إسبانيا على عتبةِ عهدٍ سياسيّ جديد.. تعرف إسبانيا هذه الأيام سباقاً محموماً ومستميتاً لم يسبق له نظير نحو مقرّ قصر رئاسة الحكومة الإسبانية Palacio de la Moncloa بمدريد بين رؤساء الأحزاب السياسية الرئيسيّة فى الجارة الإيبيريّة.. إنّهم يركضون ، يُسرعون ، يُهرولون ، يتوجّسون ،يتباروْن عن كثب، وبلا هوادة فيما بينهم ، دون أن يُلوُوا على شئ من أجل الظفر بكرسي هذا القصر العتيد،ولقد حدّدت نقطة نهاية الوصول إلى الهدف المنشود،وبلوغ المَسعىَ المقصود فى العشرين من الشّهر الجاري ديسمبر2015...فى آذان هؤلاء أهمس، وأذكّر، وأقول : نَسْجُ عُرَى صداقةٍ أوثق ... إنّ العناصر الصالحة المشتركة،والمكتسبات الهامّة والمورثات ، الحضارية، والتاريخية، والثقافية، واللغوية الثرية بين المغرب وإسبانيا ، تحفزهما أكثر من أيّ وقتٍ مضى لوضع قاطرة التعاون الثنائي على السكّة الصّحيحة القويمة ، لتقريب المسافات، وإستغلال، وإستخراج كلّ العناصرالإيجابية بينهما، في عصرٍأصبحت فيه التكتّلات الإقتصاديّة، والسياسيّة، والثقافيّة،والبشريّة، والإنسانيّة بين الدّول والشعوب تتبلور بشكل لم يسبق له مثيل، وذلك لزيادة تعزيز وتقوية الأرضية الصّلبة لعلاقاتهما المتينة فى مختلف مرافق الحياة المعاصرة ، الثقافية منها على وجه الخصوص حيث تكمن الأهميّة القصوى للدّور الحيوي والمحوري الذي ينبغي أن يضطلع به هذا القطاع الهام فى هذا القبيل بين الجانبين. فإسبانيا والمغرب بحكم موقعهما الجغرافي الممتاز، والجيوستراتيجي المتميّز، كبلدين جارين متقاربين ، إنطلاقاً من"ماضٍ" حضاريّ تقاسماه ، و"ثقافةٍ" رفيعةٍ نَسَجَا خيوطها سويّاً، و"إشعاعٍ" متألق إنصهرا فى بوتقته، وبحكم "الحاضر" الواعد الذي يعيشانه ، و"المستقبل" المشترك الذي يتطلّعان إليه ، كلّ ذلك ينبغي أن يجعل منهما بلدين واعيين كلّ الوعي بالدّور الهامّ المنوط بهما لتحقيق المزيد من التقارب،والتداني، والتعاون، والتفاهم، والعمل على نَسْج عُرَى صداقة أوثق، وترسيخ أواصر مودّة أعمق.ومدّ الجسورالمتينة بينهما فى مختلف الحقول،وبشكلٍ خاص فى الميادين السياسيّة، والتجاريّة، والاقتصاديّة، والثقافيّة، والعلمّية، والإجتماعيّة، والسياحيّة ،والتاريخية وسواها من أوجه التعاون المختلفة الحيوية ذات الإهتمام المشترك بين الطرفين. الموروث التاريخي والثقافي المشترك أنتم تعرفون....أنّ الصّداقة القائمة بين بلدينا ، والتعاون المثمر الذي يجمعهما يَعكسان مقدارَ الرّغبة التي تحدوهما لزيادة بلورة طموحهما ، وتوسيع وتعميق تعاونهما فى شتىّ المجالات، وفى مخططات التعاون الثنائيّة، والمشاريع الإستثمارية،والإنمائيّة، والصناعية الكبرى المشتركة. كلّ ذلك ينبغي أن يواكبه تبادلٌ ثقافيٌّ خِصب متنوّع ، وتعاون علمي مكثّف يزيدهما تعارفاً، وتقارباً ،وتفاهماً ،وتناغماً، وإشعاعاً، وتألقاً ،ويعمل على زيادة تمتين أواصرالصّداقة والمودّة،وتوفير الإحترام المتبادل بينهما. هذا على الرّغم ممّا يشوب علاقاتيهما بين الفينة والأخرى من أخذٍ وردّ، وطبخٍ ونفخ، وفتقٍ ورتق...! ممثّلة فى أمور وقضايا ثنائية، ومطالب تاريخية مشروعة ما زالت عالقة تنتظر الحلول الناجعة لها على المدى القريب والمتوسّط وغير البعيد...وهي أمور لا تخفى عليكم، ولا على أحد، ويعرفها القاصي والدّاني على حدٍّ سواء!! ولا غرو فالموروث التاريخي، والثقافي، والحضاري المشترك الزّاخر بين البلدين الجارين يشكّل ولا ريب أرضية صلبة، وحقلًا خصباً ممّا جعلهما ينفردان بخصوصّيات،ومميّزات قلّما نجدها لدى سواهما من البلدان الأخرى ،الشئ الذي أفضي الى خلق نوعٍ من الإستمرارية والتواصل الدائمين في علاقات الطرفين منذ عدّة قرون إذ يرجع التبادل الدبلوماسي بينهما إلى القرن السّابع عشر حيث كان للمغرب قصب السّبق فى ذلك ، فكانت البعثات،والسّفارات، والرّحلات الدبلوماسيّة المغربية هي البعثات الأولى التي زارت إسبانيا بدءاً أو إنطلاقا من بعثة إبن عبد الوهّاب الغسّاني سفير السّلطان المولى إسماعيل خلال حكم العاهل الاسباني كارلوس الثاني (1691-1690)، ومروراً بالسّفراء الزيّاني(1758) وأحمد المهدي الغزال (1766) وإبن عثمان المكناسي(1779) والكردودي (1885) إلخ،كلّ هذه الإتصالات المبكّرة شكّلت فى العمق" دبلوماسية سياسية وثقافية" من الطراز الرّفيع، إذ أولت جميع هذه السفارات،وكذا البعثات التي تلتها لهاذين الجانبين على وجه الخصوص أهميّة قصوى،وعناية فائقة . المثقفون وكبح الأحكام الخاطئة أذكّركم أنّه.....إنطلاقاً من هذا المفهوم،وتماشياً مع هذا السّياق والسّباق ما فتئ المثقفون، فى كلتا الضفّتين يؤكّدون على الدّور المحوري الهامّ الذي تلعبه الثقافة،أو بالأحرى ينبغي أن تضطلع به الثقافة فى توثيق وتعميق العلاقات بين البلدين ، للتصدّي للأفكار الجاهزة، وكبح جماح وعواهن الأحكام المسبّقة ، وتصحيح التصوّرات الخاطئة المنتشرة، والمُستشرية فيما بينهما ، فقد أصبح الإهتمام فيهما يتنامى بالفعل بشكل فعّال ، خصوصاً في أوساط النّخب الثقافية، وكذا عند فئات واسعة من الجمهور، إنّ الاقبال المنتظم والمتزايد لأصدقائنا الإسبان على زيارة المغرب، وإقامة أو توافد وتوارد الكثير من المواطنين المغاربة على إسبانيا من شأنه أن ينسج جسورَ الاهتمام لمعرفة واقع وثقافة وتاريخ البلد الآخر. وينبغي على الطرفين التصدّي فى هذا القبيل للمفاهيم المعوجّة التي لا تقدّم صّورتهما الحقيقية ، والتي تنتشر أساساً لدى الشرائح ذات الثقافة الضيّقة والمحدودة ،وبالتالي فالوسيلة الوحيدة لمحو هذه التصوّرات الخاطئة هي العمل سوياً على واجهات التربية والتعليم، والإعلام، والثقافة،والفنون فى كل من المغرب وإسبانيا. إنه مجال يتطلب، منّا بذل مَجهودٍ مُضنٍ من أجل تعبئة مختلف وسائل الإعلام قصد نقل الصّورة الحقيقية والإيجابية عن كلا الجانبين، وتصقيلها،وتقديمها بالشكل الصّحيح غير المغلوط . والحقّ أنّ المثقفين الإسبان والمغاربة بالفعل لم يدّخروا وسعاً فى بذل الجهود المتواصلة فى العقود الأخيرة، والإضطلاع بدور طلائعي فى تطوير وتفعيل وتلميع وإبراز الصورة الحقيقية بينهما. لغة سيرفانتيس وثقافتها لا تنسُوا أنّه ....ينبغي لنا والحالة هذه، البحث عن كثب عن الوسائل الناجعة، وعن الآليات العاجلة لزيادة إثراء الحوار الثقافي القائم بين الجانبين لإقرار أرضية صلبة للتفاهم بينهما فى مختلف المجالات،السياسية، والإقتصادية، والتجارية تتماشى وتتناغم مع المعطيات التاريخية،والموروثات الثقافية المشتركة بينهما، وإقتناعهما بالتأثير الإيجابي المتبادل بين ضفّتيْ البلدين على إمتداد القرون، ممّا جعل منهما ومن منطقة حوض المتوسّط عبر التاريخ فضاءً ثقافياً خصباً، كان له تأثير بليغ على أوربّا، وشمال إفرقيا، ومختلف البلدان المجاورة ، كما جعلت "الأندلس" فى عزّ أوجها من العالميْن العربي - الأمازيغي والإسباني - الإيبيري عالماً متلاحماً، ومتقارباً، ومتشابهاً، ومشتركاً فى العديد من المظاهر الحضارية، والثقافية،والفكرية، واللغوية، والأدبية، والإبداعية، وفى مختلف الأشكال الفنيّة، والتصاميم المعمارية ، وفنون الهندسية ،ومرافق الحياة الأخرى، هذه التأثيرات،والبصمات المتشابهة طبعت المنطقتين الجغرافيتين إلى حدٍّ أصبحتا تشكلان عالماً قائماً ينفرد بعلائق تاريخية وطيدة، وخصوصيّات ثقافية مميّزة فيما بينهما منذ عهود وعقود خلت. وأنهي إلى وطيد علمكم ... أنّه يلاحظ فى الوقت الرّاهن حضور متزايد للّغة الإسبانية فى المغرب، هذه اللغة الجميلة التي كادت أن تؤول إلى التلاشي، والزّوال، والإندحار فى العقود الماضية أمام الزّحف والزّخم اللغويين الكبيرين للفرنسية والإنجليزية، إلاّ أنّ لغة وثقافة "سيرفانتيس" طفقتا تسترجعان مكانتيْهما السّابقتيْن، حيث بدأ يزداد الإهتمام بتعلّم هذه اللغة العريقة التي تربطها صلة قرابة وثقى مع لغة الضاد واللغة الأمازيغية ، وبدأ التفاعل على أوسع نطاق مع الأنشطة والتظاهرات الثقافية والفنية التي تنظمها "المعاهد الثقافية الإسبانية" الموجودة فى مختلف المدن والحواضر المغربية ،والتي تحمل إسمَ صاحب "دون كيشوت"(سيرفانتيس) ، الشئ الذي يبشّر بتفاؤل كبير لمستقبل الثقافة الاسبانية فى بلادنا التي تعتبر من أقرب البلدان دنوّاً من إسبانيا جغرافياً، وتاريخياً،وثقافيّاً، وإجتماعياً بحكم التعايش الذي تقاسماه خلال الوجود العربي - الأمازيغي فى الأندلس الذي إستمرّ زهاء ثمانية قرون ونيّف، ولا شكّ أنّ التبادل الثقافي بين الطرفين- والحالة هذه- سيزداد زخما،وكثافة،ً ومتانة بين الأجيال الجديدة المقبلة في أفق بلورة فضاء تثاقفي مشترك يتقاسمه الجانبان على مختلف الواجهات. هذه الجهود المتواصلة، والاتصالات المبكّرة والحثيثة بين هاذين الفضائين المتجاورين خلقت نوعاً من الإستمرارية ، زادها العنصرُ الجغرافي بينهما متانةً وتدفّقاً، وقوّةً وتواصلاً ، فضلاً عن الجانب الحضاري والثقافي المميّز الذي يُعتبر عنصراً فريداً في بابه في تاريخ الأمم ،كلّ هذه الخصوصيّات طبعت علاقات الضفتين على إمتداد الحقب والعهود. هذا التقارب والتواصل والحوارالدائم القائم بينهما الذي لم ينقطع ، ولم يفترّ قطّ عبر القرون لهو خير رصيدٍ، وضمان لبناء مستقبل حافل بالآمال، والتطلعات الواعدة. No hay moros en la costa)...! ) ضعُوا نصبَ أعينكم...أنّ الموروثات التاريخية المغلوطة ،ووضع التجافي والتباعد والتنابذ الذي كان يطبع العلاقات المغربية الأسبانية منذ أعقاد خلت ، بين الفينة والأخرى،يرجع في الأساس الي عوامل عدّة لا تخفى على أحد في الضفتين المطلتين الواحدة على الأخرى ،لقد آن الأوان لجيراننا أن يعرفوا ويتيقنوا أنّ زمنَ المقولة الشهيرة والمأثورة " السّاحل خالٍ من المغاربة" كناية على مثل دارج مشهورعندكم كثيراً ما تلوكه ألسنة ذوي طينتكم الإسبان يفيد بعدم وجود الخطرعلى سواحلكم قد ولّىّ، ومضى بدون رجعة، فالعقليات قد تبدّلت ، والأجيال الحاضرة قد إرتقت سلاليم الوعي والإنفتاح والتعايش، وأصبح مبدأ قبول الآخر، وإستيعاب التنوّع الثقافي والهويّاتي ، وتقبّل التعدّد العرقي والإْثنِي أمرا ًواقعاً في مختلف أصقاع وبقاع المعمور. أخبروا جيراننا الإسبان أنّه ينبغي عليهم التحلّي بروح العصر، والنظرالى الأمور بواقعية براجماتية، وتبصّر وحكمة، فزمن الزّهو الإستعماري قد مضى لحاله، وإنصرم بلا رجعة ، ينبغي عليهم قبول النزاعات ومعالجتها بجرأة، وموضوعية، هذه النزاعات التي فُرضتْ على الطرفين قهراً في زمن لم تكن مفاهيم السيادة والحرية والإنعتاق قد تبلورت، والنظرة الشوفينية الضيّقة لم تعد تجرّ على الجانبين سوى التعنّت والعناد،وجيراننا الإسبان من بني جلدتكم مشهورون بالعناد، ولهم فيه اليد الطولى، والباع الممدود، وهو ما يطلق عليه سكّان الرّيف فى لغتهم،(الذين يعرفونكم جيّداً، ولهم معكم صَوْلات وجولات.. !) "تاغنّانت" ، فحتّى "هِتلر"شهد لكم بذلك،ولعلّكم تذكرون ولا شكّ أنّه أبى وإمتنع ذات مرّة في أن يلتقي من جديد ب "الجنرال فرانكو"بعد لقائه الأوّل به خلال الحرب العالمية الثانية، حيث قال عنه قولته الشّهيرة في هذا القبيل :"أفضّل أن يُنزَع لي ضِرس بدون بنج على أن ألتقي ثانية بهذا الرّجل.."! الغازات السامّة فى الرّيف ومحنة المُوريسكييّن تاغنّانتْ أو هذا العناد...ربّما هو الذي جعلكم تتماطلون،وتتمنّعون حتى الآن فى تقديم إعتذار علني عن إستعمال أجدادكم للأسلحة الكيمياوية الفتّاكة ظلما ًوعدوانا ًفى حرب الرّيف التحرّرية ، وإلحاق الأضرار الجسيمة بأهلها الآمنين الذين ما زال أحفادهم يعانون من الآثار الوخيمة لهذه السّموم المحظورة إلى يومنا هذا المشهود ،فضلاً عن موضوع إشكالية طردكم، وإبعادكم "للموريسكيّين" الأندلسيّين المسلمين "المُهَجَّرين"قهراً وقسراً عن ديارهم ومواطنهم، والذين إستقرّ معظمُهم فى المغرب، وفى الجزائر وتونس (معروف أنّ العاهل الإسباني السّابق خوان كارلوس الأوّل سبق له أن قدّم إعتذاراًعلنيّاً لليهود ( السيفارديم) الذين أُبْعِدُوا من إسبانيا ،ولم يقم هو ولا خلفُه الحالي العاهل الإسباني فليبي السادس بنفس البادرة التاريخية حتى الآن مع الموريسكيين المسلمين). وقد ترأس مؤخّراً بالقصر الملكي بمدريد، حفلا أقيم ليهود" السفارديم"، الذين طردوا من إسبانيا مع رفقائهم الموريسكيين المسلمين ، وذلك بمناسبة بدء دخول القانون الإسباني الجديد الذي يسمح بمنحهم الجنسية الإسبانية حيز التنفيذ. وقال الملك فيليبي السادس، في كلمته أمام ممثلي الجاليات اليهودية، خلال هذا الحفل: "كتبنا صفحة من التاريخ بهذا القانون، الذي يسمح ليهود السفارديم بالحصول على الجنسية الإسبانية بشكل كامل، إنه شرف عظيم لي الإعلان عن ذلك باعتباري ئيساً للدولة؛ لقد اشتقنا إليكم". وأنتم الذين ستمسكون بزمام الأمور إلى جانب عاهلكم – صديق المغرب الكبير- نناشدكم أن تتحمّلوا مسؤوليتكم التاريخية حيال هذ الحيف، والتظلّم الذين لحقا بهذين الموضوعين الشائكين ، وبهذه المناسبة ندعو أصدقاءنا المثقفين الإسبان للمشاركة والحضور يومي 22 و 23 أبريل من العام المقبل 2016 فى اللقاء الدّولي (عقب الموريسكيّين والسفارديم بين التشريع الإسباني والقانون الدّولي) الذي تزمع تنظيمه بالرباط "مؤسّسة ذاكرة الأندلسييّن" ،حيث تعتبرهذه البادرة خطوة تاريخية رائدة فى هذا القبيل لهؤلاء الموريسكيين الذين لحق بهم التظلم ،والإجحاف الذين تعرّضوا لعمليات طرد جماعي، وإبعاد وإقصاء وتهجير قسري، من وطنهم وأراضيهم بعد أن عاش أجدادهم فيها زهاء ثمانية قرون ونيّف، وما إنفكّ العديد من مثقفيكم ومثقفينا ومثقفي العالم الحرّ يثيرون هذين الموضوعين فى الايام الاخيرة بلا هوادة لعلّ بلدكم الصديق يخطو هذه الخُطوة الجريئة حيالهما!. ناهيكم عن موضوع مدينتيْ سبتة ومليلية والجزر المحاذية لهما السّليبة. التعدّد الثقافي فى البلدين أنتم تعرفون ولا شكّ...أنّ الحديث عن التعدّد الثقافي والتنوّع الحضاري بين المغرب وإسبانيا يحلو و يطول، والتاريخ لا يُقرأ في هنيهة، إنّ الزّائرالإسباني الذي يأتي لبلدنا أو الزائر المغربي الذي يزور إسبانيا يلمسان التاريخ والعمران المتشابه بينهما حيّا نابضا قائما في كل مظهر من مظاهر الحياة فى البلدين، دراسةُ هذا التاريخ، و التعمّق فيه، وإستخراج العناصر الصالحة منه أمر لا مندوحة لنا عنه،وهو أمر ينبغي ان يولى أهميّة قصوى ،وعناية فائقة ،وتتبّعاً متواصلاً من طرفكم ومن طرف المثقفين ،والكتّاب،والمفكرين، والمسؤولين والخواصّ ، ومن لدن مختلف الجهات العلمية والتاريخيىة والمرافق التربوية والتعليمية التي تُعنى بهذه المواضيع للتعريف بهذه الذخائر،فى الجانبين، ونشر الوعي وتأصيله بشأنها لدى أبناء جلدتهما ليكون المستقبل الذي يتوقان إليه مستقبلَ رقيّ ،وإشراقٍ، وتلاقٍ وتلاقحٍ بين ماضٍ عريق، وحاضرٍ واعد ، ولعمري إنّ لفي ذلك تجسيدا وتجسيما للعهود التي عاشها أجدادنا فى شبه الجزيرة الإيبيرية على إمتداد العصور الحافلة بالعطاء الثرّ ، والتعايش والتسامح، والإشعاع الثقافي والعلمي الباهرالذي شكّل وما يزال جسراً حضارياً متواصلًا بين الشرق والغرب،وبين مختلف الأجناس، والإثنيات ،والمِلل، والنِحل. دور المثقّفين ولا يغيب عنكم...أنّه كنموذج للتعاون الإسباني – المغربي فى هذا المجال بشكل عام ما فتئ المثقفون المغاربة،والإسبان فى كلتا الضفتين يؤكّدون على الدّور المحوري الهامّ الذي تلعبه الثقافة على وجه الخصوص فى توثيق وتعميق العلاقات بين الشعبين الإسباني والمغربي، فقد إضطلع المثقفون فى هاذين الشقين من العالم بالفعل فى العقود الأخيرة بدورطلائعي فى تطوير وتفعيل وتقوية العلاقات الثنائية بينهما، ففى عام 1978 تمّ تأسيس "مجموعة المثقفين الإسبان والمغاربة" التي ضمّت صفوةً من الكتّاب، والأدباء، والمفكّرين المغاربة والإسبان التي ضمّت 40 مثقفاً من المغرب ، و46 مثقفاً من إسبانيا الذين طالبوا بضرورة تحريك وتفعيل العلاقات الإسبانية المغربية وبالتالي العربية على مختلف المستويات ، وإعطائها نفساً جديداً ، وإذكاء روح التعاون والتفاهم والحوارالدائم بينهما. وقد أفضت هذه البادرة المبكّرة إلى تنظيم عدّة ندوات، وطاولات مستديرة حول مختلف أوجه التعاون الثقافي، والأدبي، ونشرت بياناً طالب فيه هؤلاء المثقفون بضرورة تفعيل وتحريك الجانب الثقافي بينهم. من الموقّعين المغاربة : المهدي بنونة، محّمّد شقور،محمّد شبعة،لسان الدين داود،عبد الكريم غلاب، محمد بن عيسى،مصطفى اليزناسني،محمّد العربي الخطّابي، محمّد محمّد الخطّابي(كاتب هذه السطور) ،عبد الكبير الخطيبي،عبد الله العروي، محمّد اليازغي ، محمّد المليحي،محمّد العربي المساري،سيمون ليفي، محمّدالصبّاغ،علي يعته..إلخ. ومن الإسبان: خوان غويتيسولو ،فرناندو أرّابل، بيدرو مونطافيث،خورخي سينبرون،فاثكيث مونطالبان، فيكتور موراليس،وآخرون كما طالبوا فى هذا البيان بضرورة إعطاء نفس جديد للعلاقات الثنائية بين المغرب واسبانيا ، وإذكاء روح التعاون والتفاهم والحوار بينهما فى مختلف المجالات. كما أسّست بعد ذلك" لجنة إبن رشد" عام 1997 والتي تضمّ هي الاخرى نخبة من كبار المثقفين والأدباء والمفكرين، والشخصيات السياسية والإعلامية فى الجانبين، والتي سلّطت الاضواء على العديد من المواضيع والقضايا الحيوية التي تحظى باهتمام الطرفين. هذا فضلا عن تأسيس العديد من الجمعيات الإسبانية العربية ذات الصّبغة الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والعلمية والفنية التي أصبح عددها يتنامى يوماً بعد يوم، والتي تعمل هي الأخرى على تقريب الهوّة بين هاذين العالمين، والتعريف بطاقاتهما الخلاقة لتأكيد مزيد من التفاهم والتعايش بينهما فى مختلف الميادين ، وفى مقدّمة هذه الجمعيات النشيطة " جمعية الصّحافيين، المغاربة الناطقين باللغة الإسبانية" التي تضمّ نخبة هامة من المثقفين الذين لهم باع طويل، ودراية واسعة بلغة سيرفانتيس وآدابها وثقافتها. وفى نفس الإتجاه ودعما وترسيخا لهذه الجهود كان قٌد أعلن منذ بضع سنوات كذلك عن تأسيس " مندى الحوار المغربي الإسباني" الذي يؤكّد فى بلاغه: "تعبيرا عن إقتناعه الرّاسخ بأهمية العلاقات بين هذه الاطراف جميعها، وضرورة تطويرها وتنويعها وذلك بإقامة وإرساء قواعد ثابتة ودائمة للحوار والتفاهم والتعايش بين الطرفين.كما تمّ تأسيس "مركز الدّراسات الأندلسية والحوار بين الثقافات"، وتنشيط النادي الاقتصادي للمقاولين من خلال المجلس الاقتصادي المغرب- اسبانيا، وسواها من المبادرات التي كانت تهدف برمّتها إلى هذه الغايات، والأهداف النبيلة التي تخدم المصالح المشتركة . الصّراع ضدّ الجّهل العاهل الإسباني السّابق خوان كارلوس الأوّل... كان قد قال فى إحدى زياراته للمغرب :" انه من الضروري أن نتعارف أكثر فيما بيننا،فما أفدح الجهل المتفشّي فينا، ينبغي أن نمحي من رؤانا المشتركة جميع الصّورالمشوّهة، والأفكار المسبقة الخاطئة، كما ينبغي أن نقصي عنّا جميع الرواسب، وأن نقضي على بعض التأويلات التي تحول دون تعرفنا ونطردها من أذهاننا،أظن أنّ اسبانيا والمغرب ليسا ورثة القليل، ولقد طبعت فكرهما معرفة عامة كجارين عاشا على إمتداد التاريخ واحدا بجانب الآخر،ولقد فرّقهما الجهل أحيانا بشكل يجاوز كل حدّ". الكاتب الإسباني المعروف خوان غويتيسولو ردّد أكثر من مرّة: "انّ المهمّة الملقاة على عاتقنا لهي مهمة واسعة ومتشعبة،إذ ينبغي على اسبانيا ان تعمل على إعادة نشر لغتها وثقافتها في مجموع منطقة شمال افرقيا والعالم العربي ،ففي الوقت الذي تفتح فيه للثقافة واللغة الفرنسية في هذه البلدان مجالات واسعة، فانه ينبغي على اسبانيا ان تسير في نفس التيار، وتعمل على نشركتبها هناك، وإيفاد الأساتذة والمحاضرين، وإقامة جولات مسرحية ، وتنظيم عروض سينمائية، وعلى المغرب وسائر البلدان العربية بالتالي من جانب آخر أن تقوّي حضورها الثقافي باسبانيا ،وتبيان الصورة الحقيقية للثقافة فيها للرّأي العام الاسباني بنشر أعمال كتّابها وفنّانيها وفولكلورها الثريّ ". الهويّة الثقافية وأسمحوا لي أن أذكّركم ...بشذرات من تاريخنا المشترك،إذ يؤكّد الدّارسون أنّ تاريخ هذه الشعوب، وتراثها العريق مستوحيان من ينابيع متعددة أصيلة، وروافد وافدة متداخلة ، وإن إختلفت مصادرها، وينابيعها،وتباينت لغاتها وألسنتها بين عربية إسلامية،وأمازيغية بربربة، وإسبانية إيبيريّة، وما فتئت العديد من النصوص، والوثائق، والمظانّ، وأمّهات الكتب والمخطوطات، والأشعار، والآداب، والفنون، والعلوم التي أبدعها كتّاب، وفلاسفة، وعلماء، وشعراء، ومؤلفون مسلمون أقاموا واستقرّوا، أو ولدوا وترعرعوا، فى هذه الرّبوع القصيّة الجميلة فى الضفّتين، إلى جانب المعالم التاريخية، والمآثر العمرانية، والقلاع الحصينة، والدّور،والقصور، والجوامع والصوامع، والبساتين الفسيحة، والحدائق الغنّاء التي تبهر الناظرين ، فضلا عن العادات والتقاليد الحميدة التي تأصّلت في أعراف هذه الشعوب في مختلف مناحي الحياة، كلّ ذلك ما زال شاهدا إلى اليوم على مدى الأوج الذي أدركه الإشعاع الحضاري الفريد فى هذه الأصقاع. فهذا الغيث الفيّاض الغامر والمتنوّع من الإبداعات الرفيعة في مختلف الميادين لا يمكنه أن يحيا و ينمو و يزدهر من لا شئ، أو داخل حدود ضيّقة أومنغلقة، بل إنّه ظهر وترعرع وإزدهر ووقف مشرئبّا إعتمادا على نبعه الأصيل، وإغترافا من معينه الأثيل، وتاريخه التليد، وتراثه العريق ، وموروثاته الحضارية والإنسانية ذات الّرّوافد الثقافية المتعدّدة المشتركة بين بلدينا. وإنّ لفي ذلك تجسيداً،وتقييماً، وتجسيماً للعهود الزّاهرة التي عاشها أجدادنا جنباً إلى جنب على إمتداد العصور الحافلة بالعطاء الثرّ ، والتعايش والتسامح،والتآخي والتداني، والإشعاع الثقافي والعلمي الباهر الذي شكّل وما يزال يشكّل من بلدينا جسراً حضارياً متواصلاً بين الشرق والغرب، وبين مختلف الأجناس،والأعراق، والإثنيات ،والملل، والنحل، والديانات ،ممّا جعل لهما شخصية خاصّة ،وطابعاً مميزاً ،وهويّة فريدة بين مختلف بلدان العالم . *عضو الأكاديمية الإسبانية - الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا- ( كولومبيا)