تراكم المشاكل التي اعترضت طريق الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة، خاصة في فترة ولاية الحكومة الحالية، دفع مراقبين ومحللين إلى التساؤل عن مدى تأثير وزارة الخارجية، مع إدارتها من شخصية حزبية تغرق في شؤون هيأتها السياسية أكثر من انشغالها بالقضايا الدبلوماسية، الخاصة بملفات مصيرية من حجم نزاع الصحراء. وطفت على السطح في الشهور الأخيرة العديد من الحوادث الدبلوماسية التي أوقعت البلاد في "الحرج"، من ذلك ما حدث بين المغرب ومصر، وركون الخارجية المغربية إلى الصمت في عدد من الإساءات إلى المملكة، وأيضا ما وقع بين الرباط وباريس، ومع نواكشوط، فضلا عن تحقيق البوليساريو لعدد من النقاط في ملف الصحراء، آخرها العلاقة مع السويد. درجة الخطر مرتفعة الوقائع والحوادث الدبلوماسية المتراكمة جعلت رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات عبد الرحيم المنار اسليمي، يتحدث عن وجود مؤشرات عديدة تدل على أن "القيادات الحزبية في المغرب ليست لها القدرات الكافية على إدارة وزارة الشؤون الخارجية". ويشرح اسليمي، في حديث مع هسبريس، أنه "بعد سنتين من عمل وزارة الخارجية في حكومة بنكيران الثانية، بات واضحا أن درجة الخطر مرتفعة، وقد تكون تكلفتها كبيرة، فالوزارة تشتغل بدون أجندة، ولم تستطع بناء إستراتيجية، سواء في مرحلة سعد الدين العثماني، الوزير السباق، أو مرحلة صلاح الدين مزوار". وسجل المحلل ذاته أن "قرارات وأعمال هذه الوزارة تبدو متأثرة بمعايير العمل الحزبي اليومي البسيط، وتصدر أحيانا بدافع الانفعال، وليست أعمالا قائمة على التفاعل الإستراتيجي المتابع والمحلل لتطورات النظام الدولي والإقليمي بفرصه ومخاطره، فضلا عن لغة بعيدة عن القانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية الدولية". وأشار اسليمي، في هذا الصدد، إلى تصريح وزير الخارجية والتعاون، قبل أيام قليلة، بعد لقائه وزيرة الخارجية السويدية، إذ "أطلق مصطلحات حزبية داخلية مثل "تزعزعات" و"تفعفعات"؛ ما يدل على الصعوبات التي تعيشها وزارة الخارجية - الحزبية في التواصل مع العالم حول قضايا المغرب". تدبير الانتخابات والتحالفات ولاحظ الخبير السياسي أنه "ليس من باب الصدفة أن تركز البوليساريو والجزائر خلال السنتين الأخيرتين، ويرفعا من إيقاع اللقاءات خلال الشهرين الأخيرين اللذين يُصادفان انطلاق الأحزاب السياسية المغربية الحاكمة في تدبير الترشيحات، ومنح التزكيات، وبعدها الانتقال إلى إدارة التحالفات لتشكيل المجالس الجماعية والجهوية". وأوضح المتحدث أن "الفراغ كان واضحا في وزارة الخارجية، لأنه من الصعب على الوزير الحزبي أن يدير في الوقت نفسه صراعات حزبية، وملفات وطنية إستراتيجية معروضة أمام المنتظم الأممي، تقود فيها الجزائر حملة صرفت فيها إلى حدود سنة 2013 ما يفوق 300 مليار دولار في إفريقيا وأوربا؛ للتحريض ضد المغرب". وأورد اسليمي أن ما سماه "تراجع الأداء في عمل الخارجية" واضح منذ أربع سنوات، لكن المخاطر ظهرت أكثر خلال السنتين الماضيتين، إذ وصلت إلى درجة تواتر إطلاق وزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة، تصريحات عدوانية على منابر الاتحاد الإفريقي، ونقله التصريحات العدوانية نفسها إلى داخل الأممالمتحدة". ملف الصحراء في خطر وأفاد اسليمي بأن وزارة الخارجية - الحزبية المغربية لا تملك الخبرات البشرية الحزبية لتتبع ملف الصحراء، ولا يوجد ما يشير إلى أنها تنظم جلسات عصف ذهني، أو لقاءات دورية مغلقة لإنتاج أوراق خبرة حول ما يجري في المحيط الإقليمي والدولي، والفرص التي يفتحها في ملف الصحراء". واعتبر المحلل ذاته أن "الخطر هو أن تدار وزارة الخارجية بطريقة حزبية صرفة، إذ لا يوجد ما يؤشر على أن وزارة الخارجية - الحزبية استثمرت الفرص التي أتاحها المحيط الإقليمي والدولي خلال السنتين الأخيرتين لكسب العديد من النقاط المهمة في ملف نزاع الصحراء" وفق تعبيره. ويشرح: "غياب إستراتيجية مبنية على سلسلة متعاقبة من القرارات التفاعلية في عمل وزارة الخارجية- الحزبية ضيّع فرصة استثمار المضامين الواردة في القرار 2218، الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 25 أبريل 2015، والتي تُمَكِن الوزارة من بناء إستراتيجية دبلوماسية هجومية ضد البوليساريو والجزائر". واستطرد اسليمي أن الوزارة ضيعت أيضا فرصة التقارير الأوروبية والأمريكية الرسمية الصادرة غداة الانتخابات الجماعية والجهوية للرابع من شتنبر، والتي تشير إلى النموذج المغربي، والتي كان يجب معها إعداد إستراتيجية لربط هذا النجاح بملف الصحراء والمرافعة به دوليا". وخلص المحلل إلى أن "ملف الصحراء أكبر من سقف تفكير وزارة خارجية حزبية، وبالتالي يجب على رئيس الحكومة أن يُبعد الأحزاب السياسية عن إدارة وزارة الخارجية، وفي حالة استمرار ذلك ستزداد درجة الخطر، وتتحول الخارجية إلى إدارة حزبية صرفة، قد تقوم بواسطتها الأحزاب بتدبير نزاعاتها الداخلية عبر اقتراح مناضليها في مناصب السفراء والقناصلة".