تقيس إسبانيا بمعيارين حين يتعلق الأمر بملف الهجرة غير النظامية. فمن جهة أعلنت الحكومة الإسبانية أنها أشد معارض للاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا الذي شكك وزير الخارجية الإسباني، خوصي مانويل غارسيا مارغايو، في قانونيته، محذرا من أن عمليات الطرد الجماعي التي ينص عليها تتعارض مع معاهدة جنيف وميثاق الحقوق الأساسية بالاتحاد الأوروبي، ومعاهدة عمل الاتحاد الأوروبي، وميثاق الحماية الدولية للاجئين، ووصفه بأنه "ينتهك عصب أوروبا". ومن جهة ثانية مقابلة، فإن السلطات الإسبانية نفسها طردت يوم الأحد الماضي حوالي 300 مهاجر من دول جنوب الصحراء تمكنوا من تسلق السياج الحدودي بمليلية المحتلة، وبلغوا التراب الخاضع للسيادة الإسبانية، وسلمتهم على الفور إلى السلطات المغربية، وهو ما يعتبر انتهاكا لحقهم في طلب اللجوء الذي تنص عليه المواثيق الدولية. وكانت حكومة الحزب الشعبي قد عدلت، في أبريل 2015، قانون السلامة المدنية وأدرجت بندا ينص على الإعادة الفورية للمهاجرين الذين يُرصدون عند محاولتهم اجتياز السياج الحدودي بمدينتي سبتة ومليلية المحتلّتين، من خلال صيغة قانونية جديدة تسمى قانون "الرّفض على الحدود". القانون ينص على أنّ "المهاجرين الذين يُضبطون على الخط الحدودي لمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، خلال محاولتهم اجتياز السياج الحدودي بغية عبور الحدود بطريقة غير قانونية، سيُمنع دخولهم غير القانوني إلى إسبانيا"، وذلك لإضفاء شرعية مشكوك فيها على عمليات الإعادة الفورية الفردية والجماعية للمهاجرين الذين يدخلون إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين. ويظهر التناقض الواضح في ما تصرح به حكومة الحزب الشعبي في مقر المفوضية الأوروبية وادعائها قلقها على أوضاع المهاجرين واللاجئين، ومعارضتها المبدئية للاتفاق الأوروبي التركي بدعوى أنه يتعارض مع المعاهدات والمواثيق الدولية التي تنص على حماية اللاجئين، وبين ما تطبقه على أرض الواقع في المعابر الحدودية بمدينتي سبتة ومليلية السليبتين. وفي الواقع، لم تعارض الحكومة الإسبانية الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لأنه ينتهك حقوق اللاجئين، بل لأنها تخشى أن يشكل ذلك دعوة لهم إلى تغيير وجهتهم نحو المغرب قصد العبور إلى اسبانيا، ذلك أن الاتفاق نفسه الذي يضفي شرعية على "الإعادة الجماعية للمهاجرين واللاجئين" استوحاه الاتحاد الأوروبي من إسبانيا نفسها التي كانت سباقة إلى العمل به وشرعنته عبر تعديل قانون السلامة المدنية وإدراج بند "الرفض على الحدود" في فاتح أبريل 2015.