذا مستحيل عمليا. وإنما المقصود هو الإزالة التدريجية عبر تعويض الفرنسية بالإنجليزية تدريجيا من الابتدائي إلى الجامعي أو العكس، وفي تدريس مواد التعليم العلمي والتقني والاقتصادي، لكي يستفيد المغرب علميا واقتصاديا وتقنيا من الولوج إلى العلوم والمعارف والتقنيات الحديثة بالإنجليزية وتطوير اقتصاده خارج المظلة الفرنسية.
- الاتجاه الحالي الذي تتبناه الدولة المغربية هو إدخال سطحي ومحتشم ل"شوية ديال L'anglais" في التعليم مع الاحتفاظ بكامل المكانة المهيمنة للفرنسية في التعليم والإعلام والاستمرار في العناية بها ومعاملتها كلغة رسمية حقيقية للدولة. والأمازيغية هي أكبر خاسر مع هذا الاتجاه لأن دخول الإنجليزية دون خروج الفرنسية سيؤدي إلى تضخم الحيز الذي تحتله الفرنسية والإنجليزية، أي أن إدخال الإنجليزية وتوسيع مجال الفرنسية بالمغرب سيستهلك الأوكسيجين المخصص (نظريا) للأمازيغية في النظام التعليمي، ويقزم الحيز المالي والبيداغوجي (الصغير أصلا) المخصص للأمازيغية في التعليم بكل مستوياته.
8) التخلص من الفرنسية والانتقال إلى الإنجليزية:
يجب أن تكون هناك إزالة تدريجية للفرنسية وإدخال تدريجي للإنجليزية في النظام التعليمي المغربي، مع العناية بالأمازيغية والدارجة والعربية في النظام التعليمي والإعلام.
فالأمازيغية هي لغة المغرب الأصلية ولغة شعبية يتكلمها المواطنون. والدارجة لغة شعبية يتكلمها المواطنون. والعربية لغة مطلوبة من طرف جزء من الشعب لأسباب دينية وعقائدية بالدرجة الأولى تتمثل في كونها لغة الإسلام الذي تعتنقه غالبية من المغاربة. أما الفرنسية فلا هي لغة شعبية يتكلمها المغاربة ولا هي مطلوبة شعبيا (خارج حسابات النظام التعليمي المغربي المعلوم).
والمبرر الوحيد لبقاء الفرنسية قليلا في المرحلة الانتقالية المقترحة هو كون المصالح الحيوية المغربية مضبوطة بالفرنسية ويتطلب نقلها إلى لغتي الشعب، الأمازيغية والدارجة، حيزا زمنيا وتطورا مجتمعيا. أما في المجال الأكاديمي العلمي والاقتصادي فالانتقال حاليا من الفرنسية إلى الإنجليزية هو ضرورة ضاغطة للاستفادة من العلوم والتكنولوجيات الحديثة التي تسيطر عليها الإنجليزية سيطرة كاملة عالميا.
9) لغة الدولة ولغة الشعب:
من الضروري مغربة الإعلام المغربي التلفزي والإلكتروني عبر إعطاء الأولوية للأمازيغية والدارجة لكونهما لغتي الشعب المنطوقتين في الحياة اليومية ولكونهما اللغتين القادرتين على لعب دور أداة التغيير السياسي والاقتصادي والثقافي والاتجاه نحو الدمقرطة الحقيقية.
دمقرطة المغرب مستحيلة باللغة العربية (كما ثبت لنا طيلة القرن العشرين وإلى حد الآن) لأن اللغة العربية تحت السيطرة التامة لرجال الدين (الذين يحملون فكرا استبداديا)، والأهم من ذلك أن العربية (الفصحى) ليست لغة شعبية ولا يتكلمها أحد في الحياة اليومية ولا فعالية لها في توعية الشعب بأي يذكر. ودمقرطة المغرب مستحيلة بالفرنسية لأنها لغة أجنبية عن المغرب لا يتكلمها أحد من أبناء الشعب المغربي. فاللغة الشعبية هي القادرة على تحريك الوعي الشعبي وجعل الشعب متورطا في السياسة متابعا لها ومشاركا فيها. وعزوف الشباب عن السياسة راجع إلى كون السياسيين غير ناطقين بلغة الشعب وكأنهم أجانب عن الشعب.
هل عرفتم الآن سر لجوء الدولة المغربية إلى استعمال الدارجة (ومؤخرا الأمازيغية) حينما تريد نشر الوعي العارم بقضية من القضايا كالمشاركة في الانتخابات أو المشاركة في الإحصاء؟! الدولة تفهم قوة اللغة الشعبية أكثر من غيرها.
دمقرطة المغرب لا تمر إلا عبر استعمال لغة المغرب الشعبية: الأمازيغية والدارجة. ويجب أن نتذكر دائما أن كلمة "الديمقراطية" demokratia الإغريقية تعني حرفيا: "حكم الشعب".
هل يمكن أن يكون هناك "حكم الشعب" بدون "لغة الشعب"؟ مستحيل.
لغة الدولة المغربية = العربية والفرنسية.
لغة الشعب المغربي = الدارجة والأمازيغية.
حينما تتحول لغة الشعب إلى لغة للدولة فحينئذ يمكننا أن نقول أن "الدولة في خدمة الشعب" أما الآن فالآية معكوسة: الشعب في خدمة الدولة. والدولة تجبر الشعب على استعمال "لغة الدولة". لهذا لن يستطيع الشعب يوما أن يحكم نفسه بنفسه وهو أبكم ممنوع من استعمال لغته الذاتية.
* ملاحظة: راجع أيضا مقال الأستاذ محمد بودهان على Hespress حول هذا الموضوع وعنوانه: "المجانية والتعريب أو آلة تدمير التعليم العمومي بالمغرب" (http://www.hespress.com/writers/89913.html).
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.